وضع داكن
21-02-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 41 - الإيمان بالكتب السماوية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

اﻹيمان بالكتب السماوية من أركان الإيمان بالله:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الواحد والأربعين من دروس العقيدة، أنهينا في الدرس الماضي موضوع الإيمان بالرسل، وكلكم يعلم أن دروس العقيدة هي في الحقيقة أركان الإيمان، وأركان الإيمان هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى.
تحدثنا عن الإيمان بالله، وعن الإيمان بالرسل، واليوم ننتقل إلى موضوع جديد وهو الإيمان بالكتب، فوجوب الإيمان بالكتب السماوية هو الموضوع الأول في الإيمان بالكتب، وجوب الإيمان بالكتب السماوية، من أركان العقيدة الإسلامية الإيمانُ بالكتب السماوية التي أوحى الله بها إلى رسله، فالله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ويأمره بأن يعلن إيمانه بجميع الكتب التي أنزلها الله فيقول في سورة الشورى: 

﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)﴾

[ سورة الشورى ]

قل يا محمد صلى الله عليه وسلم آمنت بما أنزل الله من كتاب، أيُّ كتاب من الكتب السماوية المنزلة على أنبيائه آمن بها، قل: آمنت بها. 
 

خطاب الرسول خطابٌ لكل مَن آمن برسالته:


شيء آخر؛ قال علماء الأصول: إن خطاب الرسول خطابٌ لكل مَن آمن برسالته، وقال الله تعالى يخاطب المؤمنين في سورة النساء:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)﴾

[ سورة النساء ]

والآيات تجتمع على أن تقرِّر أنه يجب أن تؤمن بالكتب السماوية المنزّلة على أنبياء الله ورسله جميعاً، الله سبحانه وتعالى يبين عقيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعقيدة المؤمنين معه في سورة البقرة، قال تعالى: 

﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)﴾

[ سورة البقرة ]

والملاحظ أن الإيمان بالرسل، والإيمان بالكتب مِن العقائد التي يجب أن تُعْلَم بالضرورة، وأنّ مَن لم يؤمن بالكتب السماوية فقد ضلّ ضلالاً مبيناً، ولو وسعنا هذا الكلام أي حينما تُعلِن بلسانك أنك مؤمن بهذا الكتاب، شيء جميل، وتخالفه، ولا تطبق أحكامه، ولا تجعله حَكَماً بينك وبين الآخرين، ولا تعبأ بأوامره، ولا تنتهي عما نهى عنه، ولا تراه حاسماً في حياتك اليومية، ولا تأخذ به، فأي إيمان هذا؟ هذا إيمان باللسان، ولكن الإيمان في القلب أي أن تنطلق في نشاطك وعملك وسلوكك في ضوء ما جاء في كتاب الله، أنت حينما تشتري آلة غالية الثمن، ولا تستطيع أن تشتري غيرها، ويؤلمك ألماً شديداً حينما تعطب، وحينما يكون مع هذه الآلة المُعقدة نشرة من المصنع الذي صنعها، في هذه النشرة تعليمات، وتوجيهات، وتوضيحات، وطريقة استعمال، وتحذيرات من أجل سلامتها وسلامة العمل بها، ومن أجل صيانتها، تأكد أنك تحرص حرصاً بالغاً لا حدود له على تطبيق هذه التعليمات، لأن الآلة غالية الثمن، ولها علاقة بعملك اليومي، وقد تُدرّ عليك ربحاً وفيراً، فلو تعطلت لتعطل معها رزقك، ولو تعطلت لكلفتك مبالغ طائلة في تصليحها، لذلك من هنا تحرص على تطبيق النشرة التي أرفقها المعمل معها تطبيقاً دقيقاً تاماً من أجل سلامتها، لاحظ نفسك كيف أنك تسعى إلى تنفيذ التعليمات تنفيذاً دقيقاً لحرصك على هذه الآلة، ولخوفك من أن تعطب، فكيف إذا علِمتَ أن هذا الكتاب الذي أنزله الله عزّ وجل على رسوله فيه تعليمات دقيقة، وأوامر واضحة، ونواهٍ صريحة، وفيه رسمٌ لطريق السعادة في الدنيا والآخرة، فيه توضيح، فيه إنذار، فيه تبشير، فيه بيان، فيه تفصيل، ما موقفك منه؟ الحقيقة التي لا مِراء فيها أنك إذا عرفت أنه من عند الله، وأن سعادتك في الدنيا والآخرة متوقفة على معرفته، ومعرفة مضامينه، والعمل به، لاشك أنك تطبقه.
أنا أريد أن أبتعد عما يتوهَّم البعض أنه بمجرد أن يقول: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، وانتهى الأمر، ويكسب مالاً حراماً، ماله مشوب بالربا، ونظرته تتجاوز الحدود التي أمر الله بها، وحياته في البيت حياة غير إسلامية، فأي إيمان هذا؟ قيل: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.
 

المؤمن الحق هو من شمل إيمانه أركان العقيدة كلها:


شيء آخر؛ أركان العقيدة من إيمان بالله، وإيمان باليوم الآخر، وإيمان بالكتب، وإيمان بالرسل، وإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، هذا كل لا يتجزأ، أي لا تسمى مؤمناً إذا آمنت بالله وأما بالقرآن فقد وقفت منه موقفاً متفرجاً، الله عزّ وجل يقول لك في صريح القرآن الكريم:

﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)﴾

[ سورة البقرة ]

كلام رب العالمين، تُزَوّج ابنتك للغني الفاجر مع علمك بأنه فاجر وتُعرِض عن المؤمن لضيق ذاتِ يدِه؟! إذاً أنت لم تصدِّق كلام الله عزّ وجل، لم تصدِّق أن الله عزّ وجل يقول لك: إن هذا العبدَ المؤمن خيرٌ من هذا الفاجر المشرك، فلذلك الموضوعُ موضوعُ التصديق بكتاب الله موضوعٌ يأخذ أبعاده العملية، والإيمانُ بالله مع الإيمان باليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والقدر خيره وشره، كل لا يتجزأ، لو آمنتَ بالله ولم تؤمن بكتابه فالمشكلة خطيرة، لو آمنت بالله ولم تؤمن باليوم الآخر المشكلة أخطر، أركان الإيمان كل لا يتجزأ، ولا يُقبل منك الإيمانُ بها على واحدةٍ منها. 
 

إذا كفرت بركن من أركان العقيدة يستلزم هذا نقض إيمانك كله:


شيء آخر؛ إن الكفر بواحدة منها يستلزم نقضَ العقيدة الإسلامية من أساسها، والإيمان باللهُ عزّ وجل من أسمائه الحق، والحقُّ يتحقَّق في اليوم الآخر، يوم الدين، يوم الدينونة، يوم الجزاء، يوم تُوفى كل نفس ما عملت، فإنْ لم تؤمن باليوم الآخر فإيمانك بالله غير صحيح، إن آمنتَ بالله واليوم الآخر ولم تؤمن أن هذا الكتاب فيه طريق سعادتك فإيمانك غير صحيح.
إذاً أركان الإيمان كلّ لا يتجزأ، ولا يُقبل إيمان عبدٍ إذا نقصت واحدةٌ من هذه الأركان.
الآن عقيدة الإيمان بالله لا تنفكُّ عن الإيمان بكتبه، ذلك لأنه من مقتضى الإيمان بالله الإيمان بالرسل، ما دمت أيها الرجل تقول: إن الله عليم ورحيم، مِن دلائل رحمته أنه أرسل إلى عباده رسلاً، فمن مقتضى الإيمان بالله الإيمانُ بالرسل المؤيَّدين من عنده بالمعجزات، ومن مقتضى الإيمان بالرسل تصديقُهم في كل ما يُبلّغون عن الله تعالى.
آمنت بالله يقتضي إيمانك بالله أن تؤمن برسل الله، يقتضي إيمانك برسل الله أن تؤمن أن كلامهم الذي يبلغونه للناس حقّ من عند الله سبحانه وتعالى، هذا هو الإيمان بالكتب.
من أجل ذلك يُعلن المسلم دائماً وَفق عقيدته التي متى أَخَلَّ بها كَفَرَ أنه يؤمن بكتب الله كلها إجمالاً فيما يجهل منها، وتفصيلاً فيما يعلم، لو سألنا أخ كريم: ما معلوماتك عن كتاب التوراة؟ يقول: واللهِ لا أعلم شيئاً عنها، لكنها كتاب من عند الله، فيما تجهل تؤمن بها إجمالاً، وفيما تعلم تؤمن بها تفصيلاً، هذه هي عقيدة المسلم، أن تؤمن بكتب الله كلها إجمالاً فيما تجهل منها وتفصيلاً فيما تعلم.
أما معنى الكتاب لغة: مصدر فعل كَتَب، بالمناسبة الفعل يدلُّ على حدوث عملٍ في زمن معين، كتب في الماضي، يكتب في المضارع، اكتبُ في المستقبل، هناك كلمة اسمها المصدر، هذه الكلمة تدل على حدوث عملٍ من دون زمن، كتابة، كتاب، كتب، يكتب كتابةً وكتاباً، فالكتاب لغة مصدر كتب، وهناك مصدر آخر كتابة وكتاباً وكتْبَاً، وأصل الكَتْبِ في اللغة ضمّ أديمٍ إلى أديمٍ بالخياطة، الأديمُ هو الجلد، إذا ضممتَ الجلد إلى جلدٍ آخر وضممته بالخياطة هكذا هذه العملية اسمُها: عملية الكتاب، ولأن الإنسان يضمّ الحرفَ إلى الحرف، والكلمة إلى الكلمة، والجملة إلى الجملة، فهذه العملية العلمية تشبه إلى حدّ ما ضمّ أديمٍ إلى أديم عن طريق الخياطة، لذلك سميت الكتابة كتابة بمعنى ضمّ الحرف إلى الحرف والكلمة إلى الكلمة والجملة إلى الجملة.
دائماً في كتب العقيدة وفي كتب الفقه أيضاً تعريف لغوي وتعريف شرعي، فالتعريف اللغوي للكتاب هو مصدر كتب، وأما التعريف الشرعي فالكتاب شرعاً كلام من كلام الله تعالى، لِما لم نَقُلْ: كلام الله تعالى؟ القرآن كلام الله تعالى، والتوراة كلام الله تعالى، والإنجيل كلام الله تعالى، والزبور كلام الله تعالى، وصحف موسى أيضاً كلام الله تعالى، وصحف إبراهيم وموسى كلام الله تعالى، لذلك الكتاب أي الكتاب الواحد كالقرآن كلام من كلام الله تعالى، هذه مِن للتبعيض، فيه هدى ونور يوحي الله به إلى رسول من رسله ليبلّغه الناس، كلام من كلام الله تعالى فيه هدى للبشر ونور يقتدون به يوحي الله به إلى رسول من رسله ليبلّغه للناس.
الآن يوجد عندنا تنبيه دقيق جداً، يُطلق اسم الكتاب شرعاً على ما يشمل الصحف، قال تعالى:

﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)﴾

[ سورة الأعلى ]

على ما يشمل الصحف والألواح، قال تعالى: 

﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)﴾

[ سورة الأعراف ]

والألواح وجميع أنواع الوحي اللفظي والكتابي التي يُنزلها الله على أي رسول من رسله ليبلّغها إلى الناس، وبأية لغة من اللغات نزلت، صغيرة كانت أم كبيرة، مُدونة أو غير مدونة، فيها صفة الإعجاز اللفظي للناس، أو ليس فيها ذلك، يوجد إعجاز أو لا يوجد إعجاز، مدونة أو غير مدونة، بأي لغة، كتاب، صحيفة، لوح، هذا كله يشمل كلمة الكتاب شرعاً، الذي يعنينا من هذا الموضوع حاجة الناس إلى الكتب السماوية، كما أن الناس -كما تكلمنا من قبل- بحاجة ماسة جداً إلى رسل، أحياناً تشتري دولة من دولة معملاً عظيماً، الشركة البائعة الجهة البائعة تُرسل مع هذا المعمل مهندساً خبيراً وكتاباً ضخماً، فالمهندس مهم جداً يبقى مع المعمل إلى أن ينجح في تشغيله، هذا المهندس معه كتاب أيضاً، معه نشرات للاستعمال، وللتوجيهات، والتحذيرات، وكيف الاستعمال والصيانة وما شاكل ذلك.
 

الهدف من الكتاب السماوي:

 

1- الكتاب الرباني هو المرجعية للأمة:

كما أن الناس بحاجة ماسة إلى الرسل يُبلّغون الناس أحكام الله وشريعته لعباده أيضاً الرسل بحاجة إلى كتب سماوية تهدف إلى ما يلي:
أولاً: ليكون الكتابُ الرباني المُنزل على الرسول هو المرجعَ لأمته، إذا كان المعلم علّم من دون كتاب، سمع الناس كلاماً جيداً، ذهبوا إلى البيت ولا يوجد عندهم كتاب، يقولون ترى ماذا تكلّم المدرس؟
يصير هناك خلافات، يصير هناك تأويلات، يصير هناك مبالغات، يصير هناك تزوير، تحريف، تقليل، زيادة، والشيء الذي لابد منه أن يكون هناك كتاب بين أيدي المتعلمين هو المرجعَ، لذلك إن شاء الله تعالى حينما يُعلَن عن طبعة جديدة لهذا الكتاب كتاب العقيدة الإسلامية الذي أعطيكم منه أبلغكم ذلكم فوراً، كي تشتروا هذا الكتاب ويكون هذا الكتاب عندكم مرجعاً، من باب أن الكتاب يُعدّ مرجعاً دقيقاً، يدفع التأويل والتدليس والتحوير والتعديل والإضافة والحذف والزيادة، قال ذلك، ما قال ذلك، أنت سمعت هذا، لا غلط، قد تكون لم تفهم، لا فهمت، هذه المشكلات وهذه القضايا الشائكة والمتداخلة كلها تُحلّ، يوجد مرجع.
إذاً حاجة الناس إلى كتاب من عند الله عزّ وجل حاجةٌ ماسة بسبب أن هذا الكتاب يصبح مرجعاً للأمة مهما تعاقبت العصور، فيرجعون إليه في تحديد عقائد الدين وأسسه.
الآن الكتاب القرآن الكريم من عظمته أن النبي عليه الصلاة والسلام الذي أُنزل عليه توفاه الله عزّ وجل، ومضى على وفاته خمسة عشر قرناً، والكتاب بين أيدينا فيه آيات العقيدة، فيه آيات التشريع، فيه آيات الحلال، آيات الحرام، فيه الأوامر، فيه النواهي، فيه المواعظ، فيه العِبر، فيه الأمثال، فيه الحِكَم، فيه القصص، فيه كل شيء بين أيدينا، إذاً القرآن الكريم نحن بحاجة ماسة إليه لأنه مرجع إلينا، ولاسيما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: المسلمون من بعده يرجعون إليه في تحديد عقائد الدين، وأسسه، ومبادئه، وغاياته، أخي، واللهِ  فلان الولي الفلاني يعلم الغيب، أنت عندك كتاب، عندك مرجع، وقد قال الله: 

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)﴾

[ سورة الأنعام ]

ما دام النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق لا يعلم الغيب، فأيّ إنسان يدّعي ذلك نقول له: خسئت، لا يعلم الغيب إلا الله، يأتي إنسان دجّال يقول لك: أنا المعاصي لا تضرني، تجاوزت هذه المرحلة، نقول له: كذبت، يقول الله تعالى: 

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)﴾

[ سورة الزمر ]

قرآن مرجع، يأتي إنسان آخر يقول للناس: إنه بإمكانه أن ينفعهم أو أن يضرهم، نقول له: كذبت، لأن الله عز وجل يقول: 

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾

[ سورة الأعراف ]

يوجد عندنا آيات عقيدة، هذا هو حجم النبي، لا يعلم الغيب، وليس بيده نفعنا ولا ضرنا، النفع المادي، إلا أن يشاء الله عزّ وجل، وأنه يخاف إن عصى ربه عذاب يوم عظيم، فأي مَن يدّعي خلاف ذلك نقول له: كذبت، له عندنا قاعدة ثابتة، ففي القرآن الكريم آيات توضح العقيدة، وإذا قال أحدهم لك: أنا أتوب عند الموت، قل له: أنت مخطئ، قال تعالى: 

﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)﴾

[ سورة النساء ]

انتهى أمرك، لا تُقبل التوبة في ساعة الموت، لدينا أشياء واضحة، قد يقول لك أحدهم: أخي إن فلاناً لا يصلي، ويكفر بالله عزّ وجل، ويزداد إثماً، ويتحدّى الإله، ويزداد قوة وشأناً ومالاً وغنى وبحبوحة ما تفسير ذلك؟ تفسيره واضح، قال ربنا عزّ وجل: 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام ]

هناك تلميحات دقيقة جداً، فهذا الكتاب مرجع، نستطيع من خلال القرآن الكريم أن نعرف العقيدة الصحيحة، إذاً المسلمون من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجعون إليه لتحديد عقائد الدين وأسسه، واللهِ أنا شاهدت الجِنَّ البارحة، هذا ليس صحيحاً، قال تعالى: 

﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)﴾

[ سورة الأعراف ]

هذه سحبة هذه لا نقبلها منك، والله يا أخي كلما صار هناك كلام خلاف الأصول، خلاف العقيدة الصحيحة، أخي الجنة ليست بالعمل، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)﴾

[ سورة النحل ]

الجنة ادخلوها برحمتي واقتسموها بأعمالكم، أخي الله عز وجل لن يدقق، لن يسألنا،  قال تعالى:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[ سورة الحجر ]

أخي لا تدقق كثيراً، الله عزّ وجل غفور رحيم، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)﴾

[ سورة الأعراف ]

﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)﴾

[ سورة الحجر ]

كلما سمعت فكرة غير صحيحة، مبالغة، شيطانية، زائغة، أنت عندك آيات واضحة جداً، لذلك الكتاب مرجع لنا، مرجع لنا في عقيدتنا، أخي بالقبر يوجد عذاب؟ غير معقول، كيف يكون هناك عذاب؟ ربنا عزّ وجل قال: 

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾

[ سورة غافر ]

أي عذاب جهنم مادي؟ طبعاً، قال الله:

﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)﴾

[ سورة المؤمنون ]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)﴾

[ سورة النساء ]

إذا زاغـت عقيدة الإنسان وابتعد، القرآن هو المقياس، مقياس دقيق جداً، أيّة دعوة يدّعيها الإنسان تُعرض على كتاب الله، فإن وافقته فهي صحيحة، وإن خالفته فليست صحيحة.
شيء آخر؛ ويرجعون إليه في التعرف على أحكام شريعة الله لهم، أخي صار هناك ضرورات للفائدة، اللهُ عزّ وجل قال: 

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾

[ سورة البقرة ]

واضحة الآية، في التعرف على أحكام شريعة الله لهم، إن كان في الزواج، والطلاق، في المواريث، في الوصية، في البيع، في الشراء، في كل شؤون حياتنا الله عزّ وجل جعل في هذا القرآن الكريم أحكاماً دقيقة جداً، واستبانة الواجبات التي يأمرهم بها، والمحرمات التي ينهاهم عنها، والفضائل والكمالات التي يحثهم عليها، ويندبهم إليها، فالكتاب مرجع في العقائد، والأُسس، والمبادئ، والغايات، وأحكام الشريعة، والواجبات، والمحرمات، والفضائل، والكمالات، هذا كله في كتاب الله.
قال: كما يرجعون إليه ليطالعوا مواعظه، ونصائحه، وأمثاله، وآدابه، وما تضمّنه من بشائر ونُذُر، ووعدٍ ووعيد، وسائر الوسائل والأساليب التربوية المختلفة الهادية إلى صراط الله المستقيم، مرجع، أي كأن الله عزّ وجل جعل هذه الدعوة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم مستمرة عن طريق هذا الكتاب، والعلماء أيضاً المجتهدون، الفقهاء يرجعون إليه ليستنبطوا من نصوصه الأحكام الشرعية المختلفة، طبعاً الله عزّ وجل قال: 

﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾

[ سورة المائدة ]

معنى ﴿أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أي أن هذا الشرع فيه كل شيء، نصوص الشرع كلية، نصوص الكتاب كلية، لكن الله سبحانه وتعالى سخّر العلماء المجتهدين كي يستنبطوا من هذه الأحكام الكلية أحكاماً تفصيلية دقيقة جداً، لذلك أحكام العدة مثلاً، الحداد على الزوج من أين جاءت؟ من كتاب الله، إذا انقضى الكتاب:

﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)﴾

[ سورة البقرة ]

والعلماء المجتهدون يستنبطون من هذه الآيات الكلية الأحكام التفصيلية لمختلف قضايا التشريع وقضايا الحياة التي يحتاجها الناس.
إذاً ويرجع إليه العلماء المجتهدون ليستنبطوا من نصوصه المختلفة الأحكام الشرعية لكل ما يجد في حياتهم، هذا القياس، القياس أن تقيس حالة لا نص لها في كتاب الله على حالة فيها نص من القرآن أو السنة، القرآن مصدر، والحديث مصدر، والقياس مصدر، والإجماع مصدر. 

2- الكتاب الرباني المنزل على الرسول هو الحكم العدل لأمته بعد وفاته:

شيء آخر، إن الإنسان لا يتهيأ له أن يرجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام مباشرة بعد أن قبضه الله عزّ وجل، إذاً من خلال هذا القرآن الكريم يستطيع العالم والمجتهد أن يرجِع إلى كتاب الله، مع أن هناك بعداً كبيراً مكانياً وزمانياً بَعْد أن قُبِض الرسول صلى الله عليه وسلم، ومضى على قبضه خمسة عشر قرناً، هذا الكتاب بين أيدينا.
شيء آخر؛ هذا الهدف الأول، إذاً ليكون هذا الكتاب مرجعاً للأمة في العقائد، والأسس، والمبادئ، والأهداف، والغايات، والتشريعات، والواجبات، والأوامر والنواهي، والمباحات، والمندوبات، والمكروهات، والمستحبات، والقصص، والمواعظ، والحكم، والأمثال، والتاريخ، وأحوال يوم القيامة، وأحوال ما بعد  الفوز، كل هذا نرجع إليه بكتاب الله.
الهدف الكبير الثاني من هذا الكتاب للإيمان بالكتب السماوية ليكون الكتاب الرباني المنزّل على الرسول هو الحَكَم العدلُ لأمته، حَكَم عدْلٌ، قال الله: 

﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)﴾

[ سورة الحجرات ]

كل حالة قد تبدو لك نادرة جداً لها حكم، هو الحكم، صار خلاف زوجي، قال الله: 

﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)﴾

[ سورة النساء ]

في قضايا الزواج، والطلاق، في قضايا الميراث، في قضايا البيع والشراء، القرآن هو الحَكَمُ، إذاً الهدف الثاني: ليكون الكتاب الرباني المنزل على الرسول هو الحكم العدل لأمته في كل ما يختلفون فيه، مما تناولته أحكام شريعة الله لهم، فكتاب الله هو الحاكم بين الناس، لذلك الأمير ليست له مهمة إلا أن يحكم وفق كتاب الله، الحاكم الحقيقي هو الله عزّ وجل، لا حاكمية إلا لله، والناس يحكمون في ضوء ما جاء في كتاب الله، لذلك: 

﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)﴾

[ سورة المائدة ]

﴿ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)﴾

[ سورة المائدة ]

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)﴾

[ سورة المائدة ]

فالإنسان بينه الزوج وبين زوجته في كتاب الله، اختلف مع صديقه في كتاب الله، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)﴾

[ سورة المائدة ]

اختلف مع شريكه، يوجد عقد موقَّع يا أخي مُصدّق عند كاتب العدل، مُسجّلٌ في المحكمة الشرعية محكمة البداية، إذا اختلفت مع شريكك، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ اختلفت مع زوجتك، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)﴾

[ سورة النساء ]

فكلما كان هناك خلاف زوجي، خلاف بينك وبين شريكك، بينك وبين جارك، قال الله:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾

[ سورة النحل ]

إن لم تسعك آية العدل وسعتك آية الإحسان، فالإنسان يجب أن يحكم بما أنزل الله، الله عز وجل أَمَرَنا أن نعدل بين أولادنا، فإذا أحد حرم ابناً من الميراث، أعطى آخر، حالات كثيرة جداً أسمعها عن أب انحاز إلى أحد أولاده، أعطاه كل شيء، وحرم الآخر كل شيء، هذا الأب لم يحكم بما أنزل الله، إذاً فهو ظالم، مع أنه ظالم فاسق، إذاً الكتاب هو حَكَم إذا اختلف المسلمون فيما بينهم، قال تعالى: 

﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)﴾

[ سورة البقرة ]

قال العلماء التفسير في هذه الآية: إن الناس كانوا أمة واحدة، كانوا على الفطرة، عبدوا الله بدافع من فطرتهم، وأحسنوا إلى بعضهم بدافع من فطرتهم، فلما عمّ الجهل، وزاغت العقائد، واستعرت الشهوات، واستيقظت الفتن، أصبحوا بحاجة إلى كتاب يحكم بينهم، ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ إذاً لو أن الإنسان عاد إلى فطرته لعَرَف الحق، لكن بعد أن تنطمس هذه الفطرة بفعل الشهوات، والطغيان، والجهل يأتي الكتاب ليحكم بين الناس بالعدل. 

3- الكتاب الرباني يصون عقائد الدين وشرائعه وغاياته بعد عصر الرسول:

ثالثاً: ليصون الكتابُ الربانيُّ بعد عصر الرسول عقائدَ الدين وشرائعَه وغاياتِه، الآن مثلاً بعدما قُبِض النبي الكريم والمسلمون ساروا مِن بعده ثم افترقوا كفَّر بعضهم بعضاً، بعضهم انحرف عن العقيدة الصحيحة، لابد من أن يكون هناك مقياس نقيس به كل إنسان، وكل جماعة، فهؤلاء الذين شذّوا وخرجوا عن قواعد الدين الكتاب هو المقياس، أخي أنا أعطيك قماشة وأقول لك: هذه ثمانية أمتار، أخي هذه متران فقط، عندنا متر نحن، المتر مهم جداً، نقيس هذا التوب بالمتر والقضية حلت، فالكتاب السماوي، أو أي كتاب سماوي جعله الله عزّ وجل صوناً لعقائد الناس مِن أن يصيبها الانحرافُ والزللُ، فهذا الكتاب الرباني يصون عقائد الدين وشرائعه وغاياته من دلالات ذوي الأهواء الذين تُسوِّل لهم أنفسهم أن يتلاعبوا بالدين، وينسبوا إليه ما ليس منه، وينحرفوا به عن الصراط المستقيم إرضاءً لشهواتهم وغرائزهم.
أي هؤلاء لا ينبغي أن يهجروا كتاب الله، هو الذي يقيس عقائدَهم، الله عزّ وجل جعل هذا الكتاب مقياساً للعقيدة، كل إنسان زاغت عقيدته، أو شذّ، أو انحرف، أو بالغ، أو تلاعبت به الأهواء، أو أراد أن يُسخّر الدين للدنيا، أو أراد أن يصل إلى الدنيا عن طريق الدين، يأتي الكتاب فيوقِفُه عند حده، ويحجمه، ويعيده إلى جادة الصواب.
واستمرار الكتاب الرباني في أمة الرسول من بعده بمثابة استمرار وجود الرسول الذي بلّغه إليهم بين ظهرانيهم، أي النبي عليه الصلاة والسلام عاش، جاء إلى الدنيا وعاش فيها ثلاثة وستين عاماً ثم توفي، هذا الكتاب كتاب الله الذي بين أيدينا كأن النبي عليه الصلاة والسلام بيننا، هذا الكتاب الذي أوحي إليه هو بين أيدينا، إذاً كأن القرآن استمرار لوجود النبي عليه الصلاة والسلام، ولولا استمرار الكتب الثابتة بنصوصها بعد الرسل لأسرعتْ دعواتهم إلى الاختلاف الواسع، والتغيير الكثير عَقِبَ وفاتهم، لأن من طبيعة البشر أن يختلفوا في الاجتهادات، وأن تتباين نظراتُهم إلى الأمور، وأن ينساقوا بسرعة وراء عوامل الشهوة، والهوى، والنفس، فإن لاَمَهُمْ صاحبُ إيمانٍ ومعرفة على انحرافهم كذبوا على الله فزعموا أنّ ما انحرفوا فيه هو من أحكام الله، ومراده في الدين، مِن أجل هذا كان لابد للبشر من ضابطٍ يضبطهم، ويُلزمهم بمدلولات النصوص الصريحة إلزاماً لا محيد عنه إلا لمكابر معاند، القرآن الكريم ضابط، كلما انحرف الإنسان يعيده القرآن إلى الصواب، لذلك لولا القرآن الكريم لما كنّا الآن مسلمين، ما الذي حفظ الإسلام عقيدة وشريعة؟ هو القرآن الكريم، فهو ضابط، وهو مقياس، وهو مرجع.  

4- حفظ دعوة الرسول ورسالته:

آخر هدف من أهداف الكتب: وليحفظ الكتاب الربّاني لدعوة الرسول ولرسالته تأثيرها وسريانها بين الناس، وقابليتها للاتساع والانتشار، ولكن القرآن كلما قرأه الإنسان عرف الله عز وجل، فالقرآن صار أداة اتساع وانتشار، النبي الكريم قُبِض والمسلمون في الجزيرة، بعد موته صلى الله عليه وسلم فتح المسلمون البلاد، فتحوا مصر، فتحوا شمال إفريقيا، فتحوا المغرب العربي، فتحوا إسبانيا، فتحوا الشام، فتحوا العراق، فتحوا تركيا، فتحوا الهند، السند، الباكستان، الصين، لأي اتساع الدين بسبب أن هناك دستوراً، هناك كتاباً، هناك ضابطاً، هناك مرجعاً، فمهما تباعدتِ الأمكنةُ والأزمنة عن مكان أو زمان نشأة الرسول صاحب الدعوة فهذا الكتاب يُعدّ وسيلة لاتساع الدعوة وانتشارها.
 

خلاصة الهدف من الكتاب السماوي:


إذاً خلاصة القول: وجود الكتاب المُنْزل من عند الله في الأمّة من بعد الرسول بمثابة استمرار للرسول نفسه فينا، مِن حيث التعرُّفُ على أصول الدين، وأحكام الشريعة، وسائر المواعظ، والآداب، وإن تكن الأمة قد فقدت من بعد الرسول الأسوة الحسنة، والقيادة السامية، أي المسلمون بعد وفاة رسول الله فقدوا القدوة الحسنة، والأسوة الصالحة، أما التشريع، والدستور، والمنهج بَيْنَ أيدينا، مِن أجل كلِّ ما سبق، ولحِكَمٍ أخرى يعلمها الله تعالى، وهو العليم الخبير، أنزل الله على رسله كتبه فنطقت كتبه بشريعته، تأمر، وتنهى، وتعظ، وترشد، وتُبشر، وتُنذر، وتهدي إلى الصراط المستقيم، وتحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
هذه الأفكار مهمة جداً في تعريف الناس بضرورة وجود الكتب السماوية، واللهُ سبحانه وتعالى برحمته وعلمه ورأفته وحرصه على هدايتنا أنزل الرسلَ، وأنزل معهم الكتابَ.
وسوف نتحدث عن الكتب السماوية التي يجب الإيمان بها، وفي مقدمتها القرآن الكريم في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور