- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الجانب العلمي أخطر جانب في حياة الإنسان:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الحادي عشر من دروس تربية الأولاد في الإسلام وننتقل اليوم إلى التربية العقلية، فالإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب.
إذاً جانب خطير وكبير من جوانب الإنسان الجانب العلمي، والذي لا يبحث عن الحقيقة ولا يلبي القوة الإدراكية التي أودعها الله فينا، فقد هبط عن مستوى إنسانيته إلى مستوىً لا يليق به.
لا تنسوا أن الجماد شيء، له وزن، وله أبعاد ثلاثة، ويشغل حيزاً هذا الجماد.
النبات: شيء، له وزن، وله أبعاد ثلاثة، ويشغل حيزاً، لكنه ينمو، تميز النبات عن الجماد بالنمو.
الحيوان: شيء له وزن، ويشغل حيزاً، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، لكنه يتميز عن الجماد والنبات بأنه يمشي، يتحرك.
الإنسان: شيء، له وزن، وله أبعاد ثلاثة، ويشغل حيزاً، هذا كالجماد، وينمو كالنبات، ويتحرك كبقية المخلوقات، بماذا يتميز ؟ بأنه يفكر.
أنت تتميز عن كل الكائنات لأنك تفكر، أعطاك الله عقلاً، فإذا عطلنا هذا الجانب إن عطلنا القوة الإدراكية، إن لم نبحث عن الحقيقة هبطنا من مستوى إنسانيتنا إلى مستوى لا يليق بنا.
الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع:
أنت حينما تطلب العلم، تحضر درس علم، تبحث عن الحقيقة، تقرأ كتاباً، تتابع ندوة، تتابع مناظرة، تحضر خطبة، تسأل، تستفهم، تبحث، تدرس، تفكر، تعقل، أنت بهذا تؤكد أنك إنسان، وما لم يكن الفرق عندك كبيراً، العلم والجهل.
الناس ثلاثة، عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، هذا يسمى الخط العريض في المجتمع، يسمى أيضاً دهماء الناس، سوقتهم، وهمج رعاع، أتباع كل ناعق، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق فاحذر أن تكون منهم يا بني.
سمعت مرة نشيداً تأثرت له.
نســـمات هواك لها أرجٌ تحيا وتعيش بها المهج
ما الناس سوى قوم عرفوك و غيرهم همجٌ هـمجُ
* * *
هل يمكن أن يكون الإنسان همجياً وراكب مركبة غالية ؟ ممكن، ويرتدي أغلى ثياب، ويتعطر بأغلى العطور، ممكن، حينما لا يعرف الله فهو همجي، حينما يبني حياته على أنقاض الناس فهو همجي، حينما يبني أمنه على إخافتهم فهو همجي، حينما يبني غناه على فقرهم فهو همجي، حينما يبني عزهم على إذلالهم فهو همجي، البشر إما أنه همجي، أو إنساني، المؤمن إنساني.
من عرف ربه و استقام على أمره شعر بسعادة لا توصف:
والله أيها الأخوة، المشاعر التي يتمتع بها المؤمن الناتجة عن معرفته بربه، وعن معرفته بمنهج ربه، وعن طاعته لربه، والله لا توصف.
ولو يعلم الملوك (أنا هذا القول أرويه كثيراً) إلا أنني من سنوات عدة دققت في الذي قاله، من قاله ؟ قاله ملك (إبراهيم بن الأدهم)، كان ملكاً فترك الملك، وتعرف إلى الله وقال: (لو قاله غيره لما صدقته) لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليها بالسيوف.
والله يوجد بنفس المؤمن من السعادة والطمأنينة، بأي وضع، فقير، غني، صغير، كبير، مدني، ريفي، المؤمن يتمتع بسعادة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم.
ما الإيمان ؟ الإيمان مرتبة كبيرة جداً، الإيمان مرتبة علمية، الإيمان مرتبة أخلاقية، الإيمان مرتبة جمالية، والله المؤمن يتمتع بأذواق، بطعامه، وشرابه، وملبسه ونزهاته، ولقاءاته لا يتمتع بها غيره، اتصل بالله، وذاق طعم القرب.
العلم غذاء العقل:
أيها الأخوة، لذلك عقلك يحتاج إلى غذاء، غذاؤه العلم، فإذا أن تكون عالماً أو متعلماً، أو مستمعاً نعمة، أو محباً، ولا تكن الخامسة فتهلك.
ما الناس سوى قوم عرفوك وغيرهم همجٌ هـمجُ
* * *
قد يكون إنسان همجي فقير، وهناك همجي غني، و همجي متعلم يتفنن بصنع أدوات الدمار، الأسلحة الجرثومية، الأسلحة الكيماوية، الأسلحة الخارقة، الحارقة الفتاكة، القنبلة العنقودية، القنبلة الانشطارية، القنبلة التي تقتل البشر، وتبقي الحجر، أنواع منوعة من الأسلحة، صنع من ؟ صنع علماء كبار أذكياء، لذلك:
ما الناس سوى قوم عرفوك وغيرهم همجٌ هـمجُُ
* * *
على كل إنسان أن يقرأ من أجل معرفة ربه و الإقبال عليه:
أيها الأخوة، الدرس اليوم التربية العقلية، لكن الموضوع الأول في هذا اللقاء الطيب أن أول كلمة في أول آية، في أول سورة في القرآن الكريم:
﴿ اقْرَأْ ﴾
أليس كذلك
﴿ اقْرَأْ ﴾ ﴿ اقْرَأْ ﴾
ماذا ؟.
أيها الأخوة، الآيات التي تلي هذه الآية لها أبعاد رائعة جداً:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾
يعني
﴿ اقْرَأْ﴾
من أجل أن تعرف ربك
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تؤمن
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تقبل على الله
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تسلم
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تسعد،
﴿ اقْرَأْ ﴾
يعني اطلب العل
م ﴿ اقْرَأْ ﴾
تعلم
﴿ اقْرَأْ ﴾
لبِ حاجة عقلك
﴿ اقْرَأْ ﴾
كن مستمعاً
﴿ اقْرَأْ ﴾
كن عالماً
﴿ اقْرَأْ ﴾
كن متعلماً،
﴿ اقْرَأْ ﴾
كن محباً،
﴿ اقْرَأْ ﴾
لا يوجد قراءة غير هادفة ؟.
مرة ركبت طائرة إلى بلد بعيد، لفت نظري أن معظم الركاب يقرؤون، والله بادئ ذي بدء أكبرتهم، مثقفون، ثم فوجئت أن كل هذه القراءات قصص، وقد تكون ليست كما ينبغي.
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تؤمن
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾
﴿ الَّذِي خَلَقَ ﴾
هذه القراءة يمكن أن أسميها قراءة البحث والإيمان
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تؤمن وادعُ ابنك إلى أن يقرأ، من أجل أن يؤمن.
القراءات التي ينبغي على الإنسان أن يتعلمها:
1 ـ قراءة البحث و الإيمان:
مرة علمت أن بعض الأوقاف في بلد إسلامية أحد فروع هذا الوقف تحبيب القراءة للصغار، يوزعون على الصغار قصصاً رائعة جداً، هادفة، أخلاقية، قصص للصحابة الكرام، بأحلى طباعة، بأجمل صورة، حتى يحب الصغار القراءة، يعني أعلى هواية، أعلى نشاط يتجاوز كسب الطعام والشراب أن تقرأ.
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
أول قراءة نسميها قراءة البحث والإيمان، هل تفكرنا في خلق السماوات والأرض ؟ هل قرأنا القرآن الكريم ؟ هل قرأنا السنة المطهرة ؟ هل قرأنا ؟
﴿ اقْرَأْ﴾
أي تعلم، هل بحياتك وقت لطلب العلم ؟ لحضور دروس العلم ؟ هل في برنامجك اليومي ساعة أو ساعتين لقراءة كتاب ؟ لقراءة بحث ؟ لمطالعة موضع ؟ للقاء مع إنسان تنتفع من علمه ؟
﴿ اقْرَأْ﴾
من أجل أن تؤمن، القراءة الهادفة، القراءة الإيمانية، قراءة البحث والإيمان، هذه قراءة.
جسم الإنسان أقرب آية عظيمة دالة على عظمة الله:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
أقرب آية إليك، أقرب شيء تتعرف منه إلى الله جسمك
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
ممكن باللقاء الزوجي هناك ثلاثمئة مليون نطفة، والبويضة حجمها كحبة الملح ضع على إصبعك شيئاً من لعابك، ولا تضغط على كمية من الملح، أقل مس، وجيء بمكبر، ترى ذرات الملح، أقل ضغط، طبقة واحدة من ذرات الملح، مع المكبر ترى ذرة الملح، البويضة في المرأة حجمها كحجم ذرة الملح، هذه تحتاج إلى حوين، الحوين لا يرى بالعين، له رأس، الرأس فيه مادة نبيلة، وهذه المادة النبيلة مغلفة بغشاء رقيق إذا اصطدم هذا الحوين بالبويضة يتمزق الغشاء، والمادة تذيب جدار البويضة، ويدخل إليها.
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
هذه البويضة الملقحة تنقسم عشرة آلاف قسم دون أن يزيد حجمها، وهي تمشي في قناة فالوب، ما الذي يحركها في هذه القناة ؟ قال:أَشعار تنقلها من المبيض إلى الرحم، وهي تنقسم
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
﴿ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ ﴾
ثم تتشكل العظام، ثم تكسى العظام لحماً، ثم رأس ودماغ، مئة و أربعون مليار خلية سمراء، لم تُعرف وظيفتها بعد، عينان، بالشبكية يوجد مئة و ثلاثون عصية ومخروط، العصب البصري تسعمئة ألف عصب، ثلاثمئة ألف شعرة، لكل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، بالمعدة هناك 35 مليون عصارة هاضمة، القلب يضخ باليوم ثمانية أمتار مكعبة، في عمر متوسط يضخ القلب من الدم ما يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم، اللسان، الأسنان، المريء، الأمعاء، المعدة، الكليتان، الرئتان، القلب.
على الإنسان أن يقرأ القراءة الهادفة من أجل أن يؤمن:
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
أقرب آية عظيمة دالة على عظمة الله جسمك، أقرب شيء إليك جسمك، ألم تفكر مرة لِمَ لم يكن في الشعر أعصاب حس ؟ لو في أعصاب حس تُسأل إلى أين أنت ذاهب ؟ والله إلى المستشفى، لأجري عملية خلاقة، إذا في أعصاب حس، قص الشعرة تطير من الألم، لكن لا يوجد أعصاب حس، لو فكرت بشعرك، بعينيك، بأنفك، بأذنيك، الحديث طويل.
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
هذه قراءة إيمانية، عود نفسك تفكر، أحياناً الإنسان يسمع صوت مركبة ينزاح نحو اليسار، كيف عرفت أن المركبة على اليمين ؟ هي وراءك، قد يغيب عن ذهنك أن هناك جهاز بالإنسان يقيس تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، المركبة هنا، الصوت الأول دخل إلى هنا، والثاني دخل إلى هنا، هذه أقرب إلى المركبة من هذه، المسافة الزمنية واحد على ألف و ستمئة و عشرين جزءاً من الثانية، من آيات الله الدالة على عظمته.
إذاً أول قراءة قراءةٌ إيمانية
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
الله عز وجل منح الإنسان نعمة الإيجاد و الإمداد و الرشاد:
الآن:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
هذه قراءة ثانية، الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد، أنت موجود، ومنحك نعمة الإمداد، أمدك بالهواء، بالماء، بالطعام، بالشراب، بالزوجة، بالأولاد، بالسماء، بالأرض، بالبحار، بالأنهار، بالأسماك، بالأطيار، بالكواكب، بالثمار، هذه قراءة ثانية قراءة الشكر والعرفان.
أول قراءة، قراءة البحث والإيمان، وأقرب آية لك:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
الثانية:
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
منحك نعمة الإيجاد ومنحك نعمة الإمداد، ومنحك نعمة الهدى والرشاد، إيجاد، إمداد، هدى ورشاد.
مرة فكر بالكون، مرة فكر بالنعم، هذا الماء من جعله عذباً فراتاً وقد كان ملحاً أجاجاً ؟ من قنن قانون التبخر ؟ من قنن قانون أن الهواء يحمل بخار الماء ؟ من قنن قانون التقطير ؟ من قنن قانون التبخر ثم تحول البخار إلى سائل ؟ من ؟ من أودع الماء في الينابيع ؟
2 ـ قراءة الشكر و العرفان:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
جلست إلى الطعام، هذا اللبن من أين ؟ من معمل لا في صوت، ولا في ضجيج، ولا في دخان، ولا في مدخنة، ولا في شيء، بقرة تأكل الحشيش تعطيك الحليب، هل هناك جهة بالأرض تستطيع أن تصنع من الحشيش حليباً ؟ الدجاجة تأكل كل شيء تعطيك البيض.
يقول بعض العلماء: شدة القرب حجاب، فكر، فكر بالبيضة، بكأس الحليب.
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
قراءة الشكر والعرفان، مرة بالآيات الدالة على عظمته ومرة بنعمه.
الكليتان تفرزان كل عشرين ثانية قطرة بول، قطرة بقطرة، كل عشرين ثانية بالدقيقة ثلاث قطرات، بالعشر دقائق ثلاثين قطرة، النتيجة، لو لم يكن هناك مثانة، من الكليتين إلى الإفراز يحتاج الإنسان إلى فوط ساعتئذ، فوط الرجل السعيد لا الطفل السعيد، من جعل المثانة مستودعاً ؟ سبع ثماني ساعات يتجمع فيها البول، كرامتك موفورة.
لو فكرت بجسمك أنت وجهاً لوجه أمام عظمة الله، المثانة وحدها، تصفية الدم آية، جهاز الهضم آية، البنكرياس آية، الكبد يقوم بخمسة آلاف وظيفة آية، الرئتان، لو الأسناخ الرئوية مدت لكانت مساحتها مئتي متر مربع، رئتان، وقلب، القلب بالقفص، والدماغ بالجمجمة، والنخاع الشوكي بالعمود الفقري، والجنين بعظام الحوض، وأخطر معمل بالجسم معامل كريات الدم الحمراء وسط العظام، الأجهزة الخطيرة، القلب، العين، الدماغ، النخاع الشوكي، الجنين، معامل كريات الدم الحمراء، أخطر الأجهزة في أماكن حصينة، صنع من ؟، تقدير من ؟.
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
قراءة البحث والإيمان،
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
قراءة الشكر والعرفان.
3 ـ قراءة الوحي و الإذعان:
﴿ الَّذِي َلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
هذا الوحي، قراءة الوحي والإذعان، كم قراءة عندنا ؟ ثلاثة، قراءة البحث والإيمان، قراءة الشكر والعرفان، قراءة الوحي والإذعان، أي شيء عجز فكرك عن إدراكه أخبرك الله به، أخبرك أن الله هو الذي خلق السماوات والأرض، أخبرك:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
أخبرك أنه خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، أخبرك أن هذه الدنيا دار التواء، دار فانية، حياة دنيا وليست عليا، كل شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به القراءة الثالثة ما هي ؟ قراءة الوحي والإذعان.
أيها الأخوة الكرام، هذه السورة أول سورة نزلت، وأول آية، وفيها أول كلمة اقرأ، قراءة البحث والإيمان، نوع من القراءة، قراءة الشكر والعرفان، التفكر بالنعم، قراءة الوحي والإذعان، قراءة القرآن والسنة، القرآن فيه كليات، والسنة فيها جزئيات، أنت بين التفكر في خلق السماوات والأرض، والتفكر في نعم الله، وبين تدبر آيات القرآن الكريم، وأحاديث المصطفى عليه أتمّ الصلاة والتسليم، ثلاثة قراءات، قراءة بحث وإيمان بالكون، قراءة شكر وعرفان بالنعم، قراءة وحي والإذعان بالقرآن والسنة.
4 ـ قراءة العدوان و الطغيان:
لكن العالم اليوم يئن من قراءة رابعة، كم قراءة يوجد ؟ أربعة، الأولى والثانية والثالثة قراءات رائعة، واحدة بحث وإيمان، الثانية شكر وعرفان، والثالثة وحي وإذعان، الرابعة قراءة العدوان والطغيان.
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
يتقوى الإنسان، يحمل شهادات عليا، يخترع أسلحة فتاكة تدمر البشرية، تقوى أمة بأسلحتها، تفرض ثقافتها وإباحيتها على بقية الأمم، لذلك العلم أحياناً يأخذ مساراً خطيراً جداً.
حاجة المسلمين إلى القراءة الرابعة من أجل الدفاع عن النفس:
لكن يا ترى المسلمون بحاجة إلى هذا العلم الرابع ؟ بحاجة:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
بحاجة لهذا العلم الرابع لا من أجل العدوان، بل من أجل الدفاع عن النفس.
أنا حدثني أخ جاءنا من الهند، قال لي: نحن 90 مليون مسلم بالهند، قال لي: مضطهدون جداً، تكلم أشياء غريبة جداً عن اضطهاد هؤلاء في الهند، قال: عندما صنع الباكستان قنبلة نووية اختلفت المعاملة 180 درجة، صار في دولة تحمل سلاحاً نووياً ونحن في أمس الحاجة إلى سلاح يردع، والدليل:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 60 )
كل مشكلات الشرق الأوسط لمنع بلد من تصنيع سلاح نووي، أليس كذلك ؟ هذه مشكلة، يريدون السلاح معهم فقط، ويطغون به العالم.
أنواع الجهاد:
كذلك كلكم يعلم أن هناك جهاد النفس والهوى، هذا الجهاد الأساسي، هذا التعليم الأساسي، وهناك جهاد دعوي:
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
وهناك جهاد بنائي
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
والحقيقة المؤلمة أنهم أعدوا لنا ولم نعد لهم، لمئتي عام سبقت استفادوا من الاستقرار، والرخاء الاقتصادي، وصنعوا، وتفوقوا، واخترعوا أسلحة سيطروا بها على العالم، وبعدها فرضوا علينا ثقافتهم هذه الصحون ثقافتهم، وإباحيتهم، وتفلتهم.
قوم عاد مثال للأمم الطاغية التي استخدمت القراءة للعدوان والطغيان:
لذلك أيها الأخوة، القضية خطيرة جداً، لما الله عز وجل يأمرك أن تقرأ:
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
ثم يقول الله عز وجل
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
الإنسان إذا قوي يستغني عن الله بحمقه، ويغيب عنه أنه في قبضة الله دائماً هذه الأمم القوية التي استغنت، فطغت، وبغت، من يمثلها ؟ يمثلها قوم عاد، هؤلاء القوم مثال للأمم الطاغية التي استخدمت القراءة للعدوان والطغيان، قوم عاد قال الله عنهم إنهم متفوقون في كل المجالات:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
تفوقوا في شتى المجالات، وتفوقوا في العمران:
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
تفوق حضاري، بنائي، عمراني، تفوق صناعي، تفوق عسكري، وتفوق علمي:
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
تفوق قوم عاد في شتى المجالات ومع تفوقهم استعلاء و كبر و غطرسة:
أربع أنواع بالتفوق،
﴿ لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
ومع التفوق الغطرسة والكبر، والاستعلاء والدليل:
﴿ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
تفوق عمراني، صناعي، عسكري، علمي، وغطرسة
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
وهؤلاء القوم دققوا الآن: ما أهلك الله قوم إلا ذكر أنه أهلك من هو أشد منهم قوة، إلا قوم عاد حينما أهلكهم قال:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
أي ما كان فوق عاد إلا الله، ماذا فعلت عاد ؟ قال: طغت في البلاد، ما قال طغت في بلدها، طغت في البلاد، طغيان شمولي.
فرض الدول العظمى إرادتها على الشعوب بشتى الوسائل:
أحياناً تكون أطماع الدول العظمى لا في بلادها في كل البلاد، يتدخلون بكل بلد، يفرضون إرادتهم على كل شعب.
﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾
بالقصف والأسلحة المدمرة.
﴿ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
بالأفلام، الطغيان بالقصف، والإفساد بالأفلام.
﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾
بماذا أهلكهم ؟
﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾
وقال:
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾
ماذا يفهم من كلمة الأولى ؟
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾
يعني في عاد ثانية أنا كنت مرة مسافراً إلى بلاد بعيدة، فلما سُلت أين كنت ؟ قلت: في عاد الثانية.
انتصار المسلمين على أعدائهم يكون بالإيمان بالله و اليوم الآخر وإعداد القوة المتاحة:
أيها الأخوة الكرام، هناك قراءة بحث وإيمان، قراءة شكر وعرفان، قراءة وحي وإذعان، قراءة عدوان وطغيان، نحن نحتاج إلى الرابعة لنكون أقوياء، لنردع، ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ ﴾ السلاح من أجل ألا نستخدمه، قد لا نستخدمه أبداً، ولكن نريد سلاحاً قوياً عندنا هذا يجعل الطرف الآخر يهابنا، توجيه قرأني.
لذلك المسلمون لن ينتصروا إلا إذا قدموا لله أسباب النصر، أسباب النصر إيمان بالله يحملك على طاعته، وإيمان باليوم الآخر، يردعك أن تؤذي مخلوقاً، وإعداد العدة المتاحة لا المكافئة، الدليل
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
والله الذي لا إله إلا هو لو طبقنا هذين الشرطين لكنا في حال غير هذا الحال إيمان يحملنا على طاعة الله، وإعداد يؤهلنا كي ننتصر على أعدائنا.
اعتماد القرآن على قيمتي العلم و العمل للترجيح بين البشر:
أيها الأخوة، العلم قيمة كبيرة جداً:
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
القرآن الكريم اعتمد قيم مرجحة، الناس فيما بينهم يرجح بعضهم بعضاً بالمال أحياناً، هذا غني، أحياناً بالجمال، وسيم، أحياناً بمنصب رفيع، أحياناً بالقوة، أحياناً بالوجاهة، أحياناً بالنسب، اعتمد الناس قيماً عديدة للترجيح فيما بينهم، لكن الله عز وجل في قرآنه الكريم بين دفتيه ما القيم التي اعتمدها ؟ اعتد قيمة العلم، وقيمة العمل، ليس غير.
كان تابعي جليل اسمه الأحنف بن قيس، تروي الروايات أنه كان قصير القامة، أسمر اللون، أحنف الرجل، مائل، ضيق الكتفين، ناتئ الوجنتين، غائر العينين، لم يكن شيء سلبي في صفات الإنسان إلا تمثل به، وكان مع ذلك سيد قومه، قال: إذا غضب غضبَ لغضبته مئة ألف سيف، لا يسألونه فيما غضب، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه، وكان سيد قومه.
إذاً القرآن اعتمد قيمتين فقط، قيمة العلم في قوله تعالى
﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
وقيمة العمل:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
وأية أمة تريد أن تنهض ينبغي أن تعتمد قيمتين اثنتين لا ثالث لهما، ينبغي أن يحترم من يطلب العلم، وأن يحترم أيضاً من يعمل.
تشجيع الطفل المتفوق و إكرامه طريق لنهضتنا و قوتنا:
أيها الأخوة، قضية العلم قضية واسعة جداً، ولابدّ من أن نعتمده كطريق لنهضتنا وقوتنا.
صلاح الدين الأيوبي حينما واجه أوربا بأكملها واجهها بشباب متعلمين، فلذلك أمضى سنوات طويلة في تأسيس المدارس، وفي الصالحية شارع اسمه المدارس هذا من نتائج عمل صلاح الدين الأيوبي.
إذاً الناس اعتمدوا قيماً عديدة للترجيح فيما بينهم، لكن الله جلّ جلاله في قرآنه الكريم هناك قيمتان للترجيح بين خلقه قيمة العلم، وقيمة العمل.
ونحن في تربية أولادنا حينما نكرم الابن المتفوق، حينما نشجعه، حينما نكافئه، حينما نسأله ماذا تعلمت اليوم ؟ هناك أسر كثيرة في لقاء يومي بين الأب والأم والأولاد والحديث اللطيف ماذا تعلمت اليوم في المدرسة ؟ ماذا قال لك الأستاذ ؟ كم مادة عندك اليوم ؟ ماذا فهمت بالفيزياء مثلاً ؟ عندما يكون في البيت حوار علمي يغدو العلم ذا قيمة في البيت، أما حوار يومي في الطعام والشراب، والأخبار الطريفة والطرف من دون معالجة موضوعات علمية فالطفل ينصرف عن العلم، وينبغي أن يكرم الطفل إذا تفوق في دراسته، التشجيع مهم جداً.
العلم هو الطريق المثالي لتقدم الأمة و نهضتها:
أيها الأخوة الكرام، للموضوع تتمة طبعاً، التربية العقلية تحتاج إلى جلسات كثيرة كي تنهض هذه الأمة، ما من طريق إلى التقدم والنهوض إلا بالعلم، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظنّ أنه قد علم فقد جهل.
آخر كلمة: طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.