وضع داكن
18-01-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 23 - تتمة علاقة الجن بالإنسان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  هل يكفي للمستعيذ بالله إذا مسّه شيطان مقولة الاستعاذة؟


أيها الإخوة المؤمنون؛ هناك نقطة في الدرس الماضي أحبّ أن تزداد وضوحاً، وهي أن الإنسان حينما يمسه طائف من الشيطان قلت لكم في الدرس الماضي عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد يظن بعضكم أو يتوهم أنه مجرد أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ينتهي الأمر، أي قولٍ يقولـه لابدّ من أن ترافقه حالة نفسية، أي كلمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يجب أن يُرافقها استعاذة نفسية بالله عزّ وجل، ليس المقصود الكلمات ولكن المقصود الأحوال، وهكذا الدين، هذه الأوهام عند بعض الناس أنه بمجرد أن تقول كذا وكذا انتهى الأمر، لابد من أن يرافق هذا القول حال نفسي، هذه الحال هي حال الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإذا كان الحال موجوداً، واللفظ موفوراً، فكلمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم سلاح فعّال فتاك، لذلك قال الله عز وجل:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)﴾

[ سورة النساء ]

ومن صفات الشيطان أنه خنّاس، ومعنى خنّاس أنه بمجرد أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم يخنس، فلا يصح سحرٌ ولا حسدٌ ولا مسٌّ ولا كيدٌ للمؤمن لأنه مستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
 

الإسلام حقائق وتَعَبُّد لله وليس شكليات لا يدرك صاحبها معناها:


النقطة الأولى التي أردت أن أوضحها أو أن أزيدها وضوحاً هي أن الاستعاذة وحدها من دون حال نفسي لا تكفي، لابد من حال نفسية ترافق الاستعاذة، أي أنت في الصلاة مثلاً تقول: الحمد لله رب العالمين، لو أنّ إنساناً كان ساخطاً على الله عزّ وجل، ووقف ليصلي، وقال: الحمد لله رب العالمين، لا يُقبل منه هذا، لابد من أن يشعر أنه مدين بالفضل لله عزّ وجل، إذا كانت حالته النفسية حالة الحمد فهذا القول يصحّ منه، أما إذا كانت حالته النفسية حالة السُّخط فإن كلمة الحمد لله رب العالمين لا تُقدم ولا تؤخر، ليس في الإسلام شكليات، الإسلام حقائق، أي: 

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)﴾

[ سورة الكهف ]

يتوهم بعض الناس أنك إذا قلت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر انتهى الأمر، ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ لكن حالة التسبيح، وحالة التكبير، وحالة الحمد، وحالة التوحيد، إذا كانت حالتك النفسية حالة التسبيح تنزيه الله سبحانه وتعالى وتمجيده، وحالة التوحيد، وحالة الحمد، وحالة التكبير، فهذه الحالة تستمر معك إلى الآخرة، أما المال والبنون ينتهيان في الدنيا، لذلك: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾
أردت من هذه المقدمة أن أؤكد لكم أن في الإسلام حقائق، حالات، لو أردنا أن نوسع الموضوع، إذا كنت في الحج، هل تظن أنك إذا طفت حول الكعبة انتهى الأمر؟ لابد من طواف نفسي، ولابد من سعي نفسي، ولابد من تلبية نفسية، ولابد في الوقوف بعرفة من معرفة الله سبحانه وتعالى، ولابد عند نحر الأضاحي من نحر الشيطان، ولابد عند تقبيل الحجر الأسود من مفاوضة كف الرحمن، فكل مناسك الحج لا معنى لها إن لم ترافقها حالات تعبّر عنها، تؤكدها، وما هذه المناسك إلا رموز لحالات يحسّها الحاجّ، فلئلا يتوهم بعض الإخوة الأكارم أنه إذا قلت وأنت غافل وساه ولاه ومتلبس بالمخالفات والمعاصي إذا جاءك الوسواس قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لو قلت: أعوذ بالله ألف مرة يبقى الشيطان متمكّناً، لكنك إذا شعرت بأنك ملتجئ إلى الله، مستعيذ به، ولّى الشيطان هارباً، هذه النقطة الأولى.
 

الإسلام مبني على قواعد وأسس وكل ما جاء به الكهنة باطل لأنه يناقض شريعة القرآن:


أما النقطة الثانية هي أن كما ذكرت لكم في قوله تعالى:

﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)﴾

[ سورة الشعراء ]

الأفّاك هو الذي يختلق الحديث اختلاقاً، ولا أساس له من الصحة، أي قد يقول لك الساحر: كيت وكيت وكذا وكذا، وكل هذا كذب بكذب، لأن الساحر أو الكاهن أو العراف أو شيطان الإنس أو شيطان الجن، هؤلاء قد يصيبون مرة، ويكذبون على هذه المرة ألف مرة، فلذلك حتى فيما يدّعيه بعضهم من تحضير الأرواح، إن تحضير الأرواح في مجمله كذب في كذب، لو أن هذا الشيطان من الإنس تعاون مع قرين هذا الإنسان الذي تُحضَّر روحه على زعم من يزعم ذلك، هذا القرين قد يكذب أيضاً، قد يعرف شيئاً، وتغيب عنه أشياء، قد يكذب، قد يختلق، قد يقول قولاً لا أساس له من الصحة.
أي موضوع الجن والسحرة، هذا الموضوع كله يجب أن يُلف ويُلقى في عرض الطريق، لأن الدين الذي جاءنا النبي عليه الصلاة والسلام به دين مبني على قواعد، وعلى أُسس، وعلى مبادئ، وعلى آيات، وليس في الكون إلا الله، وليس هناك من طريقة لاكتساب رضائه إلا بطاعته، أما ما يدّعيه بعض السحرة والمشعوذين والمنجمين والكهنة فهذه لم يريدوا بها إلا تضليل الناس.
 

موقف القرآن الكريم من قصة هاروت وماروت رداً على أكاذيب اليهود وافتراءاتهم:


شيء ثالث؛ أردت أن أزيده وضوحاً وهو أن بعض الذين يتعاونون مع الجن لهم مظهرٌ يُرضي، يُظهرون ورعاً ظاهراً، يُظهرون خشية، يُظهرون خوفاً من الله عزّ وجل، وكأنهم يقولون للناس: نحن نتعاون مع جنّ مؤمنين من أجل هدايتكم، هذا الكلام أيضاً باطل، وتؤكده هذه القصة التي نحن بصددها، القصة المشهورة التي وردت في القرآن الكريم في سورة البقرة هي قوله تعالى:

﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)﴾

[ سورة البقرة ]

أي قرآن الكريم موحى به من عند إله عظيم، نزل على نبي كريم، أهل الكتاب، ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ عندهم في التوراة وفي الإنجيل وصف للنبي عليه الصلاة والسلام:

﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)﴾

[ سورة الصف ]

ومع ذلك قال:

﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)﴾

[ سورة البقرة ]

هذه الآيات التي وردت في سورة البقرة اختلف حولها المفسرون.
بعض المفسرين عفا الله عنهم أخذوا تفسير هذه الآيات من كتب بني إسرائيل من التلمود، وأثبتوها في بعض التفاسير، ماذا قال التلمود عن هذه القصة؟ سأرويها لكم كي تحذروها، إياكم أن تظنوا أن هذه القصة أوافق عليها، سأرويها لكم كي تحذروها، قيل: وللقصّاص في هاروت وماروت أحاديث عجيبة، فزعموا-كلمة زعموا تعني أن هذه الأحاديث كذب وافتراء-فزعموا أنهما -هاروت وماروت-أنهما كانا ملكين من الملائكة، وأنهما لما نظرا إلى ما يصنع أهل الأرض من المعاصي أنكرا ذلك وأكبراه، ودعَوَا على أهل الأرض، فأوحى الله إليهما أني لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم من الشهوات لعصيتماني، فقالا: يا رب لو ابتليتنا لم نفعل، لا نعصيك، فأهبطهما الله إلى الأرض، وابتلاهما الله بشهوات بني آدم، فمكثا في بلدة كانت فيها امرأة فاجرة تسمى: الزُّهرة، فدعواها إلى الفاحشة، وواقعاها بعد أن شربا الخمر، وقتلا النفس، وسجدا للصنم، أي هذان الملكان اللذان زعما أنهما لا يعصيان الله حينما أهبطهما الله إلى الأرض، وابتلاهما بشهوات بني آدم شربا الخمر، وقتلا، وعصيا، وسجدا للصنم، وزنيا بهذه المرأة الفاجرة، التي اسمها الزُّهرة، وعلّما هذه المرأة الفاجرة اسم الله الأعظم الذي كانا يعرجان به إلى السماء، فتكلمت المرأة بهذا الاسم فعرجت إلى السماء هذه الزانية، فمسخها الله تعالى زُهرة، نجم الزهرة، هذه هي، وصيرها هذا الكوكب المسمى بالزهرة، ثم إن الله تعالى عرّف هاروت وماروت قبيح ما قد وقعا فيه، ثم خيّرهما بين عذاب الآخرة آجلاً وبين عذاب الدنيا عاجلاً، فاختارا عذاب الدنيا عاجلاً فجعلهما ببابل منكوسين في بئر إلى يوم القيامة، وهما يُعلِّمان الناس السحر، ويدعوان إليه، ولا يراهما أحد إلا من ذهب إلى ذلك الموضع لتعلُّم السحر خاصة، قال المؤلف: وهذه القصة من اختلاق اليهود، وتقولاتهم، ولم يقل بها القرآن مطلقاً، وإنما ذكرها التلمود كما يُعلم من مراجعة الإصحاح الثالث والثلاثين، وجاراه جهلة القُصّاص من المسلمين فأخذوها منه.
إذاً هذه القصة التي رويتها لكم لا أساس لها من الصحة، كذب، وباطل، وزور، إنما وردت في بعض التفاسير نقلاً عن كتب بني إسرائيل، وهذه المشكلة المُعضلة التي يسميها العلماء بالإسرائيليات، أي القصص التي نُقِلت عن كتب بني إسرائيل.
 

رأي الإمام الرازي في قصة هاروت وماروت:


الإمام الرازي رضي الله عنه في تفسيره يقول: إن هذه القصة التي ذُكرت باطلة من وجوه؛ أولاً: أنهم ذكروا في القصة أن الله تعالى قال لهما: لو ابتليتكما بما ابتليت به بني آدم لعصيتماني، فقالا: لو فعلت بنا ذلك يا رب لما عصيناك، وهذا منهم تكذيب لله عزّ وجل، وتجهيل له، وهذا من صريح الكفر، الملائكة عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم، لو أنّ الله ربّ العزة قال لهم: لو ابتليتكما لعصيتماني، قالا: لا يا رب لا نعصيك! هذا تكذيب لله عزّ وجل وهذا تجهيل، فالقصة باطلة من أساسها.
شيء آخر؛ أنهما خُيّرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وهذا فاسد أيضاً، بل كان الأولى أن يُخَيرا بين التوبة وبين العذاب، والله تعالى خيّر بينهما من أشرك به طوال عمره، وبالغ في إيذاء أنبيائه، لو أنه تاب انتهى الأمر، فالتخيير أيضاً باطل، تكذيب الله وتجهيله باطل، وتخيير الله للملكين باطل.
وثالثاً أن من أعجب الأمور قولهما: إنهما يعلمان السحر في حال كونهما معذَّبين ويدعوان إليه وهما يعاقبان في بئر منكوسي الرؤوس يُعلمان الناس السحر، أيضاً شيء لا يستقيم في المنطق، إنسان في الأشغال الشاقة يُعلِّم الناس كتاباً قيّماً، هذه مستحيلة، هو يُعذب في سجن في الأشغال الشاقة ويُعلِّم الناس السحر؟! أيضاً هذا استنباط فاسد.
 

رأي الإمام أبي مسلم في بطلان نزول السحر على الملكين:


وهكذا احتجّ على بطلان نزول السحر عليهما بوجوه:
أولاً: السحر لو كان نازلاً عليهما لكان مُنْزِله هو الله، وهذا غير جائز لأن السحر كفرٌ وعبثٌ لا يليق بالله تعالى إطلاقاً، أيليق بالله تعالى أن ينهانا عن السحر ويُنَزله من السماء علينا؟
الثاني: أن قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ يدل على أن تعليم السحر كفر، ولكن الشياطين كفروا، ما هي علامة كفرهم؟ أنهم يُعَلِّمون الناس السحر، استنباط رائع جداً،

(( عن ابنِ مسعودٍ قال: من أتَى كاهنًا أو ساحرًا وصدَّقه بما يقولُ فقد كفر بما أُنزِل على محمَّدٍ. ))

[ فتح القدير : حكم المحدث:إسناده صحيح ]

قيل: من سحر فقد كفر، ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ فدلّ على أن تعليم السحر كفر فلو ثبت في الملائكة أنهم يُعلمون السحر لزمهم الكفر وهذا باطل.
والثالث: كما لا يجوز في الأنبياء أن يُبعثوا لتعليم السحر فكذلك بالملائكة من طريق أولى.
والرابع: أن السحر لا ينضاف –دققوا كلام خطير جداً-إلا إلى الكفرة والفسقة والشياطين المردة، تقول: والله هذا ولي يستخدم الجن حتى يشفي بعض الناس، حتى يحل لهم مشاكلهم، حتى يبحث لهم عن السارق، لا ينضاف السحر إلا إلى الكفرة والفسقة والشياطين المردة، وكيف يُضاف إلى الله ما ينهى عنه ويتوعد عليه بالعقاب؟ وهل السحر إلا الباطل المموّه؟ وقد جرت عادة الله بإبطاله كما قال الله تعالى في قصة سيدنا موسى:

﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)﴾

[ سورة يونس ]

إذا كان الله سبحانه وتعالى يُبطل السِّحر فهل يضاف السحر إلى الله سبحانه وتعالى؟ مستحيل، فهذا الكلام والأدلة والبراهين والمناقشات نقد صريح واضح جلي لهذه القصة التي وردت في التلمود، وقد نُقلت في بعض التفاسير تحت عنوان الإسرائيليات، إن هذه القصة باطلة لا أساس لها من الصحة.
 

تفسير الآيات التالية:

 

1- افتراء اليهود على النبي سليمان بأنه فقد نبوته لأنه فقد خاتمه:

كيف نفسر هذه الآيات؟ بدأنا بالخطأ، بدأنا بالباطل، هدّمنا الباطل، والآن نريد أن نفسر هذه الآيات، فهؤلاء أهل الكتاب: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا﴾ أي تركوا هذا القرآن الكريم وما فيه من ذكرٍ حكيم، تركوا الآيات الكونية والتشريعات الأرضية واتبعوا: ﴿مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ .
بالمناسبة تلا عليه أي كذب عليه، لو فتحتم القواميس على فعل تلا على، إذا أُضيفت على إلى تلا فمعناها كذب عليه: ﴿وإتبعوا ماتتلوا الشياطين على ملك سليمان﴾ اليهود يقولون في قصة طويلة مختلقة مفتراة على هذا النبي العظيم: إن هذا النبي عليه السلام كل نبوته في خاتمه، فمرة ضاع منه خاتمه ففقد نبوته، أي مثلاً شخص أستاذ جامعة يحمل أعلى شهادة، كل شهادته مثلاً بساعته، فلما نسي ساعته فقد علمه، كلام لا يصدق هذا، هذا النبي العظيم يفقد نبوته، ويفقد معرفته، ويفقد ما آتاه الله من علم بأقوال الحيوانات ومن تسخير للجن، كل هذا المُلك الذي قال الله في حقه:

﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)﴾

[ سورة ص ]

كل هذا المُلك يزول عنه بمجرد أن ينسى خاتمه في مكان؟ فتأخذه الشياطين، ويحكمون مكان سليمان، وسليمان هائم على وجهه في البراري والقُفار لا يعبأ به أحد، ولا يلتفت إليه أحد، لا يجد قوت يومه، إلى أن أكل سمكة فيها خاتمه، صاد سمكة وهو في أشد حالات الجوع والفقر والضياع والذلّ صاد سمكة فلما شق بطنها رأى خاتمه فلما عاد خاتمه عاد ملكه وعاد سليمان، قال: هذه قصص كلها من تخريف اليهود، وقالوا عنه أيضاً: إنه كفر، وعبد الصنم، وشرب الخمر، اليهود قالوا عن سليمان إنه كفر، وعبد الصنم، وتعلّم السحر، وسحر الناس، فربنا عزّ وجل قال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ الأنبياء لا يكفرون، النبوة مرتبة لا كُفر بعدها، لا زَيغ بعدها، لا ضلال بعدها، ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ أما كلمة ﴿الشَّيَاطِينَ﴾ هنا فتعني شياطين الإنس فقط، الدليل: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ شياطين الجن لا يعلمون الناس السحر، وشياطين الجن لا تتلو التلاوة المقصود بها الكلام. 

2- نفي العلماء نزول الملكين من السماء مع الدليل:

هناك قرينتان تؤكدان أن الشياطين في هذه الآية تعني شياطين الإنس قال تعالى:  ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ هناك فقرة مهمة جداً هي "ما" : ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ هذه الما نافية وليست موصولة، سأوضح لكم ماذا تعني الموصولة وماذا تعني النافية، لدينا "ما" الاستفهامية، وعندنا "ما" الموصولة، وعندنا "ما" النافية، يقول لك فلان: أنا ما أكلت، والله ما أكلت، هذه "ما" نافية. تقول له أحياناً: إن ما أكلته ليس لك، هذه "ما" موصولة أي إن الذي أكلته ليس لك، وعندنا "ما" استفهامية، لو قال أحدهم لطالبٍ نال مجموعاً عالياً: بم حصّلت هذا المجموع؟ يقول لك: بما بذلت من جهد، فــ "ما"‎ الأولى ما استفهامية، أما "ما" الثانية فهي ما موصولية، فالنقطة كلها في هذه الصورة على "ما" ، إذا فسرت ما نافية انتهى الأمر، تأتي المعاني يأخذ بعضها برقاب بعض، فإذا فسرتها على أنها موصولية وقعنا في خطأ كبير، سأنقل لكم اعلموا أن للعلماء في هذه الآية وجوهاً كثيرة، وأقوالاً عديدة، فمنهم من ذهب فيها مذهب الإخباريين، نقله نقل الغث والسمين، ومنهم من وقف مع ظاهرها البحت، وتمحّل لما اعترضه بالمعنى الصحيح، وأكثر العلماء على أن ما هنا نافية: ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ هؤلاء ليسا ملكين، وما أُنزل عليهم شيء من السماء، ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ .
نعود للقصة: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾ هؤلاء رجلان من بني إسرائيل أقاما ببابل، واحترفا صناعة السحر، وعلما الناس السحر، وأوهماهما أنهما صالحان، وهما ليسا ملكين، ولم يُنزل عليهما شيء من السماء.
 

قصة الملكين في الآية التالية:


﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ إيّاك أن تستمع لقولنا من أجل أن تزيد محبتك لهما، من أجل أن يزيد اعتقادك بهما، يحذرانك من الكفر إذا آمنت بهما، أي ورع وصلاح وتقوى، هذا المظهر الكاذب من أجل أن يوهما الناس أنهما صالحان، نتابع تفسير هذه الآية من كتب التفسير.
ذلك أنهم زعموا أن سليمان عليه السلام ارتدّ في آخر عمره، وعَبَد الأصنام، وبنى لها المعابد، زعم الشياطين أن سليمان عليه السلام ارتدّ في آخر عمره، وعبد الأصنام، وبنى لها المعابد، كما تراه في الفصل الحادي عشر من سِفر الملوك الثالث، فانظر إلى هذه الجرأة العظيمة، والوقاحة الكبيرة، ولما تنبّه عقلاء أهل الكتاب المتأخرون لمثل هذه الأكاذيب، اعترفوا بأنه ليس كل قول من الأقوال المندرجة في كتبهم المقدسة إلهامياً، بل بعضها كُتِب على طريقة المؤرخين، أي بلا إلهام، كما في إظهار الحق.
 

معنى كلمة الشياطين في قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ :


المراد بالشياطين، شياطين الإنس وهم المتمردة، العصاة، الأشرار، الأقوياء، الدعاة إلى الباطل، وقوله: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ أي على عهد ملكه من تلك الأقاصيص المختلقة عليه، وقولـه تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ تنزيه لساحته عليه الصلاة والسلام من الردّة والشرك وعبادة الأوثان التي نسبوها إليه، وتكذيب لمن تقوّلها، وقال كثيرون: هذه تبرئة له من السحر، لسيدنا سليمان، وأنّه تعالى كنَّ عن السحر بالكفر ليدل على أنه كفرٌ، وأنه من كان نبياً كان معصوماً عنه، وإنما كان كفراً لكونه يكون بالتوجه إلى الأفلاك والشياطين وعبادتها، وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ عنى بالشياطين من ذكرناهم قبل، وهم خبثاء الإنس وأشرارهم كما في قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)﴾

[ سورة البقرة ]

وقوله:

﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)﴾

[ سورة الأنعام ]

والذي يُعيّن أن كلمة الشياطين في هذه الآية تعني شياطين الإنس قوله تعالى: ﴿تَتْلُوا﴾ لأن تلاوة شياطين الجن لا يسمعها أحد، ومعنى ﴿تَتْلُوا﴾ أي تَقُص كما تقدم، وقوله: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ يُعَيّن هذا المعنى أيضاً إذ لا يتعلم أحد السحر إلا من شياطين الإنس لانعدام إمكان الاتصال بهم، والمراد بقولـه: ﴿كَفَرُوا﴾ أي كفروا بآيات الله المُنزّلة، أو عبادة غير الله سبحانه وتعالى، وقوله تعالى: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ جملة حالية، أي حالتهم تعليم الناس السحر. 

للعلماء في الآية التالية وجوه كثيرة وأقوال عديدة:


قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ اعلم أن للعلماء في هذه الآية وجوهاً كثيرة وأقوالاً عديدة، فمنهم من ذهب فيها مذهب الإخباريين، نقل الغث السمين، ومنهم من وقف مع ظاهرها البحت، وتمَحّل لما اعترضه من المعنى الصحيح في غنى عنه، ومنهم من ادّعى فيها التقديم والتأخير، وردّ آخرها على أولها، وربما جعلها أشبه بالألغاز والمُعميات التي يتنزه عنها بيان أبلغ الكلام إلى غير ذلك مما يراه المتتبع في كتب التفسير، والذي ذهب إليه المحققون أن هاروت وماروت كانا رجلين-ليسا ملكين-متظاهرين بالصلاح والتقوى في بابل، وهي مدينة بالعراق على نهر الفرات، وكانا يُعلمان الناس السحر، يتظاهران بالتقوى والصلاح، وكثيرون ممن يعلمون الناس السحر يتظاهرون بالتقوى والصلاح، وبلغ حسن اعتقاد الناس بهما أنهم ظنوا أنهما ملكان من السماء، لشدة ما ظهر منهما الصلاح ظنّ الناس أن هاروت وماروت ملكان من السماء، وأن ما يعلمانه للناس هو من وحي السماء، أوهموا الناس أنهما ملكان، وأن ما يفعلانه من وحي السماء، وبلغ مكر هذين الرجلين ومحافظتهما على اعتقاد الناس الحَسَن فيهما أنهما صارا يقولان لكل من أراد أن يتعلم منهما: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ﴾ إياك أن تكفر بالله، هذا من أجل التضليل، أي إنما نحن أولو فتنة نبلوك ونختبرك أتشكر أم تكفر؟ وننصح لك ألا تكفر، هذا من تضليلهم أيضاً، كما يفعل ذلك دجاجلة –جمع دجّال-هذا الزمان يقول المفسر، قائلين لمن يعلمونهم الكتاب للمحبة والبُغض على زعمهم نوصيك بألا تكتب لجلب امرأة متزوجة إلى رجلٍ غير زوجها، يوصون الجن بعدم تعلّق الزوجة بغير زوجها، إلى غير ذلك من الأوهام والافتراء، ولليهود في ذلك خرافات كثيرة، حتى إنهم يعتقدون أن السحر نزل عليهما من الله، وأنهما ملكان جاءا لتعليم الناس، فجاء القرآن مُكذباً لهم في دعواهم نزول هذا السحر من السماء، وفي ذمّ السحر فقال: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ فما هنا نافية على أصح الأقوال، هذه الكلمة، ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ﴾ نافية على أصح الأقوال.
 

لماذا ذكر الله لفظ الملكين في قصة هاروت وماروت؟


يوجد سؤال الآن، الله قال: الملكين، لو فرضنا يوجد مشعوذان ادّعوا أنهما طبيبان، ومارسا الطب، فصار لهما اسم شائع أنهما طبيبان مشعوذان، فإذا قلت: طبيبان، هل يعني أنك اعترفت أنهما طبيبان؟ هذه على الحكاية.
أحياناً يكون طالب لم يفتح الكتاب بحياته، لكن يلبس لباس طلاب، تقول: هذا الطالب لماذا لا يدرس؟ اسمه طالب علم لكنه لا يطلب العلم هو، فأحياناً تُسمي الشيء بما تعارف الناس على تسميته، هذه نقطة مهمة جداً، فربنا عز وجل قال: ﴿وَمَا أُنزِلَ﴾ ما نافية، أما لما قال الملكان فهذا على زعم اليهود، وعلى زعم الناس، وعلى أن هذين الرجلين شاع بين الناس أنهما ملكان، هذا الذي أقصده بقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ ولفظ الملكين هنا وارد حسب العُرف الجاري بين الناس في ذلك الوقت، كما يَرِد ذكر آلهة الخير والشر في كتابات المؤلفين، إذا شخص مسلم كتب عن الإغريق، قال: فينوس إله الجمال، هل يعتقد هذا المسلم الذي يؤرخ للإغريق أن فينوس إله الجمال؟ مستحيل، أن أبولو ربة الشعر، هل أعتقد بهذا؟ هذا على زعم الإغريق، على زعم هؤلاء الوثنيين، على أنه شاع بينهم، فلما ربنا قال: ﴿وَمَا أُنزِلَ﴾ هذه ما نافية، وكلمة ﴿الْمَلَكَيْنِ﴾ على ما شاع بين الناس في ذلك الوقت أنهما ملكان، لخبث بهما، واحتيال، وذكاء، وكما يرد في كلام المسلم ذِكر تجَسُّد الإله وصلبه، المسلم أحياناً يروي قصة غير صحيحة على أساس أنه شاع بين الناس أن الإله صُلِب، الذي يزعمه بعض المعتقدين وإن كان لا يعتقد بذلك،
 

عمل الشيطان التفريق بين أعظم رابطة كالمرء وزوجه:


أما قوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ فمن قبيل التمثيل، وإظهار الأمر في أقبح صورة، أي السحر شر كله، أي بلغ من أمر ما يتعلمونه من دروب الحيل، وطرق الإفساد أن يتمكنوا به من التفريق بين أعظم رابطة كالمرء وزوجه.
طبعاً يوجد قصة مشهورة كثيراً، كيف أن شيطان الإنس أحياناً –والله تقع كل يوم-يوهم الزوج أن امرأته تخونه، ويوهم الزوجة أن زوجها يخونها، ويقول للزوجة: إذا شئت أن يمتنع عن خيانتك فخذي شعرة من رأسه وهو نائم، ويقول للزوج: إن امرأتك تريد أن تقتلك وأنت نائم، هذا الزوج يتصنع النوم يسمع حركة فيرى مقصاً بيد زوجته فيقوم بقتلها، هذا عمل الشياطين، هذه قصة مشهورة تَرِد في كتب الفقه كثيراً، أي الشيطان، أقدس علاقة بين زوجين، قاض أساسه، قاض متزوج له زوجه في وفاق، ووئام، ومحبة، وصفاء، شيطانة من شيطانات الإنس دخلت إلى بيت امرأة القاضي، وأثنت على جمالها، وزهدتها بزوجها، وقالت: إن زوجك ينظر إلى النساء، ويفعل كذا وكذا، وذهبت إلى الزوج وقالت: إن زوجتك يدخل عليها الرجال في غيبتك، ونصحت الزوجة أن تأخذ شعرة من رأسه بالمقص، وأوهمت الزوج القاضي أن امرأته سوف تقتله هذه الليلة، عندئذ قام القاضي وقتل زوجته، هذا من عمل الشيطان، وهذه القصص والله تقع كل يوم، وقد رُفِعت إليّ قصة مشابهة قبل شهرين أو أكثر، الزوجة بريئة والزوج بريء، جاءت شياطين الإنس وفرقت بينهما، وكاد يقع الطلاق وكاد يقع القتل، فلذلك قال تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ .
 

خلاصة الآية والعبرة منها:


الخلاصة أن معنى الآية من أولها إلى آخرها أن اليهود كذّبوا القرآن، ونبذوه وراء ظهورهم، واعتاضوا عنه بالأقاصيص والخرافات التي يسمعونها من خبثائهم عن سليمان وملكه، وزعموا أنه كفر وهو لم يكفر، ولكن الشياطين هم الذين كفروا، هذه القصة أصبحت واضحة، لكن أهم ما في القصة هذه الآية وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ إذا كنت مسلماً مُصَدّقاً أن هذا القرآن كلام الله، وأن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فيجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الشياطين كلها لو اجتمعت لا تستطيع أن تفعل شيئاً ولا أن تضرك أبداً إلا بإذن الله، ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ﴾ وأي تعليم يتعلمه الإنسان من شياطين الإنس والجن إنما يضره ولا ينفعه: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ .
هذه القصة يعتقد بعض الناس اعتقاداً خاطئاً أن الله سبحانه وتعالى أنزل إلى الأرض ملكين، وعاثا في الأرض فساداً، وأنهما علما الناس السحر بأمر منه تعالى، وهذا كذب وافتراء على الله سبحانه وتعالى.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور