الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
الآيات التالية متعلقة بموضوع المواريث:
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس من دروس سورة النساء، ومع الآية الحادية عشرة وما بعدها، والآيات متعلقة بموضوع المواريث، الآية الأولى هي قوله تعالى:
﴿ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٌ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعًاۚ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(11)﴾
أيها الإخوة، يبين الله تعالى في هذه الآية ما أجمَله في قوله تعالى السابق:
﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبًا مَّفۡرُوضًا(7)﴾
ما تفصيل هذا النصيب؟ تفصيل هذا النصيب ورد في آية المواريث: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٌ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعًاۚ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ .
لاحظتم: تعلَّموا وعلِّموا، لذلك قال تعالى:
﴿ وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)﴾
هذه أركان النجاة، تتعلّم وتعمل بما علمت، وتُعلِّم الذي تعلّمته، وتصبر على التعلم والتعليم، تتعلّم، وتعمل، وتُعلِّم، وتصبر، تصبر إذا طلبت العلم، وتصبر على من تُعلِّمه إذا علّمته العلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه، وتواضعوا لمن تعلمونهم، هذه أركان النجاة، العلم هو الحاجة العُليا في الإنسان، أنت إنسان إذا طلبت العلم، فإن لم تطلب العلم فأنت مع بقية المخلوقات.
أيها الإخوة، يقول بعض الصحابة: "مَن لم يتعلم الفرائض والطلاق والحج فبمَ يفضل أهل البادية" ؟ وفي قول آخر لأحد التابعين: "من تعلم الفرائض من غير علم بها من القرآن ما أسرع ما ينساها" ، إذا ربطت الفرائض بالقرآن وبالآيات لا تنساها، أما إذا درستها بعيدة عن كتاب الله سرعان ما تنساها، يعني أن تعرف كتاب الله لا شيء في حياتك يعلو على هذا الشيء.
(( العلمُ ثلاثةٌ وما سوى ذلك فهو فَضلٌ :آيةٌ محكمَةٌ أو سُنَّةٌ قائمةٌ أو فريضةٌ عادلةٌ. ))
[ أخرجه أبو داود بسند ضعيف ]
1 ـ آيات محكمة لمجرد أن تقرأها تعرف معناها:
أما الأصل (آيةٌ مُحكَمة) ، أن تفهم كتاب الله، ولا سيما أن تفهم آياته المحكمة، هناك بعض الآيات المتشابهة، هذه أَوكِل معناها إلى الله عز وجل، أما الذي مفروض عليك فريضة عين الآيات المحكمة، يعني معظم آيات الكتاب لا تحتاج إلى تفسير.
إن الله يحب الصادقين ، أنت لا تحتاج لا إلى تفسير الزمخشري، ولا إلى البيضاوي، ولا إلى القرطبي، ولا إلى ابن الأسير، لا تحتاج أبداً.
﴿ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ(222)﴾
﴿ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)﴾
﴿ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)﴾
هذه كلها آيات محكمة لمجرد أن تقرأها تعرف معناها.
2 ـ سنة قائمة فسنة النبي تفسير لكلام الله:
العلم ثلاث، (آية محكمة، أو سنة قائمة) ، سنة النبي شرح الآيات.
﴿ بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44)﴾
قد يقول قائل: لو أن النبي فسّر القرآن فكل أحاديثه هي في الحقيقة بيان وتفصيل لِمَا في القرآن.
3 ـ فريضة عادلة أن تحكم بين الناس بالعدل وفق منهج صحيح:
(أو فريضة عادلة) ، يعني أن تعرف كيف تؤدي الحقوق إلى أصحابها، أن تعرف كتاب الله، وأن تستوعب سنة النبي التي هي تفسير لكلام الله، ثم أن تحكم بين الناس بالعدل وفق منهج صحيح.
الشهداء أحياء بكل معاني هذه الكلمة:
أيها الإخوة، عن جَابِرٍ بنِ عَبْدِ الله:
(( جاءت امرأة سعد ابن الربيع فقالت لرسول الله: إن سعد هلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن، وإنما تنكح النساء على أموالهن ـ فلم يجبها في مجلسها ذلك، ثم جاءته فقالت: يا رسول الله، ابنتا سعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي أخاه، فجاءه، فقال: ادفع إلى ابنتيه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي. ))
هذا سعد بن الربيع تفقّده النبي في أحد، فقال: ابحثوا عنه، فانطلق أحد أصحاب النبي إلى ساحة المعركة، فإذا هو بين القتلى، لكنه يئِنّ، قال: يا سعد أنت مع الأموات أم مع الأحياء، قال: أنا مع الأموات، ذكر له أن النبي تفقّده، فقال هذا الإنسان وهو على مشارف الموت: "أبلغ رسول الله مني السلام، وقل له: جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وأبلغ أصحابه: أنه لا عذر لكم إذا خُلِص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف" ، هكذا كان حال هذا الصحابي الجليل وهو يفارق الدنيا، لذلك يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169) ﴾
ما دمنا قد تحدثنا عن الشهادة.
(( من جهز غازياً في سبيل اللَّه فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا. ))
(( ومن سأل الله الشهادة مخلصا أعطاه الله أجر شهيد، وإن مات على فراشه. ))
وتعلمون أن الله سبحانه وتعالى يجعل لهؤلاء الشهداء جنات تجري من تحتها الأنهار، وهم أحياء بكل معاني هذه الكلمة.
علم المواريث أو علم الفرائض هو أول علم ينزع بين المسلمين:
(جاءت امرأة سعد ابن الربيع فقالت لرسول الله: إن سعد هلك وترك ابنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن) هذه إشارة لطيفة جداً، يعني إذا كان الرجل ميسوراً فكتب لإحدى بناته بيت، فهذه البنت مع البيت تغدو مرغوبة في الزواج منها، وسيلة من الوسائل أن تسهم في تزويج ابنتك، الحياة صعبة، وشاب مؤمن فقير، لكن لا يملك بيتاً، فالأب الرحيم الأب الميسور يسهم في تزويج بناته عن طريق معونة الأصهار، معونة الخاطبين، (وإنما تنكح النساء على أموالهن ـ فلم يجبها في مجلسها ذلك، ثم جاءته فقالت: يا رسول الله، ابنتا سعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع لي أخاه، فجاءه، فقال: ادفع إلى ابنتيه الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي) .
[ روى الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، عن جابر ]
وروى جابر أيضاً فقال:
(( مرضت فعادني رسول الله وأبو بكر في بني سلمة، فوجداني لا أعقل ـ في غيبوبة ـ فدعا رسول الله بماء فتوضأ، ثم رش منه عليَّ فأفقت، قلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ ))
أيها الإخوة، إذاً هذا علم مهم علم المواريث، أو علم الفرائض، وأول علم يُنزَع بين المسلمين:
(( تعلموا الفرائض وعلموه الناس، تعلموا القرآن وعلموه الناس، فإني امرؤ مقبوض. ))
ولكن الأمر أصبح مُيَسَّراً جداً، وقد اطّلعت على برنامج للفرائض يستطيع أن يتعلمه أيُّ إنسان، حيث يستخدمه فيعرف كل المسائل مع تعليلاتها، وقوانينها، ومراجعها، وأدلتها، وحساباتها الدقيقة.
﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ(17)﴾
الآن في هذا العصر لا عذر للجهل إطلاقاً، كل شيء واضح، كل شيء مُيسَّر، كل شيء مُسَهَّل، تعلمون في الدرس الماضي أن أهل الجاهلية لا يُورِّثون إلا من كان يحارب، ويقاتل، لذلك نزلت هذه الآية تبياناً أن كل صغيرٍ وكبيرٍ له حظٌّ في الإرث يقول الله عز وجل: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ حقيقةً الولد الصُّلبي الذي منك، ومجازاً ابن الابن، أولادكم تعني أولادكم من أصلابكم، وأولاد أولادكم، كما أن الأب يعني أباك الذي أنجبك ويعني أيضاً والد والدك، مهما علا.
لا يرث المسلم من كافر ولا يرث الكافر من مسلم وهذا استثناء من عموم الآية:
أيها الإخوة: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ طبعاً المطلق في القرآن على إطلاقه، أي لجميع الأولاد، القريبين منك، والبعيدين عنك، صغاراً وكباراً، ذكوراً وإناثاً: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ أي أن يكون الميراث لجميع الأولاد، لكن لا يرث المسلمَ الكافرُ، الكافر لا يرث من مسلم، ما دام قد خرج من دين الإسلام لا يستحق الإرث، إذاً هذا استثناء من عموم الآية: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ يعني في جميع أولادكم الصغار، والكبار، الذكور، والإناث، الأقرباء، والبعيدين، هذا ما عليه الجمهور، لكن بعضهم يرى، ومنهم سيدنا معاذ ومعاوية أنْ يرث المسلمُ الكافرَ، فإذا كان لإنسان مسلم أب كافر فإنه يرثه، لكن جمهور العلماء على أن المسلم لا يرث الكافر، والكافر لا يرث المسلم، وقد أجمع العلماء أيضاً على أن الأولاد إذا كان معهم مَن له فريضة تُؤدَّى هذه الفريضة أولاً، ثم ما بقي فهو لهم: ﴿لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ﴾
الدَّين مقدم على كل شيء ولا يغفر للمسلم الدَّين ولو كان شهيداً:
هناك إرث بالتعصيب، وإرث بالفريضة، فلو أن الأولاد معهم مَن له فريضة بالإرث يُعطى أصحاب الفرائض أولاً، وما بقي يُوزَّع بين الأولاد: ﴿لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ﴾ قال عليه الصلاة والسلام:
(( ألحقوا الفرائض بأهلها. ))
الشيء الدقيق الآية: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٌ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ﴾ الدَّين مقدم على كل شيء، ولا يغفر للمسلم الدَّين ولو كان شهيداً:
(( يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّين. ))
وكان عليه الصلاة والسلام إذا مات أحد أصحابه يسأل: أعليه دين؟ فإن قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، لذلك قبل أن تقترض عد إلى المليون، هل تستطيع أن توفي هذا الدين، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة .
لا ميراث إلا بعد أداء الدَّين والوصية:
قال تعالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ﴾ أول شيء يُوزَّع من تَرِكة المتوفى الدَّين، بعد الدَّين الوصية، والوصية ينبغي ألا تزيد على الثلث، فإن زادت فلا تُنفَّذ، والأَولى أن تقل عن الثلث إلى الربع، لكن مثلاً إنسان ترك بيتاً مئة متر، وعنده أولاد خمسة، فإذا أوصى بثلث ماله فلا بد من بيع البيت، وهذه مشقة كبيرة جداً، بيت يأوون إليه، فأنت إذا أوصيت، ولم تترك إلا بيتاً صغيراً هو مأوى أولادك وزوجتك فأنت تأثم بهذه الوصية، ما دام بيت صغيراً فلا توصِ، أما إذا ثمة أموال كثيرة فلك أن توصي في حدود الثلث، والثلث كثير، والأولى أن تبقي الوصية في حدود الربع، لا ميراث إلا بعد أداء الدَّين والوصية، فإذا مات المتوفى، إياكم أن تقولوا المتوفي، إنه الله، مرة سألت امرأةٌ عالمَ لغة، وكان أستاذنا في الجامعة، قالت له: يا أخي من المتوفي؟ قال لها: الله، قالت له: كفرت، هو لم يكفر، المتوفي هو الله، لكن هذا الذي في النعش مُتوفَّى، إذا مات المتوفى أُخرِج مِن تَرِكَته الحقوق المُعيَّنات، ثم ما يلزم من تكفينه، وتقبيره، ثم الديون التي على مراتبها، ثم يُخرَج من الثلث الوصايا، وما كان في معناها، والباقي يكون ميراثاً.
﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ يتناول كل ولد ولو كان جنيناً، فإن الجنين في بطن أمه يرث، لذلك ينبغي أن يُعلَّق توزيع الإرث على ولادة الجنين، فإذا نزل ميتاً لا يرث، أما إذا نزل، وصرخ صرخة واحدة يرث، ويُورَّث إذا مات، إذا خرج منه صوت بعد الولادة، وقد يكون نصيبه مئة مليون، فإذا خرج منه صوت يُورِّث، فإن لم يخرج منه صوت، ونزل ميتاً لا يرث، إذاً: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ في جميع أولادكم، حتى الجنين في بطن أمه، قريباً أو بعيداً، ذكراً أو أنثى، ما عدا الكافر كما تقدم.
حظ الأنثى أصل في توزيع الميراث:
قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ﴾ ما هي الوحدة؟ الوحدة هي حظ الأنثى، حظ الأنثى أصل في توزيع الميراث، قال: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ﴾ إذا ترك نساء، يعني بنات فوق اثنتين: ﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ﴾ وإن ترك واحدة: ﴿وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ﴾ الآية: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ﴾ أريت إلى هذا التكريم، بنت تأخذ نصف مال أبيها والبنتان تأخذان الثلثين.
بعض المعالجة الفقهية لموضوع إرث الاثنتين:
لكن ثمة شيء لطيف جداً، البنت لها النصف، والبنات فوق الاثنتين لهن ثلثا ما ترك، والاثنتان هذه قضية خلافية، أطلعكم على بعض المعالجة الفقهية.
إذاً: لم يفرض الله في القرآن للاثنتين فرضاً منصوصاً في كتابه، فتكلم العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين، ما هو؟ أولاً: عن ابن عباس أنه أعطى البنتَين النصف، البنت الواحدة لها النصف، وما فوق الاثنتين لهنّ الثلثان، أما البنتان فابن عباس أعطاهما النصف، وعاملهما معاملة البنت الواحدة، لأن الله عز وجل يقول: ﴿فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ﴾ فهذا شرط وجزاء، فلا أعطي البنتين الثلثَين، وقيل: أُعطيت الثلثين بالقياس على الأختين، فإن الله سبحانه وتعالى لما قال في آخر السورة:
﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى ٱلْكَلَٰلَةِ ۚ إِنِ ٱمْرُؤٌاْ هَلَكَ لَيْسَ لَهُۥ وَلَدٌ وَلَهُۥٓ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌۢ(176)﴾
صحابة كبار قاسوا على البنتَين حكم الأُختَين، فأعطوهما الثلثَين، فأُلحِقت الابنتان بالأختين في الاشتراك في الثلثين، وأُلحقت الأخوات إذا زِدْن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين، وفي الآية أيضاً ما يدل على أن للبنتين الثلثَين، ذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث إذا انفردت معه عُلِم أن للاثنتين إذا كنّ معه لهما الثلثان.
كتب المواريث تعد آلاف الصفحات كلها مستنبطة من صفحة واحدة من كتاب الله:
أيها الإخوة، هذه قضية أيضاً في المواريث: ﴿وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ﴾ إن كانت المولودة واحدة فلها النصف: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً﴾ يعني كثيرات، فإن كان مع بنات الصلب بنات ابن، الآن بنت واحدة، لكن هناك بنات ابن، وكان بنات الصلب اثنتين فصاعداً حجبْنَ بنات الابن الصُّلبي أن يرثن بالفرض، وإن كانت بنت الصُّلب واحدة فإن ابنة الابن أو بنات الابن يرِثن مع بنات الصُّلب تكملة للثلثين، هذه رياضيات المواريث، أما العجيب أن كتب المواريث تعد آلاف الصفحات كلها مُستنبَطة من صفحة واحدة من كتاب الله، هل يستطيع واحد أن تعطيه ألف صفحة ليضغطها في صفحة واحدة؟ الآية: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَۖ وَإِن كَانَتۡ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصۡفُۚ وَلِأَبَوَيۡهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٌ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ﴾
الجنين إذا خرج ميتاً لا يرث فإذا رفع صوته بالبكاء ثم مات يرث ويورث:
الآن إذا مات الرجل، وترك زوجة حاملاً، فإن المال يوقَف حتى يتبين ما تضع، وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حامل أن الولد الذي في بطنها يرث ويورِّث إذا خرج حياً واستهلّ، أي رفع صوته بالبكاء عند الولادة، فقالوا جميعاً: إذا خرج ميتاً لا يرِث، فإذا رفع صوته بالبكاء ثم مات يرث ويُورِّث، هذا هو الحكم الشرعي: ﴿يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ﴾ أيضاً: ﴿لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ﴾ ﴿وَلِأَبَوَيۡهِ﴾ أي لأبوي الميت، يعني لأمه وأبيه على التغليب، كأن تقول: الشمسَّين، وتقصد الشمس والقمر، أو القمرين، وتقصد القمر والشمس، وأن تقول: العُمَرين، وتقصد أبا بكر وعمر، وأن تقول: الوالدين، وتقصد الأم والأب: ﴿وَلِأَبَوَيۡهِ﴾ مَن علا من الآباء دخل، ومن سفَلَ من الأبناء -أنا لا أستخدم هذه الكلمة- مَن نزل، الآباء مهما علَوا أي الأجداد، والأبناء في قول مهما سفُلوا، فالأولاد مهما نزلوا هم أولاد.
وجود الإخوة قد يحجب نصيب الأم من الثلث إلى السدس حجب نقصان:
قال تعالى: ﴿وَلِأَبَوَيۡهِ﴾ أي لأمه ولأبيه: ﴿لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌۚ فَإِن لَّمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُۚ﴾ فالحكم الشرعي: ﴿لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُ﴾ فرضُ الله تعالى لكل واحد من الأبوين مع الولد السدس: ﴿فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخۡوَةٌ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُۚ﴾ من الثلث إلى السدس، من دون أولاد ثلث، مع الأولاد سدس، الإخوة إذاً يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وهذا هو حِجاب النقصان، سواء أكان الإخوة أشقاء لأب أو لأم، إذاً فرض الله جل جلاله للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد، فرض الله سبحانه وتعالى لكل واحد من الأبويين السدس مع وجود الولد، لكن وجود الأخ قد يحجب نصيب الأم من الثلث إلى السدس حجاب نقصان.
لا تُبنى المواريث على مقدار نفع الأولاد وبرهم أو عقوقهم:
ثم يقول الله عز وجل: ﴿ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعًاۚ﴾ الأبناء ينفعون آباءهم بالدعاء والصدقة بعد موتهم، وقد ينفعونهم في حياتهم بالمعاونة، فإذا بُنيت المواريث على مقدار نفع الأولاد وبِرّهم أو عقوقهم، هذه المقاييس غير ثابتة، نشأت فتنٌ لا يعلمها إلا الله، لذلك موضوع أي الأبناء بار وأيهما أقل بِراً؟ من هو العاق؟ من هو الذي ينفعني؟ من الذي لا ينفعني؟ لو أدخلنا هذه المقاييس في نظام المواريث لكنا أمام مشكلة كبيرة جداً، إذاً: ﴿ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ لَا تَدۡرُونَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ لَكُمۡ نَفۡعًاۚ﴾ أي في الدنيا، في الصدقة والدعاء، وجاء في الأثر: إنَّ الرّجل ليُرفع بدعاء ولده من بعده.
(( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. ))
وقد ورد في بعض كتب التفسير أن الابن إذا كان أرفع درجة من أبيه في الآخرة سأل الله فرُفِع إليه أبوه، وكذلك الأب إذا كان أرفع من ابنه يسأل الله فيرفع له ابنه، وهذا تشجيع لنا على أن نعتني بآبائنا وبأولادنا.
هذا التوزيع فريضة من الله، لم يُسمَح للنبي عليه الصلاة والسلام مع أنه سيد الخلق وحبيب الحق، لم يُسمَح للنبي عليه الصلاة والسلام أن يوزّع المواريث، فريضة من الله، إذاً علاقات الأقارب، البر وعدم البر، العقوق وعدم العقوق، الخير، النفع، اللطف الزائد، هذا كله لا يدخل في توزيع المواريث، وهناك أناس كثيرون يُدخِلون هذه العلاقات في توزيع الإرث.
﴿ وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٌۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٌ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٌ فَلِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرٍّۚ وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ(12)﴾
إذا كان ثمة أولاد فلكم الربع، نصيب الزوج من زوجته النصف إن لم يكن له ولد، فإن كان له ولد فنصيبه الربع، نصيب المرأة من زوجها الربع إن لم يكن لها ولد، فإن كان لها ولد فنصيبها الثمن، فإرث الزوج من زوجته نصف أو ربع، وإرث الزوجة من زوجها ربع أو ثمن.
حينما يضر الإنسان الورثة فله جهنم:
ثم يقول الله عز وجل: ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً﴾ يعني لا أب له ولا ابن، هذا رأي الصديق، سيدنا عمر يرى أنه مَن لم يكن له ابن فقط، على خلاف بين العلماء، على كلٍ الكلالة هو الذي يُتوفَّى وليس له ولد. يقول الله عز وجل: ﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَٰلَةً أَوِ ٱمۡرَأَةٌ وَلَهُۥٓ أَخٌ أَوۡ أُخۡتٌ فَلِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنۡهُمَا ٱلسُّدُسُۚ فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ غَيۡرَ مُضَآرٍّۚ﴾ أساليب الإضرار أنْ يكتب الابن سنداً وهمياً على أبيه بمبلغ ضخم، هذا السند دَين، هذا السند الصُّوري الوهمي إضرار ببقية الورثة، هناك أساليب لا تعد ولا تحصى، حينما يَضُّرّ الإنسان الورثة فله جهنم، والدليل حديث خطير جداً، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.))
فلذلك هناك أساليب لا تعد ولا تحصى في الإضرار بالورثة، عن طريق بيع وهمي، أو شراء وهمي، أو قرض وهمي، أو سندات وهمية، هذه كلها تضر بالورثة، فينبغي أن تكون دقيقاً في توزيع أموالك بين أولادك وأقربائك وفق هذه الفرائض التي فرضها الله عز وجل، ولم يسمح لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يتدخل في تحديدها.
الفرائض والحصص هي حدود الله:
ثم يقول الله عز وجل: ﴿فَإِن كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ﴾ الإخوة، أي الأخ الواحد له السدس، والأخت لها سدس، فإذا كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث، ثم يقول الله عز وجل: ﴿وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾
﴿ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ(13)﴾
أي هذه الفرائض، وهذه الحِصص، وهذه الأنصِبة هي حدود الله.
﴿وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ﴾ في قسمة المواريث، ينفذها كما جاءت، ويعمل بها كما وردت ﴿يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ﴾
﴿ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٌ مُّهِينٌ(14)﴾
في قسمة المواريث، ويتعدى حدوده، فيخالف أمر الله عز وجل ﴿يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا﴾
آيات درس اليوم واضحة ومعبرة عن أن المواريث فرائض من الله تعالى:
أيها الإخوة، طبعاً هذا كلام موجز، وللمواريث بحوث طويلة جداً، ومسائل دقيقة جداً، وتفريعات لا يستوعبها درس عام، هذه تُدرَّس في المعاهد الشرعية، ولطلبة العلم المتفرغين، والمتخصصين، والمتبحرين، على كلٍ هذه فكرة إجمالية عن توزيع المواريث، وقد جاءت هذه الآيات واضحة ومعبرة عن أن المواريث فرائض من الله تعالى، وبقدْر إيمانك بالله، وتعظيمك له تُجِلّ وتُقدِّر أمره في توزيع المواريث، هناك مسلمون لا يورِّثون البنات إطلاقاً، أعرف أسرة ترك الأب المتوفى أموالاً طائلة، فأجبر الأخ الأكبر أخواته البنات على توكيله في إدارة أموال أبيهم، ولم يعطهم شيئاً، بدعوى أن هذا المال سينتهي للأصهار، هذا كلام الجاهلية، فيا أيها الإخوة، أنا أذكركم بهذا الحديث الخطير: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ)
لذلك حينما قال الله عز وجل: ﴿تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٍ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ*وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدًا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾
الملف مدقق