- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (004)سورة النساء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الله سبحانه وتعالى بيّن المحرمات من اللواتي لهن أزواج :
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الحادي عشر من دروس سورة النساء، ومع الآية الرابعة والعشرين، وهي قوله تعالى:
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ﴾
بيَّن الله جل جلاله المحرمات من النسب، وبيَّن المحرمات من الرضاع، وبيَّن المحرمات من الزواج، والآن يبين المحرمات من اللواتي لهن أزواج، تحريم نسب، تحريم رضاع، تحريم زواج، تحريم أزواج، المحصنة لها زوج، زوجها حصنها، فالزوج محصن، والمرأة محصنة، أولاً يحميها، يحقق لها حاجاتها من جميع أنواعها، لا تنظر إلى غيره، تقصر طرفها عليه، ومن أغرب ما قرأت في كتاب لعالم غربي يتحدث عن أن أفضل نظام للبشرية أن يقصر الرجل طرفه على زوجة واحدة، بمعنى ألا يكون له أخدان، فهذه المحصنة محرمة ما دام لها زوج، وليس في دين الإسلام، ولا في شرائع الله عز وجل لامرأة رَجُلان، وفق منهج الله المرأة لرجل واحد، فهذه محصنة، زوجها حصنها وكأنها في حصن، والزوج حصن:
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ﴾
هؤلاء أيضاً محرمات على الرجال، وأن يتزوجوا هذه المرأة التي لها زوج، فمحرم على الرجال أن يتزوجوا امرأة لها زوج.
المسلمون أصحاب رسالة وقد جعلهم الله أمة وسطاً :
ثم يقول الله عز وجل :
﴿ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾
الحقيقة ملك اليمين بحث طويل، هذا البحث يتعلق بالفتوحات الإسلامية، لأن الإسلام دين الله عز وجل، ولأن دين الله إنساني، ولأن الهدف البعيد من الفتوحات ليس التدمير، وليس الإبادة، فالإسلام يعرض على الطرف الآخر عرضاً بيانياً، فإن أسلم الطرف الآخر أصبح من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أول حركة أن تعرض الإسلام على هؤلاء ـ أنا أسميهم الطرف الآخر ـ غير المسلمين، فإن أسلموا فلهم ما لنا، وعليهم ما علينا، والإسلام جمعنا معهم، وأذابهم فينا، وأذابنا فيهم، وقد تتساءلون: أئمة عظام في الإسلام ليسوا عرباً؟ الإمام البخاري، أنا أنقل لكم عشرات الأسماء، لا يخطر ببالك لثانية واحدة أنه غير عربي، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث من أدق أحاديثه، وهذا الحديث يتوافق مع أحدث نظرية في اللغة يقول: ليست العربية لأحدكم من أب أو أم ولكن من تكلم العربية فهو عربي، هذا الذي أتقن العربية، وأحب دين الله عز وجل في دمائه كريات إسلامية عربية دون أن يشعر، إذاً المسلمون أصحاب رسالة، وقد جعلهم الله أمة وسطاً، وسطاء بين الله عز وجل وبين الخلق، وهذه مرتبة عالية جداً اختص الله بها المسلمين والعرب، والعرب حينما استجابوا لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام أصبحوا خير أمة أخرجت للناس، والجامعة العربية مزينة بهذه الآية:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
والآية الثانية:
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
أمة سيدنا محمد تقسم إلى أمتين؛ أمة الاستجابة وأمة التبليغ :
لكن هذه أمة استجابة، ما داموا قد استجابوا لله عز وجل إذاً:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
علة الخيرية أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، فخيرتهم علتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، فإن لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يؤمنوا بالله فَقَدوا خيرتهم، فأصبحوا أمة كأية أمة، لا شأن لها عند الله، وهذا يؤكده:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾
أهل الكتاب، فأجابهم الله عز وجل:
﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
ولا أجد آية تتعلق بأهل الكتاب تنطبق على المسلمين انطباقاً تاماً كهذه الآية، يقول لك أحدهم: نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الجواب: قل فلم يعذبنا الله بذنوبنا، بل حينما لم نستجب فنحن بشر ممن خلق، هان أمر الله علينا فَهُنّا على الله، لذلك العلماء قسموا أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمتين؛ الأمة الأولى أمة الاستجابة، والأمة الثانية أمة التبليغ، التي استجابت هي خير أمة أخرجت للناس، والتي لم تستجب هي أمة التبليغ، كأية أمة من الأمم، بشر ممن خلق، المؤمنون الصادقون الذين أناط الله بهم رسالة هي نشر هذا الدين في الآفاق، ألا تسمعون هذه الأمة ذات رسالة خالدة، رسالتها الإسلام، نشر هذا الدين في الآفاق.
المنهج الذي رسمه الله عز وجل وبيَّنه النبي لنشر هذا الدين :
قال:
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
أما حينما لا نستجيب فنحن أمة كأية أمة، إذاً في أعناقنا رسالة، في أعناقنا مهمة نشر هذا الدين، المنهج الذي رسمه الله عز وجل، وبينه النبي لنشر هذا الدين كما يلي:
1 ـ نعرض الإسلام على الطرف الآخر فإن استجاب فهو منا ونحن منه :
أولاً: نعرض الإسلام عرضاً بيانياً على الطرف الآخر، فإن استجاب فهو منا ونحن منه، له ما لنا وعليه ما علينا.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾
أما الآن ليفنِ بعضكم بعضاً، أبداً، يقال: تطهير عرقي، ما هذا الكلام؟ تطهير عرقي، هذا الذي يُقتَل ليس قاتلاً، وليس سارقاً، وليس منتهكاً لأعراض الناس، ولكن لأنه مسلم يُقتَل.
﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾
لأن الله جل جلاله أناط بنا مهمة تبليغ الرسالة للخلق جميعاً نعرض هذه الرسالة على الطرف الآخر، فإن قبلها فهو منا ونحن منه، وعلى العين والرأس، وإن لم يقبلها نعرض عليه الجزية.
2 ـ إن لم يقبل الإسلام نعرض عليه الجزية :
الجزية لها معنى لطيف جداً، المسلم لا يستطيع أن يحارب إلا عن عقيدة، المسلم حينما يحارب يحمل عقيدة سامية جداً، هذه حرب مقدسة، هدفها نشر هذا الدين، هدفها أن يُمكَّن دين الله في الأرض، هدفها لتكون كلمة الله هي العليا، هدفها أن يدين الناس بدين الله، الحرب التي شرعها الله عز وجل حرب مقدسة:
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾
الفتنة كم ترون من إنسان إباحي يفرض إباحيته على كل الأرض، هذه فتنة، قد نحارَب بالمرأة، قد نحارب بالقمار، قد نحارب بالبنوك، قد نحارب بالميسر:
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾
يأتي إنسان قوي يفرض ثقافته، وإباحيته، وانحرافه، وتفلته على كل شعوب الأرض، كما يجري الآن تماماً، وسوف ترون أيها الأخوة أن أهون غزوٍ الغزو العسكري، بينما الغزو الثقافي أخطر ألف مرة، بالغزو العسكري الجندي في ثكنته وأنت تحاربه، أما بالغزو الثقافي فقد دخل إلى بيتك، وأفسد أولادك، وأفسد بناتك، وأفسد زوجتك، ونقل النمط الغربي إلى بلاد المسلمين، الإباحية، الاختلاط، الربا، الانحراف، التعلق بالدنيا، أنا لا أرى غزواً أخطر من الغزو الثقافي الذي ترونه الآن في مشارق الأرض ومغاربها، لذلك حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله عرضنا هذا الدين على الطرف الآخر، فإن قَبِلَه، فهو منا، ونحن منه، وإن لم يقبله نقول له: أنت في حمايتنا، ولك الحرية التامة في أن تمارس شعائر دينك، ونحن نحترم دينك، ونحترم معتقدك، ولا نقترب منهم أبداً، ولكن لن تستطيع أن تحارب معنا لأننا أصحاب عقيدة، نحن حربنا حرب أساسها نشر الحق، والرحمة بالخلق وليس في الحرب الإسلامية إبادة أبداً، ولا قتل طفل، ولا قتل امرأة، ولا قتل شيخ، ولا قلع شجرة، ولا قتل بهيمة، ولا تجريف أراضٍ، واقتلاع أشجار، وتدمير بيوت، وتدمير ممتلكات، هذه الحرب لا علاقة لنا بها إطلاقاً، الحرب الإسلامية حرب شريفة، أساسها نشر الحق، فإن لم يرضَ أن يدخل في دين الله فهو حر، لأنه لا إكراه في الدين، له أن يبقى على معتقده، وله أن يمارس العبادة في بيته، وله أن يفعل ما يشاء ضمن النظام الإسلامي العام، ولكن هذا الذي أبى أن يسلم، وبقي محافظاً على دينه لا يمكن أن يقاتل معنا، لأننا نحارب على عقيدة إسلامية، إذاً يدفع الجزية، يعني تماماً كما يسميه الناس اليوم البدل النقدي، هذه الجزية، لكن مقابل هذا البدل نحن نحميه حماية تامة، كما فعل سيدنا خالد في حمص.
3 ـ إن أبى أن يسلم وأن يدفع الجزية وأصرّ على أن يقاتل نقاتله :
فإن أبى أن يسلم، وإن أبى أن يدفع الجزية، وأصر على أن يقاتل نقاتله.
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
لا نقاتل إلا المقاتل، هذا هو الدين، فإذا قاتلناه، وانتصرنا عليه فليس القصد أن نقتله، القصد أن نهديه إلى الله عز وجل.
نظام الأَسْر في الإسلام :
هو حينما رفض الإسلام أولاً، ورفض أن يدفع الجزية ثانياً، وأصر على القتال ثالثاً، ونحن أخذناه أسيراً، أو أخذناه وزوجته أسيرين، الآن يدخل هذا الأسير وتلك الأسيرة في دعوة إلى الله من نوع خاص، دعوة بالتعامل اليومي، أنت ائتِ بإنسان ليعمل معك، لو أنه على نقيض مع ما تعتقد، لكن رأى منك لطفاً، ورحمة، وعدلاً، وإنصافاً، أطعمته مما تأكل، ألبسته مما تلبس، ما كلفته ما لا يطيق، أعنته على ما تكلف به، جعلت النهار لك والليل له، هذه المعاملة الطيبة، وهذا الإكرام؛ أن تطعم خادمك مما تأكل، وأن تسقيه مما تشرب، وأن تلبسه مما تلبس، وألا تكلفه ما لا يطيق، وأن ترحمه، وأن تكرمه، فهذا الأسير أنا والله لا أبالغ لو أن الذي يحارب أخذ هذا المقاتل الذي وقع أسيراً، وعامله المعاملة التي شرعها النبي عليه الصلاة والسلام فلا بد أن يسلم، قال: فإن أسلموا فأخوانكم في الدين، انتهت العملية كلها، مدرسة أخرى من مدارس الدعوة إلى الله، هذا الذي أفهمه من خلال أن يأخذ الجيش الإسلامي أسيراً، ليس القصد أن يقتله، ولا أن يستخدمه، ولا أن يذله، القصد فقط أن يعلمه الإسلام تعليماً عملياً.
لذلك لما جاء والد سيدنا زيد بن حارثة ليشتري من النبي هذا العبد الذي كان ابنه، قال للنبي الكريم: كم تطلب؟ قال له: لا أطلب شيئاً، هو ابنك إن أراد أن يذهب معك فله الحرية، فأبى أن يذهب مع أبيه، وأصر أن يبقى مع رسول الله، قال له: أتؤثر هذا الرجل على أبيك وأمك، فقال سيدنا زيد: الذي رأيته من هذا الرجل لا يوصف، لم أره لا من أبي، ولا من أمي، أنا هذا الذي أفهمه من نظام الأَسْر في الإسلام، نريد أن ننشر هذا الدين نشرناه بالبيان، فلم يقبل عرضنا الجزية، فلم يقبل ذلك، الآن حاربنا، ولم نحارب حرب إبادة، ولا حرب انتقام، ولا حرب إذلال، ولا حرب تدمير، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال:
((الْحَرْبَ خَدْعَةً))
أي ينبغي أن ترسم خطة لتأخذ الطرف الآخر أسيراً لا أن تدمره، الآن كم تسمعون في العالم عن مذابح جماعية، إبادة كاملة، كل يوم خبر، اكتشفنا مقبرة جماعية، إبادة، في فتوح المسلمين فيما يروي المؤرخون لم يكن أكثر من ثلاثمئة قتيل من الطرفين، الآن كل يوم ثمة خبران ثلاثة بالمئات تقريباً، فهذا الطرف الآخر إذا أسلم فله ما لنا، وعليه ما علينا، وإذا رفض أن يسلم يبقى على دينه، ونحترم الأديان الأخرى، له أن يعبد الله على نمطه، نحترم دينه وأماكن عبادته، نتسامح معهم، لكن هذا لا يستطيع أن يقاتل معنا، لأن حربنا حرب عقيدة، وحرب نشر دين، إن أبى أن يدفع جزية نقاتله، ونحرص ألا نقتله لنأخذه أسيراً، هذا الأسير من المعاملة الطيبة النادرة التي يلقاها من المسلم يجب أن يسلم، فإن أسلموا فأخوانكم في الدين، انتهى الأمر، حرب إنسانية، هذا الذي في الإسلام عن الأسر والأسيرات، وليس هناك شيءٌ آخر.
علاقة الرجل بالمرأة في منهج الله عز وجل علاقة مستمرة :
قال تعالى:
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾
النقطة الدقيقة أن ملك اليمين ولو أن لها زوجاً من الكفار حينما أُخذتْ أسيرة لم تبقَ محصنة، لقد فقدت إحصانها في أسرها، سيدها التي هي ملكه له أن يتزوجها، أو أن يزوجها لمن يشاء، وكأنه وليها، طبعاً لأنها أسيرة لا مهر لها، المهر للحرة.
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾
يعني كتب الله عليكم هذا الكتاب.
﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾
علاقة الرجل بالمرأة في منهج الله عز وجل علاقة مستمرة، ليس هناك علاقة طارئة أبداً، العلاقة الطارئة ليست من منهج الله عز وجل، هذه المرأة ربطت مصيرها مع زوجها، هي زوجته، وأم أولاده، تكبر معه، تتقاسم معه ما في حياته من حلو ومر، وفي كل مرحلة لها جمالها، ولها مكانتها، ولها قيمتها، ولو عرضت على أية امرأة في الأرض الزواج أو أن تكون متعة رخيصة لا ترضى إلا الزواج، ولكن للجهل الذي يهيمن على فتيات المسلمين غير الذين عرَّفوا بناتهم بمنهج الله عز وجل قد يؤثرن التفلت، وقد يؤثرن الخروج، قد يؤثرن علاقات لا ترضي الله عز وجل، هذا كله من الجهل، ومن التغذية غير الإسلامية التي تتغذى بها البنات كل يوم إلى منتصف الليل، هذه التغذية في مجموعها تهيئ تصورات للفتاة تجعلها تتفلت من منهج الله.
أهمية المهر في الإسلام :
إذاً:
﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾
محرمات من النسب، محرمات من الرضاع، محرمات من الزواج، محرمات الإحصان، أربع زمر محرمة، ما سوى ذلك حلٌّ لكم،
﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ ﴾
زوجة بعقد شرعي، تؤسس معها عشّاً زوجياً لإنجاب الأولاد، وتربيتهم، والنهوض بهذه الأمة عن طريق الأولاد، وليس في الإسلام غير هذه العلاقة، علاقة اختلاط، علاقة موظفة، تكون تارة موظفة، وتارة عشيقة، هذا كله في الإسلام محرم، قال:
﴿ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ ﴾
هذا المال الذي جنيت بكسب يمينك وعرق جبينك هذا المال ينبغي أن تدفع منه قسماً للمرأة، أولاً تكريماً لها، وإشعاراً لك أن هذه الزوجة لها قيمة وليست من سقط المتاع، قال:
﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾
أنا مضطر أن أعود إلى بعض آيات الله عز وجل التي ذكر فيها الأجر، لأن من المسلمين من فهم:
﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾
بعض المسلمين فَهِمَ من هذه الآية أنه يجوز أن تستأجر امرأة لتقضي حاجتك منها بأجر معين، وهذا في الإسلام محرم أشد التحريم، أما من يقول: إن هذا الأجر هو أجر هذا الزواج المؤقت فخطأ.
في ثماني آيات الأجر معناه المهر وليس معناه أنه أجر للاستمتاع المؤقت :
أيها الأخوة، في سورة المائدة آية وهي قوله تعالى:
﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
الأجر في هذه الآية معناه المهر، آية أخرى:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾
ما معنى الأجر في هذه الآية؟ المهر فقط، في ثماني آيات الأجر معناه المهر، لا يعني الأجر أن تستأجر امرأة لتستمع بها إلى حين مقابل أجر تعطيه إياها، فهذه الحجة باطلة، أن تتوهم أن الله عز وجل حينما قال:
﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾
أنه أجر للاستمتاع المؤقت، لا، الأجر في كل آيات القرآن يعني المهر فقط.
معنى الأجر في القرآن
قد يأتي بمعنى تعويض الإرضاع :
في الأحزاب، وفي الممتحنة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾
﴿ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ﴾
زواج عادي،
﴿ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾
أي مهورهن، وفي سورة الطلاق:
﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾
هنا الأجر بمعنى تعويض الإرضاع.
حينما تعقد عقد زواج ينبغي أن يكون هذا العقد على التأبيد :
أيها الأخوة، إذاً كلمة الأجر في القرآن الكريم لا تعني إلا المهر، والإمام الأوزاعي يرى أن كل عقد زواج ليس على التأبيد فهو زنى، قد تطلق بعد حين بسبب طارئ، أما حينما تعقد العقد ينبغي أن يكون العقد على التأبيد، لأن امرأة في الأرض لا ترضى أن يكون الزواج مؤقتاً، المرأة شيء عجيب، لها مرحلة تكون فيها شابة ومرغوباً فيها، في مرحلة تكون أمّاً، مرحلة ثالثة جدة، فالذي يأخذ الفتاة، يأخذ جمالها ثم يرميها فقد ضيعها، وضيع مستقبلها، فلذلك لا ترضى فتاة في الأرض أن يكون زواجها مؤقتاً، وألّا تعلمها هذا غدر بها أيضاً، إذاً هذا تشريع الله عز وجل،
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ ﴾
أنفسكم، أنتم تحصنون أنفسكم بالزواج، وهن يحصنَّ بتحصينكم لهن،
﴿ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾
السفاح هو الزنى، هذا الماء يسفح بلا جدوى، أما هذا الماء للزواج ينجب ولداً طاهراً، مواطناً صالحاً، مؤمناً كبيراً، فشتان بين النكاح والسفاح، وحينما يضع الآباء شروطاً تعجيزية أمام خطاب بناتهم فهم دون أن يشعروا يدفعون الشباب إلى السفاح،
﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾
هنا نقطة دقيقة وهي أن الإنسان إن لم يدخل، وأراد الطلاق يجب عليه نصف المهر، فلماذا أوجب النبي عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث، ولماذا أوجب الله في آيات كثيرة نصف المهر؟
﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ﴾
لأن الاستمتاع ليس عملية كاملة، حينما تستقبلك، وحينما تحضر لك طعاماً، وحينما تتزين لك فهذا كله استمتاع، فالذي لم يصل إلى الدخول عليه نصف المهر.
﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ﴾
من انسحب من عقد الزواج بعد الخطبة فعليه نصف المهر :
هذا الإله عظيم ورحيم، لو أن اتفاقاً جرى بين الزوجين على التسامح فإن الله عز وجل يسامح إذا سامحت، ويعاقب إذا لم تسامح.
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾
لو أن إنساناً خطب، ولم يدخل، ثم طلب أن ينسحب من هذا العقد فعليه نصف المهر، قال:
﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾
إلا إذا عفا أهل الفتاة، وعفت الفتاة، قال:
﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾
إذا عفوا فينبغي أن تقدم شيئاً جبراً للخاطر.
من لا تسمح له إمكانياته أن يتزوج امرأة حرة فيمكنه أن يتزوج أسيرة من وليها :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَات ﴾
لم يستطع؛ أي إمكاناته المالية لا تسمح له أن يتزوج امرأة حرة، نحن في سياق هذه الآيات عندنا امرأة حرة، وامرأة مما ملكت أيمانكم، فالحرة لها أهل، ولها أقارب، ولها مستوى معين في الإنفاق في المهر، وفي البيت، وما إلى ذلك، فيقول الله عز وجل:
﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ﴾
يعني إمكانياته المالية لا تطول حرة فيتزوجها، ليس عنده بيت يسكنها فيه، لا تطول يده إلى حرة ليتزوجها.
﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾
حينئذ يمكن له أن يتزوج أسيرة من وليها، هذه الأسيرة مهرها قليل، وترضى باليسير، ذلك لأنها في الأصل أسيرة، لكن:
﴿ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾
يعني جلست عند سيدها، وتعلمت الإيمان في بيته فأصبحت مؤمنة.
﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
حتى لو أنها فتاة من ملك اليمين فينبغي أن تعطيها حقها، وأن تعطيها مهرها،
﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾
أهلها الذين ملكوها بعد الحرب.
كلمة المحصنة لها ثلاثة معان :
قال:
﴿ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾
كلمة المحصنة لها ثلاثة معان، المعنى الأول: أنها حرة وليست أسيرة، ملكت حريتها، والمعنى الثاني: أنها متزوجة، والمعنى الثالث: أنها شريفة، بمعنى أن زوجها الذي أحصنها جعلها تمتنع عن أي إنسان، وثمة نعمة أسال الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا شكرها، جميع أخواننا المؤمنين تقريباً إذا خرج من بيته يخرج مطمئناً، لا أحد يدخل البيت في غيبته، مطمئناً إلى طهارة زوجته، وإلى استقامتها، وإلى حفظ نفسها، هذه نعمة لا تقدر بثمن، المرأة المحصنة هي امرأة حرة، هي امرأة عفيفة، هي امرأة متزوجة، يعني صفة شخصية متزوجة، صفة أخلاقية، وصفة اجتماعية، امرأة حرة اجتماعياً، متزوجة بنظام شخصي، عفيفة أخلاقياً،
﴿ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ﴾
يعني الأسيرة ليس لها أهل بالمعنى الدقيق، وهي تجد نفسها هينة، والهين قد يتساهل في أمر العفة، وهذا معروف في العالم كله، التي لها أهل، ولها أقارب، ولها مكانة لا تتساهل، وقد سأل أحد الصحابة سيدنا عمر: أتزني الحرة؟ فقال: لا، يعني شيئاً بعيداً عنها.
﴿ فَإِذَا أُحْصِنَّ ﴾
إذا تزوجت هذه الفتاة التي هي ملك اليمين.
﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾
طبعاً كلكم يعلم أن المرأة إذا زنت، أو أن الرجل إذا زنى، إذا كان أعزب يجلد مئة جلدة، وتجلد المرأة مئة جلدة.
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ﴾
أما إذا كانت محصنة وزنت ترجم حتى الموت.
المرأة المحصنة إذا زنت بشهادة أربعة رجال فعقابها الرجم حتى الموت :
الحقيقة أنه ما من فساد أكبر من أن تكون الزوجة مكتفية بزوجها، وحاجتها إلى الرجال محققة، ولها بيت ولها أولاد وهي أم وهي قدوة، ثم تخون زوجها، والله مرة شاب قال لي: أكاد أموت، أمي تخون أبي، اطلع على خيانة أمه لأبيه، قال لي: أكاد أموت، يعني هذه المرأة التي تخون زوجها، ولها أولاد، ولها زوج تركب أكبر جريمة، لذلك قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً ﴾
هل من فساد أكبر من أن تزني امرأة لها زوج، محصنة ولها أولاد، ولعل النبي عليه الصلاة والسلام في حكمه بالرجم على الغامدية أنه استنبط من هذه الآية:
﴿ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ﴾
هذا الذي يحارب الله ورسوله أو يسعى في الأرض فساداً، فالمرأة التي لم تتزوج عقابها الجلد، والرجل الزاني الذي لم يتزوج عقابه الجلد، أما المرأة المحصنة عقابها الرجم حتى الموت، ولأن الرجم لا يكون إلا بشهادة أربعة رجال شاهدوا العملية كاملة، ولا لبس بها، إذاً هذا جزاء الزانية الفاجرة التي لم تتورع أن تغلق الباب حينما تمارس هذه الفاحشة، إذاً هذا عقاب الزنى مع الفجور، وكأن هذا الشرط تعجيزي، فمن سابع المستحيلات أن يتم هذا اللقاء الفاحش على امرأة من أربعة رجال معاً، وكأن هذا الحد حد ردعي، بمعنى أنه قلّمَا يحتاج إليه من بيده الأمر، بالمناسبة هذه الغامدية التي جاءت إلى النبي تعترف بذنبها، والنبي أعرض عنها فألحت، أعرض عنها، ألحت، قال: اذهبي حتى تلدي، جاءت بمولودها، قال: أرضعيه حتى تفطميه، جاءت به بعد أن فطمته، ثم قال: حتى يأكل الطعام، جاءت به يأكل أمام النبي خبزاً، فرجمها عليه الصلاة والسلام، ولما سمع بعض الصحابة يسبها قال: والله تابت توبة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، وبكى النبي عليه الصلاة والسلام، هي حالة خاصة، فالمرأة والرجل غير مكلفين أن يخبر أحدهما عن نفسه، هذا ليس حكماً شرعياً، ما دام الله قد ستره فينبغي أن يحترم ستر الله له.
الفتاة إذا زنت فعليها نصف الحد وهو الجلد :
هؤلاء اللواتي تزوجتموهن إذا أحصن:
﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾
سيدنا سليمان قال:
﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ﴾
العذاب غير الذبح، فهناك من يدعي من الخوارج أنه لا رجم في الإسلام، لأن الموت لا يقسم إلى قسمين، الآية:
﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾
ما هو العذاب الذي يقسم إلى قسمين؟ الجلد فقط، هذا واضح، أما الموت فلا يقسم، وليس ثمة نصف موت، وفي اللغة شيء لطيف وهو أن هناك أفعالاً لا تقبل التفاوت، منه مات، فلا يقبل التفاوت، ولا يقبل اسم التفضيل، ولا ألفاظ التعجب، فليس هناك: ما أموته، ولا: فلان أموت من فلان، الموت حالة واحدة، فهناك أفعال لا تقبل التفاوت، هذه لا يصاغ منها اسم تفضيل، ولا صيغة تعجب، والموت منه، فالموت لا يقسم إلى قسمين، إذاً لأن الله عز وجل قال:
﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ﴾
العذاب غير القتل، إذاً العلماء استنبطوا أن هذه الفتاة إذا زنت فعليها نصف الحد الذي يقسم إلى قسمين وهو الجلد.
أحكام الزواج تتوزع بين خمسة أحكام :
قال:
﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾
إن أحكام الزواج أيها الأخوة تتوزع بين خمسة أحكام، قد يكون الزواج فرضاً على الشاب، إذا تاقت نفسه إليه وخشي العنت، وهو يملك مقومات الزواج، يملك البيت، والمهر، وكل لوازم الزواج، يملك المقومات، وتاقت نفسه إليه، ويخاف على نفسه من الزنى، فالزواج في حق هذا الإنسان فرض، أما الذي تاقت نفسه للزواج، ولم يخش العنت، لم يخش الضجر، لم يخش الزنى، طاقت نفسه، ولكنه ضامن لنفسه أنه لا ينحرف، فهذا الزواج في حقه واجب، كان فرضاً فصار واجباً، لأنه لم يخش العنت، أما الذي لم تتق نفسه إلى الزواج، ولا يخشى العنت من عدم الزواج فالزواج في حقه مباح، يعني لا فرض ولا واجب، أما الذي لا يملك القدرة على الزواج، وليس أهلاً للزواج، أنا أستمع من حين إلى آخر إلى شكاوى، شاب تزوج فتاة، لأتفه الأسباب حلف بالطلاق عليها، سبب تافه جداً، يقول ابن عباس: إن أحدكم يطلق امرأته ويأتيني ويقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، أيرتكب أحدكم أحموقته، ويقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، الزواج أهلية، أنت الآن قائد هذا البيت، لأسباب تافهة جداً يرمي عليها يمين الطلاق، بل أيمان الطلاق، بل كلما حلل شيخ يحرمك عشرة، لسبب تافه جداً، ولأسباب لا تعقل يفرض عليها شروط غير معقولة، وكلام غير معقول، فهذا الذي ليس أهلاً أن يتزوج، ليس قائداً لهذه الأسرة، وليس زوجاً كاملاً، وليس زوجاً مؤهلاً، عنده خلل، هذا الزواج في حقه مكروه كراهة تحريم، أما الذي لمجرد أن يتزوج يشقي معه امرأة فهذا الزواج في حقه محرم، والله أستمع أحياناً إلى شكاوى مكتوبة أو على الهاتف، شيء لا يصدق، يأتي بعد منتصف الليل شارباً للخمر، يتكلم بأبشع الكلمات، وينحرف أشد الانحراف، هذا إنسان محرم عليه أن يتزوج.
من لم يستطع الزواج فعليه بالصوم و الصبر :
قال:
﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾
إذا كان شاباً لا يخشى العنت فليصبر.. عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال:
((مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ))
قال:
﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾
أي هذه الزوجة أم أولادك، هذه الزوجة سوف تربي أولادك، إن لم تكن في المستوى اللائق انعكس هذا على أولادك، إذا كان لك إمكانية للصبر فابحث عن الزوجة الجيدة.
﴿ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
من اتبع منهج الله عز وجل سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾
وهذا البيان من رحمته بنا،
﴿وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
أي حينما يبين الله لنا منهجاً يوصل إليه، وحينما نسلك هذا المنهج إليه يرحمنا، ويسعدنا في الدنيا والآخرة، وفي هذه السورة آيات كثيرة تبدأ بقوله تعالى:
﴿ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾
يريد أن يرحمكم.
﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾