- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
صلة الرحم:
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثالث والثلاثين من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في الموضوع الاجتماعي، ومن بين الموضوعات الاجتماعية ذات الأهمية صلة الرحم.
أيها الأخوة، في الإسلام ما يسمى في المصطلح الحديث: تضامن اجتماعي، الله عز وجل أراد أن يكون التضامن الاجتماعي في الإسلام على أساسين، أساس النسب، وأساس المكان " الجغرافية "، فالأحاديث التي توصي بالجار كثيرة جداً، والأحاديث التي تتحدث عن صلة الأرحام كثيرة جداً.
هذا الابن إذا نشأ وهو يرى أباه وأمه على اتصال وثيق بالأقارب، زيارات، مودة، تعاون، ينشأ على هذا الخلق الاجتماعي الرفيع، فاقد الشيء لا يعطيه، يمكن أن تكون أعظم أب في الأرض دون أن تنطق بكلمة، لأن ابنك يراك، يرى سلوكك، يرى ضبط لسانك، يرى رحمتك بمن حولك، يرى برك لأبيك وأمك.
الاستقامة طريق الإنسان لهداية الآخرين:
الإنسان لا يحتاج إلى كلام كثير، ورد في بعض الأحاديث:
(( استقيموا يستقم بكم ))
فتاة محجبة حجاباً كاملاً، تدرس الرياضيات في أمريكا، أرسلها أستاذها إلى تلميذه، التلميذ اسمه "جيفري لنك " أكبر ملحد بسان فرانسيسكو، لكن بالرياضيات من فلتات الزمان، يقول هذا "جيفري لنك": عندما رأيت هذه الفتاة الشرق أوسطية محجبة حجاباً كاملاً في الصيف، والفتيات في أمريكا شبه عرايا قال: لا بدّ أنها تملك قناعات تتميز بها، فعكف من توه على قراءة القرآن، وهو يظن أن فيه خطأ، فلما وصل إلى قوله تعالى عن فرعون:
﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾
اتصل بصديقه "موريس بوكاي" بفرنسا، وهو رئيس المشرحة في باريس، و قال له: إنك تزعم أن القرآن كلام الله، وهذه الآية ؟ قال: هذا الذي تحدث عنه القرآن رممت جثته بيدي، ومات غرقاً وهو فرعون موسى، و الآن هو أكبر داعية، ما تكلمت ولا كلمة، لأنها محجبة أقنعته بالإسلام.
(( استقيموا يُستقم بكم ))
أكبر وسيلة فعالة في التربية أن تكون أنت قدوة:
قد تكون أعظم أب في الأرض دون أن تنطق بكلمة، لا يرى ابنك منك كلمة قاسية، ولا كلمة بذيئة، ولا كلمة فاحشة، ولا كلمة نابية، يرى الانضباط، واللطف، و المودة، و الرحمة، يراك وأنت تصل والديك، وتحترمهما، فالطفل ينشأ على ما ربي.
إن شاء الله في دروس قادمة نصل إلى الوسائل الفعالة في التربية، أكبر وسيلة فعالة في التربية أن تكون أنت قدوة.
مرة زرت أحد علماء مصر ـ الشعراوي رحمه الله ـ التقيت معه لقاءين مطولين، سألته باللقاء الثاني: بماذا تنصح الدعاة الإسلاميين ؟ ظننت أنه سيتكلم ساعة وأكثر، فإذا بها جملة واحدة، قال لي: ليحذر الداعية أن يراه المدعو على خلاف ما يدعو، فقط.
هذا الكلام يحتاجه الأب و الأم، الأم لا تكذب، لو أنها قالت لزوجها أمام ابنتها الصغيرة عندما سألها زوجها إلى أين ذهبت اليوم ؟ قالت: لم أذهب إلى أي مكان، وقد رأتها ذهبت إلى بيت أختها وأخذتها معها، فلما كذبت على أبيها، سقطت توجيهات أمها.
لي قريب مقيم بأمريكا، فجاء مرة ليزور أهله في الشام، يبدو أن له ابناً حركته زيادة، قات له جدته: اجلس كن هادئاً، وفي المساء سآخذك إلى مكان جميل، فصدقها و جلس، و في المساء لم تأخذه، ما خطر في بالها أن تنفذ وعدها، هو طفل صغير، قال لها: أنت إنسانة كاذبة.
دقق هناك من يَعِد ابنه بدراجة، كلام، ينجح بتفوق لا يوجد دراجة، إذاً: أكبر وسيلة فعالة في تربية الأولاد ؛ القدوة.
صلة الرحم أفضل وسيلة لبر الوالدين بعد موتهما:
كيف تنشئ أولادك على صلة الأرحام ؟ بالمناسبة:
(( سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله هل بقي عليّ من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال: أجل، خصال أربع، الصلاة عليهما يعني الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما ))
كل إنسان فقد والده، أو أمه، إذا وصل الرحم كأنه برهما بعد موتهما.
أيها الأخوة، تصور صحابي كبير يسأله النجاشي عن الإسلام، قال:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
بصلة الرحم.
من هو الرحم ؟
أيها الأخوة، السؤال الدقيق: من هو الرحم ؟ جميع الأقارب من دون استثناء من طرف الأب، ومن طرف الأم، هذا الكلام الدقيق، مع التفصيل: الآباء والأمهات، والأصول، أي الجد والجدة، جد لأب، جد لأم، جدة لأب، جدة لأم، مهما علوا، والأبناء، والأحفاد مهما نزلوا، آباء وأجداد، والأصول مهما علوا، وأبناء وأحفاد، الأحفاد مهما نزلوا.
الآن الأخوة والأخوات، والأعمام والعمات، وأولاد الأخ وأولاد الأخت، والأخوال والخالات، وأولاد الأخوال، وأولاد الخالات، ومن يليهم من الأرحام الأقرب فالأقرب، أي بشكل أو بآخر الأرحام هم الأقارب من دون استثناء ما كان منهم عن طريق الأب، وما كان منهم عن طريق الأم.
من وصل رحمه قدم عملاً صالحاً يلقى الله به في الصلاة:
النقطة الدقيقة هذه الآية الكريمة:
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أنت حينما تصل الرحم تقدم عملاً صالحاً تلقى الله به في الصلاة، عندئذٍ يذكرك الله.
حدثني أخ وهو عندي صادق، قال لي: عقب حضور درس من دروسك عن صلة الرحم أعرف قريباً لي لم أزره قط، فقررت أن أزوره في العيد، زرته فلم أجده، وضعت له بطاقة، الرجل محترم جداً ردّ لي الزيارة، قال لي: أسكن في بيت تحت الأرض شمالي، عندي خمسة أولاد، يبدو أن هذا القريب ميسور الحال، قال له: هنا تسكن ؟ قال له: نعم، أقسم لي بالله وهو عندي صادق، ما خطر في باله ولو لثانية أن هذا القريب يمكن أن يحل مشكلته، لكن سمع درساً وزاره، وردّ له الزيارة، قال له: ابحث عن بيت في الطابق الثالث باتجاه الشمس، وتعال خذ مني ثمنه، قال لي: والله خلال شهرين وجدنا بيتاً في الميدان ثالث طابق، باتجاه القبلة، انتعش أولادي، وسكنوا بيتاً فيه شمس، قال لي: أنا والله أدعو له ليلاً نهاراً، في كل صلاة أدعو له.
الحياة تعاون، أي بشكل أو بآخر إذا الفقير وصل رحمه الغني، واجب الغني أن يتفقد حال هذا القريب.
صلة الرحم تبدأ بالزيارة وتنتهي بالهداية:
الآن هناك نقطة دقيقة جداً، معظم المسلمين يتوهمون أن صلة الرحم أن أتصل به هاتفياً، أو أن أزوره في العيد، لا والله، صلة الرحم تعني أن أزوره وأن أتفقده، و أتفقد وضعه المعاشي، وضعه التربوي، وضعه العلمي، وضعه الصحي، وأن أقدم له بعض المساعدة، إذا كان يحتاج إلى مساعدة مالية، إلى مساعدة علمية، إلى مساعدة اجتماعية، وبعدئذٍ أدله على الله.
صلة الرحم تبدأ بالزيارة وتنتهي بالهداية، هذه صلة الرحم، لكن هناك أشياء كثيرة في حياتنا مسخت هذه الصلة إلى أن تزوره في العيد وتقول: يا رب لا أجده، لعلي لا أجده فأرتاح، تهيئ بطاقة، فإذا فتح الباب تصاب بخيبة أمل، لا حول ولا قوة إلا بالله ! هذه صلة الرحم ؟ أن تتمنى ألا تجده ؟ أصبحت حياتنا شكليات.
لذلك أنا معجب بأبناء المدينة المنورة، فهي مقسمة إلى أربعة أقسام، كل يوم بالعيد هناك ربع يبقى في البيت، لا يوجد زيارة خائبة أبداً، هذا الربع أول يوم، الأرباع الثلاثة يتوجهون لزيارة هذا الربع، كل يوم هناك ربع مقيم بالبيت.
أنا أتمنى الآن بالأعياد بدل تراشق الزيارات الخائبة، اجتمعوا بسهرة، الأقارب، الأخوات، الأصهار، جلسة مطولة في سهرة ببيت.
أنتم لا تصدقون كم من الأحاديث الصحيحة، وكم من الآيات تتحدث عن صلة الرحم، أنا لي كلمة أرددها كثيراً: الناس أنت لهم وغيرك لهم، أما أقرباؤك من لهم غيرك ؟ من هنا لا تقبل زكاة المال من الغني وفي أقربائه محاويج، إذا أعطيت زكاة مالك لأهلك ولأقربائك الفقراء لك أجر مضاعف، أجر أداء الزكاة، وأجر الصلة، لا تقبل زكاة المال من دافع الزكاة وفي أقربائه محاويج، الأقربون أولى.
بطولة الإنسان أن يقنع لا أن يقمع:
أحياناً أخواننا إذا توفى شخص تجد الأولاد في المحاكم، يقول لك: من ثلاثين سنة ما تكلمت مع أخي، والأولاد تنتقل لهم هذه العداوة، وهناك والحمد لله أسر متماسكة، تغيب عين الأب لكن الأولاد بمودة، و محبة، و تعاون.
أنا والله أحياناً عندما إنسان يتوفاه الله، وأتابع أحوال أسرته بعده، أجد بين أفراد الأسرة التواصل، و التعاطف.
هناك تعبير شهير في هذا البلد، يقول لك: ما غابت إلا عينه فقط.
والله في بعض الأخوة الكرام الدعاة كان هناك درس صباحي كل أربعاء في بيت ـ مضى على وفاته الآن عشرين سنة ـ لا يوجد أسبوع غاب أخوته عن الدرس، عشرون سنة بعد وفاته و الدرس قائم.
أعرف أخاً رحمه الله توفي بحادث، هناك نظام ببيته، حجاب زوجته، أولاده، بناته، مضى على وفاته الآن 25 سنة، البيت لم يتغير فيه شيء أبداً، مثلما رباهم.
بالمناسبة أخواننا الكرام لعلها قليلاً مزعجة: إذا إنسان ربى أولاده على القمع، أو بناته على القمع، فسيكونون بحياته منضبطات، لكن بعد مماته يصبحن متفلتات، بطولتك لا أن ينضبط أولادك في حياتك، البطولة أن ينضبطوا في غيبتك وبعد مماتك، معنى ذلك لقد ربيتهم تربية عميقة.
(( علموا ولا تعنفوا ))
إياك أن تستعمل القمع في التربية، القمع ما دمت معهم منقمعون، لكن إذا تركتهم، أو غبت عنهم يتفلتون، ما دمت في حياتك منضبطون، فإذا غادرت الحياة الدنيا يتفلتون، فلذلك البطولة لا أن تقمع بل أن تقنع.
(( علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف ))
سبب تسمية الأقارب بالأرحام:
قيل: ما سبب تسمية الأقارب بالأرحام ؟ قال بعض العلماء: هذه التسمية مشتقة من اسم الرحمن، والرحمن عند بعض العلماء اسم الله الأعظم.
﴿ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾
أيها الأخوة، هناك بعض الأحاديث القدسية:
(( قال الله عز وجل: " أنا الرحمن وهي الرحم شققت لها اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ))
أعرف شابان ؛ الأول يبالغ في صلة الرحم، عنده خمس أخوات بنات، هذه على وشك الولادة يعطيها عشرة آلاف، هذه تحتاج إلى كسوة زوجها فقير، يعمل لها كسوة كاملة، لا يترك أختاً إلا ويبرها، سبحانك يا رب ! الذي يصل رحمه ببحبوحة كبيرة جداً، والأخ الثاني لا يقل عنه ذكاء يعاني ما يعاني من الفقر.
صلة الرحم أحد أسباب زيادة الرزق:
بالمناسبة يا أخوان أحد أسباب زيادة الرزق صلة الرحم.
(( فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ))
مثلاً: قد تدعى إلى بيت من أثرياء البلد، تلبي الدعوة فوراً، غير ترتيب، جلسة راقية، ضيافة راقية، لك أخت بآخر البلد الوصول لها يستغرق ساعتين بالباص، تنساها، ويمضي شهر و آخر، وسنة، و لا تزورها، هل تصدق أن زيارة هذه الأخت البعيدة الفقيرة من عمل الآخرة ؟ وأن زيارة هذا الإنسان الغني من عمل الدنيا ؟ أنت لا تعرف لو زرت أختك ما الذي يحصل ؟ تنتعش، تقول لزوجها: جاء أخي اليوم، إذا قال لها كيف صحتك يا أختي إن شاء الله بخير ؟ نحن مشتاقون لك، كيف الأولاد ؟ كيف دراستهم ؟ كيف صحتهم ؟ إذا كنت ميسوراً تحضر معك قليلاً من الهدايا، فواكه، أشياء بحاجة لها، مساعدة تساعدهم، والله الذي لا إله إلا هو أنا أرى أن هذا من أعظم الأعمال.
أنا لي أخ في الله طبعاً، أظنه صالحاً ولا أزكي على الله أحداً، مرة كان عند أخته، طرق الباب، فإذا بصياح بين الزوج وزوجته، طبعاً فتحوا له و عندما دخل سكتوا، ما القصة ؟ قالت له: أطلب منه ثلاثمئة ليرة بالشهر كسوة الأولاد و لا يعطيني، فصار في خصومة، والأخ والله دخله محدود، قال لها: أختي الثلاثمئة ليرة تأخذيهم مني، قال لي: والله ستة أشهر كل أول شهر أطرق الباب هذه الثلاثمئة، حسب ما وعدتك، قال لي: بعد ستة أشهر صار هناك ود بالغ بيننا، لأنه كل شهر يعطيها ثلاثمئة ليرة ـ طبعاً القصة قديمة الآن لا يعملون شيئاً ـ بعد ستة أشهر قالت له: اعمل لنا درساً، هو طالب علم عادي، أي مهندس، فرح، فعمل لبنات أخته درساً أسبوعياً، قال لي: أحضر لهم آية أو آيتين، حديث شريف، أو قصة عن صحابي، وأتعب على الدرس، وألقيه عليهم، قال لي: خلال سنة أو سنتين، البنات كلهن تحجبن، ومعظمهن تزوج، قلت: يا رب ! ثلاثمئة ليرة بالشهر، على ستة أشهر صار هناك ود، طلبت أخته درساً أسبوعياً، عمل لهم درساً و وجههم توجيهاً جيداً، ما هذا الخير ؟!.
كل عمل صالح يجعل الإنسان يتألق و يشعر بسعادة لا توصف:
والله أمامكم يا أخوان خيرات لا يعلمها إلا الله، زر أختك، اجبر خاطرها، يزورها بعد عدة أيام فيقول لها: كيف يسعكم هذا البيت ؟ هي مسرورة من زوجها، والبيت راضية به، وراضية عنه، وزوجها موظف، يكرهها بحياتها، هذا البيت لا يسكن، هذا علبة وليس بيتاً.
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
مثلاً: زرت أختك، وهي ساكنة ببيت متواضع يقدر بستين متراً، وزوجها موظف مستقيم، طاهر، صاحب دين، تحبه ويحبها، يا أختي الله يهنئك بزوجك، والله أخلاقه عالية جداً، أدام الله الود بينكم، أنا أحترمه كثيراً، يروح، تستقبل زوجها استقبالاً آخر، أقنعها بزوجها، يستطيع هذا الأخ نفسه ما هذا البيت ؟ يليق فيك غير هذا الزوج، كلمة من الشيطان.
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
يمكن أن يزور أخته و يطيب قلبها، هنأك الله على هذا الزوج، أنا أحترمه كثيراً، فهو صاحب دين مستقيم، شريف، فهي ترتاح، لا تعرف كم هو الأثر الذي يحصل من صلة الرحم، تفتخر أمام زوجها اليوم جاء أخي لعندي، وإذا معك هدية جبر خاطر، أسرة دخلها محدود، اقترب الشتاء يحتاجون إلى وقود، أمنت لها الوقود، أمنت لها ولأولادها الألبسة.
والله يا أخوان بالأعمال الصالحة يوجد سعادة لا توصف، الناس يبحثون عن سعادة بالأكل، والشرب، والنزهات، وغاب عنهم أن كل عمل صالح يجعلك تتألق، لا تستحي من إعطاء القليل فإن الحرمان أقل منه.
للقرابة ميزة رائعة و هي الثقة فعلى الإنسان أن يستغلها في الدعوة إلى الله:
إذاً الصلة لا تعني أن تهيئ بطاقة بالعيد وإن شاء الله لا أجدهم، لا، ليست هذه الصلة، الصلة أن تزورهم، وأن تلتقي بهم، وأن تجلس معهم، و أن تتفقد شؤونهم المعيشية، والتربوية، والعلمية، والاقتصادية، وأن تمدهم بعون منك، ثم تأخذ بيدهم إلى الله، هذه الصلة، وهي من أعظم الأعمال الصالحة.
أخواننا الكرام، بكل وضوح أنت لا تستطيع أن تحاكي إنساناً بالطريق لا تعرفه و تقول له: امشِ معي إلى الجامع ؟ تستطيع ؟ يخاف منك، أما تستطيع أن تقول لأخيك هذا، أخوك واثق منك، أخوك، ابن عمك، ابن خالتك
لذلك قال تعالى:
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
فبالقرابة ميزة وهي الثقة، ابن خالتك زارك، امشِ إلى الجامع، لا يخاف منك، أما إذا كان لا تعرفه يقول: لا أريد الذهاب.
فأنت يجب أن تستغل هذه الثقة من الأقارب، والأساس بالقضية
﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾
والله يا أخوان عندي أخ بالجامع أنا معجب به كثيراً، غير متعلم، أحب أن يكون داعية، ماذا فعل ؟ اشترى أشرطة وبدأ يوزعهم على أقربائه، وكتب أن هذا أخذ شريطاً، و بعد أن يسمعه يأخذه منه و يعطيه آخر، و بهذه الطريقة أحضر إلى الجامع عشرين إنساناً، لا يستطيع أن يتكلم ولا كلمة، لكن يستطيع أن يوزع شريطاً.
فإذا تأثرت بدرس ما خذ شريطه، أعطِه لأقربائك ودعهم يوزعونه فيما بينهم، هذه صلة الرحم دعوة إلى الله، خدمة، عمل صالح.
مرة ثانية: الناس أنت لهم، وغيرك لهم، أما أقرباؤك من لهم غيرك ؟ والنبي عليه الصلاة والسلام عندما قال:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
كيف ؟ أي أنت سمعت خطبة تأثرت بها خذ شريطها، زرت أختك اسمعوا هذا الشريط، هل تصدق أن هذه دعوة إلى الله، دعوة كاملة، فأخذت الشريط، بعد عدة أيام أخذته أختك الثانية، أختك الثالثة، شريكك بالعمل، جارك، زميلك، الخطبة سمعها مئة إنسان، طبعاً سمعها إنسان مع أهله، هذه دعوة إلى الله.
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم و مع من تعرف:
والدعوة إلى الله فرض عين، طبعاً الآية الكريمة:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
أي بصراحة في صلة الرحم على الأغنياء أن يبدؤوا بزيارة الفقراء، الفقير مكسور، أنت غني، زره، تودد إليه، اجلس في بيته.
مرة زرت أخاً خجل مني جداً، لأن غرفة الضيوف لا تتسع إلا لشخصين أو ثلاثة، قلت له: من أنت أمام رسول الله ؟ كان إذا أراد أن يصلي الليل لا تكفي غرفته الصغيرة لصلاته ونوم زوجته، فكانت تنزاح يميناً حتى يسجد، وهو سيد الخلق، وحبيب الحق.
فأنت تطيب قلوب الناس أو تكرههم بحياتهم.
(( من فرق فليس منا ))
الحديث عن الدنيا يفرق والحديث عن الآخرة يجمع:
أخواننا الكرام، بالمناسبة الحديث عن الدنيا يفرق، والحديث عن الآخرة يجمع، الآن بالأعياد زيارات، موضوع الحديث، والله ذهبنا إلى اللاذقية، أسعار كاوية، نزلنا بثلاثين ألفاً، غير معقول ! تكلم أمام إنسان موظف، معاشه عشرة آلاف، دفع ثلاثين ألفاً بيومين، ألا يتألم ؟ الحديث عن الدنيا يفرق، والحديث عن الآخرة يجمع.
بطولتك أيها المؤمن أن تؤلف القلوب، أن تتحدث عن علام الغيوب، أن تتحدث عن الجنة، هذه متاحة للجميع، تكلم بكلام يستطيعه كل الناس، كل واحد يستطيع أن يصلي، احكِ عن الصلاة، عن العمل الصالح، عن التوبة، عن الإنفاق، حدث حديثاً لا يشعر السامع أنك فوقه بكثير، هذه البطولة، هذه الأخلاق العالية.
والله أحياناً ألتقي مع أغنياء، والله تشتهي الغنى من أخلاقهم العالية، من تواضعهم، ومن أدبهم مع الفقير.
لن تستطيع أن تربي ابنك على صلة الرحم إلا أن تصل أنت الرحم أمامه:
نحن درسنا عن تربية الأولاد، إن أردت أن تربي ابنك على صلة الرحم الطريقة الفعالة أن تصل أنت رحمك أمام ابنك، بابا امشِ سنزور الجدة، دخلت قبلت يدها، معه هدية، ابنك ينظر، أبوه زار أمه، أي جدته، وقبّل يدها، وكيف صحتك يا ماما ؟ وخدمها بالبيت، و أحضر معه لها أكلة طيبة، الله يرضى عليك، وينولك مرادك، واشتقت لكم يا بني، يسمع الابن، هذه صلة الرحم، فإذا أنت عملت عملاً صالحاً خذ ابنك معك، أو زرت الوالدة، أو الوالد، الجد و الجدة، أنت لا تستطيع أن تربي ابنك على صلة الرحم إلا أن تصل أنت الرحم أمامه.
المهمة التي تترتب على الآية التالية هي أن تسـأل أنت عن الذي يستحق عطاءك وتتفقده:
أيها الأخوة، الله عز وجل قال:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾
من هو الذي يستحق أن تساعده ؟ الذي لا يسألك، صاحب النفس العزيزة هذا يجب أن تبحث عنه.
أخواننا الكرام، هناك موضوع دقيق جداً، يقولون في بعض القواعد الفقهية: ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مثلاً الله عز وجل يقول لك:
﴿ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ﴾
من هو الإنسان القريب الذي ينبغي أن تساعده ؟ الأنيق ؟ طبعاً المؤمن أنيق، ونظيف، وبيته مرتب، لا يسألك، وعزيز النفس، كيف الصحة ؟ الحمد لله، الوضع العام ؟ الحمد لله، هذا لا يسألك، هذا الذي يستحق عطاءك، إذاً أنت ما المهمة التي تترتب على هذه الآية ؟ أن تسـأل أنت عنه، أن تتفقد شؤونه.
بطولة الإنسان أن يساعد عزيز النفس الذي يستحق العطاء:
أنا والله أحياناً لي قريب مثلاً مستور، عزيز النفس، أستحلفك بالله أعليك دين ؟ يخجل، أستحلفك بالله أعليك دين ؟ يقول لي: نعم والله، كم ؟ ما دام الذي يستحق العطاء لا يسأل هذا سماه الله عز وجل محروماً.
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾
من عزة نفسه لا يسأل، فيحرم، فأنت من بطولتك مع أقربائك الفقراء أن تستحلفه أعليك دين ؟ لا يتكلم، بصعوبة بالغة، هذا الذي يستحق مساعدتك، فإذا وصلته وصلك الله، وإذا كان في الإسلام شيء اسمه ضمان اجتماعي فهو على أساس النسب، وعلى أساس السكن، والأحاديث والآيات المتعلقة بحسن الجوار كثيرة جداً، والأحاديث والآيات المتعلقة بصلة الأرحام كثيرة جداً.
صلة الأرحام من أرقى العبادات التعاملية:
فاليوم الدرس عن كيف تربي ابنك على صلة الرحم ؟ ينبغي أن تصل الرحم أمامه، وصدقوا ولا أبالغ هناك مئات الأسر لا يوجد كلام بينهم وهم بالمحاكم.
فلذلك المجتمع لا يرقى إلا بهذه العبادة، من أرقى العبادات التعاملية صلة الأرحام.
الآية الكريمة الأصل في هذا الموضوع:
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾
أي اتقوا الله أن تعصوه، واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
أيها الأخوة، قال تعالى من باب النهي:
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾
والله أعرف إنساناً يتمتع بثروة طائلة ليس في بيت أمه ماء، تحمل الماء قديماً بالدلو إلى البيت، وأقامت عليه دعوى نفقة، وهي أمه، وهناك أسر والحمد لله الود، والتواصل، والتراحم، شيء يلفت النظر، وأنا والله أحترم من أعماق أعماقي كل أسرة فيها تواصل حتى بعد موت الأب والأم.