- موضوعات متنوعة
- /
- ٠4موضوعات متفرقة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من هان أمر الله عليه هان على الله :
أيها الأخوة الكرام، فيما مضى من دروس هذا المسجد المبارك أنني في بعض المواسم، أو عقب مضي بعض المواسم، كنت أخصص درساً أسميه أنا تجاوزاً: درساً إدارياً، أي هذا الإنسان المؤمن إن لم يُخطِط يُخطَط له، إما أن تخطط فتكون رقماً صعباً، وإما أن يخطط لك فتكون رقماً تافهاً، لذلك قد تعجبون أن الدول الإسلامية تتربع على أخطر أماكن في العالم، الشرق الوسط مجمع القارات، في أرضها ثروات لا يعلمها إلا الله، ويجمع بينها وحدة الدين، وحدة الآلام، وحدة الآمال، ومع ذلك أفقر شعوب الأرض هم الشعوب الإسلامية، وأعلى نسب في تعاطي الدخان في الشعوب الإسلامية، والأرقام مؤلمة جداً، نتربع على ثروات لا يعلمها إلا الله، ونحتل أماكن بالتعبير المعاصر استراتيجية، ويجمعنا وحدة اللغة، والدين، والآلام، والآمال، والمصير، ووحدة هذه الأمة، ومع ذلك هناك تخلف شديد، لعل هذا التخلف سببه أن هذه الأمة ـ بتعبير جامع مانع ـ هان أمر الله عليها فهانت على الله، إذا أردت أن أضغط لك المشكلات التي يعاني منها العالم الإسلامي بكلمات محدودة، أقول لك: هان أمر الله عليها فهانت على الله.
من أراد أن يلغي الحجاب بينه و بين الله فليستقم على أمر الله :
أقول لك أيضاً: الوعود التي وعد الله بها المسلمين، والإله العظيم هو الإله العظيم، والإله الذي نصر النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة هو إلهنا، والقرآن بين أيدينا، وطريق الوصول إلى الله موضح في كتابنا، بل إن الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، لكن كما قال الله عز وجل:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني تركها بل يعني تفريغها من مضمونها، لأن هذه الصلاة كما يقال دائماً:
(( عماد الدين فمن أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين))
الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات، لكن بشكل مختصر وواضح وبسيط وحاسم وجازم، أية مخالفة تقترفها تكون حجاباً بينك وبين الله، إن أردت أن تلغي الحجاب الذي بينك وبين الله استقم على أمر الله، واصطلح معه، واعقد العزيمة على طاعته، ما دام هناك تقصير و مخالفات و حقوق لم تؤد، و واجبات لم تؤد، و علاقات لا ترضي الله، و لقاءات لا تليق بالمؤمن، ما دام هناك هذه المخالفات فاستعد للبلاء.
من لا يملك إرادة تحمله على طاعة الله لا ينفع معه شيء :
من أجمل ما قرأت في السيرة أن أعرابياً جاء النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله عظني ولا تطل، فتلا عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
فقال هذا الأعرابي: أريد أخف من ذلك، فقال النبي: إذاً استعد للبلاء.
إنسان يدخن فرضاً، بينت له بالأدلة العلمية القاطعة، الواضحة، الصارخة، الحتمية، مضار التدخين في كل أجهزة الجسم، فإذا كان مصراً على تعاطي الدخان، انتهت مهمتك، أقول لكم كلمة دقيقة: الذي لا يملك إرادة تحمله على طاعة الله لا ينفع معه شيء.
مرة الإمام الحسن البصري قال: إذا قرأت القرآن فلم تشعر بشيء، إذا صليت الصلوات المفروضة فلم تشعر بشيء، إذا ذكرت الله فلم تشعر بشيء، فاعلم أنه لا قلب لك.
وسيدنا عمر يقول: تعاهد نفسك.
كل أمراض الجسم تنتهي عند الموت وكل أمراض النفس تبدأ بعد الموت :
من الأمثلة الصارخة لو إنسان طرأ على عينه طارئ ـ هناك طوارئ كثيرة بالعين ـ يقلق أشد القلق، يسأل عن أول طبيب عين في البلد، يذهب إليه يقول له: أول موعد بعد شهرين، يقول لك بالتعبير الدارج: العين لا يوجد معها لعب، لماذا لا تقول: الدين لا يوجد معه لعب، الإنسان يموت تنتهي صحته، وتنتهي قوته، وينتهي مرضه، وينتهي غناه، وتنتهي وظيفته، وتنتهي مكانته، وتنتهي شهواته، وتنتهي متعه، لذلك أي خلل يصيب الجسم هناك رغبة صادقة في معالجته، والخلل الخطير الذي يصيب النفس، أيها الأخوة الكرام الكلام دقيق كل أمراض الإنسان تنتهي عند الموت، إنسان معه ورم خبيث مات انتهى المرض الخبيث، معه فشل كلوي مات انتهى الفشل الكلوي، تشمع كبد مات انتهى، معه قرحة مزمنة مات انتهت القرحة، معه شلل انتهى الشلل، كل الأمراض حتى العضالة القاتلة التي تصيب الجسم تنتهي عند الموت، اسمعوا التعليق الآخر وكل أمراض النفس تبدأ بعد الموت، شيء مخيف، إنسان أكل مالاً حراماً، اعتدى على أعراض الناس، وافته المنية، وضع في القبر، وضعت البلاطة، أهيل التراب، انصرف كل إلى عمله، وإلى بيته، لا يوجد شهوات في القبر، ولا زوجة، ولا بيت فخم، ولا طعام طيب، ولا أصدقاء، ولا أحباب، ولا مكانة اجتماعية، ولا متع بصرية، ولا متع صوتية، ولا علو في الأرض، كله انتهى.
أقسم لكم بالله أيها الأخوة، ما رأيت على وجه الأرض إنساناً أعقل ممن يعد لما بعد الموت، أحياناً أستمع إلى اقتراحات، إنسان عنده أرض غالية جداً هو فوق الستين، يقول لك: موتي قريب، و النبي عليه الصلاة والسلام قال: معترك المنايا بين الستين والسبعين، أي من دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة.
من أدق ما قاله العلماء في كلمة النذير :
1 ـ النذير هو سن الأربعين :
بالمناسبة أيها الأخوة الكرام، الله عز وجل يقول:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
جاء فعل ماض، أين النذير؟ أنتم أمانة وأنا معكم، أين النذير؟ قال:
﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ قال:
﴿ النَّذِيرُ ﴾
هو سن الأربعين، فمن دخل في الأربعين دخل في أسواق الآخرة، رسول الله قال: معترك المنايا بين الستين والسبعين، تجاوز الأربعين معنى ذلك أن الذي بقي أقل مما مضى، فإذا مضى الذي مضى كلمح البصر، ففي الأعم الأغلب أن الذي بقي يمضي أيضاً كلمح البصر، هذا أول شيء.
2 ـ النذير هو سن الستين :
وقال الإمام القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ قال:
﴿ النَّذِيرُ ﴾
سن الستين، الأربعين دخل في أسواق الآخرة، أنت لاحظ بالمثل الواقعي ذهبت إلى مصيف ـ إلى البحر ـ في أيام العطل، الرحلة عشرة أيام، لاحظ نفسك باليوم الثامن ماذا تفعل؟ باليوم الثامن تختلف الخطة، تقطع تذاكر العودة، وتشتري الهدايا، وتهيئ نفسك للسفر، فالإنسان حينما يمضي من عمره ستون عاماً أو سبعون ماذا بقي له؟
والله أيها الأخوة، سمعت عن شخص وهو في الخامسة والثمانين أنشأ كازينو في لبنان، في هذا الكازينو راقصات، وخمر، وافته المنية قبل أن ينتهي هذا الكازينو، فالإنسان عندما يوقن بالموت يجب أن يكون في وعي كبير جداً، لذلك النذير هو سن الأربعين، والنذير سن الستين، الإنسان بالأربعين معنى هذا أنه قطع أكثر من النصف، مضى النصف أو مضى أكثر من النصف كلمح البصر، والذي بقي يمضي أيضاً كلمح البصر، أما سن الستين فمعنى هذا أن الموت قد اقترب، أنا يخطر في بالي كلما سمعت عن وفاة إنسان أسأل كم عمره؟ يقولون لي: ثمانية وخمسون، ثلاثة وستون، اثنان وخمسون، سبعة وأربعون، أربعة وستون، سبعون، ما شاء الله معمر، معترك المنايا بين الستين والسبعين، قال الله عز وجل:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
3 ـ النذير هو الشيب :
النذير سن الأربعين، والنذير سن الستين، : و
﴿ النَّذِيرُ ﴾
هو الشيب، ورد في الأثر:
((أن عبدي كبرت سنك، وضعف بصرك، وانحنى ظهرك، وشاب شعرك، فاستحِ مني فإنا أستحي منك ))
4 ـ النذير هو موت الأقارب :
والنذير موت الأقارب، إنسان ملء السمع والبصر، له مكانته، له هيبته، سيد البيت، يخطر في بالي أحياناً عندما يتوفى أحد أقربائي الأغنياء جداً أن بيته ثمنه يقدر بمئة وثمانين مليوناً، وأنا بالتعزية يأتي في بالي خواطر، البلاط هذا من الذي اشتراه؟ المرحوم، الثريات من اختارهم؟ المرحوم، هذا المنظر الطبيعي الجميل ثمنه عشرات الألوف من اشتراه؟ المرحوم، أين المرحوم؟ في باب صغير في القبر، أقسم لكم بالله لا يوجد موعظة بالحياة أبلغ من الموت، كما يبدو للعين من كل شيء إلى لا شيء، فكيف من كل شيء مريح إلى كل شيء مزعج؟ هذه حقيقة الموت، لذلك:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
النذير سن الأربعين، والنذير سن الستين، أو الشيب، أو موت الأقارب، جاء النذير.
الوقت أثمن من المال :
شيء آخر بالموضوع دقيق جداً، إذا إنسان له قريب، وصار معه مرض عضال، وله عملية في أمريكا تكلف فرضاً ثمانية عشر مليوناً، أنا أقول: لا يتردد ثانية ببيع بيته وإجراء العملية، العملية كلفته ثمن بيته كله، سيرجع بالأجرة، لماذا ؟ سؤال حلل هذه الحالة؟ إنسان باع بيته، وعمل عملية على أم لأن يعيش كم سنة زيادة، ما معنى هذه؟ أي عندك وقت، وعندك مال، أيهما أفضل عند كل إنسان؟ الوقت بدليل ضحى بكل ماله، أنا لا أتكلم من فراغ، لي أصدقاء كثر، باع بيته، ورجع مستأجراً حتى يجري عملية جراحية، لأنه مركز في أعماق أعماقه أن الوقت أثمن من المال هذه تمهيد.
إنسان وقف بيننا الآن، وأمسك عشرة آلاف ليرة وأحرقهم أمامنا، وأحضر سلة مهملات ووضعهم بها وأعطاهم بنزيناً أو كازاً وكبريتاً، لو شاهده مليون شخص بما يحكم عليه؟ عشرة آلاف ليرة أو مئة ألف أو مليون، وأحرقهم، هذا يعد مجنوناً أو سفيهاً، إتلاف المال يوصف متلفه بالجنون، والسفه، ولأن الوقت أثمن من المال ما حكم من ينفق وقته في لعب الطاولة و ينام الساعة الثالثة؟ أكثر البيوت فيها برسيس، أو طاولة، أو شطرنج أحياناً، أعرف شخصاً قال لي: من ظهر الخميس إلى صباح السبت نلعب بالأوراق مع أصدقائنا.
الأعراض السلبية بصحة الإنسان رسائل لطيفة من الله عن اقتراب الأجل :
فيا أيها الأخوة، العمر ثمين:
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾
النذير سن الأربعين، سن الستين، الشيب، موت الأقارب، هذه كلها إنذارات، لي رأي خاص؛ الإنسان أحياناً يصير معه ديسك بظهره، أو التهاب مفاصل، أو يضعف بصره، الأعراض الصحية السلبية ما حكمتها؟ الله عز وجل قادر على كل شيء، قادر أن يبقي الإنسان بالتسعين مثل الشاب، وهو بالتسعين بخصائص الشاب، ضغطه سبع أحد عشر، نبضه قلبه عال جداً، الله عز وجل قادر أن يجعل الإنسان وهو بالتسعين بخصائص الشباب، لكن هذه الأعراض السلبية، يضعف بصره، يشيب شعره، قال لي إنسان مرة: سبحان الله أنا من خمسين سنة أنشط من الآن، طبعاً يقول مازحاً، الأعراض السلبية للإنسان هي: ضعف بصره، انحنى ظهره، شاب شعره، معه انزلاق فقرات، معه التهاب مفاصل، معه عسر هضم، أقسم لكم بالله هذه الأعراض رسائل لطيفة لطيفة من الله أن يا عبدي قد اقترب اللقاء بيننا فهل أنت مستعد له؟
تعينت أنا بالتدريس في محافظة لا يوجد فيها كهرباء مستمرة، تنتهي الكهرباء الساعة الثانية عشرة، الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق تطفأ الكهرباء لثانية واحدة وتعود، أي قم أيها الإنسان واضبط أغراضك، أو هيئ نفسك للنوم، أو أحضر شمعة، أو وسيلة ثانية، فإغلاق الكهرباء قبل عشر دقائق كل يوم الساعة الثانية عشرة إلا عشر دقائق معنى هذا أنه لم يبقَ إلا عشر دقائق، أنا أرى أن كل الأعراض السلبية بالصحة، هذه أعراض هدفها رسالة من الله لهذا العبد أن يا عبدي قد اقترب اللقاء فهل أنت مستعد له؟
تذكر الموت ينجي من عذاب الله عز و جل :
أيها الأخوة الكرام، هذا الدرس يسمونه درس وعظ، الله عز وجل قال:
﴿ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾
الإنسان يتذكر الموت، يتذكر سرّ وجوده، وغاية وجوده، يتذكر ماذا عليه أن يفعل كي ينجو من عذاب الله عز وجل.