- الفقه الإسلامي / ٠4الأخلاق الإسلامية
- /
- ٠1الغيبة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
الغيبة من أكبر الكبائِر فهيْ تُفَكِّكَ المُجْتَمَع الإسْلامي :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الغيبة
والغيبة كما تعلمون من الكبائر بل إنّ بعض العلماء يقول: إنَّها من أكبر الكبائِر، والغيبة يُمْكن أنْ تُفَكِّكَ المُجْتَمَع الإسْلامي، ويُمْكن أنْ تُضْعِفَهُ، ويُمْكن أن تُشَرْذمَهُ، وهي المعْصِيَة المُتَفَشِيَّة بين المسلمين وهم لا يشْعرون، فلذلك كان الإلْحاح على هذا الموضوع في هذا الدرس، وفي دَرْسَيْن قادِمَيْن إنْ شاء الله من أجل أنْ نسْتأصَل إن شاء الله تعالى في المجْتمع المسلم كُلُّ ما يجْعل في وَحْدَتِه مزقاً.
عبد الله بن عمر نظر إلى الكعْبة فقال: "ما أعْظَمَكِ وما أعْظَمَ حُرْمَتَكِ ولكنَّ المؤمن أعظَمَ حُرْمَةً عند الله منك"، فهذا الذي يجْتَرِئ على مؤمن، وعلى وَلِيٍّ من أوْلياء الله لِيَنْهَشَهُ بلا حقّ وبلا سَبب وموجب، هذا له عند الله إثْمٌ كبير.
قال: رُوِيَ أنَّ رَجُلَيْن قاعِدَين عند باب من أبواب المسْجد فَمَرَّ بهما رجل فَوَقَعا فيه أيْ نالا منه أيْ اغْتاباه، ثمَّ دخل الرَّجُلَيْن فَصَلَّيا مع الناس، فَحاك في أنْفُسِهما ما قالا فأَتيا عطاءً - ابن عطاء الله السْكَنْدري - فسَألاهُ فأمراهما أنْ يُعيدا الوُضوء والصلاة، وأمَرَهُما أنْ يقْضِيا الصِّيام إنْ كانا صائِمَيْن، ما قيمةُ العبادات؟ العبادات من أجْل أنْ تسْمو، ومن أجل أن تسْتقيم، فإذا كان الإنسان يُصَلي ويَغْتاب، ويُصَلي ويَكْذِب، ويصوم ويفْعل ما لا يُرْضي الله عز وجل، فما قيمةُ العبادات؟! إنَّها طريقٌ لِسُمُوِّ الإنسان إلى الله عز وجل، قال ابن عطاء الله السْكَنْدري- وهو من العلماء الكبار الذي له الحِكَمُ العطائِيَّة - لهما أن يُعيدا الوُضوء والصلاة وأمَرَهُما أنْ يقْضِيا الصِّيام إنْ كانا صائِمَيْن.
طائِفَة من أقْوال السَّلَف الصالح في موضوع الغيبة :
طبْعاً أنا أضَعُ بين أيديكم في هذا الدرْس طائِفَةً من أقْوال السَّلَف الصالح في موضوع الغيبة:
فقد قال حاكم الأصَمّ: "ثلاث خِصال إذا كُنَّ في مَجْلِسٍ فإنَّ الرحْمةَ مصْروفَةٌ عن أهله" - سواءٌ كنت جالساً مع أهْلِك أو أصْدِقائك أو جيرانك أو شُرَكائِك في عَقْد قِران أو نُزْهَة أو سَفَرٍ أو حَفْلة أو زيارة مريض أيُّ لِقاءٍ بشري -: ما معنى صُرِفَتْ عنه الرحمة؟ يقول لك: ما سررنا وتضايَقْنا، فأحْياناً تذهب عائِلَةٌ إلى نُزْهة فإذا بهم يرْجعون مختلفين في أمرهم، ".....ذِكْرُ الدنيا والوقيعَةُ بين الناس وكَثْرَةُ الضَّحِك"،
هذه كُلُّها تَصْرف الرحمة عن المَجْلس، كُلٌّ منا له مَجْلس في الأسبوع مع أهْله وأولاده في سَهْرة أو زيارة أو وليمة، هناك ثلاثة أشياء إذا ذُكِرَتْ في المَجْلس صرَفَت الرحمة؛ طبْعاً هذا مأخوذٌ من قَوْل النبي عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ يَشْهَدَانِ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَتَغَشَّتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ))
ثلاثة عطاءات من الله: غَشِيَتْهُم الرَّحْمة، ونزلَتْ عليهم السكينة، وحَفَّتْهُم الملائِكَة، وذَكَرَهُم الله فيمن عنده، فهذا كلام الحاكم الأصمّ: "ثلاث خِصال إذا كُنَّ في مَجْلِسٍ فإنَّ الرحْمةَ مصْروفَةٌ عن أهله: ذِكْرُ الدنيا والوقيعة بين الناس والضَّحِك".
الابتعاد عن ذكر أهْل المعاصي والموبِقات في المجالس :
هناك نقطة دقيقة أشار إليها العالم الجليل عبد الله بن المُبارك يقول: "لا تَذْكُر أهْل الأهْواء والبِدَع بِسُوءٍ إلا لِمَنْ يُبَلِّغوا لهم ذلك لَعَلَّهُم ينْزَجِرون و إلا لا فائِدَة لِذِكْرِهم عند من لا يُبَلِّغُهم"، هذه نقطة من أهَمِّ النِّقاط في الدرْس؛ كيف؟! أحْياناً تجْلس مع إخْوانك ولهم باعٌ في التِّجارة، وكان هناك تاجِر كذاب، ونصاب، ومُحْتال، فإذا أنت حَكَيْتَ عنه وقد تَحِلُّ الغَيْبة عنه، ماذا فَعَلْتَ بِنَفْسِك أنت؟ أنت عَرَضْتَ على الحاضِرين إنْساناً ساقِطاً
والإنسانُ الساقِط من القِيَم والمبادئ يُشيعُ في الجَلْسَة الانْقِباض، فالإنسان إذا مَسَكَ باقة أزْهار شيء وإذا مَسَك جيفة كان شيئاً آخر، فالباقة تُنْعِشُ والجيفة تُنْتِنُ، فَنَحنُ إذا تكلَّمْنا عن أهْل الدنيا، وعن المُنْحَرِفين، والمتكبِّرين، والفساق، وأهْل المعاصي، وذَكَرْنا عُدْوانهم، وخِفَّتَهم، وحقارَتَهم، ولم يُبَلِّغْهُم أحداً، فماذا استَفَدْنا من قِصَصِهِم؟ عَكَّرْنا نُفوسَنا، فإذا لم يكن هناك هَدَفٌ واضِح فلا تذْكُرْهم، كما أنَّهُ بذِكْر الصالحين تتعَطَّرُ المجالس فَبِذِكْر المُنْحَرِفين تتنَجَّسُ المجالِس، جُلوسُكَ مع إخْوانك تشْعر بِسُمُوّ وسرور وانْدِفاع إلى طاعة الله، فإياك أن تذكر اللئيم في المَجْلس، وهناك نصٌّ من النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء عِكْرِمة مُسْلماً فقال عليه الصلاة والسلام قبل أن يأتي عِكرمة: "لقد جاءَكم عِكْرمة مُسْلماً فإياكم أن تَسُبوا أباه- من أبوهُ؟! أبو جهْل! أعْدى أعْداء الدِّين- فإنَّ سَبَّ المَيِّت يُؤْذي الحيّ ولا يبْلُغُ المَيِّت"، فلا فائِدَة، إذاً هناك قاعِدَة إذا جَلَسْتَ مجْلِساً مع أشْخاص لا غيبة لهم، الحديث عن الُّلؤْم والخِفَّة والدناءة واللُّؤْم والاسْتِعْلاء والتناقض يُعَكِّر المَجْلس كما أنَّ الأعمال البُطولِيَّة تفوحُ رائِحَتُها على كُلِّ الجالِسين فَيَنْتَعِشُ قَلْبُهم، كذلك الأعمال السيِّئة تنْتِنُ رائِحَتُها على كُلِّ الحاضِرين فَتَتَعَكَّرُ قلوبهم، فإذا انْعَدَمَتْ الفائِدَة فلا داعي، فإذا أردْتَ الكلام على الناس - وعلى من يسْتَحِقون الغيبة - فلا بدّ من أن يكون من فائِدة وحِكمة، أحياناً يقول لك: كاتب قِصَّة واقِعي؛ ما معنى واقِعي؟ أي أعْطاك أبْشَع صورة عن الإنسان من خِيانة زَوْجِيَّة، وسَرِقَة، واحْتِيال، وظُّلْم، فهذا قد عَكَّر لك قَلْبَك، نحن نُريد واقِعاً مِثالياً تنْهَضُ بنا.
قلتُ مَرَّةً: الفرق بين القانون والشَّرْع فرق كبير جداً؛ فالقانون كلما هَبَطَ مُستوى الإنسان هَبَطَ معه، فهناك مَشْروع قانون لاعْتبار زِنا المحارِم ليس زنا!! أما الشَّرْعُ فَيَرْفَعُكَ إلى مُسْتواه فَهُوَ بِمَكانٍ عالٍ وما عليك إلا أنْ تصِلَ إليه قال تعالى:
﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾
فالنقْطة الدقيقة يا أخواننا بِكُلِّ لِقاءاتِك العائِلِيَّة والأخَوِيَّة والعَمَلِيَّة وبِكُلِّ مناسبة لا تذْكر أهْل المعاصي والموبِقات، لا تذْكر معاصيهِم ودناءَتَهم وخِفَّتَهم وطريق كَسْبِهم للمال فهذا يُعَكِّرُك، كما أنَّهُ لا فائِدَةَ من ذلك إطْلاقاً، فإذا كان هناك أمَلٌ بالتبْليغ صارَ هناك هدَفٌ أما دون هَدَف فقد عَكَّرْتَ نفْسك وما اسْتَفَدْتَ شيئاً.
الابتعاد عن الغيبة كيلا يضيع عمل الإنسان سدى يوم القيامة :
يقول أحدُ العلماء - وكلامُهُ واقِعي -: "عَرَضْتُ على نفْسي مَرَّةً الصَّوْمَ في حَرٍّ شديد، أو تَرْكَ غيبة الناس فكان الصَّوْم أهْوَنَ عليها من ذلك".
عبد الله بن مسْعود رضي الله عنه كان إذا مَرَّ على قَوْمٍ يغْتابون يقول: "قوموا فَتَوَضَّؤوا فإنَّ بعضَ ما تتكَلَّمون به ربما كان أشَدَّ من الحَدَث".
كان منْصور بن المُعْتَمِر رحمه الله تعالى يقول: "لا تنالوا من السلطان إذا ظلم بل أكْثِروا له الاسْتِغْفار فإنَّهُ ما ظَلَمَكم إلا بِذُنوبِكُم"، مرَّةً سألوا النمرود من أنت؟ فأجاب إجابَةً بليغة: "أنا غضب الرب"، فالإنسان عندما يغضب يصيح يضرب الباب بِيَدَيْه، والإله إذا غضِبَ أرسَل تَيْمورلَنْك، لذلك ورد في الحديث القدسي:
" أنا ملك الملوك ومالك المُلوك، قُلوب المُلوكِ بِيَدي، فإنْ العباد أطاعوني حَوَّلْتُ قلوب الملوك عليهم بالرأفة والرحمة، وإنْ العبادُ عَصَوْني حَوَّلْتُ قلوب الملوك عليهم بالسُّخْط والنِّقْمة، فلا تشْغُلوا أنْفُسَكم بِسَبِّ المُلوك وادْعوا لهم بالصلاح، فإنَّ صلاحهم بِصَلاحِكم".
أنا أضرب لكم مثَلاً: لَدَيْكَ مَحَلّ تِجاري، وكلما دَخَلَ زبونٌ تتَّقي الله في هذا الزبون، وأنَّهُ لا بدّ من إعْطائِهِ بِضاعة جَيِّدَة ولا تَغُشُّهُ، أنت فَكِّر تفْكيراً منْطِقِياً هذا الإله العظيم الذي يراك كيف تنصحُ عباده، وكيف تُحْسنُ إليهم، في البيع والشراء، ولا تكذب عليهم، ولا تدَلِّسُ عليهم، بل تنفعُهُم بهذا البيْع، هل يُعْقَل لِهذا الإله العظيم أن يُرْسِل إليك مُوَظَّف يَتَّهِمُك بِتُهْمة باطلة؟ لنا أخٌ يبيعُ بعض الحاجات فَدَخَل مُوَظَّف، تكلَّمَ عنه أحد الزبائن كلاماً أحْرج المُوظَّف؛ هذا أحسن إنسان مُستقيم، وأسْعاره معْقولة، ويُرْجع البِضاعة، فَنَمْنَمَ المُوَظّف وقال: السلام عليكم قال تعالى:
﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾
هذه الآية من الله تعالى، أما إذا كان الغشّ والتدْليس والكذب فقد جعَلْتَ لهم ألف سبيل وسبيل.
قال سعيد بن الجُبير رحمه الله تعالى: "إنَّ العبْد لَيَعْمَل الحسنات الكثيرة فلا يراها في صحائِفِه يوم القيامة- أين الأعْمال الطيِّبة من صَدَقات وزيارة المَرْضى؟- فَيَقول يا ربّ: أين حسناتي؟! فيقول له: ذَهَبَتْ باغْتِيابِك الناس وهم لا يعْلمون".
وهذه طُرْفَةٌ ولكن لها معنى، فقد نامَ شقيق البلْخي رحمه الله تعالى ليلةً عن وِرْدِهِ فعاتَبَتْهُ امْرأتُه فقال: لا تُعاتبيني أن نِمْتُ عنه هذه الليلة فإنَّ غالب علماء بلْخ وزُهادِها يُصَلون لي ويقومون ويفْعلون، فقالت: وكيف؟! قال: يبيتُ أحدهم يُصلي طوال الليل، ويُصْبح صائِماً طوال النهار ثمّ ينال من عِرْض شقيق البَلْخي ويأكل لحْمَهُ فَتَكون حَسَناتُهم كُلُّها لي، فإذا نال الناس من الإنسان وهو بريءٌ ومُستقيم يأخُذُ حَسَناتِهم.
ذكر لي مَرَّةً صديق فقال: مرَّةً أمَّنْتُ سيارة الوقود ووصلتُ إليها بعد نَفَسٍ طويل وفَرِحْتُ عندها بذلك - إذْ كان عنده مُسْتَوْدع - وبعد ساعَتَيْن أراد أنْ يشْعل المِدفأة فلم يجِدْ شيئاً، لماذا؟! لقد كانت حَنَفِيَّة المُستودع مفْتوحة فَكُلُّها ذَهَبت في الحمام، خَيبَةُ الأمَل، فَخَسارة خمسة آلاف لا تُحْتَمَل، فكذلك يوم القيامة خسارة أعمال صالحة من أجل اِغْتِياب فُلان وفلان ودون دليل، فقط من أجل التَّسْلِيَة فاكِهَةُ الشتاء غيبة الناس، فأنْصَحُ نفْسي وأخْواني ألا يُضيِّعَ أحدنا عمله الصالح سُدىً.
الجُرْأةُ على الناس في غَيْبَتِهِم كالتَّزَلُّفِ إليهم بِحَضْرَتِهم :
كنت أقول كلمة: الجُرْأةُ على الناس في غَيْبَتِهِم كالتَّزَلُّفِ إليهم بِحَضْرَتِهم كلاهما علامة الجُبْن والصغار، فالجبان يمدح الشَّخْص و هو حاضر وفي غيبتِهِ يذُمّهُ.
يقول الإمام مالك بن دينار: "كفى بالمرْء إثْماً ألا يكون صالحاً ثمَّ يجْلِسُ في المجالس ويقعُ في عِرْض الصالحين"، من أنت؟! وماذا قَدَّمْتَ للأمَّة؟ فهذا ألَّفَ مُؤَلَّفات وأسَّسَ معاهِد، ودعا إلى الله، لكِنَّكَ أنت لا عَمَلَ لك، ولم تُقَدِّم شيئاً إطْلاقاً، فَكَيْف تريد لِنَفْسِك ولم تتقَدَّم بأيِّ عَمَلٍ إلى الله؟ بل تنال من عِلْمِ هؤلاء ومن صلاح هؤلاء، إذا نال امرؤ من واحِدٍ ندّ له فهذا مقْبول؛ عالمُ لِعالِمٍ، ومُصْلح لِمُصْلح، أما الخالي من هذه الأمور فيقوم ويُنَصِّب نفْسه وَصِياً وقاضِياً وحاكماً على هؤلاء الصلاح والعلماء في المجالس، فالإمام مالك بن دينار يقول: "كفى بالمرء ألا يكون صالحاً ثمَّ يجْلِسُ في المجالس ويقعُ في عِرْض الصالحين".
وهيب بن الورد رحمه الله تعالى يقول:" والله لَتَرْك الغيبة عندي أحبُّ إليّ من التّصدق بِجَبَلٍ من ذهب ".
أحياناً الإنسان إذا كان حجمه المالي كبير فالصَّدَقة سَهْلة عليه، أما الغيبة فتَرْكُها صَعْب، فهو لا يستطيع ضَبْط اللَّسان بل تراه يُفْشي غليله بالتكلّم عن أعْراض الناس بالسوء؛ تُهَمٌ من دون دليل.
وكان عبد العزيز رحمه الله تعالى إذا بلغه أنَّ أحداً اغْتابَهُ يذهب إليه إلى داره، ويقول له: يا أخي مالك ولِذُنوب عبد العزيز تتَحَمَّلُها؟ فهذا كلامٌ لطيفٌ منه رحمه الله.
وقال أحد الصالحين: إنَّما أُكْثر من الأعمال الصالحة في بعض الأوقات لِيَصير معي شيء يوم القيامة، أُعْطي خُصَمائي الذين لهم عليَّ تَبِعَة من مالٍ أو عِرْض فإذا أكثر الإنسان أعْمالهُ الصالحَة يبْدو وكأنَّ عليه دُيوناً كبيرة يوم القيامة، فإذا كان يغْتاب الناس في حياته فما عليه إلا أنْ يُكْثر من الأعمال الصالحة حتى يذهب قِسْم منها وفاءً لِدُيون سابقة، وقع في أعْراض الناس.
هناك حديث رواه سيّدنا جابر بن عبد الله رضِيَ الله عنهما قَال:
(( كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ))
ضبط اللسان و العين يحْتاجُ إلى جُهْدٍ ومُتابعة ومُراقَبَة دائِمَة :
وقد قيل لِبَعْض الحُكماء: ما الحكمة في أنَّ ريح الغيبة ونتْنِها كانت تتبيَّنُ على عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ولا تتبَيَّنُ في يومنا هذا؟! قال: لأنَّ الغيبة كثُرَت في يومنا هذا فامْتَلَأت الأنوف منها فلم تتبَيَّن الراحة، مثال ذلك رجل دخل إلى دار الدباغ لا يستطيع القرب منها من شِدَّة الرائِحَة فيها
أما أهْل هذه الدار يأكلون الطعام ويشْربون ولا يُحِسُّون بِهذه الرائِحَة لأنَّهُم امْتَلأتْ أُنوفُهم منها، فإذا شاعَتْ الغيبة وكثرتْ صارَتْ مألوفة، أما على عهْد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فقد هَبَّتْ ريحٌ منْتِنَة، فهذه مشْكلة أنْ تأتَلِفَ الانْحِراف حتى يصير جُزْءاً من الحياة، يرْوون أنَّ صاحب الطاحون ألفَ صَوْتَها متى يسْتَيْقِظ؟ إذا تَوَقَّفَتْ؛ صَوْتُها يدْعو إلى النوم أما إذا تَوَقَّفَتْ فيسْتيْقظ.
بعض العلماء يقول: "لأنْ أدَع الغيبة أحَبُّ إليَّ من أن تكون لي الدنيا وما فيها منذ خُلِقْتُ إلى أنْ تفْنى فأجْعَلُها في سبيل الله، ولأنْ أغضَّ بصري عما حَرَّمَ الله تعالى أحَبُّ إليَّ من أن تكون لي الدنيا وما فيها فأجْعَلُها في سبيل الله تعالى"، ثمَّ تلا قوله تعالى:
﴿ وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ﴾
ممكن أنْ تُنْفِقَ ألف ملْيون، ولكنَّ ضَبْطَ اللِّسان لا تقْدرُ عليه، وكذا ضَبْط العين ومن دون مبالغة فإنَّ ضَبْطَهما هو الذي يرْقى بك إلى الله، فَهُوَ يحْتاجُ إلى جُهْدٍ ومُتابعة، وإلى مُراقَبَة دائِمَة، وإلى حِسابٍ عسير، ضَبْطُ اللِّسان وضَبْطُ العَيْن، فإذا صار فيهما تَفَلُّت كان للمُسْتَوْدع فَتْحَة مهما وَضَعْتَ في هذا المُسْتَوْدَع أُلوف اللَّيْرات فلن ترى فيه شيئاً.
قال سفيان بن الحُسَيْن رحمه الله تعالى: كنت جالساً عند ابن معاوِيَة فَمَرَّ رجُل فَنِلْتُ منه فقال: اسْكُت، ثمَّ قال لي: يا سفيان هل غَزَوْتَ الروم؟ قلتُ: لا، فقال: هل غَزَوْتَ الترْك؟ قلتُ: لا، فقال لي: فلِمَ سلِم الروم وسَلِمَ منك التُّرْك ولم يسلَم منك أخوك المُسْلِم؟ قال: فما عُدْتُ إلى هذا أبَداً.
التَدَخُّل الإيجابي :
بالمناسبة: الناس أذْكياء، ومن ظَنَّهُم أغْبِياءُ فَهُوَ الغَبِيُّ وَحْدَهُ، لا تبْني مَجْدَكَ على أنَّ فلاناً لا دين له، وأخْلاقهُ سيِّئَة، والآخر مالهُ حرام، فأنت ما عليك إلا أن تُظْهر ما لك من فَضْل وكمال؛ وهو أُسْلوب راق جداً، فَعِوَضَ أنْ أُهَدِّم أبني، واسْمُهُ التَدَخُّل الإيجابي، وأدَعُ الناس هم الذين يُوازِنون، أُحَطِّمُ غيري حتى أظْهر!!
قال أحد الحكماء: " إذا ضَعُفْتَ عن ثلاث فَعَلَيْكَ بِثلاث؛ إنْ ضَعُفْتَ عن الخير فأَمْسِك عن الشَرّ، وإنْ كنت لا تسْتطيع أن تنفعَ الناس فأَمْسِك عنهم ضُرَّك، وإن كنت لا تسْتطيعُ أنْ تصوم فلا تأكل لُحوم الناس"، فهذه ثلاثة أشياء.
وذُكِرَ عن مُجاهِد أنَّهُ قال: "إنَّ لابن آدَمَ جُلساء من الملائِكَة، فإذا ذَكَرَ أحدهم أخاهُ بالخَيْر قالتْ الملائِكَة له: ولك مثْله، وإذا ذَكَرَ أحدهم أخاه بِسُوء قالتْ الملائِكَة: يا بن آدَم كَشَفْتَ المَسْتور، اِرْجِع إلى نَفْسِك واحْمَدِ الله الذي سترَ عليك عَوْرَتَك"، فالله تعالى من أسْمائِهِ الحُسْنى الستار، فالمُسْلم يغْلبُ عليه الصلاح والتَسَتُّر، فَكُلُّ من اتَّصف بهذا فلا ينْبغي أنْ تغْتابَهُ، طبْعاً الذي يتَحَدَّث عن الموبِقات مُفْتَخِراً فهذا لا غيبة له، أما الذي فاتَتْهُ صلاةُ الفَجْر في وَقْتِها أو طاعَة، فما دام يتَسَتَّر فلا ينبغي أن تغْتابهُ.
روى خالد الرَّبْعي رحمه الله تعالى، قال: كنت في المسْجد الجامعي فتناوَلوا رَجُلاً - أي اغْتابوه - فَنَهَيْتُهم عن ذلك فَكَفوا وأخذُوا في غَيْرِه ثمَّ عادوا إليه، فَدَخَلْتُ معهم في شيء من أمْره، فرأيْتُ في تلك الليلة في المنام كأني أتاني رَجُلٌ أسْود طويل ومعه طَبَق عليه قِطْعةٌ من لحْمِ خِنْزير فقال لي: كُلْ، قلتُ: آكُلُ لحْمَ خِنْزيز! والله لن آكُلَهُ فانْتَهَرَني انْتِهاراً شديداً وقال: قد أكَلْتَ ما هو أشَدُّ منه، فَجَعَلَ يَدُسُّهُ في فَمي حتى اسْتَيْقَظْتُ من منامي، فوالله لقد مَكَثْتُ ثلاثين يوماً ما أكَلْتُ طعاماً إلا وَجَدْتُ طَعْمَ ذلك اللَّحْم في فمي!
يُرْوى عن سيِّدنا عيسى والله أعلم أنَّهُ قال لأصْحابِه: "أرَأيْتُم لو أنَّكم أتَيْتُم على رَجُلٍ نائِم، وقد كَشَفَتْ الرِّيحُ عن بعض عَوْرَتِه؛ أكنتم تسْترون عليه؟ قالوا: نعم، قال: بل تكْشِفون البَقِيَّة، قالوا: سبحان الله وكيف؟! فقال: أليس يُذْكَرُ عندكم الرجل بالسوء فَتَذْكرونه بالأسْوأ فأنتم تكْشِفون بَقِيَّة الثَّوْب" ؛ هذا تشْبيه سيّدنا عيسى عليه السلام.
إبراهيم بن الأدْهَم - من كبار الصالحين، ومَدْفونٌ بِجَبْلة - كان من أشَدِّ الناس زَجْراً للمُغْتابين وقد دعاهُ أحدهم مَرَّةً إلى الطعام، فلما قَعَدوا للطعام جعلوا يغْتابون رَجُلاً فقال إبراهيم بن أدْهَم، إنَّ الذين كانوا قبْلنا كانوا يأكلون الخبْز قبل اللَّحْم، وأنتم بَدَأتُم باللَّحْم قبل الخبز، ثمَّ خرج ولم يأكل له طعاماً.
وقال بعض الحكماء: "الغيبة فاكِهَةُ القُراء، وضِيافَةُ الفاسقين، ومراتِعُ النِّساء، وإدامُ كلاب الناس، ومزابل الأتْقِياء".
ولإبراهيم ابن أدْهَم كلامٌ رائِع، يقول: "يا مُكَذِّب يا من تغْتابُ الناس بَخِلْتَ لِدُنْياك على أصْدِقائِك، وسَخَوْت بآخرتك على أعدائِك، فما أنت بما بَخِلْتَ به معْذور، ولا أنت بما سَخَوْتَ به محْمود"، الإنسان المُغْتاب يسْخو بأعْدائِه لآخِرَتِه.
إن كان هناك فائدة من ذكر أخطاء الآخرين فلا بد من ذِكْرها :
طبعاً تنْشأ أسئِلة كثيرة، وأصبح الأمر ضَيِّقاً لكن هناك ثلاثة أبواب، لا بدّ من أن تقول الحق ولو كان مُراً، فهناك حالات لا بد من أن تقول الحق ولو كان مُراً، أما أنا الآن أتَكَلَّم بِشَكْلٍ عام، حين لا تكون الفائِدَة من ذِكْر الأخْطاء، فيجب ألا تذْكرها، أما إذا كان هناك فائِدَة؛ مثل أنْ يَغُشّ أحدهم الآخر، ويُضَلِّل الإنسان، هنا لا بد من ذِكْرها، وهي من الغيبة، وسوف نأتي بالأحاديث الدالة على ذلك، والأسئلة التي في أذْهانِكُم الآن أجِّلوها إلى أنْ ينتهي موضوع الغيبة كُلِّيَةً.
عن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال:" إنَّ العبد لَيُعْطى كتابه يوم القِيامة فَيَرى فيه حَسَناتٍ لم يكن عَمِلَها فيقول: يا رب! من أين لي هذا؟ فيقول: هذا مما اغْتابك الناس وأنت لا تشْعر".
مَرَّةً كان هناك عالمٌ شابٌ من العَصْر العباسي يبْدو أنَّهُ مُخْلِص وطليق اللِّسان والناس أحَبُّوه، وأقْبَلَ الناس عليه، وأصْبَحَتْ له شَعْبِيَّة بالتعْبير الدارج، فاغْتاظ أنْدادُهُ وأكَلَ قلبَهُم الحَسَد، فَجَعلوا ينالون منه، فجاءَهُ رجل فقال له: يا فلان، والله إنَّي أشْفق عليك من كَثْرة ما يقوله الناس عليك، فقال له: وهل سَمِعْتَ مني شيئاً عنهم؟! فقال: لا قال: عَلَيْهِم فأشْفِق، فأنت ما عليك إلا أن تكون الطَّرف الأقْوى.
وقال أحد المُلوك لِوَلَدِهِ: "لِيَكُن أبْغَضُ رَعِيَّتَك عليك أشَدَّهم كَشْفاً لِمَعايِب الناس فإنَّ للناس مَعايِب أنت أحَقُّ بِكَشْفِها، وأنت تحْكُم بِما ظَهَرَ لك والله يحْكُم بما غاب عنك، واكْرَه للناس ما تكْره لِنَفْسِك، واسْتُر العوْرة يسْتر الله عليك ما تُحِبُّ سَتْره".
هناك شَخْص طبيعَتُهُ مُشَكِّك، دائِماً ينْتقِد، مهما بدا العَمَلُ عظيماً يُشَكِّكُ فيه، ومهما بدا مُخْلِصاً يُشَكِّك فيه، ومهما بدا عظيماً يُقَلِّل منه، فهذا طَبْع، يُسيء الظّنَّ بالناس وكأنَّهُ هو الناس جميعاً، فهذا إنسان يسْلك سبيل الشيطان وهو يُضْعِفُ الهِمَم، ويُثَبِّط العزائِم، ويُقَلِّل من أهَمِيَّة العمل، فالإنسان قَوِيٌّ بِأخيه، فلو رأى منه عمَلاً طيِّباً وأثْنى عليه يُشَجِّعُهُ، هناك مواقف لطيفة جداً، وذَكَِّية جداً، وأخْلاقِيَّة جداً، فاحْذر من تثْبيط الهِمَم، هناك من يُخَوِّف من الدِّين؛ هذا هو النَّمَط الشيطاني، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
فالشيطان يُخَوِّف ويَعِدُ بالفَقْر، والبطولة كما قال تعالى ألا نخاف الشيطان بل نخاف الله إنْ كنا مؤمنين.
يقول عليّ بن أبي طالب: "الأشْرار يتَّبِعون مساوئ الناس ويتركون محاسِنَهم كما يتْبَعُ الذباب المواضِعَ الفاسِدَة، مَحَلُّهم مَحَلَّ الأخْطاء والعُيوب ثمَّ يُضَخِّمونها".
أُمَّة النبي مَعْصومَةٌ بِمَجْموعِها بينما النبي معْصومٌ بِمُفْرَدِه :
أيها الأخوة، إنَّ أسلوب العَيْش مع الناس هو أنْجَحُ الأساليب، خُذْ النواحي الإيجابِيَّة من كُلِّ إنسان فَتُحِبُّهم كُلَّهُم، لطيف العُشْرة، أخْلاقه عاليَة، وهادئ، فإذا كان أعْجَبَ منه خُلُقاً فأثْنِ عليه، وتعامل معه من هذه الإيجابِيَّة، إنْ أردْتَ نُصْحَهُ فانْصَحْهُ على انْفِراد دون أن يكون في قلبِكَ شيئاً تِجاهَهُ، لأنَّ أُمَّة النبي عليه الصلاة والسلام مَعْصومَةٌ بِمَجْموعِها، بينما النبي عليه الصلاة والسلام معْصومٌ بِمُفْرَدِه، فأنت وَطِّنْ نفْسَك فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يُصلي مع أصْحابِهِ فَدَخَلَ رجل لِيَلْحَقَ مع النبي ركْعَة الصلاة الأولى فَرَكَض وأحْدث ضجيجاً فلما انتهى من الصلاة، فالنبي عليه الصلاة والسلام سيِّدُ الحكماء والمُرَبِّين فقال له: "يا أخي، زادك الله حِرْصاً، ولا تعد"، فَسَّرَ عليه الصلاة والسلام هذا الرَّكْض وهذا الصَّوت بالحِرْص
لا تستطيع أنْ تُمْرِرَ لأخيك المؤمن أعْمالهُ السيِّئة، ألا يُمْكِن أنْ تلْتَمِسَ له عُذْراً؟ اِلْتَمِس لأخيك العذْر ولو كان سبعين مَرَّة، فَكُلٌّ منا له نواح إيجابِيَّة، فالمؤمن يأخذ النواحي الإيجابِيَّة دائِماً، أما الفاسق والعاصي وشيْطاني النَّزْعة فيأخذ نواحي الضَّعْف، فالإنسان إما أن يكون رحماني المِزاج، وإما أن يكون شيطاني المِزاج، فالرحْماني يأخذ نِقاط الخير ويُنَمِّيها، أما الشيطاني فيأخذ النواحي السَّلْبِيَّة ويُضَخِّمُها، فَكُن مع النواحي الإيجابِيَّة.
يقول ابن المبارك: "لو كنت مُغْتاباً لاغْتَبْتُ والِدَيّ لأنَّهما أحَقُّ بِحَسَناتي من غيرِهما".
الحَسن البصري رحمه الله تعالى قال له رجل: إنَّك تغْتابُني؟ فقال له: ومن أنت وما قَدْرُكَ عندي حتى أُحَكِّمَك في حَسناتي يوم القيامة! أي أنت أصْغر من أن أغْتابَكَ.
يقول سيِّدنا عمر بن الخطاب: "عليكم بِذِكْر الله فإنَّهُ شِفاء، وإياكم وذِكْر الناس فإنَّهُ داء".
ويقول الإمام الحَسَن البصْري: "ابن آدم لن تُصيب حقيقة الإيمان حتى لا تعيب الناس بِعَيْبٍ هو فيك، وحتى تبْدأ بِصَلاح ذلك العَيْب فَتُصْلِحَهُ، فإذا فَعَلْتَ ذلك كان شُغْلُكَ في خاصَّةِ نفْسِك، وأحَبُّ العباد من كان هكذا".
يقول أحد السَّلف الصالح: "أدْركنا السَّلف الصالح وهم لا يَرَوْن العِبادة في الصَّوْم ولا في الصلاة، ولكن في الكَفِّ عن أعْراض الناس".
تجد مَجْلساً مملوءاً بالرحمة والبركة فإذا دخلت الغيبة والنميمة ذَهَبت البركة.
ويقول سيّدنا الحُسَين: "والله لَلْغيبة أسرع في دين الرجل المؤمن من الأكلة في الجسد"، كيف أنَّ بعْض الوُحوش تأكل اللَّحْم، فالغيبة تأكل دين الرَّجُل كما تأكل بعض الوُحوش الجيفة.
الغيبة حجاب بين العبد و ربه :
أيها الأخوة الكرام، إذا ألِف الواحد الغيبة وصارتْ شيئاً طبيعِياً في كُلِّ الأحْوال، فلو ذَهَبْتَ لِطَبيب، وقلتَ له: ذَهْبت عند فلان، وقال لك: لا يفْهم شيئاً ودجال فهذه غيبة، وكذا التجار؛ هذه مُشْكِلة فالغيبة حِجاب بينك وبين الله، وكذا إطْلاق البصر، فالإنسان عليه ألا يُضَيِّعَ عملَهُ الصالح بِعَدَم ضَبْط اللِّسان، وأرْجو الله سبحانه وتعالى أنْ تُتَرْجَم هذه الأقوال والدروس إلى سُلوك، اِجْعَل من بَيْتِك جنَّة بِذِكْر الله، وكذا من حديثك ومجالسَتِك، فَذِكْر الله شِفاء، وذِكْر الناس داء.