- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 1- رمضان 1424 - مكارم الأخلاق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
معنى الرحم وبيان حكمها:
وبعد: فالخُلق اليومَ صلةُ الرحم، صلة الرحم في التعريف الجامع المانع: هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارة بالخدمة، وتارةً بالزيارة والسلام، وغير ذلك، ولكن أرى أن صلة الرحم تبدأ بالسلام، وتتابع بالزيارة، ثم بتفقد الأحوال المعيشية والتربوية، ثم بالإحسان، ثم بأخذ يد هذا القريب إلى الله، تبدأ بالسلام وتنتهي بالهداية، وذو أفق ضيق جداً: مَن تصور أن صلة الرحم لا تزيد على أن تزوره في العيد، وأنت في عليائك، وهو في أسوأ حالاته، تبدأ بالسلام، وتتابع بالزيارة، ثم بالتفقد، ثم بالمعاونة، ثم بالهداية، ولا تؤتي صلة الرحم ثمارها إلا إذا انتهت بأن يكون هذا القريب في أحسن حال مع الله، ومع خَلقه، صلة الرحم بالنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة واجبة، وقطيعتها معصية كبيرة.
أهمية صلة الرحم في القرآن الكريم:
أيها الأخوة, الآيات التي تتحدث عن صلة الرحم تزيد على خمس عشرة آية:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾
﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾
﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾
﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾
يعني اتقوا الله أن تقطعوا أرحامكم، اتقوا غضب الله بقطيعة أرحامكم.
وبشكل عام:
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾
كتاب صلة الأرحام:
أيها الأخوة, الأحاديث الصحيحة التي تتحدث عن صلة الرحم كثيرة جداً:
((احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم))
علاقة رائعة كيف تصل رحمك, ينبغي أن تعرف من هم أقرباؤك؟.
((احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم))
عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- قال:
((أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أول ما بعث وهو في مكة فقلت: ما أنت؟ قال: أنا نبي، قلت: وما النبي؟ قال: رسول الله، قلت: بم أرسلك الله؟ قال: بأن يعبد الله، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام بالبر والصلة))
يعبد الله، وتكسر الأوثان، وتوصل الأرحام.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ, فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ, وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ, وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ, فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ:
((فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ, إِنَّهُمْ الْأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ, فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ - يعني أشد أنواع البر مكانةً عند الله عز وجل-: صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ))
يعني صلة رحمه.
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, أَنَّ رَجُلًا قَالَ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ, فَقَالَ الْقَوْمُ: مَا لَهُ مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَبٌ مَا لَهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا, وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ, وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ, وَتَصِلُ الرَّحِمَ))
مكانة صلة الرحم كبيرة جداً.
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ الرَّحِمَ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ, تَقُولُ: يَا رَبِّ إِنِّي قُطِعْتُ, يَا رَبِّ إِنِّي أُسِيءَ إِلَيَّ, يَا رَبِّ إِنِّي ظُلِمْتُ, يَا رَبِّ يَا رَبِّ, قَالَ: فَيُجِيبُهَا, أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ, وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟))
أخوتنا الكرام, صلة الرحم باب كبير من أبواب الضمان الاجتماعي، الضمان الاجتماعي في الإسلام له ركنان؛ ركن نسبي، وركن جغرافي، فالقريب والجار، الأحاديث التي تحض المسلم على أن يكون محسناً لجاره لا تعد ولا تحصى، فالضمان الاجتماعي أساسه النسب، وأساسه الجوار.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ, فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ, فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ, فَقَالَ لَهُ: مَهْ, قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ, قَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ, وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ, قَالَ: فَذَاكِ, قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤوا إِنْ شِئْتُمْ:﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾))
أوصاني خليلي ألا تأخذني في الله لومة لائم, وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت.
يعني صلهم وإن قطعوك, هذا توجيه أعلى.
عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ:
((بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ, الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا, وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا, وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا))
أقرباؤك أولى الناس بمالك:
هناك ملامح رائعة في الحديث الشريف، فقرة من حديث طويل:
عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ, أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
((... قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا, فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ...))
يعني أحد أكبر أسباب كسب المال: أن تصل به رحمك.
حدثني أخ, -وهو عندي صادق, أنعم الله عليه بمال كثير-, أقسم بالله ما من شاب في أسرته إلا زوجه، وهيأ له عملاً بهذا المال، يكاد يكون المال بنص هذا الحديث من أجل أن تصل رحمك.
أخ من أخواننا الكرام حدثني عن قصة، ورجاني أن أنقلها إليكم: له قريب، يسمع أن هذا قريبه بعد حين من الوقت زاره في العيد، وهو يقسم بالله ما أراد من زيارته إلا أن ينفذ توجيه النبي -عليه الصلاة والسلام-, لم يجده في البيت، وضع له بطاقة، قال له: أنا قريبك، هذا القريب على مستوى أخلاقي رفيع، هو ميسور جداً، زاره في البيت، رد له الزيارة، فإذا ببيته سيء جداً تحت الأرض، لا يرى الشمس، فيه رطوبة عالية، فهذا القريب الأول لما زاره ما خطر في باله ولا واحد بالمليون أن هذه الزيارة ستنتهي ببيت في الطابق الثالث، تأتيه الشمس من كل الجهات، واسع، فهذا القريب لما وجد قريبه في هذا البيت، وعنده أولاد، والشمس أساسية في البيت، فقال له: اشتر بيتًا بحدود مليون، ثم وجد بيتاً بمليونين ونصف, قال له: خذه ولا شيء عليك.
حسب هذا الحديث: حينما جعلك الله غنياً من أجل أن تتفقد أقرباءك، لأن الناس أنت لهم، وغيرك لهم، لكن أقرباءك من لهم غيرك؟ لهذا قال الفقهاء: لا تقبل زكاة مال المسلم وفي أقربائه محاويج.
هم أولى بك من الغريب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((إن الصدقة على المسكين صدقة, وعلى ذي الرحم اثنتان))
صدقة وصلة أجر مضاعفة، إن وصلت رحمك بمال فالأجر مضاعف، إلا أنني أتحفظ حينما أذكر: أن بعض الناس بدافع من التعصب الأسري لا يعطون أحداً غريباً إطلاقاً، بل إنهم يعطون أرحامهم عطاءً هم ليسوا بحاجة إليه من باب التعصب، هذا مذموم، لكن إن كان لك قريب فقير, فهو أولى الناس بصدقتك وزكاة مالك.
أطل عمرك بصلة رحمك:
عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا:
((إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ, فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ, وَصِلَةُ الرَّحِمِ, وَحُسْنُ الْخُلُقِ, وَحُسْنُ الْجِوَارِ, يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ, وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ))
طبعاً: يزيدان في الأعمار لها معنى جاء به الفقهاء، العمر لا يزيد، ولكن قيمة العمر بعمله الصالح، لو أن دوام المحلات التجارية بحسب القوانين من الساعة التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، وأي إنسان يفتح قبل أو بعد عليه مبالغ كبيرة جداً، فالوقت ثابت، فكيف يتفاوت الناس والوقت ثابت؟ في الغلة، واحد يبيع في اثنتي عشرة ساعة بمليون، وواحد يبيع بمئة ليرة، قيمة العمر بعمله الصالح، فإذا قال عليه الصلاة والسلام: تزيد في الأعمار, يعني تزداد الأعمال الصالحة في هذا العمر المحدود، وكأنه عاش مئة عام، بهذا المعنى.
العمل الطيب له قيمة في أي عصر:
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ, فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ))
يعني سبب إسلامك: أنك تحب الخير في الجاهلية.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قِيلَ:
((يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ, فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ, قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ, ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ, ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ, ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ, قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ, قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا))
العمل الطيب له قيمة في أي عصر، حتى في العصر الجاهلي، لذلك هناك قيم جاهلية يفتقر المسلمون الآن إليها، يقول عنترة العبسي:
أغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
الشجاعة، والنجدة، والمروءة، والوفاء بالعهد، هذه من أخلاق العرب في جاهليتهم, لذلك دقة حديث رسول الله عجيبة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ))
أيها الأخوة, والألم يعتصر القلب, هؤلاء المسلمون أو هؤلاء العرب فقدوا هويتهم، لا يتخلقون بأخلاق أجدادهم، ولا بروح العصر، العربي شجاع، العربي كريم، العربي ذو مروءة، العربي عنده وفاء بالعهد، طيب الآن أخلاق العصر: ترى هذه الأمة في أيام تخلفها, لا هي في أخلاق أجدادها، ولا هي في روح العصر، إذاً فقدت هويتها.
ما جاء في البر والصلة:
في حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ, طَابَتْ نَفْسِي, وَقَرَّتْ عَيْنِي, فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ, فَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ, قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَنْبِئْنِي عَنْ أَمْرٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ, قَالَ: أَفْشِ السَّلَامَ, وَأَطْعِمْ الطَّعَامَ, وَصِلْ الْأَرْحَامَ, وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ, ثُمَّ ادْخُلْ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ))
الآن هناك أعمال صالحة كثيرة، لكن ما من عمل صالح أعجل ثوابًا من صلة الرحم، وما من عمل سيء أعجل عقاباً من قطيعة الرحم.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابًا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم، واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع))
الآن هناك معنى جديد: طبعاً زارك فزرته، أكرمك فأكرمته، وصلك فوصلته، ليست هذه صلة الرحم.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ, وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا))
قطعت فوصلها.
لذلك في بعض الأحاديث:
((أمرني ربي بتسع؛ خشية الله في السر والعلانية، كلمة العدل في الغضب والرضا، القصد في الفقر والغنى، وأن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني، وأن يكون صمتي فكراً، ونطقي ذكراً، ونظري عبرةً))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ, وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ, وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ))
ربط النبي -عليه الصلاة والسلام- الإيمان كله بصلة الرحم.
رجل من خثعم قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-:
((أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الإيمان بالله, قال: ثم ماذا؟ قال: صلة الأرحام))
بعد الإيمان بالله.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))
عمر مديد, ورزق واسع, هل من خير في الدنيا يفوق هذا الخير؟ عمر مديد، ورزق واسع، ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابة، فإن فضل عن ذي قرابة شيء فهكذا وهكذا، ابدأ بنفسك، تثني بأهلك، ثم بأقاربك، ثم بعامة الناس، فالتسلسل بحسب الأولويات.
رجل قال للنبي الكريم:
((يا رسول الله, إني أصبت ذنباً عظيماً فهل من توبة؟ قال له: هل لك من أم؟ قال له: هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها))
بر الخالة تكفير للذنب.
رجل آخر قال:
((أبايعك -يا رسول الله- على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله عز وجل, قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم, قال: بل كلاهما, قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم, قال: فارجع على والديك فأحسن صحبتهما))
الجهاد ذروة سنام الإسلام, في مستواه أن تبر والديك.
في مستواه أن تبر والديك.
إن الله عز وجل يوصيكم بأمهاتكم، ثم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب.
((فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني))
يجب أن يشعر الابن والبنت أنك حصن لهما، وأنك تدافع عنهما بالعدل طبعاً وبالحق، لكن قوة الدفاع عن الأقارب هذه فضيلة عند رسول الله.
تقول السيدة عائشة:
((ما غرت على نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان عليه الصلاة والسلام إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت مرةً: فأغضبته يوماً، فقلت: خديجة, فقال عليه الصلاة والسلام: إني رزقت حبها))
أذواقه أخلاقية، عدّ حبها رزقاً من الله عز وجل.
أيها الأخوة, الباب واسع جداً، الأحاديث والآثار عن الصحابة الكرام في صلة الرحم كثيرة جداً، معنى ذلك: جزء كبير من منهج الله عز وجل أن تصل رحمك، بل في بعض الروايات: أن امرأة سألت النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أمها قد زارتها، وهي مشركة, أفأصلها؟ قال: صليها، ولو كان الأب والأم مشركين.
انتهز فرصة العمر وصل رحمك:
أيها الأخوة الكرام, لو تراحم الناس لما كنا في هذه الحال، والله أعلم أن هناك أقارب يملكون ملايين مملينة، وأن لهم أقرباء لا يملكون ثمن طعامهم، ولا يتفقدونهم، وإذا كان في مكان عام، وفي تبرع يقول: مليون، وله أخ شقيق يحتاج إلى قوت يومه ولا يعطيه، أما هذه أمام مئة شخص، أمام خمسمئة شخص فيها وجاهة، فقبل أن تدفع المليون تحت الأضواء ادفع مئة ليرة من دون أضواء.
حدثني إنسان قال لي: أنا فلست، فقدت مالي كله، ولي أخ حجمه المالي قريب من مئتي مليون، فسافر إلى بلد مجاور، والتقى بتاجر يتعامل بالبضاعة نفسها، قال لي: دون أن أشعر سألني عن أحوالي فأعلمته أني أفلست، وبكيت دون أن أشعر، أعطاني وقتها مبلغًا يساوي ثمن أربعة بيوت من أجل أن أقف مرةً ثانية على قدمي، وأعطاني بضاعة بالمبلغ نفسه، والإنسان غير مسلم، هذا الأخ يقسم بالله أنه يحب هذا غير المسلم أكثر من أخيه، أخوه يملك مئتي مليون، ما أمده ولا بليرة، وهذا غير المسلم أمده بمبلغ فلكي لكي يقف على قدميه؛ لذلك:
((يا داود, ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها))
أنت أمامك فرصة، أقرباؤك طبعاً، إذا كان الإنسان ميسورًا ساكنًا بحي راق جداً، له قريب ساكن بالدويلعة، والثاني بالمخيم، والرابع بزملكا، والخامس بمديارة، ما أخذه إلى هناك؟ هذه البطولة، هذا أخوك، وقد تكون لك أخت زوجها فقير، مهملة من قبل الأسرة كلها لأن زوجها فقير، أما الزوج الغني فله معاملة خاصة، البطولة أن تصل رحمك ولو كانوا أبعد، يعني إذا زرت أختك التي زوجها فقير يكون عندها عيد، تضن بالزيارة، أما الذي هو منعم عليه تزوره، ما ينتبه لك، يقول: ليس عندي وقت عدم المواخذة، فأنت هذا الذي زرته كان عنده عيد، زر هذا الفقير، اجبر كسره، اجبر خاطره، فصلة الرحم باب كبير، ولكن أقول لكم في نهاية هذا الدرس: يجب أن تنتهي هذه الصلة بالهداية، أنت سلمت عليه، زرته، تفقدت شؤونه.
لا تنجز الصلة غايتها إلا بالهداية:
بالمناسبة: من هو الذي يستحق زكاة مالك؟ قال تعالى:
﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً﴾
لأن الله عز وجل قال:
﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾
العفيف لا يسأل فيحرم، وهناك إنسان يسأل، ويقتحم عليك، ويلح، ويضايقك حتى تخرج من جلدك، تعطيه حتى تخلص منه، فهذا الذي لا يسأل وهو محروم أولى بزكاة مالك من هذا اللحوح، هذا يقتضي ماذا؟ أن تتفقده أنت، استحلفه بالله أعليك دين؟ كيف وضعه في مواسم المدارس، مواسم المؤونة أحياناً، مواسم الوقود, اسأل في المواسم المهمة جداً، يأتي البرد فجأة، يحتاج إلى إملاء مستودعات الوقود، تفتتح المدارس, يحتاج إلى مصاريف استثنائية، عنده حالة مرضية، يحتاج إلى عملية جراحية، ينبغي أن تسلم عليه، وأن تزوره، وأن تتفقد أحواله، ثم أن تأخذ بيده إلى الله، فإذا انتهت هذه الصلة بالهداية, تكون قد حققت من صلة الرحم غايتها الكبرى.