- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما, وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مفتاح الدرس :
حدثنا أبو النضر قال:
((حدثنا الحكيم بن فضيل, عن خالد, عن أبي تميم, عن رجل من قومه, أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وآتاه رجل, فقال: أنت رسول الله؟ أو قال: أنت محمد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: نعم, قال: فإلام تدعو؟ –يعني: ما ملخص دعوتك؟ ما فحوى دعوتك؟- قال عليه الصلاة والسلام: أدعو إلى الله عز وجل وحده, من إذا كان بك ضر فدعوته, كشفه عنك.
-الآن: النبي عليه الصلاة والسلام: سيشرح لهذا الرجل ضعيف الثقافة, يشرح له مفهوم الألوهية بشكل مبسط-.
أدعو إلى الله عز وجل وحده -التوحيد من الله- من إذا كان بك ضر فدعوته, كشفه عنك, ومن إذا أصابك عام سنة فدعوته, أنبت لك, ومن إذا كنت في أرض قفر فأضللت فدعوته, رد عليك))
يعني: أضللت بعيرك.
لماذا خلق الإنسان هلوعاً؟ :
لماذا ربنا سبحانه وتعالى خلق الإنسان هلوعاً؟ هكذا قال:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾
﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً﴾
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾
﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
هذا ضعف خلقي, هذا ضعف في أصل خلقه, ولا ذنب له به, شديد الخوف, فإذا أوتي شيئاً؛ شديد الحرص, شديد الخوف, وشديد الحرص.
والحقيقة: أن هذين الضعفين الخلقيين لصالحه, شديد الخوف, فإذا خاف التجأ إلى الله, وأقبل عليه, واصطلح معه, وتاب إليه, وإذا كان حريصاً على ما بيده فقربه, تقرب إلى الله, الخوف يدفعه, والإنفاق يقربه, لو لم يكن حريصاً على ما بيده, وأنفق المال, لا قيمة للمال عنده, ولا قيمة لهذا الإنفاق أصلاً, لأنه حريص على ما بيده, من مال, أو متاع, أو دار, أو دكان, لحرصه على ما في يده, فإذا أنفق يرقى, ولشدة خوفه, فإذا ما خاف يلتجىء, فهذا الضعفان الخلقيان هما لصالحه, كما لو جعلت في آلة بالغة التعقيد, غالية الثمن, عظيمة النفع, قاطع ضعيف, وصلة ضعيفة, جوز, فإذا جاء التيار عالياً, لئلا تحرق الآلة الغالية, يحرق هذا الفاصل أو الواصل, فتتفادى بحرقه تلف الآلة, فهذا ضعف في خلق الإنسان:
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾
﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً﴾
﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾
ما الحكمة من هذه المصائب التي ابتلي بها الإنسان؟ :
أيها الأخوة, وفوق أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان هلوعاً, هناك آلاف, وأقول: آلاف, بل عشرات الألوف من السيوف المسلطة على رأس الإنسان, كم مرض في الأرض؟ هناك أمراض تصيب العينين, هناك أمراض تصيب الدماغ, هناك أورام خبيثة, هناك أمراض تصيب القلب, تصيب دسامات القلب, تصيب كهرباء القلب, أمراض تصيب المعدة, الأمعاء, التنفس, العضلات, الأمراض لا تعد ولا تحصى, وكلها سيوف مسلطة على الإنسان.
كم من احتمال أن يصاب الإنسان بأولاده, أو بزوجته؟ كم من احتمال أن يقل دخله؟ أن تكسد تجارته؟ أن تضعف ملكاته؟ أن يفقد ذاكرته؟ أن يفقد أضلاعه؟ كل هذه الأخطار, مضافاً إليها هلع الإنسان الشديد, من أجل أن تلتجىء إلى الله, إن التجأت إليه؛ هو يطمئنك, هو يلقي في قلبك السكينة, هو يلقي في قلبك الأمن والاستقرار, هو الذي يلقي في قلبك الثقة بالمستقبل, هو الذي يلقي في قلبك السعادة, فخلقك هلوعاً, وجزوعاً, ومنوعاً, لصالحك, وجعل هذه السيوف فوق رؤوسنا جميعاً, من أجل أن نقبل عليه؛ لذلك قالوا:
((من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة, فمصيبته في نفسه أكبر))
هذا ما أدهشني :
الذي أدهشني: أن النبي عليه الصلاة والسلام, وهو في أعلى مراتب العلم, نزل إلى مستوى هذا الأعرابي, ليبين له مفهوم الألوهية, قال:
((أنت محمد؟ أو أنت رسول الله؟ قال: نعم, قال: فإلام تدعو؟ قال: أدعو إلى الله عز وجل وحده, وأن المساجد لله))
﴿فلا تدعو مع الله أحداً﴾
يجب أن تكون الدعوة في بيت الله إلى الله وحده, ولا يحتمل بيت الله دعوة إلى غيره, وأن المساجد لله:
﴿فلا تدعو مع الله أحداً﴾
قال له:
((أدعو إلى الله عز وجل وحده))
الألوهية مع التوحيد, من هو الله بالتعريف المبسط؟.
وأحياناً: يقول بعض العلماء:
((هذا من السهل الممتنع))
شيء يبدو بسيط, أما لن تستطيع أن تقلده.
معنى هذه المقاطع من هذا الحديث :
قال:
((من إذا كان بك ضر فدعوته, كشف عنك -هذا الضر؛ مرض, في خوف, في شبح مصيبة, في عدو متآمر, وفي انقباض-, ومن إذا أصابك عام سنة فدعوته, أنبت لك.
-هو الذي ينبت الزرع والزيتون, هو الذي يكشف الضر-, ومن إذا كنت في أرض قفر فأضلك بعيرك فدعوته, ردها لك))
هذا هو الله:
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾
فإنسان لا يوجد عنده مشكلات.
صدقوني أيها الأخوة, ما هذه المشكلات إلا أن ترقى بها إلى رب السموات والأرض, ما أصابنا من مصيبة, فلكي ننطلق منها إلى الله عز وجل, كي نندفع بها إليه.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل :
قال له:
((من كان بك ضر فدعوته, كشفه عنك, ومن إذا أصابك عام سنة فدعوته, أنبت لك, ومن إذا كنت في أرض قفر فأضللت, فدعوته, رد عليك, قال: فأسلم الرجل, ثم قال: أوصني يا رسول الله.
-ما معنى: أوصني؟ الوصية شيء مقدس, الموصي دائماً في القمة من العلم, والخلق, والحب, عليم ويحبك-.
قال: أوصني يا رسول الله, قال: لا تسبن شيئاً))
الآن: أكثر الناس يلعن الساعة التي عرف فيها زوجته, يلعن الساعة التي رأى الزبون, دائماً يلعن.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((أنا لم أبعث لعاناً))
دائماً يلعن, النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((أنا لم أبعث لعاناً))
قال:
((مالك يا بنيتي؟ قالت: حمى لعنها الله -السيدة فاطمة- قال: لا تلعنيها, فو الذي نفس محمد بيده, لا تدع المؤمن وعليه من ذنب))
هذا ما أؤكده العلماء :
العلماء يؤكدون: أن كل المصائب التي تصيب المؤمن مكفرة له لذنوبه.
يعني: إذا وصلنا إلى شفير القبر كما ولدتنا أمهاتنا, فنحن من أسعد السعداء.
قال عليه الصلاة والسلام في وصيته الثمينة:
((لا تسبنَّ شيئاً))
ليس في الكون شر مطلق, في شر موظف للخير المطلق, الله عز وجل لا يمكن أن يكون موجوداً, وفي الكون شر مطلق, في شر مبطن, شر نسبي.
انظر إلى وفاء هذا الرجل للنبي عليه الصلاة والسلام :
النبي قال:
((لا تسبنَّ شيئاً, أو قال: أحداً, قال: فما سببت بعيراً ولا شاة منذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم))
انتهى, يعني ........
أحياناً: الإنسان فقد مركبته, فقد سيارته, فقد بعيره, فقد غنمته.
قال:
((ما سببت بعيراً ولا شاة منذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم))
من تتمة وصية النبي عليه الصلاة والسلام لذلك الرجل :
قال له:
((ولا تزهد في معروف, إنما خلقت من أجل المعروف.
-لذلك: الإنسان حينما يأتيه ملك الموت, يندم على ماذا؟:
﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾
له تجارة معطلة, قد يكون تاجر بناء ما أنهى البناء, قد يكون مستورد ما أنهى الصفقة, يقول:
﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾
﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً﴾
قال له-: ولا تزهد في معروف.
-أن تلقى أخاك بوجه طلق, أن ترحب به, أن تبتسم في وجهه, هذا معروف, هذا يؤنس.
أحياناً: الإنسان يضن على من حوله بابتسامة, يضن على من حوله بكلمة, يضن على من حوله بسلام, يضن على من حوله بسؤال, وهذا من أشد أنواع البخل, كلمة لا تكلف شيئاً.
يعني: أحياناً: الإنسان يكون حوله أشخاص دونه, لو سألهم عن صحتهم, عن أولادهم, عن أحوالهم, كيف أحوالكم؟ لملأ قلبهم رضى-.
لا تزهد في معروف.
-ولو منبسط وجهك إلى أخيك, وأنت تكلمه-.
وأفزع من دلوك.
-في إناء المؤاثرة, حياة المؤمن مبنية على المؤاثرة-.
واتزر إلى نصف الساق, فإن أبيت فإلى الكعبين, وإياك وإسبال الإزار, فإنها من المخيلة))
والله تبارك وتعالى لا يحب المخيلة.
هذا هو الله جل جلاله :
أيها الأخوة, من هو الله؛ الذي إذا دعوته أجابك؟ إذا سألته أعطاك؟ إن استغفرته غفر لك؟ إن تبت إليه تاب عليك؟.
((لله أفرح بتوبة عبده من الضال الواجد, والعقيم الوالد, والظمآن الوارد))
((إذا رجع العبد إلى الله ناد مناد في السموات والأرض: أن هنئوا فلاناً, فقد اصطلح مع الله))
والحقيقة: التهنئة, الحقيقة: يوم تصطلح مع الله, وتستقيم على أمره, ومن وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل :
عن معاذ رضي الله عنه قال:
((أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات, قال: لا تشرك بالله شيئاً.
-لأن الشرك ظلم عظيم, ولأن الله:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ﴾
وﺇن قتلت, وحُرّقت, ولا تعقنَّ والديك, ولا تعقن والديك, -لأنه:
((ليعمل العاق, ما شاء أن يعمل, فلن يُغفر له))
اللذان كانا سبب وجودك, لا يمكن أن يقبلك الله وأنت عاق لهما, لذلك قال تعالى:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾
رفع الإحسان إلى الوالدين, إلى مستوى عبادة الله, لأن العطف يقتضي المشاركة-.
وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك, ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمداً.
-لأن هذه الصلاة من تركها فقد كفر.
((لا خير في دين لا صلاة فيه))
((الصلاة عماد الدين, من أقامها فقد أقام الدين, ومن هدمها فقد هدم الدين))
الصلاة عبادة أساسها الاتصال بالله, من ثمارها نور يقذفه الله في قلبك, لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((الصلاة نور, والصلاة طهور, والصلاة حبور))
يعني: طهور, ونور, وحبور, أي سعادة, لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((أرحنا بها يا بلال))
والصلاة معراج المؤمن, والصلاة عقل:
((ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها))
والصلاة مناجاة:
((لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل))
والصلاة ميزان:
((فمن وفى استوفى))
هي نور, وطهور, وحبور, وميزان, وعروج, ومناجاة, وعقل:
﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾
هذه الصلاة من أداها كما أمر الله عز وجل, أنجاه الله من النار-.
فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً, فقد برئت منه ذمة الله, ولا تشربن خمراً, فإنه رأس كل فاحشة.
-في قصة رمزية: أن خير إنسان بين أن يشرب الخمر, وبين أن يزني, وبين أن يقتل, فتوهم أن أقل هذه الأشياء: أن يشرب الخمر, فلما شرب الخمر, فزنا وقتل, جمع الشر كله في بيت, ثم أفرج عليه, فكان مفتاحه السكر.
((وما أسكر كثيره فقليله حرام, وما أسكر قليله فملء الكف منه حرام))
((ومن شرب الخمرة -هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم- وقع على أمه, أو عمته, أو خالته))
يعني: زنا المحارم أسبابه: شرب الخمر, زنا المحارم.
قال-: وإياك والمعصية, فإن بالمعصية حل سخط الله.
-يعني: كفاك على عدوك نصراً, أنه في معصية الله:
﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾
الفوز العظيم في طاعة الله, أنت بالكون تعرفه, وبالشرع تعبده-.
وإياك والفرار من الزحف, وﺇن هلك الناس, وإن أصاب الناس موت فاثبت, وأنفق على أهلك من طولك, ولا ترفع عصاك عنهم أدباً, وأخفهم في الله))
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص :
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا سعد بن أبي وقاص:
((أخفهم في الله, لا ترفع عنهم عصاك أدباً, أنفق على عيالك, من طولك, من مالك, إذا أصاب الناس موتان وأنت فيهم, فاثبت -أي لا تهرب-, وإياك والفرار من الزحف, ولا تشربن خمراً, فإنه رأس كل فاحشة, وإياك والمعصية, فإن بالمعصية يحل سخط الله عز وجل))
هذا ما قاله معاذ بن جبل :
ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يقول معاذ بن جبل:
((كان آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت رجلي في الغرز –ليسافر- أن قال: يا معاذ, أحسن خلقك للناس))
لأن الخلق الحسن هو جوهر الدين, وأساس الخلق الحسن: الإيمان.
كلمة مهمة :
أيها الأخوة, أحياناً: الإنسان يوصي رجل كبير, يوصي رجل خبير, يوصي رجل عليم, يأخذ هذه الوصية, ويحفظها, ويطبقها, وكأنها شيء ثمين, فكيف إذا أوصاك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأنه أرحم الخلق بالخلق, وأعلم الخلق بالخلق, هو أعلمنا, وأرحمنا, وهذه وصيته, فلذلك: احفظوا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته :
ومن وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثتنا أم سلمة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي توفي فيه:
((الصلاة -أي عليكم بالصلاة- وما ملكت إيمانكم))
هؤلاء الذين تحت أيديكم, هؤلاء الذين عهد الله إليكم أمرهم.
((الصلاة وما ملكت إيمانكم))
يعني: أوصيكم بالصلاة, وأوصيكم بما ملكت إيمانكم, لأن قلب المؤمن إذا كان متصلاً بالله عز وجل, يفيض رحمة, والرحمة تسبب اللين, لذلك قال تعالى:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
يعني: لينك, ومحبتك, وتواضعك, بسبب رحمة استقرت في قلبك:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
لو لم تكن هذه الرحمة في قلبك:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
معنى: في قانون أنت متصل, معنى في رحمة بقلبك, هذه الرحمة تحملك على اللين, وهذا اللين يجمع الناس حولك, لو كنت منقطعاً, لخلا قلبك من الرحمة, فكان فظاً غليظاً, هذا يجعل الناس ينفضون من حولك.
إذاً: قانون الالتفاف, أو الانفضاض؛ اتصال: رحمة, التفاف, رحمة, لين, انقطاع: قسوة, فظاظة, تفرق, إن أردت أن تجتمع الناس حولك, فكن ليناً:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾
الوصية الأخيرة في هذا الدرس :
آخر وصية من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدث عثمان بن أبي العاص, قال:
((آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أممت قوماً, فأخف بهم الصلاة))
يعني: الإنسان لا يكون منفراً.
قال سيدنا معاذ وقد قرأ الواقعة بكاملها, قال:
((أفتان أنت يا معاذ؟ روحوا القلوب ساعة بعد ساعة, فإن القلوب إذا كلَّت عميت))
كان عليه الصلاة والسلام يتخللنا بالموعظة, فلذلك: الإنسان إذا صلى منفرداً, فليطل ما شاء, أما إذا أمّ الناس, عليه أن يخفف من صلاته, لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي صلاة الفجر, وقد سن لنا أن نقرأ الصفحات الطويلة في صلاة الفجر, لأنها ركعتان.
والإنسان بعد استيقاظ, ونوم مريح, ومع ذلك: مرة في أحد المرات, كان عليه الصلاة والسلام يؤم الناس في صلاة الفجر, فعلى غير عادته قرأ أقصر سورة وسلم, فعجب الصحابة الكرام, فقال عليه الصلاة والسلام:
((سمعت طفلاً يبكي, ينادي أمه ببكائه, فأردت أن أرحمها))
فقرأ أقصر سورة وسلم, لذلك قال تعالى:
﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
من معاني المعتدين: الدعاء الطويل.
أحياناً: الدعاء نصف ساعة, ساعة أحياناً الدعاء, فالدعاء ينبغي أن يسبقه تضرعاً, وأن يسبقه صوتاً منخفضاً, وألا تكون معتدياً, لأن الله لا يستجيب دعاء المعتدين.
خاتمة القول :
أيها الأخوة الكرام, هذه بعض وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم, أضعها بين أيديكم, فلعل الله سبحانه وتعالى ينفعنا بها, إلا أن ملخص الدرس: أن هناك أخطاراً لا تعد ولا تحصى, مسلطة فوق رأس الناس؛ أنواع الأمراض, وأنواع المصائب, وأن الإنسان في الأصل خلق هلوعاً, وما خلقه هلوعاً جزوعاً منوعاً, إلا ليفر إلى الله عز وجل إذا خاف, وليتقرب إليه بما هو حريص عليه, وهذا ملخص الدرس, والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة.