وضع داكن
22-02-2025
Logo
الدرس : 30 - سورة النساء - تفسير الآية 59 طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

الله تعالى يأمر عامة الناس بالإيمان به فإذا آمنوا به يأمرهم بتفصيلات الشريعة:


 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثلاثين من دروس سورة النساء، ومع الآية التاسعة والخمسين، وهي قوله تعالى: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٌ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا(59)﴾

[  سورة النساء ]

 أيها الإخوة أعيد وأكرر: إن الله سبحانه وتعالى يأمر عامة الناس بالإيمان به، فإذا آمن به الإنسان يأمره بتفصيلات الشريعة، وأية آية في القرآن الكريم تتصدّر قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ أي؛ يا من آمنتم بي، يا من عرفتموني، يا من آمنتم بعلمي، يا من آمنتم بحكمتي، يا من آمنتم برحمتي، يا من آمنتم أن أمركم كله بيدي، يا من آمنتم أن مصيركم إلي، يا من آمنتم أنكم خُلِقتم للجنة لا للدنيا ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ تنطوي على كل هذه المعاني، الذي آمن بالله خالقاً، ورباً، ومُسيّراً، وآمن به موجوداً، وواحداً، وكاملاً، آمن بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، آمن أن الأمر كله بيده، آمن أن الله في السماء إله وفي الأرض إله، آمن أنه إليه يُرجَع الأمر كله، آمن أن سعادة المرء بالله وشقاءه بالله، وأن الله وحده يرفع، ويخفض، ويعطي، ويمنع، ويعز، ويذل.

الذي خلق الإنسان هو الخبير:


 قال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ يقتضي إيمانكم بي أن تطيعوني، أنت ببساطة بالغة حينما تقتني حاسوباً، ويُصاب بالخلل إلى من تذهب؟ بالتأكيد لا تسأل أمك الكريمة على أنك تحبها حباً جماً، لكنها أمّية، لا تسألها عن طريقة عمل هذا الجهاز، لا تسأل جاراً لك يعمل في بيع الخضار مـع أنك تحبه، لا تسأل إلا مندوبَ الشركة الخبير، ببساطة ما بعدها بساطة أنت أمام آلة تحرص على سلامتها، وأداء عملها، وإنجازها، أنت مع آلة بسيطة تحرص على ثمنها وسلامة أدائها لا تتلقّى توجيهاً إلا من صانعها، أو ممن ينوب عنه، ولا تقبل أي إنسان.
سأروي لكم قصة بسيطة لكنها ذات دلالة: أذكر مرة أن رجلاً ذهب لإصلاح مركبته، الذي يصلح المركبة ألغى قطعة، ورماها في الأرض، وقال: هذه لا فائدة منها، فصاحب المركبة لا يستطيع أن يناقشه! لأنه يجهل حقائق الميكانيك، لكن قال له: أنا لا أصدق أن خمسة آلاف مهندس يعملون في هذه الشركة التي يزيد عمرها على مئة عام أنك أبلغ منهم في فهمك لطريقة عملها! أرجعها!
 فالذي خلق الإنسان هو الخبير، الذي خلقه من لا شيء، الذي ركب جسمه وخلقه في أحسن تقويم، الذي خلق نفسه، وأعطى نفسه خصائصها، هذا الإله العظيم إذا قال لك: غض بصرك، وأهل الأرض الآن يقولون لك بلسان حالهم: انظر هذه المرأة كما تريد تراها في كل مكان، محصلة الفريق الذي عبد الله سعادةٌ وجنة، ومحصلة الفريق الذي عصى الله شقاءٌ وجهنم، لذلك قال تعالى: 

﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍۢ (14)﴾

[  سورة فاطر ]


إن أطعت الله حققت سلامتك وسعادتك:


 من قبيل مصلحتك، وحرصك على سلامتك وسعادتك، وحرصك على تقدمك ينبغي أن تطيع الله عز وجل، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ﴾ يقتضي إيمانكم أن تطيعوني، انطلاقاً من حبك لذاتك، وسلامة ذاتك، وكمال ذاتك، واستمرار ذاتك ينبغي أن تطيع الله، لأنه الخبير، ذلك لأن العلاقة بين الأمر ونتائجه علاقة علمية، علاقة سبب بنتيجة، في الأديان الوضعية ربما لا تجد علاقة بين الأمر وبين نتائجه، حركات وسكَنات وتمتمات وطقوس لا معنى لها، ولا علاقة لها بالحياة إطلاقاً، أما في هذا الدين العظيم أمرَك أن تكون صادقاً، ونتائج الصدق لا تعد ولا تحصى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

(( إنَّ الصِّدقَ يَهدي إلى البِرِّ وإنَّ البِرَّ يَهدي إلى الجنَّةِ وإنَّ الرَّجلَ ليصدقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عندَ اللَّهِ صدِّيقًا وإنَّ الكذبَ يَهدي إلى الفجورِ وإنَّ الفجورَ يَهدي إلى النَّارِ وإنَّ الرَّجُلَ ليَكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتَبَ عندَ اللَّهِ كذَّابًا. ))

[ أخرجه الترمذي ]

 أمرك أن تكون صادقاً وأميناً. 

(( الأمانة غنى. ))

[ ضعيف الجامع ]

لا يغتني من اغتنى إلا بسبب أمانته، إذاً أمرك أن تكون صادقاً وأميناً وعفيفاً، وكل فضائح الأرض سببها الخيانة مع المرأة، ما من إنسان يُصاب بمقاتله إلا بسبب معصيته في علاقته مع النساء! وفضائح الأرض لا تزيد على كونها فضائح مالية أو جنسية، لذلك الذي يأمرك الله به لسلامتك وسعادتك وخلودك في الجنة. 
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ﴾ في الحديث القدسي الصحيح عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَال: 

(( يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ؛ ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي، لوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا....إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ. ))

[  أخرجه مسلم  ]

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ﴾ يجب أن تعلم علم اليقين أنك إن أطعت الله تحقق سلامتك وسعادتك، وإن عصيته تكون سبباً في شقائك في الدنيا والآخرة.

طاعة الله واجبة علينا لأنه الذي خلقنا:


 قال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ أطيعوا الله لأنه الذي خلقكم: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21)﴾

[ سورة البقرة ]

 لأنه الخالق والعليم والخبير والرحيم، ولأنه خلقكم لجنة عرضها السماوات والأرض، لأنه خلقكم ليسعدكم. 

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(119)﴾

[ سورة هود ]

 خلقهم ليسعدهم، في موضوع دقيق جداً: النبي صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون الشر منسوباً إلى الله، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ: 

((  وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ. ))

[ سنن النسائي  ]

 ما هو الشر؟ الشر مختص بمخلوقَين اثنين هما الإنس والجن، لأنهما مخلوقان أُودِعت فيهما الشهوات، أعُطِيا عقلاً ومنهجاً.

الشهوات سلم نرقى بها إن أوقعناها وفق منهج الله:


 ما هي السلامة؟ أن تتحرك بشهواتك وفق منهج الله عن طريق المِقوَد الذي هو عقلك، والمثل بسيط؛ تركب مركبة فيها محرك، وهناك طاقة، هناك شهوات وروح، قوة محركة، هذه المركبة بالمحرك والطاقة تندفع، الاندفاع أعمى، مهمة العقل أن يُوقِع حركة هذه المركبة على الطريق المُعبَّد، فتنتقل بهذه المركبة إلى أهدافك البعيدة، وأنت في راحة ويُسر، أما إذا تعطّل المِقوَد والطريق فيه منعطفات كثيرة، والمحرك مندفع، فالحادث حتمي، أيْ أنّ أيّ إنسان عطّل عقله، وانطلق بشهواته فلا بد أن يرتكب المعاصي، والمعاصي في معظمها معاصٍ في كسب المال، ومعاصٍ في العلاقة بالنساء. 
إذاً: العقل مهمته أن يُوقع الحركة على منهج الله، ومنهج الله هو شرع الله، والحسن ما حسّنه الشرع، والقبيح ما قبّحه الشرع، لو أن هناك منهج ومقود، لكن لا يوجد محرك، لا قيمة للمِقوَد، ولا قيمة للمنهج، من هنا قال الله عز وجل: 

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ(14)﴾

[  سورة آل عمران ]

 فشهواتٌ أودعَها الله فينا، وعقلٌ جعله الله أداة معرفته والسلامة، وشرعٌ سنَّه الله لنا، وأنت مُخيَّر في النهاية، فتعريف الشر كائن أُودِعت فيه الشهوات، مُنِح عقلاً لم يستخدمه، ومنهجاً لم يسرْ عليه، فلو استخدم عقله بلا منهج لا بد من الشقاء، كالأوروبيين استخدموا عقولهم أروع استخدام، لكن ليس معهم منهج يسيرون عليه، فزين لهم عقلهم الانحلال، والفساد، والعدوان، وكسب الأموال اغتصاباً، وقهر الناس ظلماً، عقولهم قادتهم إلى هذا، عقولهم متفوقة جداً من دون منهج يتحركون عليه، والمسلمون عطلوا عقولهم مع أن منهجهم بين أيديهم، وكِلا الطرفَين فيه شهوات مستعرة تدفعهم اندفاعاً، فإما إلى الهاوية، وإما إلى النعيم المقيم، لذلك الشهوات سلَّم نرقى بها إن أوقعناها وفق منهج الله، فالله عز وجل يقول: 

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(50)﴾

[  سورة القصص ]


تعريف الشر:


 ما هو الشر إذاً؟ حركة اندفاع قوي بلا مقود أو بلا منهج أو من دون كليهما! مركبة مصنوعة في أفضل مصنع، لو أن الذي يقودها شربَ الخمر، وهوى في واد سحيق، هل نقول: هذا الشر من صنع المعمل الذي صنع المركبة؟ مستحيل، هذا الشر ناتج عن سوء استخدامها، هذا الشر ناتج عن أن الذي قادها لم يتبع تعليمات الصانع، وهي البعد عن الشكر، إذاً كما قال عليه الصلاة والسلام: (وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ)
مثل آخر: قد تضع على الطاولة مسحوقاً من الملح، ومسحوقاً من السكر، ومسحوقاً من المواد المنظفة، المواد كلها جيدة، وثمينة، ولها قيمة في حياتنا، ما هو الشر؟ أن تضع مسحوق الغسيل في الطبخ، فلا تأكله! أو أن تضع الملح في الشاي فلا تشربه، أو أن تضع السكر لجلي الصحون، فلا يتم تنظيفها، فالشر سوء استخدام، فالشر سلبي، وليس إيجابياً، لذلك قالوا: الشر المطلق لا وجود له في الكون، لأن الله ذات كاملة، لكن هناك مخلوق الله عز وجل خلقه، وكرّمه، ومنحه حرية الاختيار، وأودع فيه الشهوات ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، أعطاه منهجاً هو الشرع الحكيم، وأعطاه عقلاً ليكون مِقوداً له، عطّل عقله، أو ألغى شرعه، أو ألغى عقله وشرعه، واندفع بشهواته اندفاعاً أعمى، لا بد من أن يقع بالعدوان، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تنطلق بقوة شهواتك من دون منهج وعقل دون أن تعتدي على الآخرين، وهذا الذي ترونه وتسمعونه كل يوم قوة طاغية وشهوات مستعِرة واندفاع أعمى، فلا بد أن ينهبوا ثروات العالم، وأن يعيشوا على حساب بقية الشعوب، ولا بد أن يغتنوا على إفقار الشعوب، ولا بد أن يطمئنوا على إخافة الشعوب، وأن يبنوا مجدهم على أنقاض الشعوب، مستحيل أن تندفع بقوة الشهوة من دون منهج، ومن دون مِقوَد، أي؛ من دون عقل يردعك، ومن دون منهج تسير عليه إلا أن ترتكب الجرائم تلو الجرائم دون أن تشعر، فالشر لا يكون إلا من مخلوق أُعطي الاختيار، أُودعت فيه الشهوات، ووضع له منهج، أُعطي العقل، شهواته متحركة مندفعة اندفاعاً أعمى، عطّل عقله، ولم يعبأ بالمنهج، واختار أن يُروّي شهواته تروية من دون أمر أو نهي، فكان الذي ترونه من فساد، قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾

[ سورة الروم ]


من يعزو الشر إلى الله يقع في عقيدة فاسدة:


 الفساد لا يحتاج إلى خالق، لأنه سلبي. أوضح مثلاً: قد تجد مركبة رائعة تقول: والله الذي صممها مهندس ذوقه رفيع؛ خطوط السيارة، انسياب خطوطها، ألوانها الرائعة، أما إذا وقعت في وادٍ هل تقول أي مصنع صنعها هكذا؟ لا، لا تحتاج هذه إلى مصنع، لأن الشر سلبي، هذا بسبب أن الذي قادها كان مخموراً، لذلك هذا الذي يعزو الشر إلى الله واقع في عقيدة فاسدة، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: (وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) .  

﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ(26)﴾

[   سورة آل عمران ]

 ما قال والشر: ﴿بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ﴾ لأنه الخالق، والمربي، والمسير، والعليم، والحكيم، والقدير، واللطيف، والغني، والرحيم، ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ﴾ في قرآنه، لذلك المؤمن حينما يقرأ القرآن ينبغي أن يقف عند الآيات التي فيها أمر له! وحبذا لو أن الواحد منا يقرأ القرآن على نسخة خاصة فيضع خطاً تحت كل أمر، وخطاً تحت كل نهي، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب.

الإنسان مأمور أن يطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم استقلالاً:


 قال: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ﴾ سيدنا عمر كان وقّافاً عند أمر الله وكتابه، أطيعوا الله في قرآنه قال: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ ما الفرق بين قول الله عز وجل: 

﴿ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْكَٰفِرِينَ(32)﴾

[ سورة آل عمران ]

 وبين: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ هناك فرق كبير، الفرق بينهما أنك مأمور أن تطيع رسول الله استقلالاً، حينما يصح عندك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح يأمرك بكذا، وينهاك عن كذا، ينبغي أن تسارع إلى طاعة رسول الله من دون أن تقول في نفسك: ما سند هذا الأمر من كتاب الله؟ إنك مأمور أن تطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم استقلالاً، لقول الله عز وجل: 

﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(7)﴾

[ سورة الحشر ]


القرآن فيه كليات ولكن الذي بيَّن وفصَّل هو النبي عليه الصلاة والسلام:


 هؤلاء الذين يريدون التقليل من قيمة السُّنة يخالفون القرآن الكريم، هؤلاء الذين يُسمَّون الآن القرآنيين يريدون أن يكتفوا بالقرآن، مع أن الله سبحانه وتعالى عصم نبيه صلى الله عليه وسلم من أن يخطئ في أقواله، وأفعاله، وإقراره، وصفاته، ثم أمرنا أن نأخذ منه. 
﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ لولا سنة النبي كيف نصلي؟ وكيف ندفع زكاة أموالنا؟ وكيف نعرف مناسك الحج؟ قال تعالى: 

﴿ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۖ وَلَا تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُۥ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِۦٓ أَذًى مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍۢ ۚ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍۢ فِى ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُۥ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(196)﴾

[ سورة البقرة ]

 القرآن فيه كليات، ولكنّ الذي بيَّن وفصَّل هو النبي عليه الصلاة والسلام، وجاء هذا في القرآن الكريم: 

﴿ بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44)﴾

[ سورة النحل ]

﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ في سنته الصحيحة، أطيعوا الله في قرآنه، لأن القرآن قطعي الثبوت، وأطيعوا الرسول في سنته الصحيحة، لأن سنة النبي عليه الصلاة والسلام بعضها قطعي الثبوت، وبعضها ظني الثبوت، فنحن مأمورون بأن نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته التي هي قطعية الثبوت، أي سنته الصحيحة، لذلك ما من إنسان صحّ عنده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخالفه إلاّ عصى الله، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: 

((  مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي. ))

[ صحيح البخاري  ]


طاعة رسول الله فرض عين على كل مسلم بصرف النظر عن علاقتها بالقرآن:


 طاعة رسول الله فرض عين على كل مسلم، بصرف النظر عن علاقتها بالقرآن، لست مكلفاً أن تحاسب النبي من أين جاءك بهذا الأمر، لأن الله يقول لك: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ أما لو قال: أطيعوا الله والرسول صارت طاعة رسول الله مقيدة بطاعة الله! ينبغي أن يكون لهذا الحديث أصل في القرآن الكريم. 
لا شك أن أوامر النبي مما فهمه من كتاب الله، لكن نحن ربما لا نعرف من أين استقى النبي هذا الأمر. 
﴿وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ أنت في مجتمع فيه شخصيتان مهمتان، عالم وأمير، عالم وحاكم، مهمة العالم أن يبين لك الأمر، ومهمة الحاكم أن ينفذ هذا الأمر، كما يقال الآن في المجتمعات الحديثة: جهة تشريعية، وجهة تنفيذية، فالعلماء بالدين العلماء الربانيون يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، لذلك حينما يقول الله عز وجل: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ طاعة أولي الأمر مقيدة بطاعة رسول الله، لأنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةٍ الخالق. ))

[ الجامع الصغير ]

إن كان أميراً أو كان عالماً أمرك أن تقطع رحمك! (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةٍ الخالق) أوضح شاهد على ذلك:

(( أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا، وأَمَّرَ عليهم رَجُلًا فأوْقَدَ نَارًا وقالَ: ادْخُلُوهَا فأرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا، وقالَ آخَرُونَ :إنَّما فَرَرْنَا منها، فَذَكَرُوا للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ لِلَّذِينَ أرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا:لو دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إلى يَومِ القِيَامَةِ، وقالَ لِلْآخَرِينَ: لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ. ))

[ صحيح البخاري ]


طاعة أولي الأمر منا مرتبطة بطاعة رسول الله:


 الآن ما سوى أمر الله في قرآنه، وما سوى سنة النبي الصحيحة (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةٍ الخالق) طاعة أولي الأمر مرتبطة بطاعة رسول الله، بل إن بعض العلماء قالوا: لا يمكن، ولا يصح، ولا يُقبَل أن يكون أولو الأمر الظالمون قد أُمرنا بطاعتهم مع طاعة الله ورسوله قال: ﴿وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ هم منكم، هذا العالم منكم، الأمير منكم، يحرص على سلامتكم، وتقدمكم، وسعادتكم، وسلامة دينكم، وآخرتكم، وأخلاق شبابكم، وزواج بناتكم، وتوافر الأموال بينكم.
 لو فرضنا مواطناً في فلسطين من هم أولو الأمر هناك؟ اليهود، فهل لو قرأ هذه الآية هو مُلزَم أن يطيع أولو الأمر؟ ليسوا منهم، هم أعداء وخصوم، أرادوا ابتزاز أموالهم، ونهب ثرواتهم، وإذلالهم، وهدم بيوتهم، لا يمكن أن يكون أولو الأمر المعنيون في هذه الآية إلا منكم، هم منكم، من جِبِلَّتكم، منكم وإليكم. 
﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ أولو الأمر هم الأمراء والعلماء، وعملهم متكامل، العالم يعلم، والأمير ينفذ، أما لو أن عالماً مبتدعاً أمرك بخلاف السنة فلا طاعة له، ولو أن له اسماً كبيراً لا قيمة لهذا الاسم، نعرف الرجال بالحق، ولا نعرف الحق بالرجال.
 دخلنا بموضوع ثان: أطيعوا الله قطعاً بقرآنه القطعي، أطيعوا رسول الله -هناك تحفُّظ- بسنته الصحيحة، القرآن قطعي الثبوت، أما السنة قطعية الثبوت وظنية الثبوت، فحينما يأمرنا الله عز وجل أن نطيع رسوله بسنته الثابتة الصحيحة، لذلك: لو بقينا في الصحاح لمَا اختلفنا، كل الفرق الضالة تعتمد على أحاديث ضعيفة أو موضوعة، لو اجتمعنا على صحيح السنة لمَا اختلفنا أبداً.

لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:


 قال تعالى: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾ أطيعوا الله استقلالاً، وأطيعوا رسوله لأنه معصوم استقلالاً، لكن أولي الأمر هم العلماء، فالعالم المبتدِع لا طاعة له، ما أكثر من يبتدع في الدين، إما في العقيدة، أو في العبادات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ))

[ ابن عثيمين ]

فالعالم الذي يبتدع لا طاعة له، والأمير الذي يعطيك أمراً لا علاقة له بالدين أو مخالف له أيضاً لا يطاع، (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةٍ الخالق) .
 يروى أن والي البصرة كان عنده عالم جليل وتابعيّ عظيم هو الحسن البصري، جاءه البريد من الخليفة من يزيد، وفي هذا البريد أمر لا يرضي الله، وقع هذا الوالي في حرج شديد، إن نفّذ هذا الأمر أغضب الله، وإن لم ينفذه أغضب الخليفة، وربما أزاحه من عمله، أو انتقم منه، وعنده الحسن البصري فقال: يا إمام ماذا أفعل؟ كلاهما مر، هما أمران أحلاهما مر، إما أن يُغضب الله، فيستحق جهنم، وإما أن يغضب الخليفة فيستحق السجن، ماذا أفعل؟ أجابه إجابة والله لا أرتوي منها، أجابه إجابة تكتب بماء الذهب، قال: "اعلم أن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله"! أنت إذا أطعت الله عز وجل فالله ضامن، أما إن أطعت مخلوقاً، وعصيت خالقاً فهذا الذي أطعته ليس بضامن، قال تعالى:

﴿ وَقَالَ ٱلشَّيْطَٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(22)﴾

[  سورة إبراهيم  ]


من أمره أولو العلم وأولو الأمر بخلاف ما أمره الله ورسوله فلا طاعة لهم عنده

 
قال: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ أنا أطيع الله استقلالاً، ولا أعبأ بأحد، أُطيع رسول الله استقلالاً، ولا أعبأ بأحد، أما أولو الأمر فأطيعهم تبَعاً إذا أمروني بما أمر الله به، أطيعهم إذا أمروني بما أمر رسوله به، فإن أمروني بخلاف ما أمر الله ورسوله فلا طاعة لهم عندي، وإن أمرني أولو العلم وأولو الأمر بخلاف ما أمرني الله ورسوله فلا طاعة لهم عندي، وهذا ملخصه في قول النبي: (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةٍ الخالق) ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ .
الآن قال: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ﴾ حدث خلاف مع من؟ هل ممكن أن يكون النزاع مع أمر الله عز وجل؟ مستحيل، مع سنة النبي؟ مستحيل، لأنه معصوم، والله عز وجل كماله مطلق، فالنزاع محصور حتماً مع من؟ مع أولي الأمر؛ العلماء والأمراء: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ﴾ من هو الحَكم؟ قال: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ .

في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة جواب وحلّ لكل مشكلة:


 لو أن قضية تنازعنا فيها، وجاءنا أمر إلهي أن نردَّ هذا النزاع إلى الله في قرآنه، أو أن نرده إلى النبي في سنته، ثم اتجهنا إلى القرآن فلم نجد شيئاً متعلقاً بهذا الموضوع، ثم اتجهنا إلى السُّنة فلم نجد شيئاً يتعلق بهذا الموضوع هل يعقل هذا؟ هل يعقل أن يُحيلَنا الله إلى قرآن لا نجد فيه بغيتنا؟ أو إلى سنة نبيه، ثم لا نجد فيها بُغيَتنا؟ مستحيل، هذا لا يُقبَل أن يُحيلك الله إلى لا شيء، معنى ذلك أنه ما من مشكلة يعاني منها المجتمع البشري من آدم إلى يوم القيامة إلا وفيها حل في كتاب الله، وحل في سنة رسول الله قطعاً، لا يمكن أن نُحال إلى لا شيء، لو أن إنساناً اختلف مع إنسان في إعراب كلمة، وقال: اذهب إلى الكتاب الفلاني ففيه الجواب، فتح الكتاب فلم يجد شيئاً، فالذي أحالك إليه لا يعلم! المُحيل هنا من؟ هو الله قال: ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ﴾ لا بد من أن تجدوا في القرآن وفي سُّنة النبي جواباً وحلاً لكل مشكلة، وما من مشكلة تعاني منها البشرية اليوم إلا بسبب مخالفةٍ لمَا في الكتاب والسنة، هذا كلام قطعي، ما من مشكلة كبرت أو صغرت، يقول لك: الحرب قد تطول عشر سنوات، وهناك حرب دارت بين دولتين إسلاميتين دامت ثماني سنوات، أحرقت الأخضر واليابس، ماذا في القرآن؟ في القرآن أشهر حُرم يُمنَع فيها القتال، إذا جاءت هذه الأشهر توقف القتال لا غالب ولا مغلوب، الكرامة موفورة، ذاق الناس طعم السلم، بحثوا عنه، لو أنهم أطاعوا الله، حينما اجتاحت دولةٌ إسلاميةٌ دولةً إسلاميةً احتكمنا إلى الغرب فجاؤوا، وقبَعوا على أرضنا، القرآن ليس كذلك، بل قال: 

﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنۢ بَغَتْ إِحْدَىٰهُمَا عَلَى ٱلْأُخْرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى حَتَّىٰ تَفِىٓءَ إِلَىٰٓ أَمْرِ ٱللَّهِ ۚ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوٓاْ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ(9)﴾

[ سورة الحجرات ]

 ينبغي أن يجتمع المسلمون وأن يدعوا هؤلاء الذين بغوا أن يعودوا عن بغيهم، فإن أبَوا نحاربهم جميعاً، لا نأتي بالكفار ليأخذوا بترولنا وثرواتنا، ويقتلوا أولادنا، ويعيثوا فساداً في الأرض، ثم نصبح عبيداً لهم.

إذا آمن الإنسان بالدنيا والمال لا يرجع مشكلاته إلى الله ورسوله بل إلى مصالحه:


 حتى في السياسة الدولية القرآن فيه كل شيء، حينما يركب خمسون ضابطاً تلقوا أعلى تدريب في دولة عظمى في طائرة واحدة أسقطوا الطائرة، قال: 

﴿ وَقَالَ يَٰبَنِىَّ لَا تَدْخُلُواْ مِنۢ بَابٍۢ وَٰحِدٍۢ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَٰبٍۢ مُّتَفَرِّقَةٍۢ ۖ وَمَآ أُغْنِى عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍ ۖ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ(67)﴾

[ سورة يوسف ]

 القرآن يخبر، هؤلاء ينبغي أن يأتوا تِباعاً، كل واحد في رحلة، أما عندما اجتمعوا في طائرة واحدة أسقطها اليهود بتوجيه من الأرض، ولا يزال سر هذه الطائرة مُعمَّى عليه، أُسقطت من الأرض، فيها ثمانية وثلاثون ضابطاً تلقوا أعلى تدريب في أعلى أكاديميات عسكرية.
 يا أيها الإخوة الكرام، ما من مشكلة يعاني منها البشر اليوم إلا وفي القرآن حل لها، وفي السنة حل لها. 
 ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ﴾ إذا آمن الإنسان بالدنيا؛ آمن بالمال لا يُرجِع مشكلاته إلى الله ورسوله، بل إلى مصالحه، إذا آمن بالدنيا قد يقترض قرضاً ربوياً تُحقَّق به مصالحه، إذا آمن بالمال قد يبخل، ولا ينفق منه شيئاً، إذا آمن باللذة يقتنصها ولو بالحرام، هذا الكلام للمؤمنين. 

الإنسان لا يعود لحكم الله وسنة رسوله إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر:


 ﴿إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ﴾ الشيء اللطيف أن أركان الإيمان خمسة، لكن ترِد مثنى مَثنى في أكثر الآيات، آمنت بالله لا يكفي، ينبغي أن تؤمن بالله، وأن تؤمن أن الله سيحاسب، ينبغي أن تؤمن أنه موجود ويعلم، وسيحاسب، لا يمكن أن تعصيه، أوضح مثلاً: تركب مركبتك، الإشارة حمراء، والشرطي واقف، وشرطي آخر على عجلات، وسيارة فيها ضابط شرطة، وأنت مواطن عادي ليس لك ولا ميزة، هل تسير والإشارة حمراء؟ واضع نظام السير علمه يطولك بهذا الشرطي، وقدرته تطولك بسحب الإجازة، وأخذ السيارة، أليس كذلك؟ تعصي الأمر في حالتين؛ الساعة الثالثة صباحاً، لا يوجد شرطي، أو إذا كنتَ أكبر من واضع نظام السير فلا ترد عليه، فحينما تؤمن أن الله موجود، وأنه يعلم وسيحاسب لا يمكن أن تعصيه.
 هذا الكلام للمؤمنين، يقول: حلفَ يميناً، هذه اليمين ليست للكفار هي للمؤمنين، المنافق يقول: جاء الفرج، أحلف كذباً وينتهي الأمر، قبض مئة ألف من دون وصل، هل تحلف؟ نعم أحلف، جاء الفرج بهذا الحلفان! هذه اليمين ليست للمنافق، بل للمؤمن الذي يخاف الله واليوم الآخر. 
 ﴿إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ﴾ إن كنتم تؤمنون بأن الله موجود، ويعلم وسيحاسب، واختلفتم مع علمائكم وأمرائكم، ورجعتم إلى كتاب الله وسنة رسوله تلتزمون بها، لأنكم مؤمنون، أما إن آمنتم بالدرهم والدينار، وباللذائذ والشهوات ترجعون إلى أهل الدنيا، يوجد قوانين أحياناً يكون الحق معك، لكن القانون لا يعطيك هذا الحق، ماذا يفعل معظم الناس؟ يلتجئون إلى المشايخ، أحياناً يكون الحق عليك، لكن القانون يعطيك هذا الحق فتلجأ إلى القانون، فأنت مؤمن بمن؟ إن كنت مؤمناً بالله واليوم الآخر ترجع لما في القرآن والسنة مِن حلٍّ حاسم لمشكلتك.
تختلف امرأة مع زوجها في أمريكا، تعرض أمرها على قاضٍ أمريكي لماذا؟ لأن هذا القاضي سيحكم لها بنصف ثروة زوجها، أما القاضي المسلم فيحكم لها بالمهر فقط، لأنها مؤمنة بالدولار، ترجع في قضيتها إلى قاضٍ ليس مسلماً، قضية واضحة جداً، فأنت لا تعود إلى حكم الله وسنة رسوله إلا إذا آمنت بالله واليوم الآخر.

المؤمن يعود إلى شرع الله لأنه وقاف عند كتاب الله:


 قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ خَيۡر﴾ الخير لك أن ترجع إلى حكم الله، هذا البيت ليس لك شرعاً، لكن القانون معك، ارجع لحكم الله، فلاح فقير فقراً مدقعاً، عاش عمره أجيراً، أُعطي أرضاً عشرين دونماً، اختل توازنه من الفرح، ذهب إلى شيخه، قال له: هذه الأرض ليست لك، لا يجوز أن تتملّكها بشرع الله، أما بالقوانين الوضعية فلك أن تأخذها عُنوةً عن صاحبها، فهذا الفلاح بعد أن بلغ قِمّة السعادة في تملُّك هذه الأرض انقلبت سعادته إلى شقاء، هكذا الشرع لا يُجيز له أخْذها، فذهب إلى صاحب الأرض وقال له: يا سيدي أعطوني من أرضك عشرين دونماً، ولي شيخ قال: حرام أن آخذها، لأنها مُغتَصبة منك، هل تبيعني إياها تقسيطاً؟ قال: يا بني ذهبَ مني أربعمائة دونم لم يأتِ واحد إلي إلا أنت، هذه هدية لك خذها، وتملّكها، وبارك الله لك بها، وأنا سامحتك بها، المؤمن يعود إلى شرع الله، وهو وقاف عند كتاب الله، لذلك: ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٌ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ خير لكم. 
﴿وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ حينما تختلفون في حكم شرعي، وتعيدونه إلى الكتاب والسنة تكونون قد أوّلتم هذه الآية أفضل تأويل، والتأويل هو وقوع الوعد والوعيد، أو تنفيذ الأمر الإلهي. هذه الآية أساسية جداً في حياتنا ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٌ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ أيها الإخوة، في درس آخر إن شاء الله نتابع تفسير هذه السورة. 

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور