وضع داكن
23-11-2024
Logo
الأخلاق - الكبائر - الدرس : 3 - قطيعة الرحم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

لفت النظر إلى الكبائر التي يتوهمها الناس صغائر :

أيها الأخوة الكرام، بدأنا من درسين سابقين بموضوع الكبائر، وذكرت لكم أن الكبائر المألوفة كالقتل والزنا والسرقة هذه يعرفها جميع المسلمين، لكن أردنا في هذا الدرس أن نلفت النظر إلى الكبائر التي يتوهمها الناس صغائر وهي كبائر، ماذا تنفعك صلاتك وصيامك وحجك وزكاتك إن كنت ترتكب الكبائر وأنت لا تدري؟ الشيء الذي لا يصدق أن معظم المسلمين يرتكبون الكبائر وهم لا يشعرون، وبارتكابهم هذه الكبائر يقع حجاب كثيف بينهم وبين ربهم، فهل تصدقون مثلاً أن قطيعة الرحم مثلاً من الكبائر، الإنسان إذا امتنع عن زيارة أقربائه قد وقع في كبيرة وهو لا يدري، إلا أن هناك تحفظاً لابد من التنويه به، طبعاً دع خيراً عليه الشر يربو، درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، إذا كان في هذه الزيارة مفسدة، أو اختلاط، أو غيبة، أو نميمة، أو سخرية، أو استهزاء، هذا ليس من صلة الرحم في شيء، أما لك خالة أو عمة أو لك أخت أو بنت في طرف المدينة أنت بعيد عنها، ولست متفرغاً لزيارتها، إذا قطعت هذه المرأة - بنت، أخت، خالة، عمة - عن قصد ولو زرتها لم ينشأ أي مخالفة للشرع فقد وقعت في كبيرة، ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾

[ سورة النساء : 1 ]

أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولقد ذكرت لكم من قبل أن صلة الرحم لا كما يتوهم الناس قضية زيارة، هي تبدأ بزيارة وتمر بتفقد الأحوال، وقد تحتاج هذه الزيارة مع تفقد الأحوال إلى معونة ثم تصل إلى الدعوة إلى الله، ثم تنتهي بالهدى إلى الله، أي أعظم إنسان ذلك الذي لا ينسى أهله وأقاربه، إذا عرف الله عز وجل واتصل به وسعد بقربه لا ينسى الذين حوله، لا ينسى الذين ربوه، لا ينسى الذين تعبوا حتى أصبح بهذا الوضع، فلذلك صلة الرحم تبدأ بالزيارة وتمر بتفقد الأحوال، وقد يحتاج هذا التفقد إلى مساعدة، ثم ينتهي هذا بالدعوة إلى الله عز وجل، فإذا استطعت من خلال صلة الرحم أن تأخذ بيد أقاربك إلى الله عز وجل، وأن تدلهم عليه، وأن تحملهم على طاعته، فقد حققت من هذه العبادة أعلى غاياتك، قال تعالى:

﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ*أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾

[ سورة محمد: 22-23 ]

من الكبائر :

1 ـ قطيعة الرحم :

قطيعة الرحم تستحق لعنة الله عز وجل، لذلك صنفها العلماء من الكبائر، أما الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد والإمام البخاري:

((لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ ))

[أخرجه البخاري ومسلم عن جبير بن مطعم]

استثنيت الصلة التي يبنى عليها فساد، أما إذا زال الفساد ولم تصل رحمك، وليس هناك عذر فقد وقعت في كبيرة، يبدو أن الإسلام نظم الحياة على أساس التكافل الاجتماعي الأسري، والمجتمع مجموعة أسر، فإذا كل أسرة تفقدت أقرباءها، رعت شؤونهم، تفقدت أحوالهم، مدت لهم يد المساعدة، أخذت بيدهم إلى الله.
سمعت عن بعض الأبنية في الميسات، بناء من طوابق عديدة، سكان هذا البناء على تفاهم جيد فيما بينهم، لهم جلسة كل يوم معين في الأسبوع، فاتفقوا على أن يذهبوا جميعاً إلى مسجد واحد يوم الجمعة، واتفقوا أن يسهروا في كل أسبوع يوماً، وأن يدعو بعض الدعاة ليلقي عليهم بعض المواعظ، هذا تعاون، تعاون على أمر الدين، فإذا كان الجار الغريب يتعاون مع جاره على أمر صلاح الدنيا وصلاح الآخرة فكيف بالمؤمن؟ هؤلاء الذين حولك من لهم غيرك؟ الناس جميعاً أنت لهم وغيرك لهم، يوجد إنسان في الطريق أنت له وغيرك له وألف إنسان له، أما أقرباؤك فما لهم أحد إلا أنت، فكل أسرة إذا تفقدت أفرادها وعناصرها، التفقد يبدأ بالزيارة، ثم بالمساعدة، ثم بالدعوة إلى الله عز وجل، نكون قد حققنا من صلة الرحم الغاية التي أرادها الله عز وجل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:

((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ))

[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

اتفق على هذا الحديث الإمام البخاري ومسلم.

 

لوازم الإيمان :

من لوازم الإيمان صلة الرحم، من لوازم الإيمان الإحسان إلى الجار، من لوازم الإيمان الإحسان إلى الأهل، هذا هو الدين، قطيعة الرحم كبيرة، أحياناً الإنسان يهتدي إلى الله، له أصدقاء مؤمنون ينضم إليهم انضماماً كلياً وينسى أهله، قد لا يعجبه أهله، ولكن خذ بيدهم، انصحهم، فكر في طريقةٍ تهديهم إلى الله عز وجل، فكر في أسلوبٍ تلقي فيهم صحوةً دينية، أنت مكلف بهم، وفي حديث آخر:

((إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

فضل الله أعمال صالحة أو كسب رزق :

لذلك مرّ معنا في درس الجمعة، قوله تعالى:

﴿ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة الجمعة : 10]

أي بعد صلاة الجمعة إذا الإنسان عنده قائمة أقرباء، أخته، بنت أخته، خالته، عمته، أقرباء زوجته، ليعمل لهم زيارات دورية، هذا يوم عطلة، هذا من لوازم صلاة الجمعة وابتغوا من فضل الله، وفضل الله إما أعمال صالحة، أو كسب الرزق في الدنيا وكلاهما من فضل الله عز وجل، وفي حديث آخر أخرجه الإمام البخاري:

((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))

[البخاري عَنِ ابْنِ شِهَابٍ]

ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ خيركم من طال عمره وحسن عمله، من أراد أن يطول عمره وأن يحسن عمله فليصل رحمه.
الحقيقة الإنسان يتوهم أن الصلة زيارة، كما قلت قبل قليل هناك هدف كبير من الزيارة، أحياناً نصيحة بإخلاص تفعل فعل السحر، أحياناً ملاحظة تبديها، أحياناً تبحث لابنة أختك عن زوج صالح يهديها إلى الله، فهذه الأسرة وما فيها من تقوى وصلاح في صحيفتك، وعندما الإنسان يقتطع من وقته وقتاً لزيارة أقربائه، يصلهم، يجبر بخاطرهم، يكون قد قام بعمل عظيم، أحياناً الأخت حينما يزورها أخوها تفتخر به أمام زوجها، ويشعر زوجها أن لهذه الزوجة أقرباء يحرصون على صلتها، ولها عندهم شأن كبير، أما إذا زوّج أخته ولم يفكر إطلاقاً في أن يزورها هذا وقع في كبيرة دون أن يشعر، قطيعة الرحم كبيرة، وفي حديثٍ آخر:

((الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ))

[متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ]

نستنبط من هذا أن قطيعة الرحم من الكبائر.

كيفية تصنيف العلماء القطيعة من الكبائر :

كيف صنف العلماء القطيعة من الكبائر؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾

[ سورة محمد : 23 ]

طبعاً أي إنسان يصلي، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت، فهو مسلم، كيف تقطعه؟ بأي دعوة؟ بأي حجة؟ ما الدليل على أن قطيعتك له مغطاة في الشرع؟ أما أن يقول لك أحد: لا تزر فلاناً فهذا كلام خلاف الشرع.
وفي رواية أخرى لهذا الحديث:

(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ: اللَّهُ أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ))

[الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ]

أنا مرة ذكرت قصة مؤثرة، إنسان زار أخته وجدها على خلاف مع زوجها شديد، والخلاف على مبلغ بسيط، تطالبه بمبلغٍ كل شهر من أجل لباس الأولاد وهو يمتنع لأن دخله محدود، هذا الأخ ليس غنياً لكن يستطيع أن يؤمن هذا المبلغ لأخته، فقال: دعوا هذه الخصومة، المبلغ خذيه مني كل شهر، يقول لي هذا الأخ: على ستة أشهر أول الشهر أقدم لها هذا المبلغ البسيط نيابة عن زوجها، أي توفيقاً بينهما، بعد ستة أشهر طلبت أخته أن يجري لهم درساً أسبوعياً، أخته وبناتها، بدأ يعطيهم درساً بسيطاً، آية وحديثاً وحكماً فقهياً وقصة من الصحابة، هذا الدرس استمر فترة وانتهى أن كل بنات أخته قد تحجبن، ثم استطاع أن يزوج ثلاثاً منهن من شباب مؤمنين، هذا المبلغ البسيط الذي حلّ فيه مشكلة انتهى إلى إحياء أسر، انتهى إلى هداية، أربع فتيات كن سافرات تحجبن وسرن في طريق الحق بسبب هذه الزيارة التي أعقبتها مساعدة ثم أعقبتها هداية، هذا الذي أريده، الشيء الذي يجب أن يبقى في ذهني أنني مكلف أن أرعى أهلي، أخوتي الذكور، أخواتي الإناث، خالاتي، عماتي، أقربائي، أزورهم زيارات دورية، أتفقد أحوالهم، إذا كانوا بحاجة إلى مساعدة أساعدهم، ثم انصحهم وأدلهم على الله، ممكن الآن أن تعطيهم شريطاً يستمعون إليه، ممكن أن تدعوهم إلى المسجد، أن تعمل لهم درساً، هذا الذي أقوله ليكن في ذهن كل منا، أن قطيعة رحم كبيرة من الكبائر، من قوله تعالى:

﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾

[ سورة محمد : 23 ]

ورأيتم الأحاديث الصحيحة، حديث الإمام البخاري، والحديث المتفق عليه، وكل الأحاديث التي تأمر بصلة الرحم أحاديث من أعلى مستويات الصحة.

توعد الله قاطع الرحم باللعنة :

في قوله تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾

[ سورة الرعد: 25 ]

يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، أمر الله أن تصل رحمك فإذا قطعتها لك اللعنة، وفي الحديث القدسي:

(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنِ اسْمِي مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ))

[الترمذي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ]

وفي حديث آخر وأخير عن ابن عباس:

(( بلوا أرحامكم ولو بالسلام ))

[ البزار عن ابن عباس ]

ولو اتصال هاتفي، لك خالة أو أخت ولا يوجد وقت تزورها اتصل بها، كيف الصحة بخير؟ نحن مشتاقون لكِ، السلام عليكم، خمس كلمات صلة رحم، أحياناً الرسالة أو الاتصال الهاتفي، أحياناً ينوب مناب الصلة، لكن أعلاها الصلة والتفقد والمساعدة والدعوة إلى الله، لكن أدناها: بلوا أرحامكم ولو بالسلام.

 

2 ـ النميمة :

الشيء الثاني أيضاً من الكبائر قطيعة الرحم، والكبيرة الأخرى هي النميمة، قال تعالى:

﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ*هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾

[ سورة القلم: 10-11 ]

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة الحجرات: 10-11 ]

يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه:

((عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يَنُمُّ الْحَدِيثَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّام ))

[متفق عليه عَنْ حُذَيْفَةَ]

النميمة تفتت العلاقات و تدمرها :

أنا قلت لكم أول الدرس: نتوهم أن السرقة، والخمر، والقتل، والشرك من الكبائر، والتولي يوم الزحف، لكن النميمة وقطيعة الرحم أيضاً هذه من الكبائر:

(( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ))

[متفق عليه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ]

يعذبان من النميمة، فلان قال عنك كذا وفلان قال عنك كذا، تفتتت العلاقات، وأصبح الشرخ قوياً، وأصبح المجتمع متفككاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:

((مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ ))

[متفق عليه عَنِ أبي هريرة ]

هذا شيء منتشر بشكل واسع جداً، الإنسان ذكي يعرف ما الذي يرضي هؤلاء، وما الذي يرضي هؤلاء، فإذا تكلم لهؤلاء لما يرضيهم وذم هؤلاء فلما التقى بالأوائل أرضاهم وذم الآخرين وقع في شر عمله، وهو أنه صار ذا وجهين وأنه يرتكب كبيرة هي النميمة.

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ))

[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ]

أحياناً يكون هناك علاقة متينة بين شخصين، يوجد أشخاص مختصون بقطيعة هذه العلاقات، يقطعون هذه العلاقات الوشيجة، قال عنك كذا، كنا في مجلس فورد ذكرك فمط شفتيه، كنا في مجلس فجاء ذكرك فلم يثنِ عليك بل طعن بك، هذا كله ينتهي بالإنسان إلى الوقوع بالكبائر.
وعن كعب قال: "اتقوا النميمة فإن صاحبها لا يستريح من عذاب القبر"، وفي قوله تعالى:

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾

[ سورة المسد: 1-5 ]

حمالة الحطب أي تمشي بالنميمة، النميمة وقطيعة الرحم من الكبائر.

 

3 ـ التطفيف بالكيل والميزان :

ومن الكبائر أيضاً - أنا أنتقي من الكبائر التي يظنها الناس صغائر- التطفيف بالكيل والميزان، قال تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ*أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة المطففين: 1-6 ]

قال بعض العلماء: التطفيف نوع من السرقة والخيانة، وأكل المال بالباطل، والتطفيف بتمرة تجرح عدالة الإنسان، إذا وزنتم فأرجحوا، فالبضائع التي تباع بالأطول إذا قاس الثوب ليبيعه شده، وإذا قاسه ليشتريه أرخى الثوب وجعله خط منحن، هذا مطفف، في الوزن يبيع شيئاً ثميناً جداً يوزن معه الكرتون، أحياناً الشاي والقهوة يضعها بكيس وزنه ثقيل، كيلو الأكياس هذا لا يساوي كيلو القهوة، سعر الأكياس خمسين ليرة، والقهوة بثلاثمئة وخمسين، عندما تزن هذه الأشياء الغالية بعبوات لها وزن بكون قد طففت، قال تعالى:

﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ*أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

[ سورة المطففين: 1-6 ]

أحياناً يلقي البضاعة بالكفة إلقاءً شديداً ثم يحملها ويقول لك: تفضل أنت أعطيتها وزناً مع دفع، الكفة رجحت، ثم أمسك بقطعة اللحم وقدمها لك، هذا لا يجوز، أحياناً مروحة عندما يأتي هواءها إلى الكفة يضع لك الوزن، هواء المروحة الضاغط يرجح الوزن، أيضاً تطفيف بالأطوال، بالمكاييل، بالأوزان، بطريقة البيع، هذا كله يدخل في ذلك، العلماء قالوا: التطفيف ضرب من السرقة، والخيانة، وأكل المال بالباطل، والتطفيف بتمرة واحدة يجرح العدالة.

4 ـ الأمن من مكر الله :

الآن يوجد شيء قد لا تصدقونه، الأمن من مكر الله من الكبائر، أي مقيم على معاص وهو مرتاح جداً، يأمن مكر الله، قال تعالى:

﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾

[ سورة الأعراف: 99]

يوجد في الدخل شبهة، ترك للصلوات، إطلاق للبصر، جلسات مختلطة، كلام باطل، غيبة، نميمة، لعب نرد إلى الساعة الواحدة مساءً، تناول الدخان، لا يوجد عنده مشكلة مرتاح، هذه الراحة تعني أنه يأمن مكر الله، كأن الله عز وجل لن يعاقبه، أو لن يؤدبه، أو لن يسوق له بعض الشدائد، لا يخاف الله عز وجل، فرأس الحكمة مخافة الله، الأمن من مكر الله من الكبائر، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

قال له: يجب أن تصل إلى الشام بعد ساعتين وعشر دقائق، معه أرقى سيارة، بعد دقائق كان قطعتين، ترك ألفي مليون، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، على أي شيء مستند؟ من يضمن أن نعيش بعد ساعة؟ من يضمن ألا تنمو في جسمنا نمواً عشوائياً بعض الخلايا؟ من يضمن أن نصل إلى بيوتنا؟ من يضمن إذا نمنا أن نستيقظ وإذا استيقظنا أن ننام؟ فكل إنسان يأمن مكر الله يرتكب كبيرة، معنى هذا أنه لا يتوب، قال تعالى:

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 44]

﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ*أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾

[ سورة يونس:7-8]

الأمن من مكر الله من الكبائر، أن تكون مطمئناً ولست مستقيماً، أن تكون مطمئناً ولست على حق، وفي رقبتك حقوق لم تؤدها، وأنت قاطع رحم، وتارك صلاة، وتلعب بالنرد، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ ))

[مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ ]

أن تقيم على المعاصي وأن تأمن عقاب الله عز وجل هذا اسمه في كتاب الكبائر الأمن من مكر الله.

5 ـ القنوط من روح الله :

يوجد عندنا من هذه الكبائر أن تقنط من روح الله، أن تقنط من نصر الله، يوجد شخص تضعف معنوياته إلى درجة أنه يقع، لا يوجد عنده أمل أن ينصره الله، الإله لا يوجد عنده مصلحة أن يعذبك، يوجد مشكلة ابحث عنها، إذا إنسان ركب سيارة فتوقفت، يجلس ويضرب نفسه، يفتح غطاء المحرك ويبحث عن الخطأ، ابحث عن الخطأ، عن المعصية، النقطة الدقيقة إذا الإنسان رأى الأمور ضده، كلما فتح باب يغلق، معنى هذا أنه يوجد عنده علة كبيرة، ابحث عنها عوضاً من أن تبرك، وتضعف همتك، وتيأس من روح الله، يجب أن تعمل على أن تصلح ما اختل من سلوكك، يقول الله عز وجل:

﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾

[ سورة يوسف: 87]

﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾

[ سورة الشورى: 28]

مرة التقيت مع أخ هو عضو في حوض دمشق، ذكر كلاماً لم يستطع أحد من الحاضرين الوقوف منه، بأن مستوى المياه الجوفية انخفض إلى درجة أن الشام مهددة بالجفاف، ولابد أن يرحل عنها أهلها، ومعه أدلة، هو طبيب، ومثقف ثقافة عالية جداً، وعضو في لجنة حوض دمشق، مستوى المياه الجوفية هبط هبوطاً مخيفاً، ويبدو أن الأمر استقر هكذا ونحن انتقل خط الجفاف إلينا، ولا يوجد أمل، في العام الذي يليه كانت نسب الأمطار ثلاثمئة وخمسين مليمتراً في دمشق، أما المعدل السنوي فمئتان واثنا عشر، هبط ثلاثمئة وخمسين مليمتراً، أكثر من أربعين نبعاً تفجرت كانت قد جفت من ثلاثين عاماً، مياه منين وصلت إلى برزة، عين الصاحب عاد وانفجر، شيء مخيف هذا لم يكن في حسبانه، وجاءت سنوات والحمد لله خير، على كلٍّ أين هذا اليأس؟ انتهى قال تعالى:

﴿يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾

[ سورة يوسف: 87]

الله عز وجل يخلق الفرج من بعد الشدة، يخلق الفرج بعد الضيق، من الضعف قوة، من الفقر غنىً، قال تعالى:

﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾

[ سورة الزمر: 53 ]

يوجد نهي، قال عليه الصلاة والسلام:

((لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأنْصَارِيِّ ]

أي اجتهد في معرفة الله إلى أن تصل إلى الإيمان الصحيح الذي قوامه حسن الظن بالله، فصار القنوط من رحمة الله من الكبائر، والأمن من مكر الله من الكبائر، وقطيعة الرحم من الكبائر، والنميمة من الكبائر.

6 ـ كفران النعمة :

أما الآن يوجد كبيرة من الصعب جداً أن تخطر في بال أحدكم، إنسان خدمك ولم تحسن إليه، ولم تعرف قيمة خدمته، ولم تشكره على عمله، هذه كبيرة؟ نعم كبيرة، قال تعالى:

﴿ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾

[ سورة لقمان: 14]

((مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ لا يَشْكُرُ اللَّهَ ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

إنسان أسدى له معروفاً فلم يشكره، تنكر له.

أعلمه الرمـاية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلمـا قال قافيةً هجـاني
***

هنا يوجد إساءة، رجل أسدى لك معروفاً يجب ألا تنسى هذا المعروف، يجب أن ترد عليه بمعروف مثله، يجب أن تصمت أما أن تسيء فهذا من الكبائر، كفران النعمة من الكبائر، لذلك العلماء بمقاييس الكبائر عدوا سبعين كبيرة، إذا جمعنا الآيات التي فيها لعن، أولئك لعنهم الله، أولئك غضب الله عليهم، التي فيها غضب، التي فيها ليس منا، هذا لا ينتمي إلى المسلمين، التي فيها عقاب شديد، توعد بعقاب شديد، التي فيها دخول النار.

((عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ قَالَ فَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا وَلا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ ))

[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا ]

هذه كبيرة تستوجب النار، أنت اعرف القواعد، كل سلوك توعد الله صاحبه بالنار فهو كبيرة، كل عمل توعد الله صاحبه باللعن هو كبيرة، بالغضب هو كبيرة.

شكر النعمة يكون يالمجازاة أو الدعاء :

قال بعض السلف: كفران النعمة من الكبائر، وشكرها بالمجازاة أو بالدعاء، قال عليه الصلاة والسلام:

((مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنِ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ))

[النسائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ ]

إما أن ترد على العمل الصالح بعمل صالح، إما أن ترد على الهدية بهدية مثلها وإما أن تدعو له حتى تعلم أنك كافأته، أما إنسان قدم لك خدمة، فيجب أن تقدم له خدمة، مرة كنت أصلي الفجر في جامع العفيف كان يوجد درس كما هو في النابلسي، دخلت إلى البيت بعد الدرس وأداء الصلاة ما إن استلقيت إلا قرع الجرس، قلت: من هذا الذي جاء بهذا الوقت؟ وقت غير مألوف فخرجت لأتفقد الذي طرق الباب فإذا طفل صغير قال: نسيت المفاتيح على الباب، وجدت لفتة لطيفة أنه وجد المفاتيح وأخبرني، فأنا قلت له: شكراً ودخلت إلى البيت ما إن أضجعت مرةً أخرى قلت ما معنى كلمة شكراً لهذا الطفل الصغير؟ هذا كلام لا معنى له، فبحثت عن بعض الأشياء اللطيفة في البيت وتبعته وكان قد وصل إلى نهاية الشارع وقدمت له هديةً أعبر بها عن أنه لفت نظر إنسان يوجد مفاتيح على الباب.

(( ... وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ))

[النسائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ ]

أقل شيء أشكره عليه، أقل شيء قل له: شكراً أكرمتنا، والأبلغ أن ترد عليه الهدية بمثلها، خدمك خدمة اخدمه خدمة، قدم لك هدية قدم له هدية، النبي قال:

((تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ وَلا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

التهادي فعل فيه مشاركة، تقدم له ويقدم لك، تعينه ويعينك، هذا فعل فيه مشاركة، فلذلك الإنسان إذا شكرنا بعضنا دائماً المعروف ينمو، أما إذا ما شكرنا بعضنا فالمعروف يموت، رجل يركب حصاناً في الصحراء رأى شخصاً فقيراً بلا حذاء بلا نعل، ورمال الصحراء محرقة، دعاه إلى ركوب الخيل، ما إن اعتلى ظهر الخيل- كان أحد لصوص الخيل- حتى دفع صاحبها نحو الأرض، وعدا بها لا يلوي على شيء، قال له صاحب الفرس: يا هذا لقد تنازلت لك عن الفرس ولن أسأل عنها بعد اليوم، ولكن إياك أن يشيع هذا الخبر في الصحراء فتذهب المروءة، وبذهابها يذهب أجمل ما فيها.
نحن إذا كل واحد خدم الثاني خدمة وشكره شكر حقيقي، وإذا كان قادراً ردّ هذه الخدمة بخدمة مشابهة، وردّ الهدية بهدية تتنامى العلاقات وتمتن العلاقات، أما إذا قدمت لك خدمة ولم تتنازل أن تشكر صاحبها عليها عددتها فرضاً يؤدى إليك فبعد حين تتقطع الصلات، ويتفتت المجتمع، منع الماعون هو الذي تقدم له خدمة فلا يرد عليها، والآن الناس تنكروا للخير بسبب الجحود عند بعضهم، يريد أن يدهن بيته استعار بيت جاره وقال له: عشرة أيام، هذه السنة رقم خمس عشرة وهم بالمحاكم، استعار البيت عشرة أيام، فتملكه واعتبر نفسه مستأجراً وقال له: هذه المحاكم، يوجد سبعمئة ألف بيت في الشام مغلقين، لا يوجد عندنا أزمة سكن ولكن أزمة إسكان، سبعمئة ألف بيت، إحصاء دقيق كلها على المفتاح مغلقة، ولو قدمت بيتاً إلى إنسان تملكه وانتهى الأمر لا يوجد عهد، أحياناً تجد شخصاً في الطريق لا تركبه معك تخاف، قد يكون معه حشيش، قد يكون مسيئاً، هذه الإساءة ترى السيارات فارغة، فلذلك منع الماعون، وعندما الإنسان يتنكر لصانعي الخير يكون قد قطع الخير في المجتمع، والحقيقة نحن يجب أن نعود إلى هذه السنة، أما أن يكون كفران النعمة من الكبائر، إنسان خدمك، رعاك، قدم لك شيئاً، نصحك تسيء إليه، والله أسمع قصصاً عما يجري في المجتمع من الجحود وتنكر الجميل شيء لا يصدق، أن الإنسان وصل إلى هذا المستوى، باعك بضاعة وخفض لك بثمنها وديّنك إياها وخبرت عنه هل هذا معقول؟ أحياناً ترى موظفاً بمحل رعاه رعاية طويلة وقدم له أشياء كثيرة، اشتكى عليه وأوقعه بمتاهة لا تنتهي، الإنسان إذا انقطع عن الله عز وجل يصبح وحشاً، حسه متلبد لا يوجد عنده إحساس بالعمل الصالح أبداً، مع أن المؤمن مأمور، اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، إن أصبت أهله أصبت أهله وإن لم تصب أهله فأنت أهله.

7 ـ ترك صلاة الجمعة :

آخر كبيرة هو الذي يترك صلاة الجمعة من الكبائر:

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلاً يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنِ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ ))

[مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ]

أكبر شيء أن تحرق له بيته، أو تهدم له بيته، هناك أناس يهدمون البيوت، أما هنا فالنبي قال: هممت أن أحرق بيوت المتخلفين عن صلاة الجمعة لأن هذه عبادة تعلمية، وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:

((عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ))

[مسلم عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَأَبَي هُرَيْرَةَ ]

(( عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))

[النسائي عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ ]

والأحاديث المتعلقة بصلاة الجمعة تزيد عن مئتي حديث وكلها في الصحاح، وذكرت هذا يوم الجمعة في درس الجمعة.

تلخيص لما سبق :

نمر سريعاً على هذه الكبائر، ترك صلاة الجمعة من الكبائر، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾

[ سورة الجمعة: 9 ]

وذكر الله هنا هو الخطبة كما قال معظم المفسرين، التطفيف من الكبائر، الوزن، الكيل، المساحة، العدد من الكبائر، اليأس من روح الله من الكبائر، كفر النعمة، عدم شكر الناس من الكبائر، أشياء دقيقة جداً، النميمة من الكبائر، قطيعة الرحم من الكبائر، يوجد في الأسواق كتاب الكبائر فيه سبعين كبيرة، وكلها بالأدلة الصحيحة بالآيات، والأحاديث، فالإنسان إذا اجتنب الكبائر فهو في بحبوحة من أمر دينه، والله عز وجل يقول:

﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾

[ سورة النساء: 31]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور