الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أدلة أهل العلم القائلين بأن اسم الله هو اسم الله الأعظم:
1- خصوصية هذا الاسم من بين أسمائه:
أيها الإخوة المؤمنون؛ اسم الله الأعظم هو الله، وحول هذا الموضوع مباحث كثيرة، وبحوث كثيرة، البحث جمعه بحوث ومباحث، والبحوث أولى، فهذا الاسم كما قال علماء التوحيد: عَلَمٌ على الذات أو عَلَمٌ على واجب الوجود، وإن أعظم الأسماء هي قولنا "الله"، واحتج القائلون بأن "الله" هي اسم الله الأعظم لوجوه عديدة، الأول: أن هذا الاسم ما أُطلق على غير الله، فإن العرب كانوا يسمون الأوثان: آلهة، إلا هذا الاسم، فإنهم ما كانوا يطلقونه على غير الله سبحانه وتعالى، والدليل قوله تعالى:
﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)﴾
فكلمة الله تعني عندهم خالق السماوات والأرض، وما سُمِّي أحدٌ على وجه الأرض بهذا الاسم حتى ولا الآلهة التي زُعِمت من دون الله لم تسمَّ بهذا الاسم أبداً، وقال تعالى:
﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)﴾
أي هل هناك من يُسمى بهذا الاسم؟ ولما كان هذا الاسم في الاختصاص بالله تعالى على هذا الوجه وجب أن يكون أشرف الأسماء كلها، فاسم الله هو اسم الله الأعظم، الجامع لكل الأسماء الحسنى، والصفات العظمى، الجامع للكمالات كلها، المنزّه عن النقائص كلها، عَلَمٌ على الذات واجب الوجود.
2- الأصل في الأسماء الحسنى هو اسم الله وجميع الأسماء مضافة إليه:
الحجة الثانية وهي أن كلمة الله هي اسم الله الأعظم أن هذا الاسم هو الأصل في أسماء الله سبحانه وتعالى، وسائر الأسماء، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، وجميع الأسماء مضافة إليه، قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾
﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ الأسماء الحسنى أُضيفت إلى الله سبحانه وتعالى، فأضاف سائر الأسماء إليه، ولا محالة في أن الموصوف أشرف من الصفة، ولأنه يُقال: الرحمن الرحيم، الملك القدوس، كلها أسماء لله تعالى، ولا يُقال: الله اسم الرحمن الرحيم، بل الرحمن الرحيم اسم الله، فدلّ على أن هذا الاسم هو الأصل.
شيء آخر قال تعالى:
﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)﴾
خصص هذين الاسمين بالذكر: ﴿قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ وذلك يدل على أنهما أشرف من غيرهما، ثم إن اسم الله أشرف من اسم الرحمن، والدليل بأنه قدمه في الذكر: ﴿قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ وأما ثانياً فلأن اسم الرحمن يدل على كمال الرحمة، ولا يدل على كمال القهر والغلبة والعظمة والقدس والعزة، بينما اسم الله سبحانه وتعالى يدل على كل هذه المعاني، اسم الذات الأعظم الجامع لكل الأسماء الحسنى.
هذا الاسم من عجائبه أنه كلما أسقطت منه حرفاً فالحروف الباقية اسم من أسماء الله، كتب فعل ماضٍ، احذف الكاف تب لا معنى لها، سقط احذف السين قط، معنى آخر، أما الله كلما حذفت منه حرفاً الباقي اسم من أسماء الله الحسنى، كيف؟ لو حذفت الهمزة قال تعالى:
﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)﴾
﴿ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)﴾
فإن أسقطت اللام الأولى بقي له، وهو أيضاً من صفات الله تعالى:
﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)﴾
﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88)﴾
فإن أسقطت اللام.
﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾
هو، أي إن حذفت الهمزة بقي (لله)، إن حذفت الهمزة واللام الأولى بقي (له)، إن حذفت الهمزة واللام الأولى واللام الثانية بقيت الهاء، هذه من خصائص هذا الاسم العظيم.
الآن لو أنّ الكافر قال: لا إله إلا هو، لم يصح إسلامه، لا يصح إسلامه إلا إذا قال: "لا إله إلا الله" لأنه إذا قال: لا إله إلا هو قد يُضمر معبوده الوثني، فيجب أن يقول: لا إله إلا الله، إذاً الله اسم الذات الأعظم، والله سبحانه وتعالى قال:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
لم يقل: "لا إله إلا هو":
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. ))
3- قدسية هذا الاسم وشرفه من بين أسمائه:
الحجة الثالثة بأن كلمة الله هي اسم الله الأعظم قوله تعالى:
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)﴾
فإن الله أمر عبده بالإعراض عن كل ما سِوى الله، والإقبال بالكلية على عبادته، بأن ذكر هذا الاسم فدلّ على أن هذا الاسم أشرف الأسماء كلها، أحياناً يشتد النقاش حول الدنيا، وحول موضوعات كثيرة، نقاشات، ومحاورات، ومشاحنات، وحظوظ، وأهواء، ومصالح، واتجاهات، وانقسامات، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ أي في الكون شيئان، ما سوى الله لغوٌ باطل: ﴿قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)﴾
من خصائص هذا الاسم الذي هو اسم الذات الأعظم أن هذا الاسم إذا دخل عليه النداء، أن كل اسم إذا دخل عليه النداء أُسقطت عنه الألف واللام، تقول: يا رحمن، يا رحيم، لا تقول: يا الرحمن، ما قالها أحد، يا السميع، يا البصير، يا سميع، يا بصير، يا رحمن، يا رحيم، إلا اسم الله الأعظم تقول: يا الله، فالألف واللام في هذا الاسم صار كالجزء الذاتي منه، فلا جرم أنه لا يسقط حالة النداء، وفيه إشارة لطيفة وذلك أن الألف واللام للتعريف فعدم سقوطهما عن هذا الاسم يدل على أن هذه المعرفة لا تزول عنه أبداً، قال له: يا إمام، متى كان الله؟ أجابه: ومتى لم يكن؟! فالألف واللام؛ ألف التعريف ولام التعريف لا تسقطان عن هذا الاسم إطلاقاً لأنه أظهر ما في الوجود، ظهر في كل شيء وما خلا منه شيء.
4- عجز العقل البشري عن معرفة كنه هذا الاسم:
الحجة الرابعة: أن الأصح عند أكثر العلماء أن كُنه هذا الاسم لا سبيل للعقل إلى معرفة كيفية اشتقاقه، وثبت أن كنه الحق سبحانه وتعالى لا سبيل للعقل إلى معرفته، كما أن ذات الله لا يستطيع أحد أن يعرفها، أن يعرف كنهها، قيل: تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته فتهلكوا، كذلك قرب هذا الاسم من أي فعل يُشتق، لا أحد من العلماء يعرف ذلك، إذاً هذا هو الاسم الأعظم الذي يأخذ خصائص الذات الإلهية.
5- يُعد أول آية في القرآن الكريم:
الحجة الخامسة: أن أول آية في القرآن الكريم هي قوله تعالى:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)﴾
على قول بعض العلماء، وعلى قول الباقين هي قوله تعالى:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)﴾
وهذا الاسم الأعظم مذكور في هاتين الآيتين اللتين تعدان أول آيتين في كتاب الله.
6- يُعدّ آخر اسم من الأسماء المذكورة في القرآن الكريم:
الحجة السادسة: كما أنه أول الأسماء المذكورة في القرآن الكريم هذا الاسم فذلك هو آخر الأسماء المذكورة في القرآن الكريم:
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)﴾
آخر اسم ورد في كتاب الله ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ .
الحجة السابعة: أن لفظ الإله على قول كثير من العلماء مشتق من العبادة على ما سيأتي بيانه، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يكون هذا الاسم أعظم الأسماء، لأن العبادة غاية التواضع والخضوع، وذلك لا يحصل إلا إذا كان المعبود في غاية الجلالة والعظمة.
وجّه بعض العلماء هذا الاسم على أنَّه مشتق من العبادة، والذي يستحق العبادة وتمام الخضوع والانقياد لاشك أنه في غاية الكمالات كلها، إذاً كأن اسم الله جلّ وعلا جمع كل المحامد، وجمع كل الأسماء الحسنى والصفات العظمى، هذا من قبيل الحديث عن أن الله سبحانه وتعالى اسم الله الأعظم.
رأي بعض العلماء بأن اسم الله لا يخصص وإنما عظمة الاسم بحسب حالة الداعي إليه:
لكن بعض العلماء يقول: الله سبحانه وتعالى كلّ لا يتجزأ، ولا يتبعض، فالاسم الذي يدلُّ عليه يدل عليه كله، إذاً اسم الله الأعظم ليس في الكلمات بل في حالة الداعي، أي إذا شعرت أنه لا إله إلا الله بأي اسم ناديته فهذا الاسم هو اسم الله الأعظم، لو أن المرء يعتمد على زيد من الناس، وعلى عبيد، وثقته بماله، وثقته بقوته، وله علاقات مع بعض الأشخاص، واثق من مكانته، فإذا دعا الله عز وجل باسم الله الأعظم وقال: يا الله، يا رحمن، يا رحيم برحمتك أستغيث، هو لم ينادِ ربه باسمه الأعظم، لا ينادي المنادي ربه باسمه الأعظم إلا إذا كان الله عند المنادي هو أعظم كل شيء، فهذا المعنى أعمق، فالقضية ليست في الكلمات، القضية أنك إذا كان مشركاً بالله عز وجل، ولك اتّكال على غير الله، ولك اعتماد على ما سِواه، فإنك لن يستطيع أن تناديه باسمه الأعظم مادمت مشركاً به، أما إذا أخلصت لله العبادة، وأخلصت له التوكل، وأقبلت عليه، فبأي اسم تناديه فهذا الاسم هو اسم الله الأعظم لأنك رأيت في قلبك أن الله أعظم من كل شيء.
هذا التوجيه جيد جداً، الإنسان حينما تكون حالته مع الله عز وجل، حالة الإخلاص، وحالة التعظيم، وحالة الإكبار، وقال: الله أكبر من كل قلبه، فهو بهذه الحالة قد نادى ربه باسمه الأعظم، وسوف نتابع في دروس قادمة إن شاء الله تعالى أسماء الله الحسنى واحداً واحداً، ولكن مع الأمثلة، هذا الاسم لأنه علمٌ على الذات، والحديث عن الذات أي مستحيل، يستحيل علينا أن نتعرف إلى ذات الله، نتعرف إلى أسمائه الحسنى، وإلى صفاته العظمى من خلال خلقه، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن أن نفكر في ذات الله، لا أحد يستطيع أن يعرف كنه الله عز وجل، لأنه:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾
مثل بسيط جداً؛ إذا ألقيت ورقة رقيقة جداً من هذا الورق الذي تُلفُّ به اللفائف، الدخان، إذا ألقيت هذه الورقة في فرن لصهر الحديد، بعد أن ألقيتها بساعة أو بأكثر قلت: ماذا حلّ بها؟ ما معنى ماذا حلّ بها؟ هي من الوهج العلوي تلاشت، أي الإنسان إذا أراد أن يفكر في ذات الله يهلك، وهذا منهي عنه إذا جاءته مثل هذه الخواطر: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ .
باب التفكر في مخلوقات الله:
لكن باب التفكر في مخلوقات الله لا حدود له، كلما وجدت آية فكّر بها، وتأمّل دقة الصنع، وتأمّل حكمة الله، وتأمّل لطفه، وتأمّل قدرته، وتأمّل غناه، وتأمّل رحمته، وتأمّل غناه، وتأمّل سعته، الله الواسع، قال أحد العارفين: والله يا رب، لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع.
الإنسان في أيام الخريف يمشي في البستان تسقط ورقة، هل هناك جهة في الكون تستطيع إحصاء الساعة الأولى من يوم الخميس 14 تموز عام 1947 مثلاً كم ورقة سقطت من الأشجار بالأرض كلها؟ بغابات إفريقيا، بغابات الأمازون، ربنا عز وجل قال:
﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)﴾
كلام ربنا عز وجل: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا﴾ لاحظ نفسك قد يأتيك خاطر من الخواطر لا يُرضي الله عز وجل، لو أنك تابعته وكنت عند الله أثيراً تأتيك العقوبة مباشرة، أحياناً يكون الإنسان ماشياً في الطريق قد يصطدم بشيء، قيل: ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر.
الله لا يحده زمان ولا مكان ولا تحيز لشخص دون آخر:
هنا يوجد سؤال بسيط؛ ماذا تتوهم أو تظن أن الله عز وجل معك دائماً، هل تنسى أنه مع غيرك أيضاً؟ مع أي إنسان في الأرض، إنسان ساكن في ألاسكا، إنسان في الأرجنتين، إنسان في أستراليا، إنسان في الغابات، فقط مع الإنسان؟ ومع الحيوانات كلها، قيل: لا تُقتل البهائم إلا بغفلة، صياد بغابة يطلق بندقيته يموت هذا العصفور بالذات، هذا العصفور بالذات موته بقضاء وقدر، النبات؟ نمو النبات؟ حركات الأحياء الدقيقة في باطن التربة؟ تحت التراب كم حيوان؟ مرة اطّلعت على صورة مكعب من التراب كم حيوان فيه؟ ديدان الأرض، البكتريات، الجرذ، الفئران، الأفاعي، هذه كلها تعيش داخل التربة لوظائف مهمة جداً، أي الإنسان والحيوان والنبات والأرض:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)﴾
أي شيء إذا تفكر الإنسان كيف أن الله سبحانه وتعالى مع كل مخلوق، سميع لقوله، عليم بحاله، ناظر لنفسه، مُطّلع على قلبه، يعلم سره وما يخفى عنه، ذلكم الله رب العالمين، هذا هو الذي يستحق العبادة وحده، لا معبود إلا سواه، لا معبود إلا الله، أي ليس في الكون جهة تستحق أن تعبدها، وأن تُفني عمرك من أجلها، وأن تمضي شبابك كله في طاعتها إلا الله سبحانه وتعالى، لذلك أندم الناس من باع آخرته بدنيا غيره، بدنياه خاسر، أما بدنيا غيره أشد خسارة،
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. ))
نحن الآن إن شاء الله في الدرس القادم وفيما بعد مُقبلون على تعلُّم أسماء الله الحسنى، أن تذكرها فقط ليس هذا هو المقصود، أمر الله سبحانه وتعالى أسمى من ذلك، أسمى من أن يكون أمراً لفظياً، أو ذكراً أجوف لا معنى له، ولكن المقصود أن تعرف حقيقة هذه الأسماء، وعلامَ تدل هذه الأسماء؟ وما معنى قولك: الله رحيم؟ ما معنى قولك: الله رحمن؟ ما الفرق بين أن يكون الله رحمن أو رحيماً؟ ما معنى المانع الجامع؟ الضار النافع؟ الخافض الرافع؟ المعز المُذل؟ المعطي؟ هذه كلها أسماء لله سبحانه وتعالى حسنى، في خمس آيات في كتاب الله، ورد أن أسماء الله تعالى كلها حسنى، أسماؤه حسنى وصفاته عظمى.
الملف مدقق