- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠14برنامج ربيع الإيمان - قناة اليرموك
مقدمة :
المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم إلى حديقة ربيع الإيمان ، ما زلنا في بستان رائع من حديقة الإيمان وهو بستان الأمانة ، ونعود فيه إلى فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي في حلقة جديدة ، أهلاً وسهلاً فضيلة الشيخ .
دكتور توقفنا في حلقة سابقة عند الحديث عن أمانة الزوجة وأنها أمانة في عنق زوجها .
الزوجة أمانة في عنق زوجها :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الله عز وجل حينما ذكر الأمانة ذكرها جمعاً ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾
فمن جملة هذه الأمانات الزوجة ، هي أمانة في عنق زوجها ، فالدرجة الأولى هل أخذ بيدها إلى الله ؟ هل عاملها معاملة أحبته فأحبت دينه ، فأحبت صلاته ، أحبت ورعه ، أخطر شيء في العلاقات الزوجية الزوج القاسي في معاملته ، البخيل إذا أجبر أهله على طاعة الله ينقمون على هذا المنهج ، إذا كان هذا المنهج منهج الدين مرتبطاً بالبخل والقسوة يكرهونه ، فلذلك أنا أرى أن العمل الصالح هو الذي يدعم الإيمان ، أقول دائماً : القدوة قبل الدعوة ، أي داعية على وجه الأرض إذا كان قدوة قبل الناس كلامه القدوة قبل الدعوة ، هذا في موضوع الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، أنت بالإحسان تفتح قلب المستمع بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك .
المذيع :
القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، ذكرت لنا مرة قصة جميلة عن ذلك الزوج الذي تزوج من امرأة غير مسلمة وكان يعاملها بقسوة شديدة ، ابتعدت عن الإسلام بعد السماء عن الأرض ولكنها رجعت لأنها فقدت جزءاً من مالها في سيارة تكسي .
القدوة قبل الدعوة والإحسان قبل البيان :
الدكتور راتب :
هي امرأة ليست مسلمة ، وبضغط شديد من زوجها المسلم أسلمت ، لكن قسوته وبخله لا يحتملان ، فقررت أن تعود إلى دينها نكاية بقسوته وبخله ، لكن ركبت بسيارة نسيت محفظتها - والقصة منذ عشرين سنة - فيها عشرة آلاف ليرة ثمن بيت ، مبلغ كبير ، فهذا السائق يخاف من الله بحث عنها أربعة أيام ، أين أنزلها يسأل الجيران إلى أن وصل إليها و ردّ إليها المحفظة وفيها المبلغ الكبير ، زوجها كاد يبعدها عن الدين وهذا السائق متن علاقتها بالدين ، فأنا أقول القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان .
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني ، فإن القلوب جبلت على حبِّ من أحسن ))
فأنت تفتح قلب الآخر بالإحسان فيفتح لك عقله للبيان ، أنا أقول : الداعية يجب أن يكون محسناً قبل أن يتكلم ، الإحسان قبل البيان .
المذيع :
دكتور ربما من القصص المؤثرة جداً الإحسان قبل البيان قصة كأس الشاي .
الدكتور راتب :
أحد أقربائي عمل في بلد نفطي مدرس لغة إنكليزية ، فالمدرسة كبيرة جداً وهناك آذن ، قال لي : مرة بالفرصة صببت كأس الشاي والمدير شديد جداً ، فإذا بالجرس قد قرع ، لا يستطيع أي مدرس أن يتوانى عن الذهاب إلى غرفة الدرس ، قال لي : صببت الكأس فقرع الجرس ، فقلت للمستخدم : اشرب هذه ، هذا المستخدم عجب عجباً شديداً ، شرب الكأس ، سأله في اليوم التالي قال له : أنا هنا منذ سنتين و لم يضيفني أحد شيئاً ، لماذا ضيفتني هذا ؟ هو خجل أن يقول له : لم أستطع أن أشربها ، قال له : أردت أن أكرمك بها ، فقال له : أنا معي ماجستير ، مستخدم لم يجد عملاً في بلده وجد عمل فراش بدولة نفطية ، قال لي : دعوته إلى البيت ، أحببت أن أتأكد من شهادته ، قال له : ابنتي في الحادي عشر وعندها دائرة معارف في اللغة الإنكليزية ، هذه ما فهمتها ، قال لي : قرأها بطلاقة وشرحها شرحاً غير معقول إطلاقاً ، أكد لي أنه يحمل شهادة عالية ، فبدأت أحاوره بالدين وهو عالم وثقافته عالية جداً بالأدلة ، بالمنطق ، بالعلم ، بالقرآن ، إلى أعلن إسلامه ، وأسلم معه أكثر من عشرة أشخاص من الفيلبين، أنت من كأس شاي ، أنا أقول : الإحسان قبل البيان ، افتح قلب الآخر بالإحسان ليفتح لك عقله للبيان .
المذيع :
دكتور هذه الأمانة التي ينبغي الحقيقة أن يفطن لها الأزواج في معاملتهم زوجاتهم والآباء في معاملتهم أولادهم ، فهناك بعض الآباء قساة جداً على أبنائهم ، وربما إذا ابنه أخطأ يتكلم عن خطأ ابنه في كل المحافل وربما يظن أن هذا شيء مباح له .
أكبر رسالة يحملها الإنسان أن يربي أولاده :
الدكتور راتب :
أنا لي رأي قاس جداً سامحني ، أنا أعتقد أن معظم أخطاء أولادنا كآباء ، معظم أخطاء بناتنا كأمهات ، ومعظم أخطاء طلابنا كمدرسين نحن سببها ، أقول دائماً : الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، أنت أب ، أنت أديت واجبك تجاه أبنائك ؟ نصحته ؟ اعتنيت به ؟ أنا أقول دائماً : البطولة في الأسرة أن تجذب الأولاد إلى البيت ، بيت مرتب فيه طعام جيد ، فيه حب ، فيه حنان ، فيه هدوء ، فيه تقبيل ، حتى مرة قرأت بحثاً في علم النفس أن الطفل الصغير يحتاج في اليوم إلى عشرين ضمّة ، غير الطعام والشراب ، حدثنا مرة أستاذ في الجامعة أن ابناً له أم قاسية جداً وموظفة ووقتها ضيق أثناء الإرضاع تدفعه بقسوة ، نشأ قاسياً ، الأم إذا أرضعت ولدها بقسوة ينعكس على سلوكه الخارجي ، أنا أقول: معظم أخطاء الأولاد تعود إلى الآباء ، الأبوة مسؤولية كبيرة .
هناك نقطة دقيقة في الإسلام في مفهوم : خير كسب الرجل ولده . ابنك أيها المسلم إذا أحسنت تربيته هذا أعظم عمل ، لأن كل أعماله إلى نهاية الحياة في صحيفتك ، عطاء ربك عظيم ، أنت وجهت ابنك ، الآن ابنك كان صالحاً صلاحه لك ، ربى ابنه على الصلاح ، صلاح ابن ابنك لك ، ابن الابن ربى ابنه على الصلاح صلاح ابن ابن الابن لك ، هذا عمل عظيم ، لا يوجد عمل أربح من أن تعامل الله عز وجل ، وأقرب الناس أولادك وزوجتك وأهلك ، الآخر أنت له وغيرك له ، أما ابنك فمن له غيرك ؟
أيتها الأم البنت في الطريق أنت لها و المعلمة لها مثلاً ، أما ابنتك فمن لها غيرك؟ فذلك أكبر رسالة يحملها الإنسان أن يربي أولاده ، ما قولك أن الابن استمرار للأب ؟
أنا أقول دائماً : لا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على سلامة وجوده ، وكمال وجوده ، لكن الثالثة غير واضحة واستمرار وجوده ، الإنسان يحب أن يعيش عمراً مديداً ، لكن إن فهمتها فهماً أعمق استمرار وجودك بأولادك ، والتلاميذ ، أنا ألتقي بأناس كثيرين يقول : رحم الله الوالد الذي عودنا الصلاة في المسجد ، رحم الله والدي علمنا صلاة الفجر بوقتها .
المذيع :
دكتور قصة ذلك الرجل الذي أراد أن يقابلك فقال : آتيك في الصباح الباكر ، فقلت له : الساعة التاسعة صباحاً ؟ فقال : لا ، الساعة السادسة صباحاً .
الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
الدكتور راتب :
قال لي : والدي ربانا على قيام الليل ، كل حياتنا نصلي قيام الليل في المسجد وننتظر ساعة ليؤذن الفجر ثم نأتي إلى البيت بعد ذلك و ندرس ، قال : هكذا نشأنا ، مع أن الأب عنده مشروع ضخم جداً ، إذاً يمكن أن تصل إلى أعلى درجات الجنة وأنت في بيتك ، هناك طرق إلى الله سالكة ، قالوا : الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
امرأة من أمهاتنا الصالحات تزوجت جاءها خمس بنات ، قامت بتربيتهن على الدين، على الورع ، على الحشمة ، على العفة ، على الأدب ، ثم قامت بتزويجهن من أشخاص صالحين ، وهي في بيتها لم تدخل ، و لم تخرج ، ولم تلق خطبة رنانة ، و لم تؤلف كتاباً ، وهي في بيتها وصلت إلى أعلى درجات الجنة ، الله عز وجل جعل للجنة طرائق لا تعد ولا تحصى ، إتقان العمل طريق إلى الجنة ، الأبوة الصالحة طريق إلى الجنة ، الأخوة الصالحة طريق إلى الجنة ، والله يوجد مجالات للعمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، والعمل الصالح يرفع الإنسان .
المذيع :
أحسن الله إليك دكتور ، الحديث الماتع الجميل الراقي والرائع يقودنا إلى الحديث عن أمانة الصناعات والحرف ، وأمانة الأعمال ، الأعمال الحرة ، الطبيب ، المهندس ، المحامي .
أمانة الصناعات و الحرف :
الدكتور راتب :
أقسم لك بالله وأقسمت لسبب كبير أن هناك حرفاً لو يدري أصحابها كيف سيحاسبون عند الله لوقفوا عند حدودهم ، إنسان عنده معمل مادة غذائية ، يضيف لها مادة مسرطنة ليكون لونها أقرب إلى البياض فيرتفع السعر
هو سبّب أمراضاً وبيلة لمن يشتري هذه البضاعة ، طبعاً إذا كان هناك شدة بالغة من الدولة فهناك ميزة بهذا الموضوع ، لكن إنساناً يسهم في مرض الآخرين من أجل ربحه ؟! فالإنسان قبل أن يتحرك هناك محاسبة ، هناك إله ، أنا أقول دائماً : أنت حينما تؤمن أن هناك إلهاً عظيماً يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، والدليل أنت أمام شرطي على إشارة مرور ، الشرطي يقف ، وأنت مواطن عادي ، وإذا تجاوزتها هناك مخالفة كبيرة وحجز مركبة لا يمكن أن تخالف الإشارة مع شرطي ، مع إنسان ، فكيف مع خالق الأكوان ؟ قال تعالى :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
أي علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، لمجرد أن توقن أن علمه يطولك وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، فالأمانة هكذا .
المذيع :
دكتور أحسن الله إليك وبارك فيك ، أعزائي المشاهدين نتابع بعد فاصل قصير ..
أعزائي المشاهدين ؛ مرحباً بكم مرة أخرى نعود إلى فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، تحدثنا قبل الفاصل عن هذه الأمانة الكبيرة وهي أمانة الأسرة والحرف ، ثم شرعنا بالحديث عن أمانة الصناعات ، لا شك أن هذه الأمانات الكبيرة ضيعت في زماننا هذا .
العناية بالأسرة لأنها أساس المجتمع :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن كل الرسالات السماوية تعتني بالأسرة ، وكل المبادئ الأرضية تهملها ، والحقيقة المجتمع مجموعة أسر فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع ، هناك أمانة كبيرة جداً ، الحقيقة الابن ينشأ في أسرة ، فإذا رأى أباه لا يكذب ، صادق دائماً ، رأى أمه صادقة ، قد يتعلم أشياء كثيرة من دون تعليم ، لأن القدوة قبل الدعوة ، أمانة الأسرة أمانة خطيرة جداً ، ولي كلمة أنا أتحدى أي إنسان على وجه الأرض أن يسعد إذا شقي أولاده ، لا يسعد الإنسان إلا إذا رأى ابنه كما يتمنى ، لأن هذه القضية متصلة ، الابن امتداد للأب ، فإذا سعد الابن سعد أبوه معه ، الذي يربي أولاده تربية هو أول الرابحين .
شيء آخر الابن استمرار ، الابن امتداد ، الابن تأكيد ، قد نفهم أنه أنجب ولداً - صبي مثلاً - أما هو فأنجب إنساناً سيجعله استمراراً له في قيمه ، في مبادئه ، في أخلاقه ، التربية تحتاج إلى علم .
مرة قال لي أحدهم : أريد أن تنصحني في تربية أولادي ؟ قلت له : فاقد الشيء لا يعطيه ، ينبغي أن تعرف الله أنت أولاً ، وأن تعرف منهجه ، وأن تطبق أمره ، عندئذ تنقل هذه المعرفة وهذا السلوك إلى أولادك ، فالأب بعيد عن العلم ، إنسان قلّما يجلس إلى مجلس علم ، من أجل أن يكتب إلى جانب اسم الإنسان دال فقط أي دكتور ماذا تعني ؟ يحتاج إلى شهادة ابتدائية ، إعدادية ، ثانوية ، لسانس ، دبلوم عامة ، دبلوم خاصة ، ماجستير ، دكتوراه ، ثلاث وعشرون سنة دراسة ، حتى يضاف دال فقط ، فالمؤمن يكسب الجنة ، الصراحة الإيمان مرتبة علمية أرقى مرتبة علمية ، والإيمان مرتبة أخلاقية ، والإيمان مرتبة جمالية ، والله أقول لك من أعماقي : استمتاع المؤمن في الدنيا بطريقة إيمانية يفوق سعادة أكبر إنسان تعلق بالدنيا ، قال تعالى :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
المذيع :
دكتور في الدنيا جنتان ؟
الدكتور راتب :
نعم بعضهم قال : جنة في الدنيا وجنة في الآخرة ، وأنا أضيف : هذه جنة القرب ، أنا لا أقصد المال إطلاقاً ، المؤمن عنده سعادة والله لو وزعت على أهل بلد لكفتهم ، عنده طمأنينة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم .
المذيع :
دكتور كيف نوفق بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ؟
وعد الله المؤمن بالجنة يمتص كل متاعب الحياة عنده :
الدكتور راتب :
مرة أحد الأشخاص غير المسلمين رأى عالماً شهيراً في العصر العباسي ، يركب على خيل رائعة جداً ، يلبس أجمل الثياب ، وحوله موكب ، قال له : يا سيدي يقول نبيكم إن المؤمن في الدنيا في سجن فأي سجن أنت فيه ؟ وهو فقير قال له : إذا نظرت إلى ما أنا فيه أمام ما ينتظرني في الآخرة فأنا في سجن ، أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ، أنا أقول كلمة : مرة إنسان قال لي في جلسة ، فيها ثلاثون شخصاً ، تقول : المؤمن سعيد ؟ لا ، ليس سعيداً ، أراد أن ينقد ما قلته قبل قليل ، قال : إذا كان هناك موجة حر هو يتحملها ، إذا كان هناك غلاء أسعار هو يتحملها ، مثله مثل غيره ، قلت له : إذا كان هناك إنسان عنده ثمانية أولاد ، ودخله محدود جداً ، وفقير وبيته بالأجرة ، له عم يمتلك خمسمئة مليون ، مات بحادث وليس له أولاد ، هذا المبلغ له بكامله حسب قواعد الميراث ، لكن هناك معاملات معقدة بالمالية ، وبراءات ذمة ، وروتيناً طويلاً ، حتى يقبض المبلغ بعد سنة ، لماذا هو في هذا العام من أسعد الناس ؟ ينظر إلى فيلا رائعة يقول : سأشتريها ، إلى سيارة فارهة ، يقول : سأشتريها ، دخل بالوعد ، الآن قوله تعالى :
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
فرق كبير ، المؤمن وعده الله بالجنة ، هذا الوعد يمتص كل متاعب الدنيا .
المذيع :
لا يمكن أن نستحصل ما عند الله عز وجل إلا بأداء الأمانة ، دكتور لا بد من توضيح أمانة الحرف والصناعات .
أداء الأمانات جزء من دين الإنسان :
الدكتور راتب :
سيدي أنت مسلم ، وهذا المجتمع مجتمع مسلم ، هذا عبد لله عز وجل ، إذا أنت قدمت له صناعة متقنة يدعو لك في عقله الباطن دون أن تشعر ، إذا فيها غش أحياناً إنسان فرضاً يكون فقيراً جداً يشتري مع قدوم الشتاء جوارب صوف ، وهناك صوف حقيقي و صوف سيئ ، فضلات الأقمشة المهترئة يعاد تصنيعها كخيوط ، فأنت بعت إنساناً فقيراً جوربين للشتاء، خيط غير جيد ، أنت غششته ، فأنت حينما تؤمن أن الله سوف يحاسبك على كل إنسان ، لو عرفت أن هناك سؤالاً من الله عز وجل دقيقاً لم فعلت كذا ؟ لم طلقت امرأتك ؟ لم فككت هذه الشركة ؟ لم غششت في صناعتك ؟ البطولة أن تعد لله جواباً عن كل عمل تقوم به ، قال تعالى:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
المذيع :
لا تزول قدما عبد حتى يسأل .
الدكتور راتب :
إنسان ظلم إنساناً آخر ، قال له : ظلمك ؟ قال : نعم ، قال : إذا كان بطلاً فلا يلحقني إلى الدار الآخرة .
المذيع :
دكتور هذه قصة جميلة ذكرتها ، هذا الرجل الذي أخذ ماله فلما قال لظالمه ربما أنت تذكرها ..
الدكتور راتب :
إنسان رهن بيته وكان بحاجة إلى ثلاثمئة ألف ، فجاء إنسان قدم له المبلغ وأخذ منه بيته كرهن ، بعد سنة أو سنتين الأسعار قفزت عشرة أضعاف ، قال له : كل واحد عنده حقه ، هذا مات قهراً من شدة الألم ودعا عليه ، فالإنسان عندما يأكل شيئاً حراماً يتعذب عذاباً لا حدود له ، الإنسان قبل أن يتحرك يجب أن يقيم عمله ، إنسان أعطاه الله عقلاً وأعطاه فكراً ، هذه الحركة ترضي الله أم لا ترضي الله ؟ البطولة بالإنسان أن العمل يسبقه تصور ، فهذا التصور خطير جداً ، فالإنسان عندما يعصي الله عز وجل يتصور أنه لن يحاسب ، أما أنت حينما تتصور أن كل عمل له جزاء دقيق جداً ، أنت مع إنسان لا تستطيع أن تخالف أمره إذا كان أقوى منك فكيف مع خالق الأكوان ؟ أداء الأمانات جزء من دين الإنسان .
المذيع :
دكتور هناك أنواع أخرى من الأمانات مثل أمانة المجالس ، وأمانة العدل في القضاء ، وأمانة النصيحة .
ضرورة المحافظة على الأمانة :
الدكتور راتب :
هل تصدق لو قلت : إنسان يمشي مع إنسان ، وأسر له بموضوع وخفض صوته فلما شعر أن هناك إنساناً يمشي وراءه سكت ، وما قال لك : هذه أمانة ، هذا التصرف يعني أن هذا الكلام أمانة ينبغي أن تحافظ عليه .
خاتمة و توديع :
المذيع :
دكتور نقف عند هذا الحد ونسأل الله عز وجل أن يبارك لكم ، نعود إلى هذا الموضوع إن شاء الله .
أعزائي المشاهدين أشكركم شكراً جزيلاً على حسن متابعتكم عن موضوع الأمانة ومازال للموضوع تتمة ، كما أتقدم بالشكر الجزيل إلى فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي الذي أمتعنا بهذا اللقاء ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .