وضع داكن
09-04-2025
Logo
الدرس : 51 - سورة النساء - تفسير الآيتان 114-115 الكلمة الطيبة ومشاققة النبي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
 الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

من دلائل تكريم الله للإنسان أنه علمه البيان أي اللغة:


أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الواحد والخمسين من دروس سورة النساء ومع الآية الرابعة عشر بعد المئة وهي قوله تعالى: 

﴿ لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا(114)﴾

[ سورة النساء  ]

الحوار، الكلام، والإنسان مخلوق مُكرَّم، ومن دلائل تكريمه أنه علمه البيان. 

﴿  الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْءَانَ(2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ(3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4)﴾

[  سورة الرحمن ]

تصور أن يكون المجتمع بلا لغة كيف نعيش؟ أوضح مثل الطفل يبكي ساعة لا تعلم مما يشكو، تطعمه يبقى باكياً، تسقيه الماء يبقى باكياً، تنظفه يبقى باكياً، ما من لغة يحكي معك بها، أما الكبير يقول لك: أنا جائع، أنا متألم، أشعر بدوار، أشعر بألم في الرأس، فهذه اللغة من تكريم الله لنا: ﴿الرَّحْمَنُ*عَلَّمَ الْقُرْءَانَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ اللغة أداة اتصال بين أفراد النوع، اتصال راقٍ جداً، لو أننا مثلاً أردنا أن نمنع التجول في بلد ولا يوجد لغة، إذا كان في المدينة خمسة ملايين إنسان نحتاج إلى خمسة ملايين شرطي، يمسك كل شرطي الإنسان ويدفعه إلى البيت، ما من طريقة ثانية، أما في اللغة بلاغ من خمس كلمات بالإذاعة انتهى كل شيء، لا تجد إنساناً في الطريق، أرقى أداة اتصال بين أفراد النوع، اللغة أداة تعبيرية يُعبَّر بمقتضاها عن الفكر، وعن المشاعر، فأنت باللغة تعبّر عن مشاعرك، وباللغة تعبر عن أفكارك، وباللغة تفهم أفكار الآخرين، وباللغة تفهم مشاعرهم، وباللغة تتصل مع من حولك، هذه اللغة.
اللغة أيها الإخوة من مظاهر تكريم الله لهذا الإنسان، وهي كشأن أي حظ من حظوظه، قد تكون أداة خير، قد تكون سلماً يرقى به الإنسان، وقد تكون دركات يهوي بها، ولحكمة أرادها الله لأن الإنسان مخير كل حظوظه حيادية، وكل قدراته حيادية، وكل إمكاناته حيادية، وكل شهواته حيادية، أية شهوة أودعها الله بالإنسان، وأي حظ آتاه الله للإنسان، وأية قدرة منحها الله للإنسان، يمكن أن تكون سلماً يرقى به إلى الجنة، أو دركات يهوي بها إلى النار، المال حظ؛ طريق للجنة بإنفاقه في سبيل الله، وطريق إلى النار بإنفاقه في سبيل الشهوات، والمرأة حظ؛ طريق إلى الجنة بأن تتزوجها وأن تحسن إليها، وطريق إلى النار بأن تزني بها.

الكلام يمكن أن يرقى بالإنسان أو يهلكه:


الآن اللغة حظ؛ القدرة على الإقناع، الحوار، التكلم، فإما بهذا اللسان تُعرِّف الناس بخالق الأكوان فترقى عند الله، وإما أنه بهذا اللسان تُعرِّف الإنسان بمسالك المعصية والفسوق والفجور فيهوي بها إلى أسفل السافلين، اللغة حيادية، فيقول الله عز وجل: ﴿لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ﴾ أي اللغة نشاط من أوسع نشاطات الإنسان، لا يوجد إنسان لا يتكلم، ليلاً نهاراً، في بيته، وفي الطريق، ومع من حوله، ومع من فوقه، ومع من دونه، ومع أصدقائه، ومع أعدائه، أوسع نشاط بشري هو الكلام، والذي يجب أن نلتفت إليه أن هذا النشاط البشري الواسع جداً وهو الكلام يمكن أن يرقى بالإنسان أو يُهلِك الإنسان. 

(( إن الرجل ليتكلم الكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار. ))

[ أخرجه الترمذي عن أبي هريرة  ]

ورد في الأثر أن قذف محصنة تهدم عمل مئة سنة، قذف محصنة إنسانة مؤمنة شريفة طاهرة أنت اتهمتها ظلماً ولو إشارة، التعبير أنواع؛ يوجد تعبير لفظاً، يوجد تعبير إيماء، إشارة: (إن الرجل ليتكلم الكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار)

((   إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ. ))

[  رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍۢ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ(24) تُؤْتِىٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25)﴾

[  سورة إبراهيم ]


أفضل صدقة عند الله كلمة طيبة:


كلمة طيبة طارت في الآفاق، كلمة طيبة عمّ خيرها في العالمين، الأنبياء بماذا جاؤوا أيها الإخوة؟ الآن هناك صواريخ، حاملات طائرات، كمبيوتر، يوجد منجزات، أقمار صناعية، مركبات فضائية، ومع ذلك البشرية شقية من أقصاها إلى أقصاها، الأنبياء بماذا جاؤوا؟ بالكلام، بكلمة طيبة، وأفضل صدقة عند الله كلمة طيبة، فالكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الطيبة دعوة، والكلمة الطيبة نُصْح، والكلمة الطيبة تعريف بالله، والكلمة الطيبة إصلاح بين إنسانَين، والكلمة الطيبة عمل لا ينتهي: (إن الرجل ليتكلم الكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار) الإمام الغزالي رحمه الله تعالى عدّ في إحيائه سبع عشرة معصية أساسها الكلام، فالغيبة من معاصي اللسان، والنميمة، والبهتان، والسخرية، والمحاكاة، والكِبر، معاصي اللسان لا تعد ولا تحصى، بل نقطة هنا أن أحد أصحاب النبي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

((  وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم.  ))

[  أخرجه الترمذي عن معاذ  ]

لذلك المؤمن يعد كلامه جزءاً من عمله، يضبط لسانه، فبكلمة قد ترقى عند الله: 

(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ. ))

[ مسند الإمام أحمد عن أنس بن مالك ]

وعلامة المؤمن منضبط، لا غيبة، ولا نميمة، ولا محاكاة، ولا تقليد، ولا سخرية، ولا فُحش، ولا تفحُّش، هذا المؤمن، بل إن الفرق الصارخ بين مؤمن وغير مؤمن، أن المؤمن منضبط في كلامه، قد تعاشره أربعين عاماً فلا تسمع منه كلمة نابية، ولا تجريحاً، والمنافق لربع ساعة تلتقي به مزاح منحط، وطعن، وكلمة بذيئة، وسُباب فاحش هذه من صفات أهل الدنيا، فالله عز وجل في هذه الآية يقول: ﴿لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ﴾ الآن جلسات الناس، سهرات الناس، لقاءات الناس، لقاؤهم مع بعضهم بعضاً ماذا يقولون؟ إما أن يكون حديثهم في سفاسف الأمور، أو في المعاصي والآثام، لو لم يكن هناك معصية حديثهم في سفاسف الأمور، أما النبي عليه الصلاة والسلام وصفه الله عز وجل بأنه في الأفق الأعلى، وكلما ارتقيت إلى الله عز وجل كنت في أفق أعلى.

العمل الصالح هو علة وجودنا في الدنيا:


أيها الإخوة، مرة ثانية: كما أن البيان من مظاهر تكريم الله للإنسان كذلك البيان مزلق خطير إلى جهنم عن طريق اللسان فقط، وقد تجد ما يسمى بزنى اللسان الآن، وهو شائع، أي قد يصل الإنسان في حديثه إلى مستويات منحطة جداً، على كلٍ يقول الله عز وجل: ﴿لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ﴾ يُستنبَط من هذا الكلام أن قلة من الناس وهم المؤمنون كلامهم طيب، وكلامهم عمل صالح، وكلامهم رقي إلى الله عز وجل: ﴿لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ﴾ أحياناً تجلس مع أناس جلسة لا ترى فيها حديثاً قيماً، شيء سخيف، وشيء تافه، وكلام فارغ، وكلام لا معنى له، ومضيعة للوقت، وتبديد للعمر، أما كلما ارتقى مقامك عند الله تحاسب نفسك على الكلمة، تحاسب نفسك على الحرف، ﴿إلّا﴾ استثنى الله عز وجل من هذه النجوى، وقد نفهم من معاني النجوى الكلام السري، أي في لقاء سوف نفعل غداً كذا، نفعل بفلانة كذا، وسوف نفعل المطب الفلاني بفلان، النجوى يغلب عليه السرية والتكتم. 
﴿لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ﴾ أي أمر بعمل صالح لأن علة وجودك في الدنيا هو العمل الصالح، علة وجودك، والدليل: أنه حينما يأتي ملك الموت يقول الإنسان: 

﴿ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ(99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)﴾

[ سورة المؤمنون ]

إذاً علة وجودك هو العمل الصالح.

الدعوة لله عز وجل من أجلِّ الأعمال الصالحة بل هي من صنعة الأنبياء:


الصدقة مطلق العمل الصالح، تتكلم بزواج امرأة برجل، تسعى بزواج شابة مؤمنة بشاب مؤمن هذا عمل صالح، تسعى بتأمين عملٍ لإنسان عاطل هذا عمل صالح، تسعى بدلالة إنسان على منبع للحق هذا عمل صالح، تدعو إنساناً لطاعة الله هذا عمل صالح، تعرِّفه بعظمة الله هذا عمل صالح، تبين له منهج الله في شأن معين هذا عمل صالح، تبين له شيئاً من سيرة النبي هذا عمل صالح، شيئاً من أخلاقه العلية هذا عمل صالح، أي حينما تدعوه إلى عمل صالح، حينما تدعوه إلى طاعة، حينما تدعوه إلى تضحية، حينما تدعوه إلى إيمان، حينما تدعوه إلى التزام، هذا كله عمل صالح، لذلك الدعوة لله عز وجل من أجلِّ الأعمال الصالحة، بل هي من صنعة الأنبياء: ﴿إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ﴾ أي بعمل يؤكد صدقك مع الله، أمرت إنساناً بعيداً أو قريباً أو صديقاً أو جاراً أمرته بعمل يؤكد صدقه في طلب الحقيقة، يجب أن تُوسَّع هذه الكلمة، صدقة، بمعناها الضيق بإنفاق المال، بمعناها الواسع بشيء يؤكد صدق الإنسان، لأن الصدقة برهان على أنك مؤمن. 
﴿أَوۡ مَعۡرُوفٍ﴾ تعارَفَ الناس بفِطَرهم السوية السليمة على أن هذا العمل طيب، والله أخبرني إنسان في محافظة في أقصى شمال شرق سوريا، توفيت زوجته عندهم تقليد رائع أن كل مُعزٍّ يعزي طبعاً الوفاة مصيبة، وقد يكون المُعزَّى رقيق الحال، فالمعزون يدفعون شيئاً من أموالهم معاونة لهذا الذي أصيب بفاجعة، شيء لطيف، هذا شيء تُقِرّه الفِطَر السليمة، أنبأني أخ بإفريقيا أن هذا مطبق عندهم المعزون يبذلون شيئاً من أموالهم لمن فُجِعوا بهذا المصاب، فالذي فُجِع بموت والده أو موت أمه أو موت شقيقه يتلقى بعض المساعدات من إخوانه المؤمنين، وهذا يعينه على حل مشكلاته، فأي عمل تقره الفطر السليمة، أحياناً يكون هناك تعاون بين الناس على شيء ما، وهذا باب مفتوح مَفتوح على مصراعيه، أي عمل فيه نفع للمسلمين هو عمل صالح، والفطر السليمة تقره، وينبغي أن نقف قليلاً عند قول الله عز وجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ما المعروف؟ ما تعارفت عليه الفِطَر السليمة، ما المنكر؟ ما أنكرته الفِطَر السليمة.

العرف دائماً تقره الفطر السليمة:


إذاً: إما أن تدفع الناس بكلامك إلى عمل يؤكد صدق إيمانهم، أو يؤكد صدق إخلاصهم لله، أو بالمعنى الضيق إلى إنفاق أموالهم في سبيل الله، أو معروف أي شيء لم يرد في الدين لكن الأعراف تصدقه وتؤكده. 
مرة حدثني أخ أنه في بعض البلاد الإسلامية أحد أنواع الوقف وقف الإصلاح بين الزوجين، أي مؤسسة فيها علماء، وفيها خبراء اجتماعيين، ومرصود مبالغ لها، فأي مشكلة بين زوجين يأتي المشرف، يأتي الشيخ يقنع الزوج، يقنع الزوجة، يعيد هذه الأسرة إلى وئامها، هذا عمل صالح، وقْفٌ للإصلاح بين الزوجين، فأي شيء يرقى بالمؤمنين يرقى بالمسلمين، يحل مشكلاتهم هذا أيضاً مما يرد بالمعروف. أي شيء لا نص فيه المرجع هو العُرف، والعرف دائماً تُقِرّه الفطر السليمة. 
﴿أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ﴾ أن تصلح بين أخوين، بين شريكين، بين زوجين، أن تصلح بين إنسان وربه، أن تصلح بين أخوين مؤمنين، فهذا كلام يحتاج إلى لقاء، وإلى حديث، وإلى بيان، وإلى أدلة، وإلى قصص، وإلى تخويف، وإلى ترغيب، وإلى تحذير، هذا كله كلام، فحينما ينطلق لسانك بالإصلاح بين الناس، أو ينطلق لسانك لحل مشكلات المسلمين من خلال معروف تفعله، أو حينما ينطلق لسانك بدفع الناس إلى عمل صالح يقربهم من ربهم، هذه النجوى إن كانت علانية أو سرية محمودة عند الله عز وجل: ﴿لا خَيۡرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ﴾  

أول صفات المؤمن أنه منضبط بلسانه:


قال تعالى: ﴿وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ﴾ أي هو حينما يوفق إنسانين، يصلح بين إنسانين، يدفع إنساناً إلى طاعة الله، يحمله على العمل الصالح، يحمله على فعل الخيرات وترك المنكرات، قال: ﴿وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾ إذاً يجب أن تعد أن كلامك من عملك، نحن متوهمون أن العمل فعل، أما هذا كلام بكلام، كلامك فعل أيضاً، بدليل أنك لو تكلمت كلمة بسخط الله تهوي بهذه الكلمة سبعين خريفاً في النار، أي هذا رئيس المنافقين ماذا قال؟ قال كلاماً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا الكلام جعله يهوي في جهنم سبعين خريفاً، كلمة قالها، فينبغي أن تعد –دقق- كلامك من عملك، بكلامك ترقى وبكلامك تسقط عند الله، وأول صفات المؤمن أنه منضبط، منضبط بلسانه، ثم يقول الله عز وجل: 

﴿ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا(115)﴾

[ سورة النساء ]

شاقق الرسول؛ أي خرج عن منهج النبي، منهج النبي عليه الصلاة والسلام من عند الله، النبي عليه الصلاة والسلام جاء بمنهج، عقلك إذا أعملته في الكون دلك على أن هذا الكون لا بد له من خالق، لكن هذا الخالق ماذا يريد منا؟ جاء الإيمان برسول الله الذي يبلّغ عن الله، أي عقلك أوصلك إلى الله، ورسول الله أوصل إليك مراد الله منك، فالعقل والنقل يتكاملان، أنت بالكون تؤمن وبالشرع تعبد.

مشاققة الرسول:


كلمة التوحيد والرسالة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله آمنت أن لهذا الكون إلهاً، رباً، خالقاً، مسيراً، واحداً في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، حسناً ماذا يريد مني؟ لماذا خلقني؟ ماذا بعد الموت؟ ماذا ينبغي أن أفعل؟ مليون سؤال، جاء رسول الله وأبلغك عن الله، مراد الله منك، لذلك الإسلام كله مضغوط بكلمتين؛ لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهذا المنهج الذي جاء به النبي منهج الإنسان الذي ينبغي أن يَسلَم ويسعد، فلو أن الإنسان شذ عنه يكون قد شاقق رسول الله: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ﴾ الرسول لو عصيت أمره أنت المتضرر الوحيد، هو في أعلى عليين، مشاققة الرسول تعني أن تخرج عن منهجه، ومنهجه منهج كل إنسان يريد السلامة والسعادة، فالمشاققة أن تخرج عن منهجه، ألا تعتدّ بسنته، ألا تقيم وزناً لأمره، هذه مشاققة للرسول، لأن الرسول ما جاء بشيء من عنده إطلاقاً ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ﴾ الأمر واضح، الآن إخواننا الكرام، الأمور واضحة جداً بقي أن نعمل، أي ولا سيما بعد الأحداث الأخيرة، كان هناك أبيض وأسود ومئة ألف لون رمادي بينهما، الآن يوجد أبيض وأسود؛ إما أن تخاف من الله أو من وحيد القرن، إما أن تطلب الآخرة أو أن تطلب الدنيا، إما أن تُحكِّم مصالحك وإما أن تُحكِّم مبادئك، إما أن تكون مطيعاً وإما أن تكون عاصياً، إما أن تلهث وراء الشهوة وإما أن تلهث وراء رضوان الله عز وجل، الأمر واضح جداً.

الآية التالية آية تهديد:


لذلك: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ﴾ الأمر واضح وكل شيء أصبح واضحاً إلى درجة غير معقولة، ومع ذلك يتبع غير سبيل المؤمنين، هذا هو الإجماع، يتبع غير سبيل المؤمنين، المؤمنون لا يكذبون، المؤمنون لا يعينون كافراً على بعضهم، مستحيل! المؤمنون لا يسهلون العدوان على إخوانهم المؤمنين، مستحيل! المؤمن له سبيل، المؤمن يتحرّج أن تموت هرة بسببه فكيف بما فوق الهرة؟ أي في تقديرات أولية أن أول يوم فيه مليون قتيل وأربعة ملايين شريد، فهذا الذي يعين هذه القوة الغاشمة، يسهل لها، يقدم لها الدعم، يقدم لها الأرض، يقدم لها كل ما تحتاج أين هو من الدين؟ ﴿وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾

(( المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَخونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ عرْضُهُ ومَالُهُ وَدَمُهُ. ))

[ متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه  ]

أي الحد الأدنى الذي يؤكد أنك مؤمن أنه لا يمكن أن تساعد آخر على أخيك المؤمن، ولو لم يكن طائعاً لله، الحد الأدنى الذي يؤكد أنك مؤمن ألا تساعد عدواً على أخيك المؤمن، هذا الحق، فلذلك: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ شقّ عنهم: شذ عنهم، خرق منهجهم، لم يعبأ بهدى رسول الله: ﴿وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ﴾ أنت مخير، نعطيك ما تريد، لكن: ﴿وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾ هذه آية تهديد، هكذا تريد؟! ليكن ما تريد، لكن انتظر العقاب.

الإنسان مخير في أن يكون في خدمة الخلق أو أن يكون في إيذائهم:


قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ﴾ هذا الإنسان مخير. 

﴿ كُلًّا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا(20)﴾

[  سورة الإسراء ]

ماذا تريد؟ تريد أن تكون في خدمة الخلق، لك ذلك، تريد أن تكون في إيذاء الخلق، لك ذلك، لا تؤذي من تريد، إنك تؤذي من يُعَدّ الأذى في حقه حكمة بالضبط، أدق كلام أن إنساناً نوى أن يسرق، أنت مخير، لك ذلك، لكن الله يسوقه إلى مَن إذا سُرِق ماله اتّعظ من هذه السرقة، يسوقه إلى من تُعَدّ سرقة ماله معالجة له، بالضبط، الله ينسق. 

﴿ وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(129)﴾

[  سورة الأنعام ]

الله ينسق.

الله تعالى يوظف الشر لمعالجة الآخرين:


أنت تريد الشر، لكن الله يوظف لك الشر بمعالجة الآخرين، أوضح مثل: 

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ(4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ(5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ(6)﴾

[  سورة القصص ]

هذا ترتيب الله عز وجل، إذا عصاه من يعرفه سلط عليه من لا يعرفه، إلى أن يعود الذي يعرفه وقد عصاه، فإذا عاد إليه قوّاه ومكّنه من الذي ظلمه إلى أن يعود الظالم إلى الحق، يسوق هؤلاء لهؤلاء، وهؤلاء لهؤلاء، لذلك سألوا مرة تيمورلنك: من أنت؟ أجاب إجابة رائعة، قال: أنا غضب الرب، يعني الإنسان يغضب يعلو صوته، قد يكسر آنية بيده، وإذا غضب الله يرسل تيمورلنك، يرسل هولاكو، يرسل وحيد القرن، أبداً، أنا غضب الرب، أنا ملك الملوك ومالك الملوك.
في الأثر القدسي: "قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن هم عصوني حولتها عليهم بالسخط والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاحهم بصلاحكم" .

أساليب المؤمن في الحياة:


قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ﴾ لمجرد أن تخرج عن منهج النبي شاققته، انسلخت عنه، خرقت منهجه، لم تستقم على منهجه ﴿مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ المؤمنين لهم سبيل، لهم نُظُم، لهم قيم، لهم مبادئ، لهم أساليب في الحياة أساسها الصدق والأمانة والعفة والانضباط والإحسان والإنصاف والعدل، هذا سبيل المؤمنين: ﴿وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ ولأنه مخير ﴿نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ﴾ لك ذلك، لكن لك ذلك لا على من تشاء أنت على من نشاء نحن، حينما يريد الإنسان أن يظلم إنساناً هو أراد أن يظلم لكن الله يسوقه إلى مَن يُعَد هذا العمل في حقه حكمة: ﴿نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ﴾ كما تريد: 

﴿ أَمْ أَبْرَمُوٓاْ أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ(79)﴾

[  سورة الزخرف ]

لك ذلك وادفع الثمن.

هان أمر الله علينا فهنّا على الله:


 يا ربي كم عصيتك ولم تعاقبني، قال: عبدي كم عاقبتك ولم تدرِ. 

﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰٓؤُهُۥ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ(18)﴾

[ سورة المائدة ]

الذي يقوله المسلمون اليوم نحن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قل فلمَ يعذبنا بذنوبنا، لأننا لم نتبع منهج النبي، نحن بشر ممن خلق، من دَهْماء الأمم، هان أمر الله علينا فهُنّا على الله، والله ما من أمة في هذه المرحلة أشد هَوناً من المسلمين أبداً، لا قيمة لقتلاهم أبداً، قتلاهم بلا ثمن، أما أي إنسان آخر إذا قُتِل تقوم الدنيا ولا تقعد، أما مئات وآلاف الأشخاص بلا ثمن، لأن أمر الله هان عليهم فهانوا على الله: ﴿وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ أنت اتخذ قراراً: ﴿أَمْ أَبْرَمُوٓاْ أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴾ أردت أن تفعل هذا افعل وادفع الثمن، اعملوا ما شئتم، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ(25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26)﴾

[ سورة الغاشية ]


لا بدّ للإنسان من أن يدفع ثمن اختياره:


قال تعالى: ﴿نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ﴾ لك ذلك، لكن المصيبة في دفع الثمن، إنسان يرتكب جريمة ويحقق ربحاً كبيراً، يتمتع يومين أو ثلاثة، ثم يُلقى القبض عليه، يُحاكم بالإعدام، يُساق للمشنقة، وصل إلى طريق مسدود، يحب أن يضحك؟ فليضحك، لا بد أن يُعدَم، يحب يبكي؟ فليبكِ، لا بد أن يعدم، يحب أن يتوسل؟ فليتوسل، لا بد أن يُعدم، فأنت تختار لكن بعد الاختيار دفع الثمن، اعملوا ما شئتم: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ أيها الإخوة الكرام، هذه آية خطيرة وهي مناسبة، ﴿وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور