- موضوعات متنوعة
- /
- ٠4موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله عز وجل عصم النبي الكريم من أن يخطئ في أقواله وأفعاله وإقراره :
أيها الأخوة الكرام، هناك بعض الأحاديث الشريفة سوف تكون محور هذا اللقاء الطيب، ولكن لا بدّ من كلمة، هذه الكلمة قالها سيدنا سعد بن أبي وقاص، قال: "ثلاثة أنا فيهن رجل"، وكلمة رجل في الكتاب والسنة لا تعني أنه ذكر تعني أنه بطل، والدليل:
﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه ﴾
فكلمة رجل في القرآن الكريم والسنة فضلاً عن أنه ذكر هو بطل، "ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس- من هذه الثلاثة- ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى"، أنت حينما تقرأ الحديث الشريف يجب أن تعلم علم اليقين أن هذا الكلام كلام المعصوم، لأن الله عز وجل عصم النبي عليه الصلاة والسلام من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، ولو لم يكن النبي معصوماً لا يمكن أن يأمرنا الله أن نأخذ منه، لو كان هناك احتمال أن يقع في معصية، وقد أمرنا الله أن نأخذ منه، كأن الله عز وجل أمرنا بمعصية، وهذا مستحيل، عصمه وقال لنا:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
عصمه، وأمرنا أن نأخذ منه، لذلك: "شيئان ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنة رسوله"، لكن للتقريب القرآن الكريم فيه كليات الدين، والسنة فيها التفاصيل، أحياناً يكون هناك مادة بالدستور مثلاً: التعليم حق لكل مواطن، هذه مادة بالدستور، عندنا قانون التعليم الإلزامي، قانون، ثماني وثلاثون مادة في تفاصيل هذا القانون مثلاً: إذا الأب لم يضع ابنه في المدرسة فعليه مساءلة قانونية، والتعليم الإلزامي يشمل المرحلة الأولى والثانية، هذه التفاصيل نجدها في القوانين المفسرة للدستور ، وأما القرآن الكريم ففيه قواعد كلية، كليات الدين في القرآن الكريم، أما تفاصيل هذه الآية فنجدها في سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
من لوازم حفظ كتاب الله حفظ سنة نبيه صلى الله عليه و سلم :
الآن نحن عندنا مادة في الدستور صياغتها موجزة، التعليم حق لكل مواطن، تفاصيلها في قانون مفصل، لو أن الدولة حفظت هذه المادة في الدستور ولم تحفظ قانون التعليم الإلزامي فهناك خطأ كبير، فلا بد من حفظ الدستور وحفظ القوانين لأنها مبينة للدستور، كما أن الله تولى حفظ كتابه، من أن يعدل، أو أن يبدل، أو أن يضاف عليه، أو أن يحذف منه:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
من لوازم حفظ الكتاب حفظ السنة، فكيف حفظ الله السنة؟ هيأ رجالاًَ عمالقة، والله الذي قام به علماء الحديث من جهود لا تجد مثيلاً لها في العالم كله، نحن عندنا في هذه الأمة بما يسمى علم الجرح والتعديل، وعلم رجال الحديث تنفرد به أمتنا من بين كل الأمم، علماء كبار يتمتعون بخصائص فكرية، ليست متوافرة في معظم العلماء هؤلاء، كالإمام البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، هؤلاء العلماء الكبار مكّن الله لهم هذا العلم وعملوا سنوات وسنوات حتى راجعوا كل أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، وجمعوا صحاحها الأولى في صحيح البخاري ومسلم وفي ست كتب أخرى، وجاء بعد الصحيح المتواتر، ثم الحسن، ثم الضعيف، ثم الموضوع، هذه مقدمة من أجل أن نعرف أن الحديث الشريف لا يقل في أهميته وفي أحكامه عن كتاب الله، لكن كلام الله عز وجل شيء، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام شيء آخر، كلاهما نصان تشريعيان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ))
هذا مثل: أنا أقول لواحد منكم: لو كنت في الساحل السوري في طرطوس و أردت أن تركب قارباً إلى أرواد، وأنت في الطريق إلى أرواد اغمس أصابعك في مياه البحر واسحبها، بمَ ترجع من مياه البحر؟ أعتقد نقطة واحدة، ضعها فجأة واسحبها قد ينزل منها نقطة، هذه النقطة هي الدنيا ومياه البحر هي الآخرة، فهل يعقل أن تضحي بالآخرة؟
العقل البشري يصعب أن يستوعب الأبد :
أيها الأخوة الكرام، عقلنا لا يستطيع أن يستوعب اللانهاية، فالآخرة لا يوجد حدّ تنتهي عنده:
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ﴾
في الآخرة هناك أبد، العقل البشري يصعب أن يستوعب الأبد، ماذا أقول لكم؟ واحد هنا و أمامه صفر اثنان ثلاثة، ألف، صفر اثنان ثلاثة، مليون، صفر اثنان ثلاثة، ألف مليون، صفر اثنان ثلاثة، مليون مليون، مليون مليون مليون مليون مليون للجدار؟ لجبل قاسيون؟ لحلب؟ من الأرض للشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، كل ميليمتر صفر، هذا الرقم أيها الأخوة، اسألوا علماء الرياضيات هذا الرقم قيمته صفر، أكبر رقم تتصوره، أكبر رقم عقلك لا يستوعبه، إذا نسب إلى اللانهاية فقيمته صفر، أنا سأقول لك عن إنسان عاش سبعين سنة لا أكثر، مئة، مئة وثلاثون، أنا بحسب معلوماتي المتواضعة أن شيخ الأزهر عاش مئة وثلاثين سنة، محمد حسين مخلوف، هذا أكبر رقم سمعته، لو إنسان عاش مئة وثلاثين سنة أمام الأبد، صفر، لو كنت ملكاً، لو كنت أكبر أغنياء البلد، لو كنت قوياً، لو كنت وسيم الصورة، لو عندك أجمل زوجة، لو عندك أكبر بيت، وعشت مئة وثلاثين سنة، أمام الآخرة صفر، لا شيء، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
الله عز وجل خلق الإنسان لجنة كل جمال الأرض لا شيء أمامها :
مثلاً:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
دقق في كلمة أبواب كل شيء، ما قال باب قال أبواب، ما قال أبواب شيء،
﴿ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
أنا لا أعتقد أن في اللغة العربية كلمة أوسع من هذه العبارة،
﴿ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
أوربا بلاد جميلة جداً، كنت مرة بسويسرا، كل سويسرا جبال شاهقة خضراء وبحيرات رائعة، أذكر أنني ركبت من مدينة لمدينة مشيت على خمسين جسراً وخمسين نفقاً، بلاد جميلة جداً قطعة من الجنة، الله عز وجل قادر أن يجعل الأرض مثل الجنة، لكن خلقك لجنة كل جمال الأرض لا شيء أمامها، كل جمال الأرض لا شيء أمام الجنة، هل يعقل أن نضحي بالجنة من أجل شيء قليل؟ كلكم أنتم شباب، حتى الإنسان إذا أراد أن يضع اسمه على كرت و يضع أمام اسمه حرف الدال، كم سنة دراسة يحتاج؟ يحتاج إلى ثلاث وثلاثين سنة، فقط من أجل دال، من أجل أن يسكن في بيت ملكه، وحتى يجد له في البيت زوجة، وعنده مركبة يركبها، مركبة وبيت وزوجة ومعك شهادة عليا والله لا يستطيع أن يحصل على هذا قبل الخمسين، إذاً كم بقي؟ عشر سنوات، الإنسان بعد الستين اقترب أجله، معترك المنايا بين الستين والسبعين، والله قبل الخمسين لا يوجد أي مجال، خمسون سنة استعداداً وعشر سنوات فيهم مرض أحياناً، فيهم مشكلات، فيهم متاعب الدنيا، فيهم هموم، فيهم ولد معه التهاب سحايا لا تنام الليل، فيهم زوجة تريك نجوم الظهر، نعم، الدنيا فيها متاعب كثيرة، مع المتاعب كلها عشر سنوات، نضحي بها من أجل الآخرة؟
أحمق إنسان من يعمل لدنياه و ينسى آخرته :
أنا والله أيها الأخوة، لا أرى في أهل الأرض من هو أشد حمقاً وغباءً وخسارةً ممن يعمل لدنياه، أنا أذكر أن بشارع الميسات أبنية تتألف من اثني عشر طابقاً، إنسان ميسور اشترى بلاطة كاملة أي اشترى شقتين في الطابق الثاني عشر، مطل على دمشق بأكملها، أشرف على الكسوة سنتين بالتمام والكمال، لم يكن هناك مصعد بالبناء كان يصعد و ينزل مشياً على الأقدام لمدة سنتين، كساه بأجمل أنواع السيراميك، أجمل أنواع البلاط، الدهان ستة وجوه، جعل البيت غير معقول، بعد أن انتهى بأيام وافته المنية.
أعرف أخاً من أخواننا عنده مشروع بحاليا، مرة أراني بيتاً مطلاً على سهل الزبداني، أول فني، البيت عبارة عن شقتين مفتوحين على بعضهم، كسوته من الدرجة الأولى، بعد أن انتهى هذا المتعهد من الكسوة أخبرته زوجة صاحب البيت أنها تريد أن ننقل الأغراض، فالنتيجة حتى انتهى كاملاً قال لها: يوم الخميس يكون البيت جاهزاً، و لكنهم لم ينقلوا الأغراض يوم الخميس، و كان يوم الجمعة عطلة، السبت أخبرهم، فقالت له: مات صاحب البيت، والله مات يوم الخميس، يوم استلام البيت.
أنا لا أقول أن الإنسان لا يشتري بيتاً، لكن لا تضع أملك في البيت، لا تضع كل ثقلك في البيت، إنسان سكن بحي من أحياء دمشق الشعبية الفقيرة، سكن ستاً وعشرين سنة، يضع القرش فوق القرش، أي ضغط مصروفه ضغطاً غير معقول، جمع ثمن بيت في المهاجرين، أخذ الطابق الثالث أنا سمعت عنه أنه دخل إلى البيت، و كان في البيت شرفة جميلة جداً، الشام مكشوفة أمامه، فقال لزوجته: الآن أمنّا مستقبلنا، ثلاثة أيام بعدها وافته المنية.
بطولة الإنسان أن يعد لما بعد الموت الذي لابدّ منه :
البطولة أن تعد لما بعد الموت، اشتغل، وادرس، وتعلم، وخذ شهادة، وتفوق، لا يوجد أي مانع، و لكن بشرط أن يكون كل هذا وفق منهج الله عز وجل، ضع أملك في الآخرة، اعمل لآخرتك، لأن الذي يعمل لدنياه تنتهي دنياه عند الموت، انظر عندما يضعون الميت بقبره، يا ترى الكفن فيه دفتر شيكات؟ فيه دفتر مفتوح له في البنك عدة ملايين؟ لا يوجد، هل فيه طعام؟ شراب؟ والله أيها الأخوة مهما يكن الإنسان قاسي القلب عندما يرى القبر وضع الإنسان، البلاطة وضعت، أهيل التراب، هذا مصيرنا كلنا، ذكاوك، بطولتك، تفوقك، أن تعد لهذا اليوم الذي لا بد منه، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ))
هذه هي، هل ترى الحروب والأزمات، كلها من أجل الدنيا، قال سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً حتى يقتله.
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
***
الجمال مطلوب لكن قمة الجمال في الآخرة :
لكن من حق كل إنسان عمله صحيح ليس فيه غلط أن يبحث عن بيت يسكنه، وزوجة، وإذا كان البيت نظيفاً فهذا أفضل، فيه لمسات جمالية، جنة المؤمن داره، أنا لست ضد أن يكون لك بيت، و زوجة، وأولاد، و أن يكون البيت لطيفاً وجميلاً، وفيه لمسات جمالية، أنا أقول: الجمال حاجة أساسية في الإنسان، تجد غرفة دهانها بسيط، سماوي فاتح، أو لون أبيض، أو ألوان هادئة جداً.
بعمان مثلاً عليك أن تأخذ موافقة على اللون من الدولة، الفيلا كل سنتين تحتاج إلى تجديد دهان، عندنا دهان خشن، رشة خارجية تصبح سوداء بعد ذلك، موضوع مظهر البناء شيء آخر، الجمال مطلوب، المؤمن عنده ذوق عال، الجمال مطلوب لكن قمة الجمال في الآخرة، هكذا ورد في بعض النصوص: أن المؤمنين يوم القيامة وهم في الجنة ينظرون إلى وجه ربهم نظرة يغيبون من نشوة النظرة خمسين ألف عام، الله خلقك للجمال، خلقك للمتعة الراقية، خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، لو سألنا إنساناً منكم أنت أي بلاد رأيتها؟ يقول: الأردن وبيروت وذهبت إلى مصر ومرة كنت في إيطاليا، إن سألناه كم بلد سمعت عنه؟ يقول لك حوالي مئتي بلد، كوالالمبور سمع عنها بالأخبار لكن لم يزرها، الآن خواطرك ليس لها حدود، دقق في الحديث:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
هذا كلام سيد الأنبياء، هذا كلام فيه مصداقية عالية:
(( أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
الموت عرس المؤمن :
بصراحة هل يستطيع إنسان منكم أن يجعل ما هو عند الله مصيبة جنة؟ الموت عند الناس مصيبة، والله سماه بالقرآن الكريم مصيبة، أما المؤمن فوالله الذي لا إله إلا هو قرأت تاريخ سبعين صحابياً، ودرسْتُها مرتين، يلفت نظرك قاسم مشترك بين كل هؤلاء الصحابة، أنهم كانوا في أسعد لحظات حياتهم عند لقاء ربهم، وا كربتاه يا أبتِ، بنت سيدنا بلال، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.
الموت عرس المؤمن، الموت تحفة المؤمن، والله سمعت عن أخ في ليلة القدر وهو ساجد وافته المنية، وهناك عالم جليل في الشام قبل سنوات وهو في المسجد يستمع إلى الخطبة وافته المنية، و إنسان يموت بالحمام، لذلك طريقة الموت هذه تلخص حياة المؤمن، والله مرة أنا باتجاه الحريقة، وجدت إنساناً ميتاً أمام قصر العدل الساعة التاسعة، رحت ورجعت الساعة الخامسة، مثلما هو، الطبيب الشرعي لم يأتِ بعد، وهناك عالم جليل يوجد تعزية بالمهاجرين أنا كنت أحضرها، جاء وجلس إلى جانبي، وأنا أحترمه كثيراً، سألني عن صحتي صار هناك قليل من المجاملات في الجلسة، خرج من التعزية، طبعاً يرتدي عمة وجبة، شاهده أخ لا يعرف اسمه، لكن مظهره عالم، قال له: أستاذ تحب أن أوصلك لبيتك؟ قال له: نعم جزاك الله خيراً، الأخ الذي أوصله صديقي لا يعرف اسمه، والعالم لا يعرف هذا الشخص، فخلال عشر دقائق أوصله إلى البيت، و بعد أن صعد أربعة طوابق، فتح الباب دخل إلى غرفة النوم، وضع اللفة بمكانها، خلع الجبة واضطجع على فراشه ثم سلم روحه، لولا هذا الأخ الذي أوصله كان سيموت بالطريق، أين يأخذونه؟ إلى المستشفى، إلى البراد، انظر حكمة الله عز وجل، قال هذا الأخ: والله لا أعرف اسمه، الأخ وأنا آخر من كلمه، الحياة ثانية، والله أخ من أخواننا شيء عجيب لا يشكو من شيء إطلاقاً، بثانية قال لزوجته: والله كأن رأسي يؤلمني، أعطني كأس ماء، ذهبت لتحضر له الماء فوجدته قد مات.
موت الفجاءة للمؤمن رحمة من الله :
بالمناسبة موت الفجاءة للمؤمن رحمة من الله، أنا أعرف إنسانة، زوجها من أغنياء الشام الكبار، وهي قريبتي، أصيبت بالشلل، أول أسبوع خدمة عشر نجوم، كل جمعة تقل نجمة، آخر شيء أصبحوا يقولون لها: خفف الله عنك، أي الله يرحمك، نريد أن نخلص، ضاقوا من خدمتها، والله كان لها مكانة كبيرة، قدر ما كان لك مكانة بعد عدة شهر بالفراش يمل أهلك منك، أول فترة يستحيون منك ثم يسمعونك الكلام صراحة.
طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر كلما ازداد شرباً ازداد عطشاً حتى يقتله:
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
***
أيها الأخوة الكرام، مرة أخيرة:
(( مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ))
ليس ممنوعاً أن تأكل، وأن تشرب، وأن تتزوج، كله مسموح، لكن ضع همك بالآخرة، لذلك قالوا:
(( من أصبح ... ))
فتح عينيه الساعة الرابعة والنصف، ماذا نأكل اليوم؟ عندي بضاعة لم تباع، و إنسان آخر يفتح عينيه يقول: أريد أن أحفظ القرآن الكريم؟
(( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
تفسير قوله تعالى وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع يعود إلى :
1 ـ إرجاع بخار الماء مطراً :
أيها الأخوة الكرام، الموضوع العلمي الله عز وجل يقول:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
العلماء فهموا الآية فهماً بسيطاً، أن الشمس حينما تسلط على سطح البحر، البحر يتبخر، يصعد هذا البخار إلى السماء فيرجع مطراً، هذا المعنى صحيح، والآية تحتمل هذا المعنى.
2 ـ إرجاع الموجات الكهرطيسية بثاً :
لكن بعد ذلك عندما اكتشفوا البث الإذاعي والتلفزيوني، رأوا أن هناك موجات كهرطيسية تبث إلى الفضاء الخارجي، هذه الموجات لو بثت وتابعت حركتها في الفضاء الخارجي كيف نستقبلها؟ الله عز وجل جعل طبقة في طبقات الجو العليا اسمها طبقة الأثير، هذه الطبقة ترجع الموجات الكهرطيسية، لولا هذه الطبقة لما كان هناك بث إذاعي، ولا تلفزيوني، ولا لاسلكي، لا يوجد تواصل أبداً، لذلك العلم تقدم، صار هناك طبقة ترجع البث الكهرطيسي، أيضاً الآية تحتمل هذا المعنى الثاني:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
3 ـ إرجاع الكواكب إلى مكان انطلاقها الأساسي :
الآن اكتشفوا أن الكون كله، أي كل كواكب الكون تدور في مسارات مغلقة، معنى مسار مغلق أي يرجع الكوكب إلى مكان انطلاقه الأول، إن أردت صفة للكون جامعة مانعة مطردة شاملة:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
كل كوكب في الكون يدور حول كوكب آخر، ويرجع إلى مكان انطلاقه الأول:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
هذا كلام الله عز وجل.
تفتيت الصخور و تحويلها إلى تربة من آيات الله الدالة على عظمته :
و قال تعالى:
﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾
كان يمكن أن تكون الأرض كلها كما كانت صخوراً، ليس فيها زراعة، أحياناً بمنطقة في سوريا في الجنوب الشرقي، جانب السويداء هناك جبل بركاني، لا يزال جبلاً، ليس فيه زراعة، فلو كانت الأرض صخراً لمات الناس من الجوع، لكن تفتيت هذه الصخور له نظريات معقدة جداً كيف الصخور أصبحت تربة؟ هذا التراب هو ينبت الزرع والزيتون، ينبت النبات الذي نأكله، فلذلك:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ*وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾
دوران كل الأفلاك في السماوات بمسار مغلق :
القمر يسير في مدار حول الأرض ثم يرجع إلى مكان انطلاقه الأول:
﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾
ثم ترجع إلى مكانها الأول، والمذنبات كمذنب هالي زار الأرض عام ألف وتسعمة واثني عشر، وعاد إلينا ثانية عام ألف وتسعمئة وستة وثمانين، تستغرق دورته ستاً وسبعين عاماً:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
أيها الأخوة، كل الأفلاك في السماوات تدور بمسار مغلق، معنى مسار مغلق أي ترجع إلى مكان انطلاقها الأول، فالله عز وجل أعطى في هذه الآية وصفاً جامعاً مانعاً.
الله عز وجل صاغ آيات القرآن الكريم صياغة تحتمل جميع التطورات :
هناك معنى آخر؛ الغازات التي أودعها الله في الأجواء ذات رجع، هذا الأوكسجين الذي نستنشقه ماذا نخرجه؟ غاز فحم، أخذنا أوكسجين، أخذنا غازاً ساهم بالعمليات الخلوية، وأطلقنا غاز الفحم، يأتي النبات يأخذ غاز الفحم ويعيده أوكسجين، ما هذه الحكمة؟ لذلك العيش مع الغابات مريح نفسياً لتوافر الأوكسجين، والمشي في الغابات مفيد جداً للمصاب بالربو، هذه النباتات تأخذ غاز الفحم وتعطي الأوكسجين، هناك توازن، الإنسان يأخذ الأوكسجين ويعطي غاز الفحم، والنبات عكسه يأخذ غاز الفحم ويعطي الأوكسجين، لو أننا والنبات سيان لهلك البشر، هناك توازن.
الآن هناك أمواج كهرطيسية، تبث إلى الفضاء الخارجي، وهناك طبقة الأثير ترجعها إلى الأرض، كلمة واسعة جداً، هذا كلام خالق الأكوان.
مرة التقيت مع إنسان بعيد عن الدين كثيراً، قال لي: كأنك أنت تعنى بالإعجاز العلمي، قلت له: وهل يزعجك هذا؟ قال: فقط عندما تربط آية بقضية علمية، قلت له: لماذا؟ قال: عندما يتبدل العلم معنى هذا أن الآية نقضت، هو يرى أن ربط الآيات بالعلم خطير جداً، قلت له: كلامك صحي لكن ما قولك أن الآية صاغها الله صياغة، أو مصوغة صياغة تحتمل جميع التطورات، ذكرت له هذه الآية، فسكت، أول معنى يصعد بخار الماء إلى السماء يرجع أمطاراً، صحيح، تصعد الموجات الكهرطيسية إلى السماء ترجع أمواجاً لبثها الإذاعي والتلفزيوني، الآن الكواكب كلها تنطلق من مكان تمشي في مسار مغلق ترجع إلى مكان انطلاقها الأول، هذه الآية جامعة مانعة، لذلك القرآن الكريم فيه إعجاز.
الكون قرآن صامت :
أيها الأخوة، هناك سؤال دقيق أن البيضة عندما تحاول - وهي غير مسلوقة - أن تدورها تقع لا تدور، السبب فيها صفار وفيها بياض، والصفار له كثافة، والبياض له كثافة، والكثافة لها علاقة بالعطالة، عندما تدورها القسم الجامد له عطالة، والقسم غير الجامد له عطالة، لكن عندما تسلقها تدور معك، الأرض تدور فيها طبقات، طبقات سطحية، وطبقات عميقة، وكل طبقة لها عطالة، الله عز وجل جعل الجبال أوتاداً، فأعلى جبل في الأرض الذي تراه بعينك هو ثلث الجبل، والثلثان تحت الأرض لربط الطبقات الأرضية، فالجبل كالوتد ربط الطبقات، وهذه الطبقات حينما ربطت أصبح لها كثافة موحدة وعطالة موحدة، هذا معنى أن الله عز وجل جعل السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، قال تعالى:
﴿ أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾
تمور بمعنى تضطرب اضطراب المائع، فالأرض بهذه الطريقة لوجود جبال تربط طبقاتها المتفاوتة في الكثافة تدور ولا شيء عليها، لكن أحياناً أنتم تلاحظون بعجلة السيارة هناك قطعة رصاص، العجلة عندما تدور في محل معين تردف، فلا بدّ من مكان معين تضع به خمس غرامات رصاص كي تستقر، وهذه الجبال التي أودعها الله في الأرض جعلها من أجل استقرارها في الدوران، والجبال جاء بمعانيها أنها أوتاد، الجبل وتد هذا الوتد يجعل عطالة الطبقات السفلى متساوية، لتدور بشكل مستقر.
أيها الأخوة الكرام، أنتم أمام قرآن ناطق، وأمام قرآن صامت، القرآن الناطق هو كتاب الله، والصامت هو الكون.