وضع داكن
28-04-2025
Logo
الدرس : 55 - سورة النساء - تفسير الآيات 123-126 ثمن النصر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

الأماني بضائع الحمقى :


 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الخامس والخمسين من دروس سورة النساء، ومع الآية الثالثة والعشرين بعد المئة وهي قوله تعالى:

﴿ لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(123)﴾

[ سورة النساء  ]

 هذه آية حاسمة، الأماني بضائع الحمقى، أنا أقول لكم أيها الإخوة: ما من مسلم على وجه الأرض إلا ويتمنى النصر، والله عز وجل يقول: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ﴾ وما من مسلم إلا ويتمنى الجنة، قضية التمني قضية سهلة جداً، يستطيعها كل مقصِّر، يستطيعها كل منافق، يستطيعها كل عاصٍ، فالله عز وجل في آية حاسمة يقول: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ﴾ تمنَّ ما شئت، تمنَّ أن تكون سيد البشر، تمنَّ أن تكون في أعلى درجات أهل الجنة، تمنَّ أن تكون في الفردوس الأعلى، تمنَّ أن تنتصر على أكبر قوة في الأرض، تمنَّ ما شئت، التمنيات لا تقدم ولا تؤخر، التمنيات لا تحرك ساكناً، لا تشفي مريضاً ولا تجلب عفواً ولا توبةً، تمنَّ ما شئت، الأماني بضائع الحمقى. 

إن لم نغير ما بأنفسنا لا يغير الله أحوالنا:


 الله عز وجل يقول: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ﴾ المسلمون اليوم يتمنّون دخول الجنة ولا يدفعون ثمن الجنة، يتمنون النصر، والله حينما أستمع إلى أدعية الدعاة في هذه الأيام العصيبة دعاء يقشعرّ منه الجلد، الله ألا يسمعنا؟ والأمر بيده، لمَ لا يتغير الحال؟ لأن الله عز وجل يقول: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ﴾ تمنَّ ما شئت، فالآية الحاسمة الأخرى التي تلتقي مع هذه الآية: 

﴿ لَهُۥ مُعَقِّبَٰتٌ مِّنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ يَحْفَظُونَهُۥ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ سُوٓءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُۥ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَالٍ(11)﴾

[  سورة الرعد ]

 لا تغيِّر لا يغيِّر، قضية واضحة كالشمس، حاسمةٌ تماماً، إن لم نغيِّر لا يغيِّر، الإنسان ضيق الأفق، ضعيف التفكير، يتمنى أن يغيِّر الله وهو لا يغيِّر، لذلك مهما دعَونا، ومهما ابتهلنا، ومهما علا صوتنا بالدعاء، ومهما نمّقنا الدعاء، ومهما بكينا في الدعاء، الأمر لا يتغيَّر، إن لم نغيِّر لا يغيِّر، فإن غيّرنا رأيت العجب العُجاب، إن غيّرنا رأيت موازين القوى تنقلب رأساً على عقِب، إن غيّرنا رأيت كيف يتدخل الله ، إنْ غيّرنا رأيت كيف ينصرنا الله على ضعفنا.

﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍۢ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّىٓ إِلَّا مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةًۢ بِيَدِهِۦ ۚ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍۢ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًۢ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ(249)﴾

[ سورة البقرة ]

الصحابة كانوا قلة قليلة قلبوا وجه الأرض، لأنهم غيّروا، لمَّا غيّروا غيَّر الله ما بهم: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ .

الله عز وجل ما كلفنا ما لا نستطيع بل كلفنا ما نحن عليه قادرون:


 أنا أقول كلمة جامعة مانعة موجزة قاطعة؛ إن لم يفكر أحدنا أن يغِّير فهذا الوضع من سيئ إلى أسوأ، وكل فترة يوجد بلد تُنتهَك حرماته، وتُسلَب خيراته، ويُقتَّل أبناؤه، وتُهدَم أبنيته، ورأيتم رأيَ العين ماذا يحل بالمسلمين، والله موجود والأمر بيده، ويد الله فوق أيديهم، هذا هو التوحيد، لكن الله عز وجل لا يغِّير إلا إذا غيّرنا، هذه الآية واضحة وضوح الشمس: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ العجيب كيف أنّ الشيطان وسوس لهؤلاء الناس، يدفعهم إلى ما لا يستطيعون فعله، ويزهِّدهم بما يستطيعون، كل مسلم يستطيع أن يتوب إلى الله ولا أحد يُسائله، ولا أحد يتّهمه، وليس هناك مشكلة، كل مسلم إذا دخل بيته بإمكانه أن يقيم فيه الإسلام، أن تُؤدَّى فيه الصلوات، أن يأمر بالمعروف، كل مسلم بإمكانه أن يضبط بناته، وبإمكانه أن يحمل أهل بيته على الصلاة، كل مسلم بعمله بإمكانه أن يكون صادقاً وأميناً، وعفيفاً، ومخلصاً، الله عز وجل ما كلفنا ما لا نستطيع، كلفنا ما نحن عليه قادرون، قال لنا: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ الأمر بقدر ما هو بسيط بقدَر ما هو بعيد عن الناس، نريد أن نرغم أكبر قوة في الأرض أن تكف عن العدوان، لا نستطيع، لا نحن ولا غيرنا، ولا أهل الأرض، الطغيان بلغ درجة من التعقيد ليس له من دون الله كاشف، الآن حل أرضي غير موجود، لا يوجد حل أرضي، نحن غفلنا عن أن نعد لأعدائنا أربعمئة عام، هذه الغفلة، وقد أمرنا الله عز وجل وقال:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)﴾

[  سورة الأنفال ]

 نحن ما أعددنا لهم، ما أعددنا لهم فأصبحوا أقوياء، فأملَوا إرادتهم على كل البشر.

لا تتمنَّ النصر إن لم تدفع ثمنه:


 إذاً أيها الإخوة الكرام هذه آية صدقوني، جامعة مانعة، قاطعة واضحة: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ﴾ مسلم ينتمي إلى جماعة إسلامية، له شيخ، ينتمي إلى جامع: ﴿مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

(( يا مَعْشَرَ قريشٍ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا بني عبدِ مَنَافٍ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ! لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا، يا صفيةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ! لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا، يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ! سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا. ))

[  صحيح الجامع ]

(( ومَنْ أبْطأَ بهِ عملُهُ لمْ يُسرِعْ بهِ نَسبُهُ. ))

[ صحيح الجامع ]

قضية حاسمة، كيف أنّ هذه الآية جاءت في مثل هذه الأيام، هي أنسب آية لمثل هذه الظروف، لا تتمنَّ النصر إن لم تدفع ثمنه، لا تتمنَّ النصر إن لم تزل المنكرات، لا تتمنّ النصر إن لم تحجب الفتيات، لا تتمنَّ النصر إن لم تمنع بيع المسكرات، ما دام هناك معاصٍ على قدم وساق متفشية بين المسلمين والمسلمون راضون ساكتون: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ﴾ الانتماء لا يقدم ولا يؤخر، لذلك المسلمون يعجبون؛ يا رب ألا ترى ما يفعلون بنا؟

الشدة التي يسوقها الله للبشر من أجل أن يتوبوا إلى الله:


 حدثني طبيب صديق كان يستمع إلى بعض الإذاعات في منتصف الليل، فإذا بمقابلة مع مفتي البوسنة، الحوار عجيب، يقول هذا المفتي: لا يعتب إخوتنا في المشرق على الله من أجلنا، نحن لسنا مسلمين، هكذا قال! نأكل الخنزير، نشرب الخمر، نتعامل بالربا، وليس هناك فرق بيننا وبين الآخرين إطلاقاً، بعد هذه الأزمة الطاحنة أصبحنا مسلمين، حقيقة، نطق بالحق، والرجل من شدة تأثره بهذا اللقاء حفظ الكلام حرفياً، فهذه الشِّدة التي يسوقها الله إلى البشر من أجل أن يتوبوا إلى الله، فإذا تابوا رفع عنهم كل مكروب، الكرة بملعبنا، الخلل عندنا، فإن غيَّرنا يغيِّر، وإن لم نغير لا يغير: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ﴾ دققوا الآن: 

﴿ وَمَنْ أَرَادَ ٱلْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا(19)﴾

[ سورة الإسراء ]

﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَٰلِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدًۢا(110)﴾

[ سورة الكهف ]

 ما عند الله لا يُنال بالتمنيات، ما عند الله لا ينال بأن تحلم بأنك من أهل الجنة، القضية أخطر من ذلك، إله عظيم وشرع حكيم وعدل مطلق، إن لم نغيِّر لا يغيِّر: ﴿مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِ﴾ فعل الشرط وجواب الشرط: ﴿مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ .

إذا هان أمر الله علينا هُنَّا على الله:


 تدعو، تصرخ، تبكي، تنمّق الدعاء، تأتي به مُسجَّعاً، ادعُ ما شئت، إن لم تعلّق ما عند الله على العمل لا يأتيك من الله النصر، هذه حقيقة، هذا قرآن، هذه قوانين إلهية: ﴿مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ ﴿وَإِذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍۢ سُوٓءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ﴾

﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ۩(18)﴾

[  سورة الحج ]

 إذا هان أمر الله علينا هُنّا على الله، إذا كان الله معنا فمن علينا، وإذا كان الله علينا فمن معنا، ما معنا أحد، ليس معنى هذا أنّ الذي قهرنا قريب من الله، لا، هو أفسق بكثير، لكن الله يسلّط الذي لا يعرفه على الذي يعرفه وهو لا يطيعه، هذه قاعدة ثابتة، جاء في الأثر: إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني. 
 يسلط الذي لا يعرفه أصلاً على الذي يعرفه ويحيد عن أمره، يوجد إنسان طرح سؤالاً محرجاً، قال لي اليوم عقب الخطبة: جميع أهل الأرض قاموا مِن كَبوة أصعب من كبوتنا ووقفوا على أقدامهم ونهضوا، فما بال المسلمين كذلك؟ الحقيقة يوجد إجابة دقيقة جداً، أرجو أن تكون واضحة عندكم، المؤمن الملتزم، المطبق، الطائع، المخلص، مرتاح ومتوازن مع الله، لا يوجد عنده مشكلة، أما الكلمة الدقيقة التي قد لا تقبلونها، والكافر حينما كفر بالله والتفت إلى الدنيا فقط متوازن ومرتاح، هو أراد الدنيا انتهى الأمر، ولم يُرِد الآخرة، فهو واضح، لذلك بلغ أعداؤنا درجة عالية جداً من القوة، لأنهم أرادوا الدنيا فقط، وألغوا كل منهج إلهي هؤلاء: 

﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)﴾

[ سورة الأنعام  ]


الذي يؤدبه الله تعالى هو المؤمن العاصي:


 الأمر واضح، المؤمن مرتاح وواضح -اسمحوا لي بهذه الكلمة- ومتوازن، والكافر واضح ومرتاح في الدنيا فقط، ومتوازن، ليس عندهم آخرة أبداً، في الدنيا نظام عمل كل إنسان في مكانه، قوة اختراع، مَن هذا الثالث الذي تأتيه المصائب من كل جانب؟ هذا المؤمن العاصي، فيه خير ليس مع المؤمنين؛ لأنه ليس ملتزماً وليس كافراً، أي أنت كأب -لا سمح الله ولا قدَّر- عندك ابن معتوه، هل تؤدبه كل يوم؟ أبداً، وعندك ابن متفوق وذكي هل تؤدبه؟ لا! فعندك ابنان مرتاحان، الذكي المتفوق والمعتوه، لا يوجد مشكلة، من هذا الذي تعاقبه كل يوم؟ الذكي المقصِّر، فيه خير لكنه غير ملتزم، هذه هي القصة ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أموال لا تأكلها النيران، بلاد جميلة، أمطار غزيرة، قوة قوية، غارقون في مُتَعٍ لا يعلمها إلا الله، وأمرهم نافذ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ هؤلاء في الدنيا لا يُعالَجون، تماماً كما لو جاء مريضٌ مصابٌ بورم خبيث من الدرجة الخامسة، وسأل الطبيب ماذا آكل؟ يقول له: كُلْ ما شئت، أما هذا الذي أصيب بالتهاب حاد في المعدة يعطيه الطبيب قائمة ممنوعات، ويسأله كل يوم إياك أن تأكل هذا الطعام، هذا يزيد في التهاب المعدة، من هذا الذي يُشدَّد عليه؟ من هذا الذي يُحاسَب حساباً عسيراً؟ من هذا الذي يقسو عليه الطبيب؟ هو الذي عنده مرض قابل للشفاء، أرجو الله سبحانه وتعالى من أعماقي أن يكون مرض المسلمين قابلاً للشفاء.

لا أحد ينصرنا إلا الله تعالى إن أطعناه:


 لذلك هذه الشِّدّة يجب عليكم أن تعرفوا من هو عدوكم:

﴿ هَٰٓأَنتُمْ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ(119)﴾

[ سورة آل عمران ]

 هناك مَن لم يصدق الله عز وجل في هذه الآية! يحبهم! رأيت جريمتهم! رأيت وحشيتهم! رأيت قتلهم للمدنيين! قتلهم للأطفال! قتلهم للنساء! رأيت قصفهم لمستودعات الغذاء! رأيت إذلالهم للمسلمين! أين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام؟ أين كل هذا الكلام المعسول الذي يتبجّحون به؟ الحقيقة أن هذه الأحداث كشفت عن لؤمهم، وعن وحشيتهم، وعن بعدهم عن مبادئهم كبعد الأرض عن السماء، أمر واضح. 
﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ لا أحد ينصر المسلمين الآن، حتى الذين اعترضوا على هذه الحرب اليوم أيّدوا، وتمنَّوا أن يكون النصر للأعداء، من أجل مصالحهم، لا أحد يقف معنا إلا الله، والله عز وجل لا يقف معنا إلا إذا أطعناه، هذا كلام دقيق، لا يحتمل أي مناقشة ولا اعتراض: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ لا يوجد إنسان يتولاه بالنصح والإرشاد ولا إنسان ينصره.

حال المسلمين اليوم لا يُحتمل كله كلام بكلام:


 قال تعالى: 

﴿ وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرًا(124)﴾

[ سورة النساء  ]

 إذاً أول آية: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ﴾ ماذا يقابل هذه الآية ﴿وَمَن يَعۡمَلۡ﴾ يوجد تمنيات ويوجد عمل، لذلك أيها الإخوة: 

﴿ وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(105)﴾  

[  سورة القصص ]

 الآن هناك من يتفلسف، بكذا وكذا...أنت ماذا قدمت؟ لا بد من الجهاد، أنت ماذا قدمت؟ إلى متى نتفلسف؟ أنت ماذا قدمت، هل قدمت شيئاً؟ 

(( عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا  ))

[ صحيح مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ  ]

 من تمنى أن يجاهد ولم يُتَح له فكأن الله يكتب له أجر الشهيد، اعمل عملاً، لا تقف عند الكلام، حال المسلمين الآن لا يحتمل كلاماً إطلاقاً، كلام بكلام، لا يقدم ولا يؤخر، والذي يؤلم الآن هذا الاستنكار العالمي، استنكار فقط، نراقب بقلق، خير إن شاء الله، نشجُب، نندّد، نشدد على كذا وكذا، وبالنهاية لا أحد يقدم شيئاً، هذا كلام بكلام.

من معاني كلمة (الصالحات):


 قال تعالى: ﴿لَّيۡسَ بِأَمَانِيِّكُمۡ وَلَآ أَمَانِيِّ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِۗ مَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا يُجۡزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدۡ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا*وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ﴾ الإيمان أصل، هناك من يعمل صالحاً وليس بمؤمن، منطلِقاً من ذكائه ومصلحته، هذا له الدنيا، وما له في الآخرة من خَلاق، هناك أناس أذكياء يعملون الصالحات تمتيناً لمكانتهم، ودعماً لوجودهم، وجلباً لثناء الناس عليهم، هذا يكافئه الله على عمله الصالح في الدنيا وما له في الآخرة من خَلاق.
﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ الصالحات كلمة جامعة مانعة، من معانيها الاستقامة، والانضباط، ومن معانيها البذل والعطاء، أنفق ماله، أنفق علمه، أنفق خبرته، أنفق جاهه، أنفق وقته في طاعة الله.
﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ﴾ في هذه الآية إشارة إلى أن المرأة مساوية تماماً للرجل في التكليف والتشريف وفي المسؤولية، لو أن الله عز وجل قال: من يعمل من الصالحات من المؤمنين تعني المؤمنات حُكماً بقاعدة التغليب، ولكن أراد الله أن يؤكد على أن المرأة عند الله كالرجل تماماً، يمكن أن ترقى إلى أعلى مستوى. 
﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرًا﴾ ما هو النقير؟ لو أكلت تمرة ثم أمسكت بالنواة، في أحد طرفيها نتوء مُؤنَّف كالإبرة تماماً، أي حجمه واحد على خمسين من الميليمتر، إبرة، قال: في مستوى هذا النقير لا تُظلَم: ﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرًا﴾ 

حقيقة الدين الذي أراده الله وارتضاه:


 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا(125)﴾

[ سورة النساء  ]

 حقيقة الدين الذي أراده الله، حقيقة الدين الذي يرتضيه الله، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ(55)﴾

[  سورة النور ]

 أي دين يرتضيه الله؟ هذا الدين: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا﴾ حقيقة الدين الذي يرتضيه الله عز وجل قال: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ﴾ أي أولاً اتجه إلى الله، توكل عليه، طلب رضاه، طبق أمره، ترك نهيه، ترك ما نهى عنه، أسلم وجهه، قبِلَ بمنهج الله من دون أن يعترض عليه، لم يقدم بين يدي الله ورسوله، لم يقل قطْع اليد توحُّش، هذا الذي جاء به القرآن وجاءت به السُّنة هو عين الكمال، وقمة الكمال، والحسن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع، هذا أسلم وجهه لله أي عرفه وأقبلَ عليه، ثم صدّق كل ما جاء به رسوله من أحكام.

قصة من التاريخ عن أحد الصحابة الكرام:


 قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ﴾ أي يوجد شيء اعتقادي وشيء سلوكي، بالسلوك يوجد إحسان، يوجد صدق، يوجد أمانة، يوجد عفة، يوجد إنجاز للوعد، يوجد حفاظ للعهد، يوجد رأفة ورحمة، يوجد عدل وإنصاف، هذا المؤمن، أي بمعتقداته سليمة، وبسلوكه محسن، هذا هو الدين الصحيح، هذا هو الدين الذي يمكِّنه في الأرض، هذا هو الدين الذي يُمكَّن في الأرض، هذا هو الدين الذي يقلب الله موازين القوى من أجله، هذا هو الدين الذي مَن عمل به غلب أعداءه ولو كانوا قلة: ﴿كَم مِّن فِئَةٍۢ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًۢ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ سيدنا الصديق رضي الله عنه جاءته استغاثة من سيدنا خالد، يريد المَدد، وسيدنا خالد يطمع بخمسين ألف مدد، لأنه يواجه عدواً أكثر من عشرين ضعفاً، معه ثلاثين أو أربعين ألفاً، والعدو ستمئة ألف، فطلب المدد من سيدنا الصديق، قصة كالخيال، سيدنا الصديق أرسل له المدد واحد! اسمه "القعقاع بن عمرو" ، لما وصل القعقاع إلى نهاوند قال له: أين المدد؟ قال له: أنا، دُهِش سيدنا خالد! قال له: أنت؟ قال له: أنا، وهذا الكتاب من الصدِّيق، هكذا يروي التاريخ، يقول الصدِّيق لسيدنا خالد: "لا تعجب يا خالد أن أرسلت لك واحداً فو الذي بعث محمداً بالحق إن جيشاً فيه القعقاع لا يُهزم"، وانتصروا بواحد، كان أصحاب النبي واحد كألف، بينما إذا ترك الناس سنة النبي يصبحون ملياراً بواحد، عدد المسلمين مليار ومئتا مليون، ليس أمرهم بيدهم، وليست كلمتهم هي العليا، هم يُعتدى عليهم في بلادهم، وتُنهَب ثرواتهم، ويُقتَّل أبناؤهم، وتُهدم منشآتهم، مليار ومئتا مليون أين هم المسلمون اليوم؟ متفرقون، تحكمهم الأهواء والمصالح، هذا فضلاً على من يعاون الأعداء على قتل المسلمين بتقديم التسهيلات.

تطبيق النبي الكريم منهج الله عز وجل الذي جاء به إبراهيم عليه السلام:


 الدين الذي ارتضاه الله عز وجل: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا﴾ الدين الذي يرتضيه الله عز وجل: ﴿مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ﴾ آمن به، وأقبل عليه، وقبل منهجه، وانطلق إلى تطبيق هذا المنهج، وعمله فيه إحسان، أي متمثل بالمكارم الأخلاقية من صدقٍ، وأمانةٍ، وعفةٍ، وإحسانٍ، وإنجازٍ للوعد، وحفاظٍ على العهد، وإنصاف وما شاكل ذلك: ﴿وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ﴾ أي طبق منهج الله عز وجل الذي جاء به إبراهيم عليه السلام، وفصَّله النبي العدنان عليه الصلاة والسلام أيضاً، وكان هذا النبي الكريم حنيفاً أي مائلاً لله، لذلك من تعريفات العبادة: طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، فمن أطاع الله ولم يحبه ما عبده، ومن أحبه ولم يطعه ما عبده ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينًا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٌ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا﴾ .

الود بين العبد وبين ربه من لوازم الإيمان:


 قال عليه الصلاة والسلام: 

(( أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ وبُشرى عيسى عليهما السلامُ. ))

[ ابن كثير ]

﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَىٰةِ وَمُبَشِّرًۢا بِرَسُولٍۢ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِى ٱسْمُهُۥٓ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ قَالُواْ هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ(6)﴾

[ سورة الصف ]


 (ودعوة أبي إبراهيم):


﴿ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ(129)﴾

[ سورة البقرة ]

(أنا دعوةُ أبي إبراهيمَ وبُشرى عيسى عليهما السلامُ) ﴿وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفًاۗ﴾ حنيفاً أي مائلاً إلى الله عز وجل، طاعة مع الميل، طاعة مع الحب: ﴿وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلًا﴾

﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا(96)﴾

[ سورة مريم ]

 الود بين العبد وبين ربه هو من لوازم الإيمان: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا﴾

ملكية الله لما في الكون ملكية مطلقة تملكاً وتصرفاً ومصيراً:


 ثم يقول الله عز وجل:

﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ مُّحِيطًا(126)﴾

[ سورة النساء  ]

 أي هي ملك لله، لكن ملكية الله عز وجل لما في الكون (السماوات والأرض تعني الكون) ملكية الله لمَا في الكون ملكية مطلقة، تملُّكاً وتصرفاً ومصيراً، قد تملك الرقبة ولا تملك المنفعة، كمن يشتري بيتاً ويؤجره، والمستأجر لا يخرج، هذا مالك رقبة، أما المنفعة ليست ملكه، وقد تملك المنفعة ولا تملك الرقبة، وقد تملك المنفعة والرقبة لكن مصير هذا البيت قد لا تملكه، قد يُفتَح شارع فيُهدم البيت، مثل للتقريب، تملك منفعة ولا تملك رقبة، أو تملك رقبة ولا تملك منفعة، أو تملك المنفعة والرقبة ومصير هذا البيت ليس إليك، أما ملكية الله عز وجل يملك ويتصرف والمصير إليه: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ مُّحِيطًا﴾

﴿ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ46)﴾

[ سورة إبراهيم ]

 الله موجود:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَٰرُ(42)﴾

[  سورة إبراهيم ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

إخفاء الصور