- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠14برنامج ربيع الإيمان - قناة اليرموك
مقدمة :
المذيع :
أعزائي المشاهدين ؛ أرحب بكم في حلقة جديدة إلى حديقة ربيع الإيمان ، مع فضيلة أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً وسهلاً فضيلة الدكتور ، أرحب بكم أجمل ترحيب ، وأشكرك على هذه الأوقات الغالية الذي تبذلها لنا وللمسلمين .
أعزائي المشاهدين ؛ وقفنا في الحلقة الماضية عند الحديث عن العبادة التعاملية ، هكذا يطيب للدكتور أن يسميها ، وهي تسمية طيبة وسوف نتحدث كثيراً عن هذا المفهوم إن شاء الله تبارك و تعالى .
دكتور وقفنا في الحلقة الماضية عند الحديث عن العبادة التعاملية .
العبادة طاعة طوعية :
الدكتور راتب :
لكن نعود للتعريف هي طاعة أي خضوع لمنهج الله ، الإنسان المخلوق الأول أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، له صانع عظيم ، لهذا الصانع العظيم تعليمات افعل ولا تفعل ، فالعبادة بشكل أو بآخر تطبيق لتعليمات الصانع ، والصانع كما تعلمون هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها ، إذاً هي طاعة لمن ؟ للخالق ، قال تعالى :
﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾
فرق كبير بين أن تطيع مخلوقاً يخطئ ويصيب ، وله مصلحة ، وله انتماء إلى فئة، إلى جماعة ، قد يحابي نفسه ، لذلك لن يكون التشريع في الأصل إلا من عند الخالق ، أما إذا كان من عند الإنسان ، فالإنسان إذا شرع يحابي نفسه دون أن يشعر بعقله الباطن يحابي نفسه ، فلذلك العبادة طاعة لكن لمن ؟ لخالق الأكوان ، طاعة للخبير ، طاعة للرحيم ، طاعة للحكيم ، طاعة للعليم ، طاعة للغني ، طاعة للمصمم ، العبادة طاعة لكن الله مع أنه خلقنا ، وبيده حياتنا وموتنا، ورزقنا ، وسعادتنا وشقاؤنا ، مع أن كل شيء في يده ، مع أننا في قبضته ، مع أنه إذا قال : كن فيكون ، زل فيزول ، مع كل هذه الخصائص لمقام الألوهية ما أراد أن نطيعه كرهاً ، قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
بل أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب ، قال تعالى :
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
هذا الإله الذي بيده كل شيء ؛ كن فيكون ، زل فيزول ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، رزقنا بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، الزواج بيده ، الأولاد بيده ، المكانة بيده ، كل شيء بيده ، مع كل ذلك ما أراد أن نطيعه قسراً ، فالإنسان حر ، لولا هذه الحرية لا يوجد معنى للجنة إطلاقاً ، لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً .
فهي طاعة لكنها طوعية ، الأشخاص الأقوياء يطاعون قسراً ، الله عز وجل ما أرادنا أن نطيعه قسراً ، أن نطيعه حباً ، أن نطيعه بمبادرة منا ، أن نطيعه رغباً ، أن نطيعه بدافع المحبة ، فكأن الله عز وجل جعل المحبوبية هي طبيعة العلاقة بينه وبين عباده ، قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
حتى الذي كفر بوجود الله يأكل ويشرب ، ويتزوج وينجب ، ويتحرك ويسافر ، ما أراد إلا أن نعبده عن محبة ، إذاً هي طاعة لكنها طوعية ذاتية المبادرة من الإنسان ، لأن الله كان بالإمكان أن يجبر عباده على عبادته .
المذيع :
كما فعل بالملائكة الكرام .
تمتع الإنسان بحرية الاختيار :
الدكتور راتب :
قال تعالى :
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾
لكن هذا الهدى القسري لا يسعد ، الله أراد الهدى الطوعي ، الهدى القسري لا يسعد ، لو كان الإنسان يملك شيئاً ثميناً وشهر عليه أحدهم مسدساً وقال : أعطني إياه ، يعطيه إياه رأساً، أما لو قدمه هدية فهذا يختلف ، فالفرق كبير جداً بين أن تكون مكرهاً على عمل صالح أو أن تكون حراً ، فهذه الحرية لمجرد أن ننكرها أو نتغافل عنها الدين ليس له معنى إطلاقاً ، بطل الثواب ، بطل العقاب ، بطلت الجنة ، بطلت النار ، إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، قال تعالى :
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
هذه الحرية ، حرية الاختيار لك أن تطيعه أو لا تطيعه ، فإذا لم تطعه تأكل ، وتشرب ، وتتزوج ، وتدرس ، وتأخذ شهادة عليا ، وقد تنال منصباً رفيعاً جداً ، فهو أرادنا أن نأتيه طائعين عن محبة وتقدير .
المذيع :
دكتور هذه دعوة ضمنية أن نعزز مفهوم الخطاب الدعوي المبني على المحبة لا على الإلزام ، أنت عبد لله عز وجل ، وتبرير كافة الأحكام الشرعية على منطق العبودية فقط ، ومنطق العبودية القسري الإلزامي أعتقد أن هذا لا يشكل ولا يبني الحقيقة كاملة .
تعزيز مفهوم الخطاب الدعوي المبني على المحبة لا على الإلزام :
الدكتور راتب :
سيدي الخطاب الديني إذا نجح قبله غير المسلمين ، وإن لم ينجح رفضه المسلمون .
المذيع :
دكتور ذكرت لنا قصة أحد الناس ، هو غير مسلم وكان يستمع مرة ..
الدكتور راتب :
هنا في عمان يركب مركبة عامة ، و هناك درس تفسير لي ، فوصل إلى دوار الداخلية هكذا أذكر ، فقال له السائق : هذا دوار الداخلية ، فقال له : أكمل طريقك ، السائق ما فهم ، فتابع قال له : أين ؟ قال له : أكمل فقط ، و عندما أقول لك : توقف تتوقف ، فلما انتهى الدرس قال له : توقف ، قال : أين ؟ قال : ارجع للداخلية ، قال له : كنا هناك ؟ قال له : أنا كنت أتابع الدرس ، أنا أرغب أن أسلم على يد هذا الشيخ ، فالسائق من فرحه جاء إلى إذاعة الحياة fmوذكر القصة أذاعوها بالإذاعة ، فالخطاب الديني إذا نجح قبله غير المسلم ، وإذا لم ينجح رفضه المسلم ، هذه الأزمة أزمة خطاب ديني والدين لا يتغير ، الدين من عند الله ، الدين توقيفي لا يضاف عليه ولا يحذف منه ، عظمة هذا الدين يجب أن يستمر كما بدأ ، لا يضاف عليه ولا يحذف منه ، إذا أضفنا عليه اتهام ضمني بالنقص وإذا حذفنا منه اتهام آخر بالزيادة .
المذيع :
قال تعالى :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾
عدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً :
الدكتور راتب :
أبداً الآية دقيقة جداً أكملت لكم دينكم وأتممت ، قال العلماء : الإكمال نوعي والإتمام عددي ، أي عدد القضايا التي عالجها الدين تام عدداً ، أي قضية الدين عالجها يكون فضله شمولياً ، والقضية التي لم يعالجها هناك حكمة بالغة بالغة بالغة من عدم معالجتها ، اللباس ترك لأذواق الناس ، لكن يجب أن يستر العورة لو تدخل الدين باللباس ، تدخل في الطعام ، هناك مشكلة كبيرة .
المذيع :
وسكت عن أشياء رحمة بكم .
الدكتور راتب :
هناك أمر و نهي و سكوت ، فحكمة السكوت لا تقل عن حكمة الأمر والنهي ، إذاً هذا الدين منهج للإنسان ، هي طاعة طوعية ، أهم شيء طوعية لكن ممزوجة بمحبة قلبية ، لذلك ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه .
المذيع :
دكتور نحن وقفنا عند جملة تذكرني بقول ابن مسعود رضي الله عنه للحسن البصري هذا الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء ، جملة طيبة ذكرتها في كلامك أن الله أمر عباده تخييراً ..
حقيقة الإسلام :
الدكتور راتب :
إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يطع مكرهاً .
المذيع :
دكتور نريد مرة ثانية ...
الدكتور راتب :
إن الله أمر عباده تخييراً ونهاهم تحذيراً وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ولم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً . هذا الكلام لسيدنا علي ..
المذيع :
دكتور هذه الجمل الجميلة التي تختصر أو تبرز حقائق الإسلام بجمل قليلة جداً هل لك أن تفسرها لنا تفسيراً سريعاً .
الدكتور راتب :
أي إذا ألغيت الاختيار لا معنى للجنة ، ولا معنى للنار ، لا معنى للثواب والعقاب ، لا معنى للتفوق ، ما دام الإنسان مجبراً لا يحاسب ، حتى العاصي لا يحاسب ، أنت أجبرتني على ذلك ، لذلك الله عز وجل قال :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
المذيع :
دكتور ما معنى كلمة تخرصون ؟
الدكتور راتب :
سكت بعد انكشاف كذبه ، إنسان كذب فلما فضح سكت .
المذيع :
أو الخرص التقدير دون ظن أو دون علم قطعي .
الدكتور راتب :
نعم تكذبون هم لما كذبوا وكشف كذبهم سكتوا .
المذيع :
دكتور نعود للنقطة الرئيسة ، كنا نتكلم عن العبادة التعاملية وأهميتها في الإسلام ووقفنا عند أن عبادة الله عز وجل طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية .
عبادة الله طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية :
الدكتور راتب :
ممزوجة بمحبة قلبية ، أي ما عبد الله من أطاعه ولم يحبه ، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لـمن يحب يطيــع
* * *
المذيع :
دكتور الآن لا شك أن العبادة التعاملية لها صور وأشكال ومسارات ، العبادة التعاملية عبارة عن مجموعة مواقف يومية يعيشها الإنسان فهل لنا أن نسلط الضوء على أهمية العبادة التعاملية ؟ ولماذا العبادة التعاملية لا تقل خطورة ولا أهمية على العبادة الشعائرية ؟
أهمية العبادة التعاملية :
الدكتور راتب :
أصل هذه العبادة أن النجاشي سأل سيدنا جعفر قال له : حدثني عن الإسلام قال :
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله عز وجل لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))
هذه العبادة التعاملية أي الحركة اليومية ، صادق ، أمين ، وفي ، رحيم ، حليم .
المذيع :
دكتور ذكرت :
((ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام))
الدكتور راتب :
العبادة الشعائرية أقول وأرجو أن أكون على صواب : لن تقطف ثمارها إطلاقاً إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، وحينما أهمل المسلمون العبادة التعاملية واكتفوا بالعبادة الشعائرية أصبحوا في مؤخرة الركب ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول والحديث صحيح :
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
المسلمون الآن مليار وأربعمئة مليون أحدث رقم ، وليست كلمتهم هي العليا ، وليس أمرهم بيدهم ، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل .
المذيع :
دكتور كنا أثناء المذاكرة مع حضرتك نذكر بعض القصص التي تؤكد أهمية العبادة التعاملية ، ذكرنا رجلاً كان يصلي مع الناس ويصوم ولكنه لم يعط أبناء أخيه الأيتام بيتهم فجزاه الله في الدنيا .
الدكتور راتب :
الحقيقة هذه القصة سمعتها من أحد علماء دمشق ، رجل يسكن في أحد أحياء دمشق ، وتحت يده بيت أخيه ، وقد توفي أخوه فأصبح البيت لورثته ، فلما طالب أولاد أخيه عمهم بهاذ البيت تمنع ورفض ، كان هناك شيخ كبير في الشام شيخ القراء فاشتكوا إليه ، فاستدعى هذا العم ، وكان العم وقحاً جداً في لقائه مع الشيخ ، قال له : لن أعطيهم هذا البيت وهذا الحاضر ، فالشيخ وقع في حيرة ، قال لهم : يا أولادي هذا عمكم أتمنى عليكم ألا تشكوه إلى الحكومة اشكوه إلى الله ، هو رأى أنه من غير المناسب أن يشتكي أولاد الأخ على عمهم من أجل العلاقات الأسرية ، فشكوه إلى الله عز وجل ، هذا الرجل عنده محل في أحد أسواق دمشق للأقمشة ، أثناء البيع كان هناك رجلان يتناوبان إطلاق النار على بعضهما ، فرصاصة جاءت إلى صاحب المحل هذا الذي اغتصب مال أولاد أخيه فأصبح مشلولاً ، بعد ذلك أرجع البيت إلى أبناء أخيه .
المذيع :
دكتور الحقيقة هذا يقودنا للحديث عن تعدد المسؤوليات في العبادة التعاملية ، نحن الآن نعاني من المسألة الطبية ، والتقصير في المسألة الطبية ، مثلاً على سبيل المثال أذكر أنني قرأت إحصائية في بلد مثل الأردن يموت كل سنة أربعون شخصاً من جراء الأخطاء الطبية ، كذلك في السعودية الرقم يتضاعف ، عندنا أخطاء طبية ، قانونية ، ثقافية ، إعلامية ، عندنا أخطاء متعددة ، وكثير من الناس يظن أن الله عز وجل يغض الطرف عن هذه الأخطاء، مع أن هناك حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم يبين فيه مثلاً أهمية صدق الإعلامي ، بيّن في حديث الإسراء أن رجلاً يوضع الكلاب في شدقه الأيمن ثم يشد على الجهة اليمنى ثم ينتقل إلى الجهة اليسرى ، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل ، قال : هذا الذي تحمل عنه الكذبة حتى تبلغ الآفاق ، إذاً هناك صور وميادين .
تعدد المسؤوليات في العبادة التعاملية :
الدكتور راتب :
الحقيقة أن الإنسان حينما يؤمن أن هناك إلهاً عظيماً ، يعلم وسيحاسب وسيعاقب ، لابد من أن يستقيم على أمر الله ، أنا أضرب مثلاً من حياتنا اليومية ، أنت تركب مركبتك والإشارة حمراء والشرطي واقف ، معه دفتر ضبط ، وإلى جانبه ضابط في الشرطة بسيارته ، لا يمكن ولا يعقل ولا يقبل أن تخالف الإشارة لأن واضع قانون السير وزير الداخلية يطول هذا السائق علمه عن طريق الشرطي ، وتطوله قدرته عن طريق الضبط ، رقم كبير ، فما دام الإنسان في حياته الدنيا مع أخيه الإنسان إذا كان أقوى منه يعلم يقيناً أن علمه يطوله ، وأن قدرته تطوله ، يستحيل أن يعصي الله عز وجل ، لذلك قال تعالى :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
لماذا اختار الله من بين أسمائه كلها اسمي القدرة والعلم ؟ أنت حينما توقن أن علم الله يطولك وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، أنت لا يمكن أن تعصي إنساناً من بني البشر أقوى منك ما دام علمه يطولك ، وقدرته تطولك .
المذيع :
دكتور ربما إنسان شعر وعاش بعلم الله عز وجل ، وقدرة الله سبحانه ، ربما يرتقي إلى درجة أعلى من ألا يعصي الله ، يرتقي إلى درجة أن يتقرب إلى الله بأعمال ربما تبدو في أعين بعض الناس ، ذكرت قصة دكتور رائعة وهي قصة الرجل الذي ستر على زوجته الحامل.
الدكتور راتب :
في دمشق جامع بأحد أحيائها الأصيلة ، هذا الجامع اسمه جامع الورد ، والحارة اسمها حارة الورد .
المذيع :
كما وصفها معاوية رضي الله عنه ، عنده ذوق .
الدكتور راتب :
هذا الشيخ رأى رؤيا ، رأى النبي عليه الصلاة والسلام ، قال له النبي في الرؤيا : قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة ، هو خطيب وداعية ، ومعه شهادات عليا وطليق اللسان ، جاره بقال وهو إنسان بسيط جداً ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول في المنام - ورؤية الأنبياء حق - قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة ، تألم ألماً شديداً ، تمنى أن تكون هذه البشرى له ، ذهب إلى هذا الجار قال له : لك عندي بشارة ، لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك؟ فامتنع ، فبعد إلحاح شديد ، قال له : تزوجت إنسانة ، بالشهر الخامس من زواجي كان حملها في الشهر التاسع ، واضح هناك خطأ مرتكب ، أي زانية ، قال له : بإمكاني أن أفضحها ، أن أطلقها ، والشرع معي ، وأهلها معي ، والقانون معي ، وأهلها معي ، لكن أردت أن أعينها على التوبة ، جاء لها بمن يولدها ، ولدت ، وحمل الجنين المولود تحت عباءته ، وتوجه إلى جامع ينتظر أن يرفع الإمام يديه بالتكبيرة الأولى ، فلما كبر الإمام التكبيرة الأولى دخل المصلون في الصلاة ، دخل إلى المسجد ووضع هذا الطفل وراء الباب والتحق بالصلاة ، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الصغير ، تحلق المصلون حوله ، وتأخر هو حتى يكتمل تحلق المصلين حوله ، ثم اقترب ، قال : ما القصة ؟ قالوا : تعال انظر ! جنين مولود لقيط ، قال : أنا أكفله ، فأخذه أمام أهل الحي على أنه لقيط وهو سيربيه ، ودفعه إلى أمه وسترها ، وتابت توبة نصوحة ، فجاءت هذه الرؤيا لخطيب المسجد ، قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة .
أنا أقول العدل قائم لكن فوق العدل الإحسان ، الله عز وجل يقول :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
بل الأولى عند الله أن تكون محسناً ، هو بالعدل يطلقها ، ويفضحها بالعدل ، وأمام أهلها تسقط ، أمام الناس تسقط ، فلذلك الإنسان إذا كان أمامه خيارين أنا أتمنى على الأخوة المشاهدين أن يختاروا الإحسان .
خاتمة و توديع :
المذيع :
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾
أحسن الله إليك فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، في نهاية هذه الحلقة أشكرك جداً على هذه الجولة في حديقة ربيع الإيمان ، وقد قطفنا معك أزهاراً يانعة ، نسأل الله عز وجل أن تثمر في قلوبنا .
أعزائي المشاهدين ؛ أحييكم وأشكركم على متابعتنا في هذه الحلقة ، وأسأل الله أن تكون نافعةً ، وإن شاء الله نتمنى أن نعود ، وإلى لقاء آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور ، وأحسن إليكم ، وبارك فيكم .