الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الواحد والثمانين من دروس مدارج السالكين، في منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، والمنزلة اليوم منزلة التوكُّل، وهذه المنزلة وردت في القرآن الكريم في آيات كثيرة جداً، فالله سبحانه وتعالى ربط التوكل مع الإيمان، فقال تعالى:
﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)﴾
أي من علامة إيمانكم، ومن لوازم إيمانكم، بل من خصائص إيمانكم أن تتوكلوا على الله، وفي آية ثانية:
﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾
إن كنت متوكلاً على جهةٍ ما ينبغي أن تتوكل على الله، وفي آية ثالثة يقول الله عز وجل:
﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)﴾
قد تتكل على إنسان فيُقصِّر، أو لا يستطيع، أو ينسى، أما إن توكلت على الواحد الديان فهو حسبك؛ يكفيك، ويحميك، ويغنيك، وفي آيةٍ أخرى:
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)﴾
وفي آيةٍ أخرى:
﴿ قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)﴾
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
يا محمد ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ وفي هذه الآية ملمحٌ رائع: حينما تكون على الحق، تتوكل على الله، وإن توكلت على الله فهو حسبك، يكفيك، ويُغنيك، ويُؤيِّدك، وينصرك، ما دمت على الحق فتوكل على الحق وهو الله عز وجل: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ .
الفالح والناجح من يتوكل على الحي الذي لا يموت:
قال تعالى:
﴿ وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (81)﴾
هو الذي يكفي ولا يكفي سواه، إن توكَّلت على حيٍّ يموت فقد يخيب ظنك، وقد تُصاب بالإحباط، أما إن توكلت على الحي الذي لا يموت أنت الفالح والناجح، فإذا عزمت إن تولّدت عندك إرادة جازمة في فعل شيء توكل على الله، لأن الله قادر على أن يُحبط عزيمتك، وقد قالوا: عرفت الله من نقض العزائم، مهما درست الموضوع، ومهما أحكمته، ومهما غطَّيت كل الاحتمالات، ومهما تمكَّنت من السيطرة عليه، فإن لم تأتك معونة الله عز وجل لن تنجح في عملك، قال تعالى:
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58)﴾
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾
كل آيةٍ تتحدَّث عن التوكل من زاوية.
علامة المؤمن أنه متوكل على الله دائماً:
آيةٌ أخرى:
﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)﴾
الله عز وجل بيَّن السبيل إلى التوكل عليه، السبيل إلى التوكل عليه واضح، وقد وصف المؤمنين بأنهم، قال تعالى:
﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)﴾
علامة المؤمن مهما أوهمه خصومه أنهم سيدمّرونه، أو سيغلبونه، أوسيكيدون له، هو متوكل على الله عز وجل:
﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾
لن تستطيع أن تتوكل على الله إلا إذا كنت على الحق:
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ وفي آيةٍ أخيرة يصف الله المؤمنين فيقول:
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)﴾
أستخلص من هذه الآيات أنك لن تستطيع أن تتوكل على الله إلا إذا كنت على الحق، وإذا توكلت عليه يكفيك، وإذا أحكمت أمرك ولم تتوكل على الله فكل هذا الجهد الكبير ضائعٌ، لأن الله هو الموفِّق:
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾
المتوكِّل من أسماء النبي عليه الصلاة والسلام:
الآن من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم المتوكِّل، وتوكله أعظم توكل، ما من توكل في البشر كتوكل النبي، لأن التوكل يتبع الإيمان، فكلما ازداد إيمانك ازداد توكُّلك، لذلك آية كريمة خاصةٌ بالنبي عليه الصلاة والسلام يقول الله فيها: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ .
والذي يدعو إلى العجب أن تجد إنساناً مستقيماً، وهو في مرضاة الله، وهو خائف، لماذا الخوف؟ ألا تعبد إلهاً قوياً؟ ألا تعبد إلهاً بيده كل شيء؟ ألا تعبد إلهاً هؤلاء الأقوياء بيده؟ في قبضته ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ كيف تعبده ولا تثق بقدرته؟! كيف تعبده ولا تثق بعدله؟! كيـــف تعبده وعندك شك في أنه يحمي أو لا يحمي أولياءه؟!!.
مقام التوكل من لوازمه أنه يملأ قلب الإنسان أمناً:
(( في الصحيحين عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. ))
مقام التوكل مقام كبير جداً، مقام التوكل من لوازمه أنه يملأ قلب الإنسان أمناً.
(( في صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيـــْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. ))
لكن قد يسأل أحدكم: التوكل ليس من السهل أن تتوكل، الجواب: إن كنت مستقيماً، وإن كنت في مرضاة الله، وإن كنت في مظلة الإسلام والمنهج، فالتوكل سهل جداً، أما حينما ينحرف الإنسان يخجل أن يتوكل على الله، صار هناك حجاب، والحجاب كما أنه يمنع الصلاة يمنع التوكل، التوكل يحتاج إلى إنسان قريب من الله، إلى إنسان مخلص، إلى إنسان صادق، إلى إنسان مستقيم، فإن كنت على الحق تتوكل على الله.
ضرورة التوكل على الله في كل شيء:
من أدعية النبي عليه الصـلاة والسلام:
(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لا إِلَهَ غَيْرُكَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ». ))
اللهم إني أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تُضِلّني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام الترمذي،
(( عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا. ))
أحدنا إذا سافر أحدُنا، يهيّئ كل شيء في البيت، يهيئ طعامًا يكفيه مدة سفره، ويعطي الأهل مبلغًا من المال، والهاتف أمامكم، واتصلوا بفلان وفلان عند الحاجة، وأنا هذا رقم هاتفي في السفر، وكل يوم يتصل بهم، ويقول لك: توكلت على الله، وسلمتهم إلى الله، ما تركت سببًا من أسباب الرعاية إلا أخذته، بعد ذلك يتوكل على الله، من هو المتوكل الأول؟ طبعاً سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
توكل سيدنا إبراهيم توكل غريب جداً:
لكن يوجد توكل غريب جداً، سيدنا إبراهيم حينما أمره الله عز وجل أن يضع زوجته وابنه في وادٍ غير ذي زرعٍ، وأن يغادر، فقالت له زوجته: إلى أين؟! تعجبت، لا يوجد ماء، لا ماء ولا طعام، ولا شيء، أرض جرداء قاحلة جافة، إلى أين؟ ثم استدركت، قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، هذا التوكل المطلق، من دون أي سبب، والعبودية المطلقة أيضاً فعلها سيدنا إبراهيم، حينما قال له ربه أن يذبح ابنه:
﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾
((لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا)) .
من يتوكل على الله فقد توكل على الحق المبين:
تروي الكتب أن رجلاً صالحاً اسمه: حاتم الأصم، هذا الرجل أراد أن يحج بيت الله الحرام، ويبدو أنه لا يملك ما يكفي للنفقة على عياله، وتاقت نفسه إلى الحج، فاستأذن أولاده وزوجته فلم يأذنوا له: إلى أين؟ إلى مَن تتركنا؟ إلا أن بنتاً له صالحةً جداً قالت له: يا أبتِ اذهب فأنت لست برازق، الله يرزقنا، فيبدو أنهم سكتوا، وكأن كلمتها ألقت على قلبه طمأنينةً فرحل، وذهب إلى بيت الله الحرام حاجّاً، بعد أيامٍ نفد الطعام والشراب، فدخل أولاده وزوجته على هذه البنت الصالحة الطيِّبة ليعنِّفوها: أين الطعام؟ مَن يأتينا بالطعام؟ أنت قلتِ لأبيكِ: اذهب وحجّ بيت الله الحرام فإنك لست رزَّاقاً، ماذا نفعل؟
تروي القصة أن هذه البنت دخلت إلى غرفتها، وتوسلت إلى الله عز وجل أن يرزقها، فالذي حصل أن أمير المدينة كان في جولة تفقدية، وصل إلى بيت حاتم الأصم، فشعر بعطشٍ شديد، فقال لأحد رجاله: آتوني بكأسٍ من الماء، طرقوا باب حاتم الأصم، وقالوا: الأمير يطلب كأس ماء، أهل البيت اجتهدوا أن يكون الكأس نظيفاً، والماء بارداً، هذا الأمير شرب حتى ارتوى، وأذاقه الله أطيب طعمٍ لهذا الماء، فلما انتهى من شربه قال: بيت مَن هذا؟ قالوا: بيت حاتم الأصم، قال: هذا الرجل الصالح؟ قالوا: نعم، فقال: لنُسلم عليه، قالوا: هو في الحج، قال: إذاً له علينا حق، معه صرة من ذهب فأعطاهم إياها، ولم يكتفِ بهذا، قال لمَن حوله: من أحبني فليفعل فعلي، فجأة انهالت الدنانير الذهبية على أهل هذا البيت، واغتنوا لعام تقريباً، دخلوا على هذه البنت الصالحة فإذا هي تبكي، قالوا لها: ما لكِ تبكين وقد أغنانا الله عز وجل؟! قالت: أبكي لأن إنساناً نظر إلينا فأغنانا، فكيف لو نظر إلينا خالق الأكوان؟!: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ .
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ له حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَيتَنَحَّى لَهُ الشيطان، فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟ ))
[ أبو داود والترمذي في سننهما: حسن ]
تعلموها، كلما خرجت من بيتك كم خطر أمام الإنسان؟ هناك خطر حادث سير، هناك خطر طغيان ظالم، هناك خطر أن يعقد صفقة خاسرة، هناك خطر أن يُظلَم، هناك خطر أن يُجُهِل عليه، هناك خطر أن يَضِل، هناك خطر أن يعصي، هناك خطر أن يقع في الكذب، هناك خطر أن يحلف يميناً كاذبة، فإذا قلت قبل أن تخرج من البيت: ((بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ له حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَيتَنَحَّى لَهُ الشيطان، فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟))
التوكل نصف الدين والنصف الثاني هو الإنابة:
قال بعض العلماء: التوكل نصف الدين، والنصف الثاني هو الإنابة، ذلك أن الدين استعانةٌ وعبادة، جُمِع القرآن في الفاتحة، وجُمِعت الفاتحة في إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، فالدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة، التوكل نصف الدين.
لبعض العلمـاء قول رائع يقول: العلم كلـه باب من التعبُّد، والتعبُّد كله باب من الورع، والورع كله باب من الزهد، والزهد كله باب من التوكل.
منزلة التوكل من أوسع المنازل وأجمعها:
قال: هذه المنزلــة من أوسع المنازل وأجمعها، ولا تزال معمورةً بالنازلين لسعة متعلَّق التوكل، وكثرة حوائج العالمين، فأهل السماوات والأرض المكلفون وغيرهم في مقام التوكل، وإن تباين مُتعلَّق توكلهم فأولياؤه وخاصَّته يتوكلون عليه في الإيمان، ونصر الدين، وإعلاء كلمة الله، وجهاد أعدائه، وفي محابه، وتنفيذ أوامره.
إنسانان يتوكلان على الله، واحد يتوكل على الله لنشر الدين، لإقرار الحق، للتفريج عن المسلمين، لهداية الناس، وإنسان يتوكل على الله لشراء بيت مثلاً، أو لزواج، وإنسان يتوكل على الله لشيء صغيرٍ جداً، كلهم متوكلون، ولكن التفاوت بين المتوكلين في مضمون التوكّل، ومن دون هؤلاء إنسان يتوكل على الله في استقامته، وحفظ حاله مع الله، فارغاً عن الناس، تعنيه نفسه فقط، فتوكُّله متعلّق بذاته، يرجو الله أن يبقيه مستقيماً منيباً خاضعاً، الأنبياء والصّدّيقون يتوكلون على الله من أجل عموم الناس، من أجل هداية الناس، من أجل ترسيخ الحق، إبطال الباطل، أما دون هؤلاء من يتوكل على الله من أجل نفسه فقط، يتوكل على الله في استقامته، وفي حفظ حاله مع الله، فارغاً عن الناس، ومن دون هؤلاء أناس يتوكلون على الله في شؤون الدنيا؛ من رزقٍ، أو عافيةٍ، أو زوجةٍ، أو ولدٍ ونحو ذلك.
أفضل أنواع التوكل التوكل في الواجب:
العلماء قالوا: أفضل أنواع التوكل على الإطلاق التوكل في الواجب، أي واجب الحق، واجب الخَلق، واجب النَّفس، وأوسعه التوكل في التأثير في مصلحةٍ دينية، أو دفع مفسدةٍ دينية، أعلى أنواع التوكل أن تتوكل على الله لجلب مصلحةٍ دينيةٍ للخلق، أو لدفع مفسدةٍ عنهم، هذا أعلى توكل، وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله، ودفع فساد المفسدين في الأرض، وهذا توكل ورثتهم، ثم الناس بعد في التوكل على حسب هِمَمِهِم ومقاصدهم، فمن متوكل على الله في حصول مُلْكٍ، ومن متوكل على الله من أجل رغيف، صار هناك توكل الأنبياء والمرسلين والصديقين وورثة هؤلاء الأنبياء الكبار، يتوكلون على الله لجلب منافع الدين للناس، ولدفع المفاسد عن الناس، هؤلاء الأنبياء ومن ينوب عنهم في إبلاغ الحق، أما ما سوى ذلك فالمتوكلون بعضهم يتوكل من أجل ذاته، لنفسه، في شأن من شؤون الآخرة، وبعضهم يتوكل لنفسه في شأن من شؤون الدنيا، وهذا الأخير منهم من يتوكل على الله في تخصيل ملك، ومنهم من يتوكل على الله في تحصيل رغيف.
ثم قالوا: ومَن صَدَقَ توكُّله على الله في حصول شيء ناله فإن كان محبوباً له مرضياً كانت له فيه العاقبة المحمودة، وإن كان مسخوطاً مبغوضاً كانت العاقبة مفسدة كبيرة له.
الفكرة هنا دقيقة: ممكن إنسان يتوكل على الله في معصية؟ ممكن، إنسان جاهل، همُّه أن ينجح في هذا الدور في التمثيل، أو همها أن تنجح في هذا الدور في التمثيل، يا رب توفقني، يا رب ليس لي غيرك، إنها تتوكل على الله في أمر لا يحبه الله، فقد تنجح، لكن هذا الشيء إذا نجحت فيه حصل من نجاح توكلها على الله مفسدةٌ لها كبيرة، وهذا شيء مشهور بين مَن يعمل في حقل الفن، تسأل الله أن يوفقها.
قال: وإن كان مباحاً حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه إن لم يستعن به على طاعة، والله أعلم.
صار التوكل في شأن سامٍ واجب ديني، والواجب الديني إما عام أو خاص، الأنبياء والمرسلون ومَن ينوب عنهم في إبلاغ الحق يتوكلون على الله لترسيخ الإيمان في قلوب الناس، ولدفع المفسدة الدينية عنهم، دون هؤلاء مَن يتوكل على الله من أجل سلامة استقامته، وحسن خاتمته وحده، أما الذين يتوكلون على الله في شأن من شؤون الدنيا فإن كان طاعة، أو كان مباحاً نجوا، وإن كان مفسدة هلكوا.
التوكل من أعمال القلب:
العلماء قالوا: التوكل من أعمال القلب، ومعنى ذلك أنه عمل قلبي، ليس بقول اللسان، ولا عمل الجوارح، ولا هو من باب العلوم والإدراكات، أي القلب حينما يعبد الله يتوكل عليه، قضية داخلية، لماذا هلك المسلمون؟ لأن التوكل نُقِلَ من القلب إلى الأعضاء، لم يعمل، لم يقدم شيئاً، متوكل، لا، التوكل داخلي، الأعضاء يجب أن تأخذ بالأسباب، أما القلب يفوِّض أمره إلى الله، أما إذا عكست الآية، نُقِلَ التوكل من القلب إلى الأعضاء، جلس، ما درس، ما أسس عملاً، ما بحث عن شيء، ما تفقد شؤونه، هذا ليس متوكلاً، هذا سماه بعض العلماء المتواكل، أناس كسالى سألهم عمر رضي الله عنهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ثم توكل على الله.
من الناس مَن يتوهم أن التوكل بابٌ من أبواب المعارف والعلوم، فيقول: هو علم القلب بكفاية الرب، ومنهم من يفسره بالسكون، وخمود الحركة، اجلس، دبر ألا تدبر، توكّل على الله، لا تفعل شيئاً، يأتيك رزقك إليك، هذا أسوأ أنواع التوكل، توكل الكسالى، توكل الحَمْقى، توكل العاطلين عن العمل.
وقال بعضهم: التوكل هو انطراح القلب بين يدي الرب، وهو ترك الاختيار والاسترسال مع مجاري الأقدار ، دخل لص إلى البيت، ترتيب سيدك، لا يتحرك، هذا أسوأ نوع من أنواع التوكل، يتوكل بأعضائه وأجهزته لا بقلبه، التوكل مكانه القلب، والأعضاء من أجل العمل والحركة والسعي.
قال بعضهم ولهذا القول معنى: التوكل الاسترسال مع الله مع ما يريد ، هذا معنى جيد.
وقال بعضهم الآخر: التوكل هو الرضا بالمقدور.
وقال بعضهم وعلى هذا القول تحفُّظ: التوكل هجر العلائق، ومواصلة الحقائق ، أي لا يتزوج، ولا يعمل، ولا يسعى، ولا يؤسس عملاً، هكذا، هجر العلائق ومواصلة الحقائق.
حقيقة التوكل:
أما الحقيقة أن التوكل حالٌ مُرَكّبة من مجموع أمور، لا تتمّ حقيقة التوكل إلا بها، وكل إنسان عرَّف التوكل من زاوية، أشار إلى أحد عناصر التوكل، ولم يُشِر إلى كل شروط التوكل، قال: أولى هذه الشروط معرفة بالرب وصفاته من قدرته، وكفايته، وقيومته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته، وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل.
أول شيء في التوكل أن تعرف الله الذي ينبغي أن تتوكل عليه، أن تعرفه قوياً، وأن تعرفه قادراً، وأن تعرفه غنياً، وأن تعرفه رحيماً، وأن تعرفه سميعاً، وأن تعرفه بصيراً، وأن تعرفه مُجيباً، وأن تعرف أن الأمر كله بيده، إن عرفت هذا توكلت عليه.
لا يصح التوكل من فيلسوف، ولا ممَّن يؤمن بأن للإنسان فعلاً، الله عز وجل هو الفعَّال، لا يقع شيءٌ في كونه إلا بأمره، فإذا توهَّمت أن إنساناً ما، له قدرة على أن يفعل شيئاً، دون أن يرجع إلى الله، أو دون أن يريد الله، فهذا شرك، كل مَن ينسب الفعل للمخلوق فقد أشرك، فقال: هذا لا يتوكل على الله، ما ربط بين أفعال العباد وبين مشيئة الله عز وجل.
وهناك مَن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالَم سفليه وعلويه، ولا هو فاعل باختياره، ولا له إرادة ومشيئة، أيضاً هذا الإنسان لا يمكن أن يتوكل على الله، أي لابدّ من أن تصح عقيدتك حتى يصح توكلك.
التوكل لا يتناقض مـع الأخذ بالأسباب بل يتكاملان:
أولاً شيء دقيقٌ جداً ينبغي أن تعلمونـه؛ لا يمكن أن يتناقض التوكل مـع الأخذ بالأسباب، بل يتكاملان، ليس معنى المتوكل أنه لا يأخذ بالأسباب، المتوكل يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، الموقف الكامل للمؤمن، وما أندر هذا النموذج، أنت ماذا تجد؟ تجد مؤمنًا يتوكل ولا يأخذ بالأسباب، أبسط شيء يأكل فاكهة دون غسيل، فإن قيل له: يا أخي اغسلها، قال: سمِّ بالله، لا يضرّ مع اسمه شيء، هذا جهلٌ، يتوكل دون أن يأخذ بالأسباب، إنسان آخر يأخذ بالأسباب ولا يتوكل، إن أردت أن أعطيكم كلاماً دقيقاً الغرب يأخذ بالأسباب بأروع ما تكون ولا يتوكل على الله، يتوكل عليها، وقع في الشرك، الشرق لا يأخذ بها ويتوكل، الأول أشرك والثاني عصى، وكلاهما لا يوفَّـق، ينبغـي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام، في الهجرة لم يدع سبباً إلا أخذ به، فلما وصلوا إلى الغار توكل على الله، استسلم له،
(( عن أبي بكر الصديق قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال: يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما. ))
[ سنن الترمذي حسن صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم ]
أنت سافرت مساحلاً، واختبأت في غار ثـور، وكلَّفت إنسانًا يمحو الآثار، وإنسانًا يأتيك بالأخبار، وإنسانًا يأتي بالطعام، واستأجرت خبيرًا مشركًا، ولم تترك حيلةً إلا وأخذت بها، هذا التعبُّد، هذا الأخذ بالأسباب، أما لما وصلوا إليك توكلت على رب الأرباب، هذا الكمال، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، تريد أن تسافر، عملت مراجعة للسيارة مراجعة تامة، العجلات، ضغط العجلات، الزيـت، المكبح، جهاز التوازن، لم تدع شيئاً إلا راجعته، يا رب تسلِّم، يا رب أنا بحفظك ورعايتك، أما إنسان لم يجرِ مراجعة إطلاقاً على المركبة وقال: يا رب لا يوجد غيرك، اختلّ شرط التوكل، لم يأخذ بالأسباب، والذي أخذ بالأسباب قال لك: هذه درجة أولى، أبداً، هذه ماركة ممتازة لا تقطعني أبداً، مثلاً إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها فقد أشركت، وإن لم تأخذ بها فقد عصيت، والمؤمن الكامل يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ويتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، ولهذا الموضوع تتمة إن شاء الله، في درس قادم نتابع الحديث عن التوكل لأنه نصف الدين:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾
العبادة إنابة إلى الله، اتصال، ونستعين توكل، فإن تحدثنا عن التوكل نتحدث عن نصف الدين.
آخر كلمة: لن تستطيع أن تتوكل على الله إلا إذا كنت على الحق المبين، أما إنسان شارد، ولا يخطر في باله أن يتوكل، بل لو خطر في باله التوكل يستحي أن يتوكل، يتوكل على من يعصيه!؟ يتوكل على من يُغضبه!؟ مستحيل.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق