- أحاديث رمضان
- /
- ٠18رمضان 1435 هـ - خواطر إيمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى :
أيها الأخوة الكرام ؛ لا زلنا في الحديث النبوي الشريف والحديث اليوم أخرجه الإمام مسلم عن أبي هريرة يقول عليه الصلاة والسلام :
((يقُولُ العَبْدُ : مَالي ، مَالي ، وإنَّما لَه من مَالِهِ ثَلاثٌ : ما أكَلَ فأفْنَى ، أو لَبِسَ فأبْلَى، أو أعْطَى فأقْنَى ـ وفي رواية : أو تصدق فأبقى ، وما سوى ذلك فَهُوَ ذَاهِبٌ وتاركُهُ لِلنَّاسِ))
بعضهم قال : كلمة مال ، أو مالي ، أو ماله ليس له ، ما له ، ما لي ، لكن الحقيقة الدقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام .
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾
قال :
((المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
لماذا ؟ قال : لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، بإمكان الغني أن يزوج الشباب ، أن يؤسس جمعيات خيرية ، أن يحل مشكلات لا تعد ولا تحصى ، فالغني لأنه غني هو قوي ، والقوة أنواع ثلاثة : قوة بالمال ، وقوة بالعلم ، وقوة المنصب ، المال تحل به معضلات المشكلات ، والعلم توجه صحيح وتوجيه صحيح ، وأما المنصب فصاحب المنصب الرفيع إن كان مؤمناً بجرة قلم يحق حقاً ، ويبطل باطلاً ، ويقر معروفاً ، ويزيل منكراً .
لذلك لأنك في الحياة الدنيا جاء الله بك إلى الدنيا لتعمل صالحاً ، والآية تقول :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
لقد جاء الله بك إلى الدنيا لتعمل صالحاً ، والمال قوة كبيرة ، ممكن أن تنشئ مستشفيات، جمعيات خيرية ، تطعم الجياع ، تزوج الشباب .
في الأثر :
(( من مشى بتزويج رجل بامرأة كان له بكل كلمة قالها ، وبكل خطوة خطاها ، عبادة سنة قام ليلها ، وصام نهارها ))
عندنا مشكلات كبيرة في مجتمعنا ، أحدها العنوسة ، في بلاد كثيرة جداً نصف النساء غير متزوجات ، أنا أعدها من أكبر المشكلات ، فأنت بالمال تضعف الشر ، وتقوي الخير ، أنت بالمال تزوج ، أنت بالمال تطعم ، أنت بالمال تؤسس مدرسة شرعية ، أنت بالمال تؤسس جمعية خيرية ، فالمال قوة كبيرة جداً .
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الحياة الدنيا :
لذلك لا بد من أن أقول : إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، أما إذا كان طريق القوة على حساب مبادئك وقيمك فالضعف وسام شرف لك .
مرة ثانية : إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، ولأنك مخلوق في الدنيا من أجل العمل الصالح ، والدليل :
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
دليل آخر الإنسان إذا وافته المنية يقول :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
أحد الصالحين - قصة قديمة جداً - حفر قبراً في بيته - بيته كبير ، وفيه ساحة كبيرة- وكان يضطجع فيه كل خميس ، ويتلو قوله تعالى :
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
فيخاطب نفسه ويقول : قومي لقد أرجعناك ، تفضل .
أخواننا الكرام ؛ النبي الكريم من توجيهاته الدقيقة قال :
(( أكثروا ذكر هادم اللذات ، مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات ))
((عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
أي الملخص :
((المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى ، والقوة قوة علم ، أو قوة مال ، أو قوة منصب .
العناية بالشباب و توفير حاجاتهم واجب ديني و قومي و وطني :
الآن فكرة ثانية :
(( اغتنم خمساً قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك))
شاب في مقتبل العمر ، تقوَّ على طاعة الله ، تقوَّ على العمل الصالح ، عندك طموحات كبيرة .
أخواننا الكرام ، الطموحات كبيرة جداً ، لأن الإنسان خلق لمعرفة الله ، الذات الإلهية لا نهائية ، لذلك أعطى الله الإنسان نفساً لا نهائية ، من أجل ماذا ؟ من أجل أن تتعرف إلى الله ، أي إنسان اختار هدفاً نهائياً محدوداً كالمال إذا وصل إلى المال وصل إلى السأم والضجر ، اسأل أي إنسان بلغ أهدافه الدنيوية .
ثاني أطول جسر بالعالم في اسطنبول ، الأول بسان فرانسيسكو ، هذا الجسر الذي أنشأه مهندس ياباني ، أثناء افتتاحه مع رئيس الجمهورية وقص الشريط الحريري ، هذا المهندس ألقى بنفسه بالبوسفور ، ونزل ميتاً ، ذهبوا إلى غرفته في الفندق ، كتب ورقة : ذقت الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت .
والله الذي لا إله إلا هو موظف صغير في مقتبل العمر ، بيته صغير ، ودخله قليل ، لأن معه رسالة ، رسالة الهدى هو أسعد إنسان ، هناك شيء عجيب ، المال بكل ما فيه من متع ، لا يملأ فراغاً في الإنسان ، في النفس فراغ لا يملؤه إلا الإيمان ، المؤمن حينما تعرف إلى الله نفسه مصممة لمعرفة الله ، الجماد للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، والإنسان لمن ؟ أنت لله أي حينما يكون هدفك بعيداً عن الذات الإلهية ، بعد بلوغ هذا الهدف المادي تشعر بالسأم والضجر.
اسمحوا لي بتعبير دارج : يصل الإنسان لدرجة يَقرف ويُقرف ، بلغ أهدافه المادية كلها ، الحياة ليس لها معنى عنده ، يأتي إنسان بسيط معه رسالة إذا قدر أن يقنع شاباً يقنعه بالصلاة ، يقنعه بالتوبة ، تجده بعيد ، عنده عيد ، هو بجنة ، فالعمل الصالح يسمو بالإنسان ، فلذلك :
((اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك))
أي الشباب شيء مهم جداً ، وأنا أقول دائماً : هؤلاء الشباب قوة الأمة ، هؤلاء الشباب أمل الأمة ، لكن أهمس في آذان أولي الأمر ، إلى الآباء والأمهات ، هذا الشاب يحتاج إلى فرصة عمل ، ويحتاج إلى مأوى ، ويحتاج إلى زوجة ، فإذا وفرنا لهم هذه الحاجات الأساسية الثلاث الشباب كانوا قوة للأمة ، وأملاً لمستقبلها ، فلعل الله سبحانه وتعالى يعيد لهذه الأمة تاريخها المجيد، لقد جعلها أمة وسطاً عن طريق الشباب ، فالعناية بالشباب واجب ديني ، واجب أخلاقي ، واجب وطني ، واجب قومي .
العاقل من ينفق وقته استثماراً لا استهلاكاً :
((اغتنم خمساً قبل خمس ؛ شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك))
هناك صحة ، ومرض ، وشباب ، وشيخوخة .
(( وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ))
أخواننا الكرام ؛ العاقل الذي ينفق وقته إنفاقاً استثمارياً ، بينما الجاهل ينفق وقته إنفاقاً استهلاكياً نأكل ، ونشرب ، ونسهر ، ونسمر ، ونذهب إلى نزهة ، نجلس نتحدث عن الأخبار ماذا قال فلان ، ماذا قال فلان ، نتعب ، ننام ، نستيقظ ، أعمال ليس لها معنى إطلاقاً ، لذلك :
(( شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس ))
(( إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ))
فلذلك الإنسان زمن وأدق تعريف له : الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ولأنك زمن لابد من أن تنفقه إنفاقاً استثمارياً ، أي أن تفعل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعك بعد انقضاء الزمن ، لذلك الإنسان عندما يأتي الأجل ينادى :
(( عبدي رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبقَ لك إلا أنا ، وأنا الحي الذي لا يموت))
العاقل من يعيش المستقبل :
أخواننا الكرام ؛ هل يستطيع أي واحد منكم أن يستيقظ كل يوم كاليوم السابق ؟
مستحيل، في أحد الأيام هناك طارئ بصحته ، يتفاقم بعد ذلك تعلق نعوته ، بالمطار هناك بوابة خروج ، وكل واحد منا له بوابة خروج ، فالإنسان حينما يعيش المستقبل يكون عاقلاً ، ما العقل ؟ أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه .
أي إنسان قرأ بحثاً عن الدخان فتركه فوراً ، وصل للنتائج لكن وصل لها نظرياً ، أما الأحمق فلا يدع الدخان حتى يصاب بالورم الخبيث ، فالعقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه.
لذلك أخواننا الكرام ؛ كل بطولتك ، وكل ذكائك ، وكل تفوقك أن تصل إلى الشيء الذي لا بد منه قبل أن تصل إليه .
أنا ذكرت مرة : كان عندنا أستاذ في الجامعة يعد من كبار علماء النفس ، جاء موضوع الذكاء ، قال : هذا الذكاء موضوع في ثمانين صفحة بالكتاب ، هل تحبون ألخصه كله بكلمة واحدة؟ قلنا له : تفضل ، قال : الذكاء هو التكيف ، تتكيف ، أنا فهمته تتكيف مع الموت ، الموت ماذا يقتضي منك ؟ أن تكون مستقيماً ، والاستقامة بيدك ، الموت ماذا يقتضي منك ؟ أن يكون لك عمل صالح تلقى الله به ، والعمل الصالح متاح بين يديك .
ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها :
الله عز وجل ما حرمك ، أي هذه الشهوات التي يتوهم بعض الناس أنها سبب المعاصي، أقول : ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسموات ، أودع فيك شهوة المرأة ، تغض بصرك ترقى ، تتزوج ترقى ، دائماً الشهوات ترقى بها مرتين ، مرة حينما تمتنع عن شهوة لا ترضي الله ، ومرة حينما يسمح لك بشهوة ترضي الله ، ترقى بها بعداً، وترقى بها قرباً، فنحن بالشهوات نرتقي إلى الله مرتين ، ولولا الشهوات لما ارتقى الإنسان إلى رب الأرض والسموات.
الحقيقة الثانية : ما من شهوة أودعها الله فيك إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها .
أخواننا الكرام ، إذاً ينبغي أن نعمل في الزمن الذي سينقضي عملاً ينفعنا بعد انقضاء الزمن ، أي هذا الزمن هو أنت ، أنت زمن ، لذلك ينبغي أن تنفقه استثماراً ، لا أن تنفقه استهلاكاً ، من قدم ماله أمامه سره اللحاق به .
العصور ثلاثة ؛ عصر المبادئ و عصر الأشخاص و عصر الأشياء :
أخواننا الكرام ، هناك لقطة لطيفة
أنا أقول دائماً : هناك عصر المبادئ ، وهناك عصر الأشخاص ، وهناك عصر الأشياء ، نحن الآن بعصر الأشياء ، قيمتك - لست أنت طبعاً - أي إنسان يستمد قيمته من مساحة بيته أحياناً ، من نوع سيارته ، قيمة المرء بآخر الزمن متاعه فقط ، لا يوجد بطولات ، مساحة بيتك ، نوع مركبتك ، مستوى دخلك ، فقيمة المرء متاعه .
فلذلك سيدنا عمر جاء إليه ملك الغساسنة ، جبلة بن الأيهم ، لكن عهد عمر عهد مبادئ ، وبعد المبادئ عهد الأشخاص ، سيدنا صلاح الدين ، سيدنا فلان ، سيدنا فلان ، ونحن الآن في عصر الأشياء ، جاء جبلة مسلماً ، وفي أثناء طوافه حول الكعبة ، بدوي داس طرف ردائه فانخلع رداؤه عن كتفه ، فهذا الملك ضربه ضربة هشمت أنفه ، فشكاه إلى عمر ، سيدنا عمر استدعاه ، وقف جبلة ووقف إلى جانبه هذا الأعرابي الفقير
سيدنا عمر سأل هذا الملك : أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟ قال : لست ممن يكتم شيا ، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديّ ، قال له : ارضِ الفتى لابد من إرضائه ، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه ، أو يهشمن الآن أنفك ، وتنال ما فعلته كفك ، قال: كيف ذاك يا أمير هو سوقة وأنا عرش وتاج ؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال له : نزوات الجاهلية ، ورياح العنجهية قد دفناها ، أقمنا فوقها صرحاً جديداً وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيدا ، فقال جبلة : كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى و أعز، أنا مرتد إذا أكرهتني ، قال له : عنق المرتد بالسيف تحز ، عالماً نبنيه كل صدع فيه يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
لأننا حملنا هذه المبادئ وصلت جيوشنا إلى أطراف الصين ، أنا كنت قبل أشهر بأوربا كنت بمكان قالوا : هنا بواتييه ، بواتييه وصل إليها جيش المسلمين ، وصلنا إلى أطراف الدنيا ، بهذه المبادئ فلما مالت نفوسنا إلى الدنيا خرجنا من الأندلس .
قالت له أمه - للملك عبد الله الصغير ، آخر ملوك الأندلس - :
ابكِ مثل النساء ملكاً مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال
***
أخواننا الكرام ؛ التاريخ بين أيدينا .
عظمة الدين أنه دين فردي و جماعي :
وأنا سأقول آخر كلمة : هذا الدين عظمته أنه دين جماعي ودين فردي ، فإذا طبقته أنت وحدك قطفت كل ثماره الفردية ، وإذا طبقته الأمة تنتصر، فالبطولة أن يسعى الإنسان كي يقطف ثمار هذا الدين الفردية أولاً ، وإذا دعوت إلى الله ومن حولك قنعوا بدعوتك لعل الله سبحانه وتعالى يعلي قدر هذه الأمة .