وضع داكن
18-01-2025
Logo
الدرس : 07 - سورة النساء - تفسير الآيتان 15-16 الشهوة وأحكام الزنى
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان الشهوات وهي حيادية:


 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع من دروس سورة النساء، ومع الآية الخامسة عشرة، وهي قوله تعالى: 

﴿ وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةً مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا(15)﴾

[ سورة النساء ]

 الحقيقة في هذه السورة التي سميت بسورة النساء شأن المرأة في الإسلام كبير، وكرامتها مَصونة، وحقوقها مضمونة، وليس معنى هذا أنّ لها أنْ تفعل ما تشاء، إنِ انحرفت فأمامها عقاب أليم، وأي نظام ليس فيه مؤيّدات وروادع لا قيمة له إطلاقاً، فبعد الحديث عن مكانتها، وعن كرامتها، وعن حقوقها، وعن ميراثها، وعن مساواتها للرجل في التشريف والتكليف وفي المسؤولية بيّن الله سبحانه وتعالى أنه وضع لخلقه منهجاً، فيبدو أنّ علاقة المرأة بالرجل علاقةٌ تدخل في صميم كيان الإنسان، لذلك ترى لها من التشريعات، وله من التشريعات ما تغطي هذه الخصيصة اللصيقة بهم.
 النقطة الأولى أيها الإخوة: أن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان الشهوات، وهي حيادية لأنه مخير، يمكن أن تكون سُلّماً نرقى به إلى رب الأرض والسماوات، أو تكون دركاتٍ نهوي بها في الظلمات ونيران جهنم، فهي حيادية يمكن أن تُوظَّف في الحق أو في الباطل، والشهوة الجنسية التي أودعها الله في المرأة والرجل معاً شهوة حيادية، يمكن أن تكون سبب إنشاء أسرة سعيدة متفاهمة، تنجب أولاداً أطهاراً أبراراً، تكون هذه الأسرة مباركةً في حياتها، وبعد انتهاء عقد الزواج، وفي ذرية هذه الأسرة إلى يوم القيامة، ويمكن أن تكون هذه الشهوة نفسها التي أودعها الله في المرأة والرجل سبباً لفساد عريض، وشقاء أبدي! فإما أن تكون الشهوة سُلّماً إلى سعادة أبدية في الدنيا والآخرة، أو تكون دركات يهوي بها الإنسان إلى شقاء أبدي في الدنيا والآخرة.

الشهوات توظف في الحق كما توظف في الباطل لأن الإنسان مخير:


 الحقيقة الأولى أن هذه الشهوات حيادية، وأن الإنسان مُخيَّر، وأن هذه الشهوات تُوظَّف في الحق كما تُوظَّف في الباطل، توظف في مرضاة الله: 

(( وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةً، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ يَكُونَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ وَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ. ))

[ أحمد ومسلم  ]

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)﴾

[ سورة المؤمنون ]

 عظمة الإسلام أنه ليس فيه حرمان، لكن فيه تنظيم، وفيه نظافة أخلاقية، وعفة، وعلاقات واضحة، هذه زوجة فلان، وأوضح مثل: أنك إذا رأيت شاباً يمشي مع فتاة هو خائفٌ أن يُفتَضح، وهي خائفة أن يراها أحد، فإذا خطبها من أهلها يجلس في بيت أهلها، وقد يمضي وقتاً طويلاً معها في خلوة، ولا أحد يعترض، لا أبوها، ولا إخوتها الذكور، ولا إخوتها البنات، فالشيء الذي وفق منهج الله نفتخر به.
 أرأيت إلى أصوات السيارات التي تُطلَق بمناسبة عرس؟ ألا يستحيون؟ لماذا يستحيون؟ هذا شرع الله عز وجل، هكذا صُمِّمت المرأة والرجل ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ .

أي نظام اجتماعي يدعم الأسرة هو نظام صحيح:


 حدثني صديق، طُرِق بابه الساعة الرابعة صباحاً، وَجِلَ مِن هذا الطَّرْق في هذا الوقت، فتح الباب لم يرَ أحداً! ألقى بنظره نحو الأسفل فإذا كيس أسود فيه طفل وُلِد لتوه! أنا وازنت بين أن ينجب زوجان ابناً، وتُهيَّأ له كل وسائل الراحة، والألبسة، والسرير، وغيرها، وحينما يأتي المولود يأتي المُهنِّئون ومعهم الهدايا، ويقيمون الاحتفالات، وبين أن يأتي الطفل من طريق حرام، إما أن يُوضَع في حاوية القمامة، وإما أن يُلقى في طرف المدينة، وقد نجد الآن في بعض الحاويات أطفالاً وُلِدوا بالحرام! أما في بلاد الغرب فعدد الأطفال اللقطاء لا يُعَدّون ولا يُحصَون، لذلك قد تجد شخصيات كبيرة عندهم ليس لهم أب، وأعجبني تعقيب أحد خطباء المساجد في عيد الأم: لماذا يحتفلون بعيد الأم، ولا يحتفلون بعيد الأب؟ فكان جوابه لأن الأب غير معروف! وأناس وصلوا إلى أعلى مناصب في بلاد الغرب هم لقطاء، أولاد زنى، لذلك إذا فشا الزنى في مجتمع فهناك انهيار عام يصيب المجتمع، وأي نظام اجتماعي يدعم الأسرة فهو نظام صحيح، وأي نظام اجتماعي يسمح للإنسان أن يلبي حاجات جسده بعيداً عن الأسرة فهو نظام مُهدِّمٌ للمجتمع.
 هذه حقيقة أولى، الشهوات التي أودعها الله في الإنسان شهوات حيادية، إنما أُودِعت في الإنسان ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، والفرق واضح جداً بين أن تخطب فتاة صالحة مؤمنة طيبة فتسعد بها في الدنيا والآخرة، وبين أن تؤدي هذه الرغبة بطريق غير مشروع، فتشقى في الدنيا والآخرة، والشعور بالكآبة والذنب لا يقف عند المسلمين، لأن الزنى محرم تحريماً قطعياً في دينهم، لكن يبدو أن هذا مركب في أصل الفطرة. إذا أرادوا أن يفضحوا إنساناً في عالم الغرب، فيُتَّهم بإحدى فضيحتين؛ فضيحة مالية أو فضيحة جنسية، لماذا تسمونها فضيحة؟ 
 الذي كان في أعلى منصب في العالم فضيحته الكبرى أنه أقام علاقة مع هذه المتدربة في بيته الأبيض أو الأسود.
 فالعلاقة التي لم يشرِّعها الله عز وجل علاقة آثمة فاحشة، ويُستحيَا بها، ويخجل الإنسان منها، لذلك تُسمَّى فضيحة.

ليس في الإسلام حرمان لكن فيه تنظيم:


 حدثني قريب مقيم بفرنسا أنه سمع في الليل إطلاق رصاص في بيت جاره، تحرى الخبر فإذا الجار قد تأكد أن زوجته التي تعمل في مؤسسة كمديرة مكتب المدير العام أنها تقيم علاقة معه، فأطلق عليها النار، وقتلها! أنا أسأل نفسي لماذا قتلها؟ أليس الزنى مباحاً عندهم؟ مباح، لكنه محرم بالفطرة، أكبر وسائل الإعلام حينما تريد أن تنال من إنسان تتهمه بالفاحشة، وتقول: فضيحة جنسية، أو فضيحة أخلاقية.
 ليس في الإسلام حرمان، لكن فيه تنظيم، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا ولها قناة نظيفة تسري خلالها، لكن بالمقابل هناك عقوبات رادعة جداً، ولكن الذي يُسهِّل على الناس اقتراف الفواحش أنه لا عقوبات رادعة مُطبَّقة في المجتمع! فلذلك بسبب ضعف إيمان الناس، وضعف الضبط الاجتماعي العام يقعون في هذه المخالفات.
 إلا أن قضية الزواج وقضية النساء قضية دقيقة جداً، أساسها أن هذه الشهوة يجب أن يكون بينك وبينها هامش أمان، فإذا ضحينا بهامش الأمان كان احتمال الوقوع في هذه المعصية كبيراً جداً، وهامش الأمان أن تغضّ بصرك، ألّا تخلو بامرأة أجنبية، ألاّ تتبرّج المرأة. أقول لكم كلمة واضحة كالشمس: المرأة التي تتبرج، والمرأة التي تتزين لغير زوجها ومحارمها، والتي تعرض مفاتنها هي بلسان حالها تدعوهم إلى التحرش بها! هل تصدقون أن امرأة محجبة عفيفة مؤمنة طيبة طاهرة يجرؤ إنسان في الأرض أن يسمعها كلمة؟ هي محط إعجاب، وتوقير، وتقدير، ورفعة، الآية الكريمة: 

﴿ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍۢ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ۚ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا(32)﴾

[ سورة الأحزاب ]

علاقات الرجال بالنساء في عالم المسلمين علاقات نظامية كاملة :
 حينما تحدث الله عن الحجاب قال: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(59)﴾

[ سورة الأحزاب ]

 أنهن عفيفات طاهرات مؤمنات تقيات، ﴿فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ بكلمة نابية، أو كلمة تجرح حياء المرأة، فالمرأة التي تتكشف، وتبرز مفاتنها لغير زوجها هي امرأة تدعو -شاءت أم أبت- بلسان حالها الناس إلى التحرش بها، لذلك مع التقدير الشديد لمكانة المرأة في الإسلام، ومع التقدير الشديد لكرامتها، ولسمو شأنها في المجتمع، وكيف أنها في الإسلام أم، وزوجة، وأخت، وبنت، وعمة، وخالة ليس في حياة المؤمن امرأة إلا أن تكون أمه، أو ابنته، أو زوجته، أو أخته، أو عمته، أو خالته، علاقات الرجال بالنساء في عالم المسلمين علاقات نظامية كاملة.
 كنت أروي هذه الطرفة دائماً، لكنها واقعة، هذا الذي أحب فتاة فاستأذن والده في الزواج منها، فقال له: لا يا بني، فإنها أختك، وأمك لا تدري! فلما أحب ثانية قال: لا يا بني إنها أختك، وأمك لا تدري، فلما أحب ثالثة قال: لا يا بني، فإنها أختك وأمك لا تدري، كان زير نساء، فلما ضجر وحدّث أمه بما جرى له مع أبيه قالت له: خذ أياً شئت فأنت لست ابنه، وهو لا يدري! 
 هكذا مجتمع الغرب، والله الذي لا إله إلا هو في هذه البلدة الطيبة قد يحتفل بعض الأجانب، وقد مضى على إقامتهم في دمشق سنتان أو أكثر، لأن زوجتهم أنجبت مولوداً قبل شهر يجمع أصدقاءه، ويحتفل بهذا الإنجاب، فالقضية عندهم الزواج شيء، والإنجاب شيء، والعلاقة الجنسية شيء آخر، وهذه الحرية المتفلّتة، وليست المنضبطة يريدون أن يعمّموها على العالم كله.

هذه الأحكام في الزنى لا تطبق إلا على المسلمات:


 لذلك الآن نبدأ بآيات رادعة للمرأة، ذلك أن الله عز وجل حينما حدثنا عن الزنى قال: 

﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٍۢ مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍۢ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ(2)﴾

[ سورة النور ]

 بدأ بالمرأة، لأن الرجل تثيره المناظر المثيرة، أُمِر بغضّ البصر، وأُمِرت المرأة بالحجاب، فإذا لم تتحجب وغضّ بصره نجا، إذا تحجّبت وأطلق بصره لم يحدث شيء، أما إذا تبرجت، وتفلّتت، وأطلق الثاني بصره وقعت المشكلة. 
يقول الله عز وجل: ﴿وَٱلَّٰتِي﴾ اسم موصول لجمع الإناث: ﴿وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ﴾ الفاحشة هي الزنى، ونسائكم أي نسائكم المسلمات، لأن هذه الأحكام لا تُطبَّق إلا على المسلمات، بينما المرأة من غير دين الإسلام لا علاقة لها بهذه الأحكام، المقصود ﴿مِن نِّسَآئِكُمۡ﴾ ، أي من نسائكم المسلمات، وهو انتماء إلى الإسلام. 
﴿وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ﴾ ما قال الله عز وجل: فارجموهما، هذه تهمة خطيرة ماحقة، ساحقة، فاضحة، تعيش مع الإنسان إلى نهاية حياته، لأنها تهمة خطيرة ومدمرة، لا تثبت إلا بأربعة رجال! أول حكمة لهذا القيد لا تقوم هذه التهمة إلا على أربع شهادات من رجال، والشهادة ينبغي أن تكون في واقعة الزنى الكاملة، الواضحة، الصارخة، التي لا يُشك فيها.

الفرق بين المعصية والفجور:


 بالمناسبة حينما وضع الشارع الحكيم هذا القيد أنا لا أقول: قيد تعجيزي، لكن ليس من السهل أن يتوافر هذا الشرط إلا أن تكون المرأة فاجرة! وفرق بين المعصية والفجور، المعصية قد تُقتَرف في حصن، في غُرَف مُغلّقة، أما الفجور فأن تقترف هذه المعصية على قارعة الطريق كما يجري في العالم الغربي، وقد أنبأ النبي عليه الصلاة والسلام أنه: في آخر الزمان قد تُقترَف معصية الزنى على قارعة الطريق.
 والله حدثني أخ كريم حضر من ألمانيا، أقسمَ بالله أنه كان في نزهة يمشي في حديقة عامة في ألمانيا قال: فوجئت بشيء لا يُصدَّق، أن الزنى يجري في الحديقة أمام الناس جميعاً من دون تستُّر، أو حياء، أو خجل! هذا يقع هناك.
كنت مرة في بلد بعيد جداً في أقصى جنوب الأرض، وقد حدّثنا أحد الإخوة الكرام أن له بيتاً مُطِلًّا على حديقة، وفي يوم الأحد جاءت رحلة لمدرسة ثانوية فيها شباب وشابات، وأن الذي جرى بين الشباب والشابات في الحديقة يجري بين الزوجين في غرف النوم! هكذا الفاحشة تجري على قارعة الطريق، فلذلك أنْ تُطالِب المرأة أن تأتي بأربعة شهود معنى ذلك أنها مستهترة جداً، أنها تزني ولا تعبأ بمن يراها، أمّا إذا أغلقت الباب فليس هناك شهود، فكأن الله عز وجل أراد بالأربعة شهود أن يكون الاتهام بالعِرْض عسيراً، ثلاثة شهود يُجلَد ثمانين جلدة، حينما يتهم إنسان امرأة دون أن يأتي بأربعة شهود يُجلَد ثمانين جلدة.
 قصة تروى، ولا أدري مبلغ صحتها لعلها قصة رمزية: امرأة تغسل امرأة ميتةً، يبدو أنها اتهمتها بالزنى في أثناء الغسل، هكذا تروي القصص، وهي من باب القصص، فالتصقت يدها بجسمها، ولا سبيل إلى نزع اليد عن جسم هذه المرأة، يبدو أنها امرأة صالحة، واتهمت بالزنى في أثناء التغسيل، فسألوا الإمام مالك إمام دار الهجرة فقال: اجلدوها ثمانين جلدة تُفَك يدها! لأنها اتهمتها بالزنى في نفسها، على كلٍّ لمكانة المرأة العليّة في المجتمع لا تستطيع أن تتهمها بالزنى إلا أن تأتي بأربعة شهود من الرجال رأَوا واقعة الزنى رأيَ العين، كما يُرى المِيل في المِكحَلة، هكذا جاء في بعض التفاسير.
 الشيء الثاني: حفاظاً على سمعة المرأة ومكانتها، وقد ورد في الأثر أن قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة. 

 حدّ الرجم أو الجلد هو حدّ لا للمرأة العاصية فحسب بل للمرأة العاصية الفاجرة:


 أنا والله العبد الفقير أقيس على قذف المُحصَنة أنك إذا ذكرت امرأة فحركت قميصك هكذا فهذا نوع من الاتهام بالزنى، إذا ذكرت امرأة وقلت: الله يسترها لا نعرف، هذا نوع من الاتهام بالزنى، ويجب أن يكون الشاهد رجلاً. 
وكأن هذا الحد، حَدّ الرجم أو الجلد هو حد لا للمرأة العاصية فحسب، بل للمرأة العاصية الفاجرة، التي لا تعبأ أن يراها الناس وهي تزني. 
﴿وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةً مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ الحقيقة يوجد مفسر توفي قبل سنوات رحمه الله راجعت تفسيره في هذه الآية له رأي، لكن معه دليل قال: ﴿وَٱلَّٰتِي﴾ جمع الإناث، لو أن امرأة ورجلاً لقال واللذان، لأن اللغة العربية تُغلِّب الذكور على الأنوثة، أما هنا: ﴿وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ﴾ هذا العالم الجليل يرى أن هذه الآية تعني أن تكتفي المرأة بالمرأة، هذه الآية تغطي أن تكتفي المرأة بالمرأة، ذلك أن في المجتمعات المحافظة كما يسمونها يصعب لقاء الرجال بالنساء، لكن يسهل لقاء النساء بالنساء، والرجال بالرجال، فهناك معصيتان كبيرتان جداً تُرتَكب في هذه المجتمعات، أن تكتفي المرأة بالمرأة، والرجل بالرجل، وزرت مدينة في أمريكا تعد من أجمل مدن أمريكا، خمسة وسبعون بالمئة من سكانها تكتفي النساء بالنساء، والرجال يكتفون بالرجال، هنا السياق: ﴿وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةً مِّنكُمۡۖ﴾ .

أكبر خطر يتأتى من التكشف بين النساء:


 هناك وهم عند عامة المسلمين، المرأة على المرأة ليس هناك خطر من أن تبدي جسمها للأخرى، مع أن أكبر خطر يتأتّى من التكشف بين النساء هذه الفاحشة؛ أن تكتفي النساء بالنساء، والمطَّلعون على خبايا الأمور يعرفون أن هذه الفاحشة منتشرة في معظم البلاد انتشاراً واسعاً جداً، بسبب عدم انضباط المرأة مع المرأة، وأكثر هذه الفواحش تبدأ من التكشف، وهل تصدقون أن الأم لا يحق لها أن ترى عورة ابنتها، وعورة البنت على أمها من سُرَّتها إلى أسفل ركبتها! لا يجوز. 
﴿وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةً مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ﴾ كان من الاختلاط لذلك هو محرم، لأنه أحد أكبر أسباب الانحرافات الجنسية سواء بين ذكر وأنثى، أو بين أنثى وأنثى، أو بين ذكر وذكر، لذلك جاءتنا مؤتمرات السكان بتعريف جديد للزواج؛ هو عقد بين شخصين، وطالعتنا الأخبار قبل شهرين بأن سفير أمريكا في بوخارست عُيِّن، وعليه أن يأخذ أوراق اعتماده في حفل رسمي تقيمه وزارة الخارجية في أمريكا، ويحضر هذا الحفل وزير الخارجية، والعادة أن يأتي السفير مع زوجته، فهذا السفير جاء مع شريكه الجنسي! 
 الحكم الشرعي: منعُهنّ من الاختلاط، لأنه كان سبب هذه الفاحشة. 
﴿فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ بالتوبة، أو بشيء آخر.

الشاذ خالف فطرة الإنسان بينما العاصي خالف منهج الرحمن:


شيء دقيق أحب أن يكون واضحاً لديكم: الإله العظيم صمّم الرجل على أنه يرسل، وفهمكم كافٍ، وصمّم المرأة على أن تستقبل، فالرجل مُرسِل، والمرأة تستقبل، هذا هو تصميم خالق الكون، فالإرسال يحتاج إلى استقبال، والاستقبال يحتاج إلى إرسال، أما أن يكون الطرفان مرسلين، أو أن يكون الطرفان مستقبلتَين فالأمر فيه خلَل كبير، وهو خلاف منهج الله، لذلك قد تجدون أن عقوبة الزاني قد تكون جَلداً إن كانا غير مُحصَنين، وقد تكون رجماً إن كانا مُحصَنين، لماذا الشذوذ عقابه القتل نهائياً كما عند معظم الفقهاء؟ لأن الشاذ خالف فطرة الإنسان، بينما العاصي خالفَ منهج الرحمن، فمخالفة الحكم شيء، ومخالفة الفطرة شيء أكبر بكثير، مخالفة الفطرة أن تغيّر تصميم الله عز وجل للعلاقة بين الأنثى والذكر، تجعلها أنثى مع أنثى، أو ذكراً مع ذكر، أو ذكراً مع بهيمة، أما الزنى وفق تصميم الإله، ولكن فيه مخالفة للشرع، ليس هناك عقد يبيح هذه المرأة لهذا الرجل. الآية الثانية: 

﴿ وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا(16)﴾

[ سورة النساء ]

 إذا كان الطرفان ذكَرين: ﴿وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ كأن هاتين الآيتين في وجهة نظر معاصرة، لكن معظم المفسرين حملوا هاتين الآيتين على الزنى العادي بين الرجال والنساء. 
﴿وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ .

الزاني غير المحصن عقابه مئة جلدة بينما الزاني المحصن عقابه الرجم حتى الموت:


 بالمناسبة أيها الإخوة، الزاني غير المُحصَن عقابه مائة جلدة، بينما الزاني المُحصَن عقابه الرجم حتى الموت، لماذا؟ الرجم ثبت بفعل النبي عليه الصلاة والسلام، وعند علماء الأصول فِعلُ النبي أبلغ من قوله، الفعل لا يُؤوَّل، بينما القول قد يُؤوَّل، لذلك فعل النبي أبلغ في فهمه لكتاب الله من كلامه، فالنبي رجم، لكن قال العلماء: هذا الذي زنى بامرأة غير مُحصَنة فضيحتها تقف عند أهلها فقط، أما هذا الذي زنى بامرأة مُحصَّنة فضيحتها تمتد إلى زوجها وأولادها. زارني شاب لا أعرفه قال: أمي تزني كل يوم! أتمنى أن أنتحر. 
 بالمناسبة إخواننا الكرام، العلاقة بين المرأة والرجل بعد الإنجاب ليست مُلْك الرجل والمرأة، كلام دقيق، هي مِلْك الأولاد، هذا الطفل هذا أبوه وهذه أمه، فإذا اختلفا أو تنازعا يُمزَّق الأولاد، فلذلك سِمعة الأب والأم مِلْك أولادهم، الابن لو عانى من فقر أبويه لكنه يرفع رأسه بهما، هذا أبوه أمام الناس، والبنت ترفع رأسها بأمها العفيفة الطاهرة، ولو كانت فقيرة، أما حينما تعلم البنت أنّ أمها منحرفة فهي وَصْمَة عارٍ تلحقها إلى نهاية حياتها، لذلك الزاني المُحصَن يُرجم حتى الموت. رأي أعجبني: 

﴿ إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوْ يُصَلَّبُوٓاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33)﴾

[ سورة المائدة ]


حينما يعطل المسلمون حدود الله تقام على الزناة حدود من نوع آخر:


 بربكم هل من فساد أعظم من أن تعتدي على امرأة متزوجة لها زوج وأولاد؟ وأنّ هذا الزوج سوف يُصعَق حينما يعلم أن زوجته تخونه، وأنّ هؤلاء الأولاد سوف يُسحَقون حينما يعلمون أن أمهم تزني، إنك تعتدي على امرأة لها أب، وأم، وإخوة، وأخوات، وأعمام، وأخوال، وعمات، وخالات، أما إن كانت متزوجة تضيف إلى جريمة الزنى أنك تلطّخ سمعة أولادها، وسمعة زوجها، وأهل زوجها، فما من فساد أكبر من أن يقع الزنى بين المُحصَنَين، فالنبي عليه الصلاة والسلام رجم امرأة زانية حتى الموت، لكن هذه المرأة لها حالة خاصة، هي نجت من الشهود، لم يشهد على زنِاها أحد، لكن من شدة خوفها من الله بعد أن وقعت في هذه المعصية سألت النبي أن يرجمها، فأغفل ذلك قال: انتظري حتى تلدي، ولدت، فجاءته بالمولود، قال: حتى يُفطَم، ثم جاءته وبيده كسرة خبز، عندئذ رجمها، لأنها عرّضت نفسها باختيارها لحدّ الرجم، فرجَمها النبي، لأن ولي أمر المسلمين إذا رُفِع له أمر الزنى فلم يقم حد الله يقول عليه الصلاة والسلام: لا عفا الله عنه إن عفا، لكن ليس من شأن أي مسلم أن يبلّغ عن حالة زنى، إذا كان بيت دعارة فهذا موضوع ثان. وعن عمران بن الحصين:

(( أنَّ امْرَأَةً مِن جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهي حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقالَتْ: يا نَبِيَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فأقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَلِيَّهَا، فَقالَ: أَحْسِنْ إلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بهَا، فَفَعَلَ، فأمَرَ بهَا نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقالَ له عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يا نَبِيَّ اللهِ وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقالَ: لقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو قُسِمَتْ بيْنَ سَبْعِينَ مِن أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِن أَنْ جَادَتْ بنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟ ))

[ صحيح مسلم ]

 ليس من اختصاص المسلم أن يبلّغ، كما أنه ليس من واجب من اقترف هذه المعصية أن يبلغ عن نفسه رحمة بالعباد، أما ولي أمر المسلمين إذا كلف إنسان لمتابعة هذه الجريمة، وضُبِط الإنسان متلبساً بهذه الجريمة، ولم يقم حد الله عز وجل نقول: لا عفا الله عنه إن عفا، لأنه عطّل حداً من حدود الله.
 إني أقول: إن المسلمين حينما يعطلون حدود الله عز وجل تُقام على الزناة حدود من نوع آخر، أليس الإيدز حداً إلهياً أنزله الله بالعصاة؟ إذا سرق إنسان قُطِعت يده، أليس الله قادراً أن يُوقِع هذا الإنسان السارق بحادث فتُقطَع يده إثرَ حادث أليم؟ ممكن، فهذه الحدود إن لم تُقَم في بلاد المسلمين بحكم القرآن الكريم يقيمها الله عز وجل مباشرة بفعله التكويني، فالذي ينجو من عقاب الزنى في نص القرآن الكريم ربما لا ينجو من عقابه بقدرة العليم الخبير، والله حدثني أخ عن إنسان أُصيب بورم خبيث في أداة الزنى التي كان يزني بها، ومات بهذا المرض، فحينما يبطش الله عز وجل: 

﴿  إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾

[  سورة البروج ]


القرآن فيه أدب عال جداً:


 قال تعالى: ﴿وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ في سورة النور تأتي تفاصيل هذه الأحكام، هناك من يرى أن هذه الآيات نُسِخت بآيات سورة النور، وهناك من يرى أن الآية الأولى: ﴿وَٱلَّٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةً مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ هذه منسوخة بالآية التي تليها: ﴿وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَـَٔاذُوهُمَاۖ فَإِن تَابَا وَأَصۡلَحَا فَأَعۡرِضُواْ عَنۡهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ لو فهمنا الآيتين على أن الأولى هي اكتفاء المرأة بالمرأة، والثانية اكتفاء الرجل بالرجل لكانت الآيتان مُحكمتَين. 
أيها الإخوة، كتعقيب على هذه الآيات المتعلقة بما قاله الله عز وجل: 

﴿  وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)﴾

[ سورة المؤمنون ]

 القرآن فيه أدب عالٍ جداً، كل ما سوى ذلك مما هو مباح ومشروع غُطِّي بكلمة: ﴿فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ﴾ .

الشهوة متغلغلة أعمق التغلغل في الإنسان ولا تثور إلا في مجتمع الاختلاط:


 أيها الإخوة، النقطة الأولى أن هذه الشهوة متغلغلة أعمق التغلغل في الإنسان، وما كثرة الأحكام الشرعية المتعلقة بها إلا لأنها شهوة مُسعِدة أو مُدمّرة! كهذا الوقود السائل الذي في السيارة، إذا وُضِع في المستودعات المُحكَمة، وسالَ في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولّدَ حركة نافعة، أقلّتك هذه المركبة إلى مكان جميل أنت وأهلك، أما إذا خرج هذا الوقود عن مساره، وأصاب المركبة شرارة أحرق المركبة ومن فيها، ففي هذه الشهوة ليس هناك مؤمن وغير مؤمن، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

(( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ. ))

[ صحيح الجامع ]

 لو تتبعت حالات الزنى أو الانحراف الآخر لما وجدت أكبر من الخلوة سبباً لها، لذلك: (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) .
 الشيء الثاني: التعري من الرجال والنساء معاً مع غير الزوجة، أيضاً هذا التعري أحد أسباب إيقاظ الشهوة، ففي حقيقة علمية دقيقة جداً: أنك إذا قبعت في غرفة، وليس في الغرفة شيء يشير إلى الطعام لا صورة ولا رائحة -أحياناً الإنسان يشم رائحة طعام نفيس فيشتهي أن يأكل- يقولون: يسيل لعابه، لكن لو قبعت في غرفة لا ترى شيئاً، ولا تسمع باسم الطعام، ولا بصورته، ولا بشكله، ولا برائحته تجوع جوعاً شديداً، لذلك يمكن أن تأكل عند الضرورة لحم الخنزير. 

﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(173)﴾

[ سورة البقرة ]

 فالشهوة إلى الطعام شهوة تنبع من الداخل، بينما الشهوة الأخرى شهوة الجنس لا تتأتّى إلا من الخارج، لا تثور الشهوة إلا في مجتمع الاختلاط، وفي المناظر المثيرة، وإلّا في تفلّت الفتيات من منهج الله، وإلا من صحبة الأراذل، وسماع قصصهم، كل هذه مثيرات، فالشريف ليس الذي يهرب من الخطيئة بل الشريف هو الذي يهرب من أسباب الخطيئة، هذا القول للسيد المسيح عليه السلام. 

نهي الله عز وجل الناس عن أسباب الزنى:


 إذا أراد الإنسان أن يكون عفيفاً، وأن يكون مُحصَّناً فليطبق هذه الآية: 

﴿ وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا(32)﴾

[  سورة الإسراء ]

 أي كلمة، وأي علاقة أو أي مشي في طريق، لذلك من تنزّه في الطرقات تُجرَح عدالته، من جلس مع أناس يتحدثون عن النساء تُجرَح عدالته، من كان حديثه عن النساء تُجرح عدالته، من صحب الأراذل تجرح عدالته، كلها مثيرات، فلذلك يجب ألا تصاحب صديقاً منحرفاً، كما ينبغي ألاّ تأتي الأماكن الموبوءة بالمعاصي والآثام، حفلة ماجنة، ولو كنت مدعوًّا من ابن خالتك فعليك أن تعتذر، بعض الأعراس مختلطة في الفنادق الكبرى، تأتي دعوة فخمة جداً، فالاختلاط، والعلاقات، وإطلاق البصر، والتفلّت، والتبرّج، هذه كلها أسباب، لذلك قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ﴾ نهانا عن أسبابه، لأنك إنْ فعلت أسبابه فأغلب الظن أنك لا تستطيع أن تكبح جِماح نفسك فيه، والذي يلفت النظر أن الإنسان -وقد قرأت هذه المقالة ممن لا يعرف القرآن إطلاقاً، مقالة مترجمة- إذا استثيرت شهوته يفرز الدماغ مادة تعطّل محاكمته، وهذا ما يفسر أن الإنسان يقع في حماقة كبيرة، وهو في أعلى مكانة، يجلس في البيت الأبيض! فحينما يسمح الإنسان لنفسه أن يتجاوز حدود الله بخلوة مع امرأة أجنبية لا تحِلّ له، أو بعلاقة آثمة مع إنسان منحرف، أو بصحبة الأراذل، أو بتعريض نفسه لمثيرات جنسية بشكل مستمر، هذا أيضاً يسبب الوقوع في الفاحشة ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾

مواقف ومشكلات سببت انحرافات خطيرة:


 كلمة تدعو إلى الألم، بحكم علاقتي بشريحة في المجتمع كبيرة جداً، وبحكم عملي في الدعوة إلى الله، وبحكم أن بعض الناس يثقون بي فيعرضون علي مشكلاتهم، أجد أن الانحرافات كبيرة جداً، حتى في هذا البلد الطيب! الانحرافات بأنواعها، وحتى زنى المحارم، وأعني ما أقول، لا أتكلم من فراغ، بل من وقائع، حتى زنى المحارم واسع جداً مع انتشار هذه الثقافات الغربية، وهذه الفضائيات، فالذي يحرص على سلامة أولاده فليكن دقيقاً جداً فيما يأتيه إلى البيت من أجهزة.
 إخواننا الكرام هناك مآسٍ لا يعلمها إلا الله، هل تصدقون أن تسعين بالمئة من حالات الاغتصاب لا يُبلَّغ عنها! وأن هذه العشرة بالمئة تبدو رقماً كبيراً جداً! فإذا عافى الله الإنسان وعافى أهله، وبناته، وأولاده من هذه المعاصي والآثام فهو في نعمة ما بعدها نعمة، لأن سيدنا جعفر حينما قال: 

(( كنَّا قَومًا أهلَ جاهليَّةٍ؛ نَعبُدُ الأصنامَ ونَأكُلُ المَيْتةَ ونَأتي الفَواحشَ ونَقطَعُ الأرحامَ ونُسيءُ الجِوارَ، ويَأكُلُ القَويُّ منَّا الضَّعيفَ، فكنَّا على ذلك حتى بعَثَ اللهُ إلينا رسولًا منَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانتَه وعَفافَه. ))

[ تخريج سير أعلام النبلاء ]

 أحد أكبر صفات المؤمن أنه عفيف، إنْ حدثك فهو صادق، وإن عاملك فهو أمين، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾

الذي يحرص على سلامته وعفته فليحفظ أمر الله عز وجل:


 إذا غضّ الإنسان بصره، ولم يعرِّض نفسه لمثيرات، وما أكثرها في هذه الأيام، في الأعمّ الأغلب أنّ الله عز وجل يحفظه، أمّا إذا عرّض نفسه لهذه المُثيرات، وأطلق بصره، وصحِب الأراذل، واستمع إلى مغامراتهم، وسمح لنفسه أن يتجاوز حدود الله، والله عز وجل يقول: 

﴿ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌۢ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِۦ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ(229)﴾

[ سورة البقرة ]

 هامش الأمان اخترقه، فكأنه كان يمشي على شاطئ نهر مستوٍ جاف، وله شاطئ ثانٍ، له ميل شديد، لكنه زَلِق، ثم نهر عميق، فمن يتعدى حدود الله فكأنه سار على شاطئ مائل زلِق، سرعان ما يسقط في الماء، ومن ابتعد عن موجبات الزنى، وعن مسبباته فكأنه يمشي على شاطئ مستوٍ جاف، فالذي يحرص على سلامته وعفته فليحفظ أمر الله عز وجل.

(( يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، ولو اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ . ))

[ أخرجه الترمذي ]

وأقول لهؤلاء الشباب الأطهار التائبين: عفّتكم قبل الزواج وِسام شرفٍ لكم، وهي سبب للتوفيق الإلهي لزوجة صالحة، تسرّك إن نظرت إليها، وتحفظك إنْ غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها. 

﴿ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ (201)﴾

[  سورة البقرة ]


أثمن شيء بعد الإيمان بالله زوجة صالحة:


 قال علماء التفسير: حسنة الدنيا الزوجة الصالحة، أثمن شيء بعد الإيمان بالله زوجة صالحة، تسرك إن نظرت إليها، وتحفظك إن غبت عنها، وتطيعك إن أمرتها، وما من شاب يتعفف عن الحرام إلا هيّأ الله له زوجة صالحة، هذا وعد إلهي. حديث في الجامع الصغير، تقرؤه فيقشعِرّ جلدك! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( حَقٌّ علَى اللهِ عونُ مَنْ نَكحَ التِماسَ العَفافِ عمَّا حرَّمَ اللهُ. ))

[ صحيح الجامع ]

 لقد أنشأ الله عز وجل لك حقاً عليه! هناك قصص لا تعد ولا تحصى، الشاب الذي يعف عن الحرام، ويبتغي الحلال، والله هناك شاب -وهذه القصة من أربعين سنة تقريباً- كان مُحرِماً لأمه في الحج، عاد إلى الشام حاجاً، فتح مكتبة في أحد أحياء دمشق، وكان ثمة حافلات كهربائية، إخواننا المتقدمون في السن وأنا مثلكم يعرفونها، فجاءته فتاة لَعوب ماجنة، غمزته فغمزها، فأغلق محله، وتبعها، إلى أين ذاهب؟ إلى الزنى، تذكّر أنه حجّ بيت الله الحرام، فغلبته خشية الله، وجد حافلة صعد فيها، وترك هذا العمل، هو الآن حي يرزق، ولكن عمه توفي، يقسم بالله العظيم أنه في اليوم التالي جاءه أحد وجهاء الحي، قال له: يا بني أنت متزوج؟ قال: لا، قال: عندي بنت تناسبك، فتوّهم أن هذه البنت فيها عيب كبير حتى عرضها أبوها، فلما أرسل أمه إليها وجدتها فتاة رائعة الجمال، فلما عاد الأب إلى هذا الفتى قال: يا سيدي البنت رائعة، لكن أنا لا أملك شيئاً، قال: هذا ليس عملك، أبوها تاجر زيت كبير هيّأ له بيتاً، وأثّث البيت، وجعله شريكاً له في العمل، وهو الآن حي يُرزق من أحد كبار تجار الزيت، بينما عمه قد توفّي، لا يوجد شاب على وجه الأرض يغض بصره عن محارم الله، ويرجو رحمة الله، ولا يهون عليه أن يعصي الله إلا أكرمه الله، ولو بدا الأمر صعباً، فالذي عند الله لا يستطيعه العبد، قصص كثيرة جداً، لكن لا وقت لنرويها. 

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور