وضع داكن
21-11-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 007 - منزلة الخُلُق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تمهيد :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ مع الدرس السابع من دروس مدارج السالكين , منزلة اليوم منزلة الخُلق , وقبل أن نقفَ عند بعض الآيات الكريمة التي تتعلق بالخُلق , منطلقةً من قول الله عزّ وجل واصفاً نبيه صلى الله عليه وسلم :

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[سورة القلم الآية: 4]

 أود أن أمهّدَ لهذا الموضوع بتمهيدٍ قصير ...
 كما أقول لكم دائماً : مطلبٌ ثابتٌ عندكم جميعاً , وعندي , وعندَ كلِّ إنسانٍ على وجه الأرض ؛ أن يَسلمَ , وأن يَسعد ، ونحنُ في عصرٍ ما أكثرَ الآراء , وما أكثرَ المذاهب , وما أكثرَ التفسيرات , وما أكثرَ الاتجاهات , ففي زحمةِ تماوج الأفكار , واضطرابها , وتداخلها في هذه الزحمة , ما من نِعمةٍ أعظم من أن تكتشف الحقيقة التي أرادها الله عزّ وجل لتكونَ لكَ مِنهاجاً , نِعمٌ كثيرة , قد تنعمُ بالصحة ، قد تنعمُ بوفرة المال , قد تنعمُ بالمكانة ، قد يكون لكَ أهلٌ وأولاد على ما تريد , ولكن تأكد , كلُّ شيءٍ أنتَ تعتز به في الدنيا , ينتهي عندَ الموت , ولكنَ الشيء الذي لا يُقدّرُ بثمن , ولا يعلو عليه , ولا أثمنُ منه , أن تعرف الحقيقة , لأنكَ إذا عرفتَ الحقيقة , عَمِلتَ وفقها , فإذا عَمِلتَ وفقها , سَعِدتَ في دنياكَ وأُخراك .
 عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
 بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ :

(( يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ , إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأهْلِ الْبَقِيعِ , فَانْطَلِقْ مَعِي ))

 فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ , فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ , قَالَ :

(( السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ , لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ فِيهِ النَّاسُ , لَوْ تَعْلَمُونَ مَا نَجَّاكُمُ اللَّهُ مِنْهُ , أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ , يَتْبَعُ أَوَّلُهَا آخِرَهَا , الآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الأُولَى))

(( أقبلت الفِتن كقطع الليل المُظلم ))

 كل شيء يمكن أن يزور ، ويُبدّل , ويُغيّر ، فالإنسان في زحمةِ هذه الفِتن , وفي تضارب الآراء , واختلاف التفسيرات , وتعاكس التوجهات , كلٌّ يدعّي وصلاً بليلى , كلٌّ يدعّي أنه على حق , في هذه الزحمة لا شيء أثمن من أن تكونَ على حقٍ فعلاً ، لا شيء أثمن من أن تكونَ على حقٍ حقيقةً ، لذلك العمل أساس السعادة , وأساس صواب العمل , أن تعرف الحقيقة .
 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ أضربُ لكم هذا المثل , وكنتُ قد ضربته لكم سابقاً :
 لو دخلتَ إلى غرفةٍ , وفيها ألفُ قطعةٍ صفراء اللون , بعضها من الذهب الخالص ، بعضها من الذهب بأعيرةٍ متفاوتة , بعضها من النُحاس المُلبس بالذهب ، بعضها من النُحاس المُلمع ، بعضها من أخسّ المعادن , ألا ينبغي لكَ أن تنتقيَ ما كان ذهباً خالصاً ؟.
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ في زحمةِ تضارب الآراء, واختلاف التوجهات, وظهور الفِتن كقطع الليل المُظلم, يتبعُ أولها آخرها, لا بد من معرفة الحقيقة, من هي الجهة في الكون الوحيدة التي معها الحقيقة, معها الحقيقة المُطلقة, معها الحقيقة التي لا زيغَ فيها؛ لا خلل، لا اضطراب، لا شائبة؟ إنها الله, أيّةُ جِهةٍ أرضيّة تخطئ وتصيب, تفلح وتُخفق، تستقيم وتنحرف ، تعطي ما هو صحيح وما هو مغلوط، ما هو مقبول وما هو مرفوض، ولكنَّ الله وحده الحقُّ المبين، ولكنَّ الله وحده الذي خلقَ الكون, وخلقَ الحياة, وخلقَ الإنسان, وسوفَ نعود إليه, ولن نَسعدَ إلا إذا كُنّا على منهجه .
 فلذلك ليسَ غريباً، وليس شططاً أن يقفَ الإنسان ليُراجع حساباته، ليُراجع أفكاره، ليُراجع تصوراته، ليُراجع ممارساته اليومية، ليُراجع سلوكه .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ أن نعرفَ الحقيقة، أن نعرفَ المنهج, أن نعرفَ القانون الحقيقي, الذي هو يتحّكمُ بالمخلوقات، هو سِرُّ السعادة .
 أنت أمام باب عليه أقفال شديدة, تصور لو أردتَ أن تكسِرَ هذه الأقفال, أو أن تخلعَ هذا الباب, أو أن تهدِمَ هذا الحائط, كم تحتاج من جهد, ومن طاقة, ومن ضجيج, ومن خصومات؟ لو جِئت بمفتاح صغير, وزنه عشرون غراماً, وضعته في القفل المُحكم, فضغطتَ هكذا, ففُتحَ الباب, أليسَ هذا العمل أذكى وأرقى وأنجى وأنجح وأربح وأريح؟ كل شيء له مفتاح, السعادة لها مفتاح، التوفيق له مفتاح، أن تُحقق الهدف الذي خُلقتَ من أجله له أسباب, فلما الإنسان يتقصّى الحقائق، يتعرّف إلى خالق الكون، ألف سؤال وسؤال .
 أحياناً تقرأ آية :

﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الروم الآية: 47]

﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة يونس الآية: 103]

﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾

[سورة النساء الآية: 141]

 هذه الآية, إذا رأيتَ الواقع يُخالفها, فأنتَ أمام تفسيرين؛ إما أن تُكذّب القرآن, وإمّا أن تقول: هذا الكلام لا معنى له, هذا كلام غير واقعي, غير مُطبّق, وقعتَ في الكُفرِ وأنتَ لا تدري, وإمّا أن تسأل هذه الآية:

﴿ولن يجعلَ الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً﴾

 ما تفسيرها ؟

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾

[سورة النور الآية: 55]

 إن رأيتَ الواقع على خِلاف هذه الآية, بِم تُفسّرُ هذا؟ تقول: القرآن شيء غير واقعي, لا يتحقق, كأنه ليسَ كلامَ الله, وقعتَ في الكفر، أم أن تقول: لا بدَ أنَّ هناكَ شرطاً لم يتحقق :

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

 كل إنسان قال: أنا مسلم, هو مسلم؟ كل إنسان قال: أنا مؤمن, هو مؤمن؟ كل إنسان قال: أنا أفعلُ كذا, هو يفعلُه؟ لئلا تقعَ في مشكلةٍ خطيرةٍ, وهي أن تَشُكَّ في مصداقية القرآن, يجب أن تتنوّر، يجب أن تتحقق، يجب أن تتبصر، يجب أن تقف عندَ المعنى الدقيق للآية، يجب أن تسأل ....:

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 43]

 يجب أن تتحقق, لأن أخطر ما في الحياة أن تَشُكَ في عقيدتك, أخطر ما في الحياة أن تهتز عِندكَ المُثل، أخطر ما في الحياة أن تَشُكَ في أنَّ هذا الكلام ليسَ كلامَ الله، أو أنه كلام الله, ولكن الواقع ما أكدّه, هذه مشكلة خطيرة جداً .

 

 قلتُ لكم سابقاً: أكبرُ مصيبةٍ هي أصغرُ من أن يُصاب الإنسان بعقيدته أو بدينه, فلهذا بعيداً عن تداخل الآراء، عن اضطراب الآراء، عن اضطراب التفسيرات، أريدُ الحقيقة الخالصة، أريدُ المنهج الصحيح الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام, نبعٌ عذبٌ كالماء الزُلال, عذبٌ فرات, سارَ هذا النبع, جاءه عدو من الروافد رفدته, رافدٌ نقيٌّ, ورافدٌ غير نقيّ, ورافد فيه ماءٍ آمنٍ, ورافدٌ فيه فضلات, وصلنا إلى نهاية هذا النهرِ, فإذا هو مياهٌ سوداء, ما العقلُ؟ العقلُ أن أذهبَ إلى النبع .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ لا يصلحُ آخرُ هذه الأمة إلا بما صَلَحَ به أولها .
 قلت لكم مرة: سيارة توقفت, هذا السائق لو خرجَ من السيارة, وملأَ الجوَ صخباً وضجيجاً وصياحاً وتوسلاً وبكاءاً وعويلاً ودعاءاً, يا رب أنا انقطعت, السلوك علمي, لا والله ، السلوك العلمي أن تفتح غِطاء المُحرّك, وأن تنظر أينَ الخلل؟ .
 في مشكلة في العالم الإسلامي, دائماً نشكو, لماذا تشكو؟ الله تخلّى عنّا, هل تخلّى الإله عنّا؟ غير معقول !!:

﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾

[سورة يونس الآية: 4]

 إذاً: هناك خلل في حياتنا، في فهمنا للدين، في استقامتنا، في سلوكنا .
 مثلاً: لو أنَّ طالباً على موعدٍ مع امتحانٍ خطير, هناك عشر مواد, لو أنه أتقنَ المواد التسعة, وأهملَ مادة, ولم ينجح، نحن مع احترامنا لجهده, واجتهاده, وتفوقه في هذه المواد التسعة, لكنه لأنه أهملَ المادة الأخيرة العاشرة, هذه الدراسة ذهبت أدراج الرياح، هذا الجهد الذي بذله في أثناء العام الدراسي تلاشى ....
 مثل آخر: هذه المركبة من أجل أن تسير, لا بد لها من أجهزة, أهملتَ أحدَ الأجهزة, بقيت في مكانها، ماذا أفادكَ اعتناؤك بها؟ ما أفادكَ شيئاً .
 الإسلام مشكلته إما أن تأخذه كله, وإما أن تقطفَ ثماره, هي المشكلة, فكل فرد مبدئياً عليه أن يُراجع نفسه على المستوى الفردي, وجد الطريق مسدوداً، هنا لم يوفق، هنا لم ينجح، هنا لم يتحقق الهدف، بقيت نفسه كنفوس الآخرين, لم ترق نفسه في هذا المجال, في خلل, دينُ الله ينبغي أن يكونَ واضحاً, وينبغي أن يكونَ مقنناً, في قواعد, يهمل الناس هذه القواعد, ويحسبون أنفسهم مسلمين, وكأنهم يعاتبون الله عزّ وجل, إذا بدا لهم أنه تخلى عنهم, ماذا نفذتَ أنتَ من الإسلام؟ هل طبقتَ الإسلام في بيتك؟ هل حررتَ دخلكَ من كلِّ شُبهة؟ هل ضبطت مشاعرك؟ هل كنتَ كما يريد الله حتى تطالبه أن يكون لكَ كما تريد؟ هل أنت على منهجه؟ هل أنتَ في مرضاته؟ هل أنتَ أخذتَ دينه جملةً وتفصيلاً؟ هل طبقّتَ أوامره بحذافيرها؟ إن لم تكن كذلك, لا ينبغي أن تعتب, ولا ينبغـي أن تقول: لِمَ يكونُ هكذا؟ لِمَ يحدث هكذا؟ أينَ الله عزّ وجل؟ .
 هذه أسئلة كبيرة جداً, إن لم تملك الجواب الصحيح عليها, فأنتَ في مشكلة, أنتَ تُعامل خالقَ الكون, لو عاملتَ إنساناً, يقول لكَ: لا أستطيع، إمكانياتي محدودة، هذه ليست بيدي، مع هذا الإنسان ألف عذرٍ وعذر أن لا يُنجدكَ, أما إذا عاملتَ الخالق هو مطلق, كن فيكون, زُل فيزول, كلُّ شيء بيده, وخاضعٌ له, بيده ملكوت السموات والأرض, لا يعزب عنه شيء في الأرضِ ولا في السماء .
 فإذا دعوتَ الله أن يغيثكَ بالمطر, ولم يغثك بالمطر, معناها في خلل, تقنين الله عزّ وجل ليس تقنين عجز بل تقنين تأديب, أريد أن يأخذ الإنسان الإسلام مأخذاً جِديّاً، أن يأخذه كمعادلات رياضية, أن يأخذه كقوانين حتمية، أن يأخذه كسُنّة كونية، أن يأخذه كمنهج تفصيلي ، أن يأخذه كقواعد قطعية، إذا فهمتَ الدينَ هكذا, قطفتَ ثِمارَ الدين, وكنتَ أسعدَ الناس بهذا الدين, وشعرت بمعنى اسم السلام, الذي تحدثنا عنه في الدرس الماضي, شعرت بالطمأنينة, وملكتَ التفسير الصحيح لِما يجري ...
 الإنسان أحياناً بحاجةٍ ماسّة لأن يملكَ التفسير الصحيح لِما يجري حوله, لأنَّ الدين متكامل، الدين يغطي كلَّ شؤون الحياة, يغطي كلَّ نشاطات الحياة، يغطي كلَّ مناحي الحياة، فالدين ليسَ أن تصومَ وأن تُصلي فقط، وليسَ أن تبحثَ عن أحكام البيوع وأحكام كذا، الدين يقدم لكَ تفسيراً دقيقاً للكونِ والحياةِ والإنسان .
 فلهذا: يعني سؤال كبير جداً, القرآن الكريم إذا درسناه, يجب أن ندرسه دِراسةً متأنيّة، يجب أن نتدبرّه، ارجعوا إلى كتاب الله في كلِّ شيء, منهجٌ .

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة المائدة الآية: 3]

 يعني مثلاً: حينما يتوجه المسلمون إلى أنَّ الدين: أن تؤدي هذه العبادات من صومٍ وصلاةٍ وحجٍ وزكاة, ويغفلُ المسلمُ عن أنَّ الدين هو في استقامة الجوارح, وفي استقامة اللسان, وفي طلبِ الأسباب, والتوكل على الله عزّ وجل, هل يُعقلُ أن يكونَ الدينُ مظهراً للضعفِ؟ لا والله, هل يُعقل أن يكونَ الدينُ مظهراً للخنوعِ، مظهراً للكسلِ، مظهراً للقعودِ؟ لا والله, لذلك نحن إذا طبقّنا أكثرَ أوامر الدين, وأغفلنا بعض الأوامر, ما قطفنا ثمار الدين إطلاقاً ، وأخطرُ ما في الأمرِ أن يعزوَ الإنسان خطأه إلى ربه, الله عزّ وجل كتابه واضح:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[ سورة العنكبوت الآية: 69]

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾

[سورة الحج الآية: 38]

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾

[سورة محمد الآية: 7]

 فالإنسان في زحمةِ الفِتن, وفي زحمةِ اضطراب الأفكار والمقاييس, وفي زحمةِ اختلاط الأوراق, وفي زحمةِ تداخل التفسيرات, عليه أن يعودَ إلى النبع, إلى كتاب الله, وأن يقرأهُ, وأن يشعرَ بمصداقيته, لأنَّ كلَّ كلمة قالها الله عزّ وجل, حقيقة قطعيّةٌ ثابتةٌ, الوقائع دائماً تؤكدها, وهذا الكلام أنا متأكد أنَّ كلَّ واحد منكم معه عليه أدلةٌ من حياته اليومية، ما من مصيبةٍ أصابته إلا بسببٍ وجيه، ولأمرٍ خطير, ولِعلاجٍ سريع، فإذا بدأ يفهم على الله عزّ وجل, لماذا كانَ هذا الأمر؟ ولماذا لم يكن؟ لماذا وُفقتُ إلى هذا الأمر؟ ولماذا لم أُوفق إلى هذا الأمر؟ عندئذٍ يشعر أنَّ الدين أعطاه الحقيقة المطلقة التي هي أثمن ما في الوجود, أثمن ما في الوجود أن تعرف الحقيقة, انعكاس الحقيقة على حياتك الخاصة، على حياتك العامة، وعلى حياتك البيتية، وعلى مهنتكَ, انعكاسٌ رائع, وعلى مجموع الأمة .

منزلة الخلق :

 يلفتُ نظري سيدنا جعفر, سأله النجاشي : حدثنا عن هذه الدعوة التي جاءَ بها نبيكم .
 وقفتُ عندَ هذا الكلام ملياً , وأُعيده كثيراً .
 يقول :
 أيها الملك , كُنّا قوماً أهلَ جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكلُ الميتة , ونأتي الفواحش ، ونُسيء الجِوار , ويأكلُّ القويُّ مِنا الضعيف ، حتى بعثَ الله فينا رجلاً ، نعرف أمانته , وصدقه , وعفافه , ونَسبه ، فدعانا إلى الله لنعبده , ولنوحده , ولِندعَ ما كانَ يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان , وأمرنا بصدق الحديث , وأداء الأمانة , وصلة الرحم , والكفِّ عن المحارم والدماء .
 بربكم : سيدنا جعفر , هذا الصحابي الجليل , ماذا فهم من الإسلام ؟
 مكارم الأخلاق , فهمَ الدين خُلق ، فهمَ الدين استقامة ، فهمَ الدين صدق ، فهمَ الدين إخلاص ، فهمَ الدين رحمة ، فهمَ الدين وقوف عندَ حدود الله ، فهمَ الدين توحيد .
 هذا الذي يأكل مالاً حراماً , ويتجاوز حدود الله عزّ وجل , ويلبّي نداء المؤذن كلما أذّن , هذا الإنسان ألا يزوّر الدين ؟ ألا يشوّهُ حقيقته ؟.
 أذكر قول الإمام عليٍّ كرّمَ الله وجهه : أنَّ قوام الدين والدنيا أربعة رجال :
 عالمٌ مستعملٌ علمه , وجاهلٌ لا يستنكف أن يتعلم ، قلت : إذا ضيّعَ العالم علمه , استنكفَ الجاهل أن يتعلم .
 أنت كمسلم بصراحة أقولها , أنت عند أهلك ، عند والدك ووالدتك ، عند زوجتك ، عند أولادك ، عند أخوتك ، عند جيرانك ، عند من هم دونك ، عند من هم فوقك ، عند أصحابك ، عند زملائك ، عند مجتمعك ، عند بلدتك ، عند أمتك ، أنت محسوب على المسلمين , أنت مسلم , الناس لا يعبؤون بصلاتك ولا بصيامك ، يعبؤون بمعاملتك ، بذمتك ، بصدقك ، بعفتك ، بطهارتك ، بخلقك ، بتواضعك ، بعفوك ، فإذا ما أحبَّ الناس الإسلام من خلال سلوكك فأنتَ لستَ مسلماً ، إذا ما عشقَ الناس الدين من خلالك أنت لستَ مؤمناً ، إذا ما قالَ الناس هذا هو الدين , يا الله ما أروع الدين ! أهذه تربية المسلمين ؟ أهذه تربية الدين ؟ إن لم تكن كذلك فلستَ مسلماً .
 لعلك رأيته يصلي في المسجد , قال له : نعم , قال : أنت لا تعرفه , هل جاورته ؟ هل حاككته بالدرهم والدينار ؟ هل سافرت معه ؟ .
 بإمكانك أن تكون أكبرَ داعيةٍ إلى هذا الدين وأنت ساكت, ليرى الناس منكَ العفاف , أنتَ إذا ذهبتَ إلى مقام النبي عليه الصلاة والسلام ماذا ترى؟ ترى أناساً يبكون أمام مقامه, يا ربي هؤلاء ما رأوه، ما عاملوه، ما أخذوا منه شيئاً، ما أعطاهم شيئاً، لماذا هم يبكون أمامه؟ لأنَّ هذا النبي العظيم ما قالَ شيئاً خالفه في سلوكه، ما تكلّمَ كلمةً فعلَ عكسها، كانَ صادقاً مع نفسه، كانَ رحيماً بالناس، كانَ مثلاً أعلى، كانَ قدوةً صالحة .
 الإنسان حضرَ مجالسَ العلم, واستمع إلى إلقاء المحاضرة, وتأثرَ بها, ولم يطبّق ما سمع, هذه حالة مرضية, يقسو قلبه, يتعود على السماع بصير, لكن ليسَ مطبّقاً لِما يسمع، لا يقطف ثِمارَ ما يسمع، ثم يملّ, أعطه سيارة لا تسير, يوم غسلها، يوم لمعّها، يوم نظفّها، ما قطف ثِمارها, ثم يملّ منها، أما إذا رَكِبها, ونقلته إلى مكان جميل هوَ وأهله, قطفَ ثِمارها, شعرَ بقيمتها .
 أنا الذي أريده: أن تذوقَ طعم القرب، أن تذوق طعمَ الحب، أن تذوق طعمَ الصِلةِ بالله عزّ وجل، أن تشعرَ أن الدين نقلكَ من الجحيم إلى النعيم، أن تشعرَ أن الدين نقلك من الضياعِ إلى اللُقيا، أن تشعرَ أن الدين نقلك من الهموم التي بعضها فوق بعض إلى الإشراقات التي يلي بعضها بعضاً، إن لم تكن أسعدَ الناس فما قيمة هذا الدين؟ أنت مع خالق الكون، لا يحزن قارئ القرآن .
 يجب أن يكون شعارنا أيّةُ آيةٍ قرآناها، أو أيّةُ آيةٍ فهمنا تفسيرها، أو أيُّ حديثٍ فهمنا معناه, ينبغي أن يكون شُغلنا الشاغل أن نطبّقه, كي نقطفَ ثِماره، لو حدثّتَ الناس آلاف المرات, بل عشرات آلاف المرات, أنَّ الصدق ينجي, وأنتَ لم تكن كذلك, تملُّ من هذا الكلام, لكن دائماً كن صادقاً حتى مع الحيوان .
 هذا المُحدّثُ الشهير, الذي قصدَ البصرة من المدينة, فلما رأى الرجل الذي جاء ليأخذَ عنه الحديث, قد كذبَ على فرسه, سكت وعاد إلى حيثُ كان, هذا الذي يكذب على فرسه, ليسَ أهلاً أن يكونَ مُحدثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 أنا أقولها لكم بصراحة: يجب أن يكونَ بيتك جنّة, كيف فعل النبي؟ كان إذا دخلَ بيته بسّاماً ضحاكاً، هدفه الأكبر أن يهدي أولاده، أن يهدي أهله، يجب أن يكون عملك خلية نحل, يجب أن يتعلم الناس من تعاملك التجاري؛ الصدق والاستقامة والرحمة والنزاهة والأمانة, هذا الذي نعوّلُ عليه, سمعنا كلاماً كثيراً, خُطباً رنانة, كتابات رائعة، بلاغة ناصعة، أفكاراً مُنظمة ، ولكنَ التطبيق هو الذي نحن نُقصّرُ فيه .
 لذلك : ترى المساجد ملآى , وهناك من يشكو الكذب والاحتيال , وأن تأخذَ ما ليسَ لكَ , وأن تبغي على شريككَ , على خليقكَ , يجب أن يكون البيت جنّة , والعمل في نزاهة , وفي كلّ مكان صحيح .

الآية الأولى : وإنك لعلى خلق عظيم .

 نقيم الناس, فنصف بعضهم بالغنـى، وبعضهم بالقـوة، والآخـر بالذكاء، ورابعهم بالحِنكة والسياسة, فلان نَصِفه بالجمال، أو بالصحة، أو بتحصيل أعلى الشهادات، ولكنَّ هذا النبي الإنسان الأول, المخلوق الأول, وصفه ربه :

﴿وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم﴾

 فسّرَ هذه الآية : وإنكَ لعلى دينٍ عظيم , يعني جعل الخُلق هو الدين , وجعلَ الدين هوَ الخُلق , وكلاهما يعني شيئاً واحداً , أنتَ أخلاقي , أنتَ مؤمن , هذا تفسير ابن عباس والإمام مجاهد , وإنَكَ لعلى دينٍ عظيم , بأنَّ هذا الدينَ كله مكارمُ أخلاق .
 سيارة ألغينا مُحركها, الأبواب ممتازة، المقاعد وثيرة، العدادات متألقة، الطِلاء لماع، المُحرك من السيارة, يعني ألغينا السيارة, في طيارة عند الشيخ رسلان, هذه طائرة؟ هذه مطعم وليست طيارة, لأنها لا تطير, الطيارة تطير .
 أقول لكم: إذا ألغينا الأخلاق، إذا ألغينا الخُلق الحسن، إذا ألغينا السموَ النفسي، إذا ألغينا الطهارة القلبية من الدين, فقد ألغينا الدين كله .
 أروع تفسير للإمام مجاهد وابن عباس :

﴿وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم﴾

 الدين هو الخُلق والخُلق هو الدين. هذه أول آية .
 الإمام الحسن قالَ:

﴿وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم﴾

الآية الثانية: ادفع بالتي هي أحسن ....

 وإنكَ لعلى آدابِ القرآن، القرآن بينَ أيديكم قال لك:

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[سورة فُصلّت الآية: 34]

الآية الثالثة : وقولوا للناس حسنا .........

 هذه الآية ليست كي تقرأها وتأتي بأحكامها, لا, كي تدفعَ بالتي هيَّ أحسن:

﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾

[سورة البقرة الآية: 83]

الآية الرابعة : خذ العفو وأمر بالعرف .....

﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾

[سورة الأعراف الآية: 199]

الآية الخامسة : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما .

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً﴾

[سورة الفرقان الآية: 63]

 يجب أن تقرأ القرآن قراءةً , تستنبط منها آيات الأخلاق .
مرة حدثناكم, أتمنى على كلِّ أخٍ كريم أن يقرأ القرآن, ليستنبطَ من هذه القِراءةِ الأوامر والنواهي، وأن يقرأ القرآن ليستنبطَ من هذه القِراءة القوانين والسُنـن، وأن يقرأ القرآن ليستنبطَ منه مكارمَ الأخلاق, هذا الذي أتمناه على كلِّ أخٌ كريم, أن يجعلَ هذا القرآن وما فيه من قيّمٍ أخلاقيّةٍ دستوره .

 

الآية السادسة : وعاشروهن بالمعروف ......

 زوجتك:

﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾

[سورة النساء الآية: 19]

 افتح التفسير: ليست المعاشرة بالمعروف, أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها, بل أن تحتمل الأذى منها, هذا دينك, دينك مع زوجتك, أن تحتمل الأذى منها، دينك مع أولادك, أن تُحسنَ إليهم .

الآية السابعة : ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ............

 دينك مع والديك :

﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة العنكبوت الآية: 8]

 دينك مع جارك، دينك مع السائل، دينك مع الفقير .

 

خلق النبي :

 درسنا الآن :

﴿إنكَ لعلى خُلقٍ عظيم﴾

 إنكَ لعلى آداب القرآن, ما هذا الأدب؟ قالَ: أدبّني ربي فأحسنَ تأديبي .
 وتأديب الله للنبـي عليه الصلاة والسلام توجيهاته في القرآن الأخلاقية، والسيدة عائشة تقول: كانَ خُلُقهُ القرآن .
 الإله عادل، إذا الناس أفلحوا جميعاً, جاء الخير للمجموع، وإذا أبَوا جاء الشر .
 عَجِبَ ربكم من قومٍ يساقونَ إلى الجنةِ بالسلاسل ، من أطاعني دخلَ الجنة , ومن عصاني فقد أبى .
 أنا أدعو إلى الله, أنصحُ الناس, ولكن إذا رأيتُ إعراضاً من الناس, وتفلتاً, وانكباباً على حُطام الدنيا, وتشبثاً بالشهوات, ماذا أفعل؟ أنغمسُ معهم؟ لا والله, هذا الذي أتمناه على كلِّ أخ، إن يئستَ من مجتمعك فعليكَ بنفسك، إن يئستَ ممن حولك, فعليكَ بخاصةِ نفسك ودع عنك أمرَ العامة، إذا رأيتَ شُحاً مُطاعاً, وهوىً متّبعاً, وإعجابَ كلَّ ذي رأيٍ برأيه, فعليك بنفسك, كل إنسان يرى نفسه مِحور العالم, كل إنسان متشبث, كل إنسان مادي وشهواني وأناني, وأنا هذا رأيي, وأنا صحيح, وأنت غلطان, حينما ترى الأمور اختلطت وتداخلت, والفِتن استعرّت, عليكَ بخاصةِ نفسك, بمعنى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة المائدة الآية: 105]

 إنكَ لن تستطيعَ أن تفعلَ شيئاً قبلَ أن تُصلحَ نفسك, لا تقدر أن تؤثّر بمخلوق كائناً من كان, قبلَ أن تكون أنتَ في المستوى المطلوب, علينّا أن نهتم بأنفسنا، نهتم بزوجاتنا، ببناتنا، بأولادنا، ببيوتنا, إذا كلّ واحد منكم جعلَ بيته إسلاميّاً, هذا الطريق الصحيح, لأنه الضجيج والعويل والصُراخ لا يفعل شيئاً, كالذي وقفت سيارته, فجعلَ يصرخ, ويستغيث, ويعاتب الأقدار, ويتألم, ويبكي, افتح غطاء المحرك, وانظر أين العطل؟ وهذا المجتمع أساسه البيوت، أساسه الأسرة، الأسرة هي اللَبِنةُ الأولى، إذا أردتَ أن تنجوَ من عذاب الله، إذا أردتَ أن تنجوَ من الفِتن, إذا أردتَ أن تنجوَ من المِحن، إذا أردت أن تنجو من البلاء:

﴿وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾

[سورة فُصلّت الآية: 18]

 سيدنا يونس:

﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنبياء الآية: 87-88]

 هذه الآية الكريمة:

﴿وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم﴾

 إنكَ لعلى دينٍ عظيم، والمعنى الثاني: إنكَ على آدابِ القرآن .
 عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:

((أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ, أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ, أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾

 قُلْتُ: فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَبَتَّلَ, قَالَتْ: لا تَفْعَلْ, أَمَا تَقْرَأُ:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

 ؟ فَقَدْ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَقَدْ وُلِدَ لَهُ))

 

في نقطة دقيقة: نسمع دروساً عشرين سنة، في كتب، في أشرطة، في مؤلفات، في خُطب، يعني في ذخيرة إسلامية لا يعلمها إلا الله, ومع ذلك هناك تقصير، هناك تفلت, هناك تسريب لبعض الشهوات، تجد مستودعاً فيه ثقب, مهما تملؤه تجده فارغاً, اسمع مليون خطبة فالعبرة بالتطبيق، العبرة بالانضباط، ادخل إلى البيت, وافتح دفترك، أين المخالفات؟ المخالفات المتعلقة بالزوجة في خروجها، في مظهرها، في الاختلاط، في العلاقات، بالبنات، بالأولاد، بعملك، بكسبك, في ذممك، في واجباتك.

((يا سعدُ, أطب مطعمكَ تكن مستجاب الدعوة))

[أخرجه الطبراني في المعجم الصغير]

 أطب مطعمك, أفضل شيء أن نعود إلى التطبيق, كي يتجلّى الله على قلوبنا، كي نشعر بنعيم الدين، كي نشعر بلذّةِ القرب، كي نشعر باطمئنانِ الحب .
 قال: الآية الكريمة:

﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾

 قال: هذه الآية جمعت مكارم الأخلاق كلها, خذ العفو: أنظر لكلمة خذ، أنت معقول أن تعطي إنساناً شيئاً مؤذياً, خذ هذه الساعة, هذه إلكترونية، خذ هذا القلم، خذ هذه القطعة من الذهب، خذ هذه القطعة من الماس، كلمة خذ من خالق الكون, الملك ماذا يعطي المتفوق أو البطل؟ يعطيه قلم رصاص, يعطيه بيتاً، يعطيه سيارة، كلمة خذ من الله, معناها شيء عظيم جداً, ماذا تأخذ؟ خذ العفو ..

 

 موقف شديد الإيلام: عندما ذهب النبي إلى الطائف, ودعا أهلها, فسَخِروا منه، كذبوا دعوته، ردوّه ردّاً قبيحاً, ضربوه بالحجارة, ماذا قال؟: اللهم اهدِ قومي, لم يتخل عنهم, لم يقل: اهدِ هؤلاء, لا .
 اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون .
 ثلاثة أشياء بالدعاء: لم يتخل عنهم، واعتذرَ عنهم، ودعا لهم، أنت عندك الإمكانية أن تفعل هذا, إذا أصابك شر من إنسان, تتمنى أن تقطعه إرباً, أليسَ كذلك؟.

﴿خذ العفو وأُمر بالعرفِ وأعرض عن الجاهلين﴾

 اُعفُ عمن ظلمك، اُعفُ عمن أساء إليك, يقولون: أنَّ هذه الآية الكريمة, النبي عليه الصلاة والسلام وقفَ عِندها, فسألَ جبريل: ما هذا؟ قالَ جبريل: لا أدري حتى أسأل، فسألَ جبريل ربه, ثمَ رجعَ إليه, فقالَ: يا محمد, إنَّ الله يأمركَ أن تصلَ من قطعك، وأن تعطيَ من حرمك, وأن تعفوَ عمن ظلمك.
 هذه خذ العفوَ، هذا الذي قطعكَ زره في بيته، هذا الذي حرمكَ أعطه، هذا الذي ظلمكَ اعف عنه، هذه الآية جمعت مكارم الأخلاقِ كُلها, إذا قُلنا: كٌلِها على الأخلاق, لأنَّ كلمة مكارم جمع وأخلاق جمع, جمعت مكارم الأخلاق, إذا قلنا: كُلّها على المكارم، إذا قلنا: كُلِها على الأخلاق .

 

 وأُمر بالعرفِ: العُرف ما جاء به القرآن, ما جاء به الشرع، أنت كمؤمن لن تستطيع أن تدعوَ إلا إلى الشرع, لأنَّ الشرع شرعُ خالق الكون، الشرع تعليمات الصانع، الشرع تعليمات هذه الآلة, فإذا أحببت نفسكَ وأُمر بالعرفِ .

 لكَ أعداءٌ كثيرون، قال له: يا ربي - سيدنا موسى بالمناجاة- يا ربي لا تبقِ لي عدواً، قالَ: يا موسى هذه ليست لي .
 لكَ أعداء، لكَ خصوم، لكَ حاسدين، لكَ ناس منتقدين .

﴿وأعرض عن الجاهلين﴾

 ارتفع عن هذه المرتبة, اصعد إلى مستوى أرقى, لا تكن في هذا المستوى .

﴿وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم﴾

﴿خذ العفو وأُمر بالعرفِ وأعرض عن الجاهلين﴾

 قال أنسُ رضي الله عنه:

((كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناسِ خُلقاً))

 حُكي لنا عن رجل, كان مفتي قبل خمسين عاماً في هذه البلدة, وكان من الصالحين الأتقياء, قال: كان قاضياً, دخلت عليه امرأةٌ, يبدو أنها وهي تصعد الدرج, خرجَ منها صوتٌ قبيح، فاحمرَّ وجهها, وخَجِلت خجلاً شديداً, وقالت لأختها: سمعنا القاضي, وتألمت كثيراً، فلما وصلت إليه, سألها عن اسمها, فأجابته، قالَ: ما سمعت, ارفعي صوتك يا أختي, أنا لم أسمع، رفعت صوتها, فقالَ لها: أنا ما سمعت, أنا لا أسمع, قالت لها: شايفة معناها ما سمعنا, خُلق هذا، خُلق عظيم, خجلت, لا تحرجها، كلما ارتقى مستواك, لا تُحمّر وجه أحد، لا تُحرج أحداً.
 النبي عليه الصلاة والسلام لمّا كان مع أصحابه, وقد تناولوا لحمَ جَذور, وأصحابه كلهم أعلام, فظهرت رائحة كريهة, وكانوا جميعاً قد توضؤوا, وصلّوا الظهر, وتناولوا الطعام, وها قد أذنَّ العصر, من هذا الذي سيقوم ليتوضأ؟ هذا يتمنى أن تنشقَّ الأرض وأن تبتلعه, فقالَ عليه الصلاة والسلام: كلُّ من أكلَّ لحمَ جذورٍ فليتوضأ, فقالوا: كُلنا أكلنا, قالَ: كلكم فليتوضأ .
 ما هذا؟ من أين تأتي بهذا الخُلق؟ تجد بعض الناس, يهمه أن يُحرج غيره، يضايقه، يكذبه أمام الناس, أوقعه في موقف حرج .
 من جاءه أخوه متنصّلاً, فليقبل منه مُحقاً كان أم مُبطلاً, كإنسان مؤمن يقول لك: أنا لم أتكلم هذه الكلمة على العين والرأس, فعلاً أنتَ لم تتكلمها وأنا قَبِلت, لا يوجد شيء يرفعكَ إلا أن تكونَ أخلاقيّاً .
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:

((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْن,ِ كَانَ عَرَقُهُ اللُّؤْلُؤَ, وَكَانَ إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ, وَمَا مَسِسْتُ دِيبَاجًا قَطُّ وَلا حَرِيرًا وَلا شَيْئًا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ مِسْكَةً وَلا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رِيحِهِ))

 يعني أيام تمسك يد شخص, تجدها خشنة كالمبرد، في أشخاص لهم عمل بالأقمشة, فتجد يده ناعمة, يعني عنده حساسية بالغة ..
 قال سيدنا أنس: ما مسست ديباجاً ولا حريراً ألينَ من كفِّ رسول الله، ولا شممت رائحة قطُّ أطيبَ من رائحة رسول الله، ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين, فما قالَ لي قطُّ أفٍ.
 تجد أناساً يطرقون, يغضبون, يكسرون الصحون, ويسبّون, ويشتمون, ولقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرَ سنين, فما قالَ لي قطُّ أفٍ, وما قالَ لشيءٍ فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا؟ متفقٌ عليه, هذه أخلاق رسول الله .
 يا ترى أنت مع الناس هكذا؟ مع أخوانك، مع أولادك، مع جيرانك، مع زملائك، عندك هذا اللين، الرحمة، العطف, يسألون: أنت من شيخك؟ أين تحضر؟ خذنا معك, الآن بالعكس: يقول لك: هذا الذي علّمك شيخك؟ عندما تغلط معه, يقول: هذا الذي تعلمته بالجامع؟ هكذا الدين؟ يجب أن يشتهي الناس أن يكونوا مثلك .
 عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأنْصَارِيِّ, سَأَلْتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالإثْمِ, قَالَ:

((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ, وَالإثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ, وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 هل لاحظتم في كل حياتكم إنساناً يمزج الماء وبالحليب أمام المشتري؟ لا أحد يعملها, أين يضعون الماء بالحليب؟ بالمنزل يعملون هذه العملية, فكل شيء تكره أن يطّلعَ عليه الناس فهو إثم, المؤمن يصل لدرجة ما في عنده ازدواجيّة أبداً, داخله مثل خارجه, بمنزله مثل الطريق, سريرته كعلانيته, ما في قلبه على لسانه, ما في لسانه في قلبه، لن تكونَ مؤمناً صادقاً إلا بالتوحّيد, أما الازدواجيّة موقفين، لسانين، موقف مُعلن، موقف حقيقي, هذا الموقف الازدواجي، وهذا الموقف التمثيلي، وهذا الموقف الخُلّبي، وهذه تتكلمها وتحلف بالله وأنتَ لستَ كذلك, ليسَ هذا من الدينِ في شيء .

((البِرُّ حُسنُ الخُلق, والإثمُ ما حاكَ في صدركَ, وكرهتَ أن يطلّعَ عليه الناس))

 هذا مقياس .
 وفي الترمذي: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قـَالَ:

((مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ, وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ))

 إذا بالغ الإنسان في الاستقامة, وبالغ بالتمسك بمكارم الأخلاق، يصل لدرجة يشعر أنَّ الله يحبه, هذا الشعور لا يُقدّر بثمن, كأنه غالٍ على الله, يشعر عندما قال الله: فإنكَ بأعيننا, كأنه كذلك:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾

[سورة مريم الآية: 96]

 أن يكون له مودة مع أعلى إنسان بالبلد, يدخل عليه متى شاء, تجده يخوّف الناس كُلّهم, فما بالك إذا كان خالق الكون يحبك؟ يرضى عنك؟.

﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾

[سورة الفتح الآية: 18]

 ألا تغار من الصحابة الكِرام؟ والباب مفتوح أن يرضى الله عنك، مفتوح الآن في هذا العصر، ليس لكَ زوجة، ليسَ لكَ أقرباء، ليسَ لكَ أخوات, ليسَ لكَ أم، ليسَ لكَ أب، ليسَ لكَ جيران، ليسَ لكَ مهنة تكون نصوحاً فيها, صادقاً فيها, كريماً, رحيماً.
 أيام تدخل امرأة فقيرة على صيدلية, ينقصها ليرتين, يقول: اذهبي وأحضريهما، ليرة أيام اذهبي وأحضريها، تكون امرأة عجوز, أليس عندكَ رحمة؟ قل: سامحتك ..
 فكلما ارتقى الإنسان ينشأ في قلبه رحمة، ينشأ تسامح، ينشأ عطف، وهذا كله من الخُلق، تقل مُبالغ في الموضوع ..
 كتاب قرأته قِراءة متينة جداً وحفظته, تناقش فيه كلّ الناس, لا تظن أنَّ الله راضٍ عنك ، العلم ضروري جداً, والعالم على العين والرأس، أما لو كان الذي قرأ الكتاب وحفظه وفهمه أخلاقه سيئة ما أُفلح .
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: تَقْوَى اللَّهِ, وَحُسْنُ الْخُلُقِ, وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ))

 هذا اللسان؛ الكذب، الغيبة، النميمة، السخرية، الفحش، البذاءة، الدجل، التزوير، التدليس, سُباب، شتائم، هذا اللسان .
 الفم: أهم شيء الداخل من لقمة حرام, والخارج من كلمة سوء.
 أكثر ما يُدخل الناس النار الفمُ والفرجُ, شهوة الطعامِ وشهوة الفرجِ, وأكثر ما يُدخل الناسَ الجنة: تقوى الله وحُسنُ الخُلق .
 عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ:

((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ))

 صام يوم عاشوراء, وخلقه ضيق, وآخر لم يصم، الأخلاقي الذي خلقه حسن لو لم يصم سبق الصائم، واحد صلى قيام الليل, وفي اليوم الثاني خلقه ضيق ويسب ويشتم, والذي لم يصل قيام الليل وبقي نائماً, وفي اليوم الثاني خلقه حسن أفضلُ منه، أما الأفضل من هذا وذاك, من صلى قيام الليل وكان خلقه حسناً, هذا أفضل طبعاً .

 

 عَنْ جَابِرٍ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا, وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ, فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 هناك جبابرة, المتكبرون مقطوعون عن الله عزّ وجل .
 هذا الموضوع طويل إن شاء الله, يحتاج إلى درس قادم, على كُلٍ؛ من الأخلاق الأساسيّة: الصبر، والعِفة، والشجاعة، والعدل، ومن أساسيات الانحرافات الأخلاقيّة: الجهل، والظلم، والشهوة، والغضب, وأساس الأخلاق: أن تكونَ بين الإفراط والتفريط، هذه كلها موضوعات إن شاء الله نأخذها في درس قادم .
على كلٍ؛ ليس لهذه الدروس من قيمةٍ إطلاقاً, إلا إذا تجسدت في السلوك، إلا إذا طُبقت في البيوت, إلا إذا طُبقت في الطريق، إلا إذا طُبقت في الحوانيت، في الدوائر، في المعامل، في المصانع، في المتاجر، في المزارع, إلا إذا طبقتَ هذه الأخلاقَ في حياتكَ اليومية، عندئذٍ تقطفُ ثمارها .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور