وضع داكن
06-09-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 005 ب - اسم الله النصير 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أغننا بالعلم، وزيّنا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجَمِّلنا بالعافية.
 

حاجة المسلمين اليوم إلى النصر على أعدائهم:


أيها الإخوة الكرام؛ لازلنا مع اسم الله النصير، والمسلمون اليوم في أشدّ الحاجة إلى أن ينتصروا على أعدائهم، وما أكثرهم! ولكن كما بينت في لقاء سابق أن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)﴾

[ سورة محمد ]

النصر بيد الله:

﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10)﴾

[ سورة الأنفال ]

النصر الذي نتمناه له ثمن، إن دفعنا ثمنه وصلنا إليه، لذلك الله عز وجل يبين أن المؤمن الذي يحمله إيمانه على طاعة الله يحقق أحد شَرطي النصر.
 

شروط النصر الإيمان والإعداد:


للنصر شرطان كل منهما شرط لازم غير كاف، فلابد من الإيمان الذي يحمل على طاعة الله، ولابد من الإعداد لقوله تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)﴾

[  سورة الأنفال ]

 

حقيقة الأخذ بالأسباب:


يمكن أن ينسحب هذا على شؤون حياتنا، التفوق في العمل يحتاج إلى الأخذ بالأسباب، ويحتاج إلى التوكل على الله، وكلاهما شرط لازم غير كاف، لذلك المسلمون في معظمهم لا يأخذون بالأسباب، بل يتوكلون توكلاً لا يرضي الله، سمّاه العلماء: التواكل، وإذا أخذ بعض الناس بالأسباب ألّهها ونسي الله واعتمد عليها، فكأن الطريق الأمثل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، ومن السهل أن تأخذ الموقف الحاد، أن تأخذ بها وتنسى الله، أو أن تتواكل على الله، ولا تأخذ بالأسباب، هذا درس بليغ، بل إن بعض المعاصرين يصفون كل إنجاز معركة، يقول لك: المعركة مع العمل، المعركة مع الإنتاج، المعركة مع التنمية، فكلمة معركة تأخذ معنى واسعاً جداً، إن أردت أن تنتصر في أية معركة حقيقة أو مجازاً لابد من أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا حقّ، وهذا قانون.

(( عن عوف بن مالك الأشجعي: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قضَى بينَ رجُلَيْنِ فقالَ المقضيُّ عليهِ لما أدبرَ : حسبيَ اللَّهُ ونعمَ الوَكيلُ. فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ردُّوا عليَّ الرَّجلَ. فقالَ: ما قلتَ؟. قالَ: قلتُ: حسبيَ اللَّهُ ونعمَ الوَكيلُ. فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ يلومُ علَى العجزِ ، ولَكِن عليكَ بالكَيسِ، فإذا غلبَكَ أمرٌ فقُلْ: حسبيَ اللَّهُ ونعمَ الوَكيلُ. ))

[ إسناده صحيح: المحدث: أحمد شاكر المصدر: عمدة التفسير ]

أن نستسلم، أن نيئس، أن نُحِسّ بالإحباط، أن نقول: انتهينا، هذا نُلام عليه، هذا يأس، واليأس كفر، هذا تشاؤم، والتشاؤم ليس من صفات المؤمن، لذلك لابدّ من أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وبعدها تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء بأوسع معاني المعارك، معارك قتالية، معارك التنمية، معارك البناء، معارك الصحة، سمِّ أي قضية أو مشكلة في حياة المسلمين معركة، والانتصار بهذه المعركة يحتاج إلى شرطين، كل منهما شرط لازم غير كاف، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، وكأن الطريق الأمثل طريق ضيق عن يمينه واد سحيق وعن يساره واد سحيق، إنك إن أخذت بالأسباب، ونسيت الله، واعتمدت عليها، وألهتها وقعت في وادي الشرك، وهناك تأديب من الله، على من اعتدّ بغير الله، ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته، إلا جعلت الأرض هوِياّ بين قدميه، وقطعت أسباب السماء بين يديه، وما من مخلوق يعتصم به من دون خلقي فتكيده أهل السماوات والأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً.
 

ثمن النصر الأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأرباب:


إذاً: المنهج الأمثل في كل معاركنا بدءًا من معركتنا مع أنفسنا، وانتهاء بمعركتنا مع قوى الشر في الأرض تحتاج إلى شرطين؛ كل منهما شرط لازم غير كاف، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء وأن تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، ((إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ)) الاستسلام، اليأس، الإحباط، انتهينا، هذا نُلام عليه أشدّ اللوم، ((ولَكِن عليكَ بالكَيسِ)) خذ الأسباب، فإذا غلبك أمر إن أخذتها، وبذلت الجهد في الأخذ بها، واستقصيتها، ثم لم تنجح، عندئذ نسمي هذا قضاء وقدراً، عندئذ نقول: حسبي الله ونعم الوكيل، لا يجوز أن نقول: حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن نستنفذ الأخذ بالأسباب.
طالب يُقدم امتحاناً، ولا يُحَضِّر للامتحان، ثم لا ينجح، ويقول: هكذا أراد الله، هذه مشيئة الله، هذا كلام باطل، أما حينما يدرس بأقصى ما يستطيع، ثم يحول يُحال بينه وبين أداء الامتحان يقول عندئذ: حسبي الله ونعم الوكيل، أنا أضع يدي على أخطر قضية في حياة المسلمين، التواكل، فلذلك النصر ثمنه هذا، الأخذ بالأسباب والتوكل على رب الأرباب.
لكن أيها الإخوة؛ يحضرني في هذا الموضوع حديث شريف:

(( عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ. ))

[ الإيمان لابن أبي شيبة: إسناده صحيح على شرط مسلم ]

هذا الحديث يحتاج إلى شرح، الله عز وجل جعل قلب الإنسان بيده، يملؤه أمنا، أو يملؤه خوفاً، يملؤه سعادة، أو يملؤه ضيقاً وانقباضاً، ما الناظم لهذا؟ أراد الله أن يعاوننا، إن اتخذت قرارا صحيحاً سليماً في التوبة إلى الله، والصلح معه، وطاعته، يملأ الله قلبك رضاً وسعادة، وتفاؤلاً وسروراً، وكأن الله بارك لك هذا القرار، وأعانك عليه، والدليل:

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)﴾

[ سورة الحجرات ]

أي قرار صائب يوجد معه انشراح.

﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)﴾

[ سورة الزمر ]

وأيّ قرار خاطئ بوجد معه كآبة، معه ضيق، لذلك:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

[  سورة طه  ]

معاونة من الله عز وجل. 
 

تبِعات القرار الصائب والقرار الخاطئ:


القرار الحكيم معه سرور، معه انشراح، معه راحة نفسية، معه طُمأنينة، معه إقبال، معه تألق، والقرار الخاطئ معه انقباض، معه تشاؤم، معه كآبة، ويكاد يكون مرض العصر الكآبة، من إعراض الناس عن الله عز وجل، بل إنّ كل ما يعانيه البشر من ضياع وتفلت وتشاؤم وإحباط هي أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ .

  كلُّ قوي جبّار بيد الله فلا تخش أحدًا إلا الله:


الآن ما علاقة هذا الحديث بالنصر؟ هذا الذي تراه قوياً، هذا الذي تراه طاغية، قلبه بيد الله، كشاهد على هذه الفكرة، الإمام الحسن البصري من كبار التابعين، وقد أدى أمانة العلم، وبيّن ما ينبغي أن يُبيّنه، كان في عهد الحجاج، وكان الحجاج كما تعلمون، بلغه ما قاله فيه، فقال لجلسائه: يا جبناء، والله لأروينّكم من دمه، وأمر بقتله، القضية سهلة جداً، وجاء بالسيّاف، ومُدّ النطع، وأمر بإحضاره ليُقطع رأسه أمام مَن حوله، جيء بالحسن البصري، ودخل على الحجاج، ورأى السّيّاف، وقد مُدّ النطع، وانتهى كل شيء، فحرك شفتيه، ولم يفهم أحد ماذا قال، فإذا بالحجاج يقول له: أهلاً بأبي سعيد، أنت سيد العلماء، ومازال يُدنيه ويُقربه حتى أجلسه على سريره، واستفتاه في موضوع، وقد تروي الرواية أنه عطّره، وأكرمه، وشيّعه إلى باب قصره، من الذي صُعِق؟ السيّاف، من الذي صُعِق؟ الحاجب، تبعه الحاجب، قال: يا أبا سعيد، لقد جيء بك لغير ما فُعِل بك، فماذا قلت لربك؟ فقال: قلت له: يا ملاذي عند كربتي، يا مؤنسي في وحشتي، اجعل نقمته عليَ برداً وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم.
هذا الذي تخافه قلبه بيد الله، هذا القوي الذي يتمنى إفناءك قلبه بيد الله، قد يملؤه الله هيبة منك، إذًا الله نصير، لأن قلوب الذين حولك بيد الله عز وجل، ألم يقل أحد الأنبياء:

﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)﴾

[ سورة هود ]

تحدّياً ﴿ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ .

﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)﴾

[ سورة هود ]

هذه الآية وحدها تكفي: ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ لذلك: ((إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)) .
أولاً: يملأ الله قلبك انشراحاً وسعادة وطمأنينة حينما تتخذ قراراً صائباً، ويملأ الله القلب خوفاً وقلقاً وفرقاً وضيقاً وتشاؤماً وكآبة حينما تتخذ قراراً مخطئاً، إذًا الله أعاننا بهذا، الآن قلب الذي تخافه بيد الله، يملؤه هيبة لك، من هاب الله هابه كل شيء، يملؤه رغبة في معاونتك، فإذا كان الله معك خدمك أعداؤك، وإذا كان الله عليك تطاول عليك أقرباؤك، يا رب ماذا فَقَد مَن وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟ إذاً أول نقطة أن قلوب الذين تخافهم بيد الله، إذًا هو النصير.
 

من لوازم معية الله الدائمة للمؤمنين:


النقطة الثانية:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)﴾

[ سورة الحديد ]

الشركاء يمكن ألا يكونوا معك في وقت حرج، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ في السماء وأنت في الطائرة، وفي الأرض، وفي البحر، وفي بيتك، وفي الفلاة، وفي مكان لا يوجد فيه اتصالات، الإنسان معه هاتف جوال، يكون بأمسّ الحاجة إليه، لا يجد تغطية، أما أنت مع الله دائماً، وهو معكم بعلمه، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُمْ﴾ قال العلماء: معكم بعلمه، فإذا كنت مؤمناً:

﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)﴾

[ سورة الأنفال ]

الآن: معكم بتوفيقه وحفظه، وتأييده ونصره، لذلك فرّق العلماء بين المعية العامة والمعية الخاصة، المعية العامة هو معكم بعلمه، المعية الخاصة هو معكم مؤيداً ومُوفِّقاً، وحافظاً وناصراً، هو النصير، لذلك الله عز وجل موجود، إنك إن دعوته فهو موجود، والإنسان لا يمكن أن يدعو جهة لا يؤمن بوجودها، يكون أحمق، لمجرد أن تدعوه تقول: يا رب، إذًا هو موجود.
الشيء الثاني: هو يسمعك إذا تكلمت، ويراك إذا تحركت، ويعلم ما في قلبك إن أضمرت، يسمع ويرى ويعلم، ولا يحتاج إلى وصل، ولا إلى سند، ولا إلى براءة ذمة، الله يعلم، يرى، ويسمع، ويعلم، التعامل معه سهل جداً، لذلك قال بعضهم: الحمد لله على وجود الله، يراك إن تحركت، ويسمعك إن تكلمت، ويعلم ما في نفسك إن سكت، إذًا موجود ويعلم.
الشيء الثالث: وهو على كل شيء قدير، بيده كل شيء، كن فيكون، زل فيزول:

(( عن أبي ذر الغفاري عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فِيما رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، أنَّهُ قالَ: يا عِبَادِي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إلَّا مَن هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَن أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إلَّا مَن كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يا عِبَادِي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ؛ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يا عِبَادِي، إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. وفي روايةٍ: إنِّي حَرَّمْتُ علَى نَفْسِي الظُّلْمَ وعلَى عِبَادِي، فلا تَظَالَمُوا. ))

[ صحيح مسلم ]

ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام، كن فيكون، زل فيزول، الآن دققوا: ((فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ)) قال تعالى:

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾

[ سورة الشورى ]

ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر، إذًا وهو معكم، معكم بعلمه، وإن كنتم مؤمنين معكم بتوفيقه وحفظه، وتأييده ونصره، موجود، ويسمع إذا نطقتم، ويرى إن تحركتم، ويعلم ما في القلب إن أضمرتم، الآن وهو على كل شيء قدير.
 

من معاني النصير التي قد تخفى على بعض الناس:


والله أيها الإخوة؛ هناك حالات لأن بعض الأطباء ربطوها بالخرافات أهملوها، الآن هناك بحوث حديثة جداً عن الشفاء الذاتي، يكون المرض عضالاً، أجمع الأطباء على أنه لا شفاء له، يشفى ذاتياً، الإنسان حينما يُصدِّق أن الله بيده كل شيء، وأن الله على كل شيء قدير، أحياناً يستجيب له استجابة لا تُصدق.
والله لي صديق أُصيب بورم خبيث في رئتيه، وجميع الأطباء أُخِذت عينات إلى كل المخابر، الورم من الدرجة الخامسة، ولا يوجد أمل إطلاقاً، ثم في النهاية شفاه الله عز وجل، والقصة من اثتنين وعشرين سنة، والآن حيّ يرزق لا يشكو من شيء، الخزعات أُخِذت إلى بريطانيا، أدق الفحوص أُجريت له، أمهر الأطباء عالجوه، وقالوا: لا يوجد أمل، هناك شفاء ذاتي، فلذلك النصير قد ينصرك على المرض، وقد ينصرك على العدو، وقد ينصرك على كل معركة تخوضها بأوسع معاني المعارك، هو النصير، نعم المولى ونعم النصير.
أيها الإخوة؛ أنت حينما تدعو الله عز وجل وتقول له: يا ناصر انصرني، يا نصير انصرني يا رب، هو موجود، ويسمع، ويقدر، ويحب أن يرحمك، ولن تدعو جهة إلا إذا أيقنت بوجودها وعلمها، وقدرتها ورحمتها، لذلك قال تعالى:

﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)﴾

[ سورة الفرقان  ]


  الله أكبر من كل شيء فلا تقطع الأمل مهما حدث:


أنت حينما تقول: الله أكبر، أكبر من كل قوي، أكبر من كل جبّار، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)﴾

[  سورة الشعراء ]

فرعون بحقده، بجبروته، بأسلحته، بجيشه يتبع شرذمة من بني إسرائيل مع سيدنا موسى، وصلوا إلى البحر، لم يعُد هناك أمل، انتهى الأمل، الأمل صفر، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

[ سورة الشعراء ]

سيدنا يونس وهو في بطن الحوت، الأمل صفر، بطن الحوت الإنسان يمكنه أن يقف في فم الحوت، أن يقف على قدميه، الحوت وزنه حوالي مئة وخمسين طناً، يمكن أن تقف في فمه، وجبته الغذائية أربعة أطنان، والإنسان وزنه عبارة عن ثمانين كيلو، أربعة أطنان، لقمة واحدة، قال تعالى:

﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)﴾

[ سورة الأنبياء ]

أروع ما في الآية أن الله قلب القصة إلى قانون، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ في كل عصر، في كل مِصر، في كل زمان، في كل مكان، في الجو، في الأرض، طائرة تحطمت فوق جبال الألب، وانشقّت، وقع بعض ركابها، نزل على غابة أرز في جبال الألب مغطاة بخمسة أمتار من الثلج، فكان هذا الثلج وهذه الأغصان كماصات للصدمة، نزل واقفاً من أربعين ألف قدم، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ إذًا تقول: الله أكبر، أقوى من كل قوي، الله عز وجل قوي، فإذا كنت مع القوي حفظك القوي، نعم المولى ونعم النصير.
 

الدعاء سلاح المؤمن:


أيها الإخوة؛ شيء آخر؛ المعركة تحتاج إلى معلومات، أنت إذا كنت مع الله هو يعلم ماذا يخطط لك أعداؤك، لذلك يُلهمك خطة تُحبِط خططهم، أنت أقوى إنسان إذا كنت مع الله، إذا أردت أن تكون قوياً فادعُ الله سبحانه وتعالى، فالدعاء سلاح المؤمن، لكن الدعاء يحتاج إلى عمل، الذي يدعو الله ولا يعمل هو يستهزئ بالدعاء، قال له: ماذا تفعل يا أخا العرب مع هذا الجمل الأجرب؟ قال: أدعو الله أن يشفيه، قال له: هلّا جعلت مع الدعاء قطراناً؟
لذلك العدو قد يكون قوياً، الله أقوى، الله أكبر، الآن قد يكون العدو يخطط، دقق بالآية:

﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

[ سورة إبراهيم  ]

إله عظيم يصف مكر الكافرين بأن مكرهم تزول منه الجبال، يقول لك بعد قليل:

﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾

[  سورة آل عمران ]

خالق الكون، كلام رب العالمين، ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ كل إعدادهم، كل آلاتهم، كل أسلحتهم، كل إعلامهم، كل أموالهم، كل أقمارهم الصناعية، كل حاملات طائراتهم، ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ والآن ترون يقول أحد أكبر الموظفين في البنتاجون: لا تجرؤ دولة في الأرض أن تحاربنا، ماذا نفعل بهذه الأسلحة؟ ولكن هذا الذي أراد أن يموت ماذا نفعل به؟ ليس له حل، أقضَّ مضاجع أهل الأرض، هذا الذي أراد أن يهُزّ أركانهم، ويقدم حياته رخيصة لهذا الهدف.
 

الطاعة مع الصبر سبيل إلى النصر:


أيها الإخوة؛ لو أن إنساناً انتصر بإنسان، قال تعالى:

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر ]

الإنسان من شأنه أنه ليس معك دائماً، يقول لك بعض الأقوياء: هذا هاتفي، تكون في أمسّ الحاجة إليه الهاتف مشغول، أو خارج التغطية، تعطل، إن اعتمدت على مخلوق قد لا يسمعك، وإذا سمعك قد لا يستجيب لك، يعتذر، وأحياناً يتجاهلك، لذلك:

كن مع الله ترَ الله معـك              واترك الكل وحاذر طمعك

وإذا أعطاك من يمنعه؟              ثم من يعطي إذا ما منعك؟

هذه ملة طه خذ بهـــــــا              لا تطع عنها قصوراً دفعك

[ عبد الغني النابلسي ]

* * *

أطع أمرنا نرفع لأجـلك حجبنا           فإنا منحنا بالرضا من أحـبنــا

ولُذ بحمانا واحـتـــــــمِ بجنابنا           لنحميك مما فيه أشرار خلقــنا

وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل           وأخلص لنا تلقَ المسرة والهنا

[ ابن وفا الإسكندراني ]

* * *

نعم المولى ونعم النصير، كن مع الله ولا تبالِ، والله عز وجل يُحب أن ينصرنا، لكن يطالبنا أن ندفع ثمن النصر.
ملخص هذا اللقاء الطيب الطاعة مع الصبر سبيل إلى النصر، أما المعصية مع الصبر فليس بعدها إلا القبر.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور