الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني عشر من دروس سورة النساء ومع الآية السادسة والعشرين وهي قوله تعالى:
خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم، هذا أصلٌ في الخلق، كما أنّ المركبة صُنِعت لتسير، لكن لا بد لها من مِكْبَح، والمِكبَح يتناقض مع السير، لأنه يوقفه، لكن حاجة المركبة إلى المِكبَح حاجةٌ أساسيةٌ ومصيريةٌ، لأن المِكبح يضمن سلامتها، كذلك المصائب في الدنيا أساسها ضمان سلامة الإنسان، لأن الله عز وجل يقول:
هذه الآيات أيها الإخوة، كلها في سورة النساء، وهي خير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم مما تطلع عليه الشمس أو تغرب.
معنى ذلك أن في الكون حقيقة واحدة هي الله، هو مصدر السعادة، ومصدر الأمن، ومصدر السلام، بيده النصر، بيده التوفيق، بيده العزة، بيده العطاء، بيده المنع، بيده كل شيء، فإذا عرفته وتقرّبت إليه فقد حققت الهدف الذي من أجله خُلِقت، وإذا غفلت عنه وابتعدت عنه فقد خسرت خسراناً مبيناً، بل إنّ البشر لا يزيدون عن رجلين؛ رجلٍ عرف الله، وعرف منهجه، واستقام على أمر ربه، وأحسنَ إلى خلقه فسعِدَ في الدنيا والآخرة، ورجلٍ غفلَ عن الله، وتفلّت من منهجه، وأساء إلى خلقه، فشقيَ في الدنيا والآخرة، إذاً يريد الله أن يهدينا، لذلك هناك كلمات يرددها بعضهم نحو: سبحان الله الذي أضلّه الله أضله، هذا كلام كفر، الله عز وجل أراد أن يهدينا جميعاً، أراد أن يعرّفنا جميعاً، لكن الإنسان مُخيّر، قد يرفض أن يتعرف إلى الله، ومعنى مُخيَّر يعني يريد أن يفعل ما يختار، إذاً أحياناً يسمح الله لمعصية، لكنه لم يأمر بها، ولم يرضَ بها، لم يأمر، ولم يرضَ، لكنه أراد، معنى أراد أي سمح، فإذا أعطيت إنساناً حرية الاختيار، وأردت أن تمتحنه فإذا منعته من فعل اختياره فقد ألغيت اختياره.
أي لو شئنا أن نلغي اختياركم، لو شئنا أن نلغي هُويِّتكم، لو شئنا أن نلغي الأمانة والتكليف، لو شئنا أن نلغي اختياركم، وأجبرناكم على شيء ما أجبرناكم إلا على الهدى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَىٰهَا﴾ لكن حقيقة الإنسان أنه مخير:
آيات كثيرة تؤكد بشكل قطعي أن الإنسان مُخيَّر، فما علاقة إرادة الله باختيار الإنسان؟ إرادة الله مع اختيار الإنسان أنْ يسمح له أن يفعل ما يريد، ولكن لا على حساب أحد.
قد يختار الإنسان أن يسرق، لكن لا يستطيع أن يسرق ممن يشاء، بل يسرق ممن سمح الله له أن يُسرَق منه فقط، إذاً أنت مخير، وسمح الله لك، أو أراد أن تحقق اختيارك، ولكن لا على مِزاجك بل على توجيهٍ من الله عز وجل: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّى بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضًۢا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ الظالم سوط الله ينتقم به ثم ينتقم منه.
ما قال: إن يردك الله بضر، الضر ليس مراد من الله عز وجل، وللتقريب إليكم هذا المثل، مدرسة من أعلى مستوى أُنشِئت كي تعلم الطلاب، كي تهذبهم، كي ترسخ فيهم القيم الأخلاقية، كي تنير عقولهم، كي تُخرِّجهم قادة للأمة، لكن هذه المدرسة فيها عقوبات، فإذا عاقبنا طالباً أيحِقّ أن نقول: إنما أُنشِئت هذه المدرسة كي تعاقب الطلاب؟ لا، أُنشِئت كي تعلمهم، وكي تربيهم، وكي تهذبهم، لكنها تضطر أحياناً أن تعاقبهم.
[ سورة القصص ]
فالهداية على الله عز وجل.
﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ۚ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَىٰكُمْ أَجْمَعِينَ(9)﴾
أي وعلى الله بيان الفصل، إذاً: أول إرادة من إرادات الله سبحانه وتعالى أنْ يهدينا إليه، وأنْ يعرّفنا بذاته، وأنْ يبيّن الطريق إليه كي نسلم ونسعد في الدنيا والآخرة: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ .
الإنسان هو المخلوق الأول:
ما هذا الكتاب إلا تَبيانٌ لنا، وما بِعثة الأنبياء والمرسلين إلا تبيانٌ لنا، وما الكتب السماوية إلا تبيانٌ لنا، وما الدعاة في الأرض إلا تبيانٌ لنا، وكل مهمةٍ يقول بها العلماء بعد الأنبياء إنما هي تبيان لنا، لقول الله عز وجل: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ يعني البيان المُطلق؛ أن تعرف من أنت، أنت المخلوق الأول، أنْ تعرف ما حقيقة الدنيا، إنها دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترَحٍ لا منزل فرحٍ، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عِوضاً، يريد الله ليبين لنا حقيقة الكون، إنه تجسيد لأسماء الله الحسنى، يريد الله ليبيّن لنا حقيقة الحياة الدنيا، إنها دار تكليف لا دار تشريف، دار عمل لا دار أمل، دار سعيٍ لا دار تكريم، التكريم في الآخرة، يريد الله ليبيّن لنا أنّ الإنسان هو المخلوق الأول.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72)﴾
هداية الخلق أحد أكبر إيرادات الله عز وجل:
يريد الله ليبين لنا أنّ هذه المرأة خُلِقت لتكون زوجة لا خليلة، دخلنا في المنهج التفصيلي، قواعد الزواج، قواعد العمل، كسب المال وإنفاقه، وكل شؤون الحياة جاء الشرع الحكيم ليبيّنه للناس كي يستريحوا من متاعب المخالفات، لأن الإنسان مُخيّر كل شيء في الأرض حيادي بالنسبة إليه، الشهوة حيادية، إما أن تكون سُلّماً نرقى به، أو دركاتٍ نهوي بها، كل الحظوظ التي يؤتيها الله للإنسان يمكن أن تُستخدَم في الخير، كما يمكن أن تُستخدَم في الشر، لأنه مخير، إذاً معنى يريد الله: أي أن هداية الخلق أحد أكبر إِرادات الله عز وجل (هدايتنا) فأنت حينما تبحث عن الحق تحقق إرادة الله عز وجل، هذا الذي يريد، أما إنْ غفلْتَ عن الحق فإنك لا تحقق ما يريده الله لك، يريد الله لك أنْ تهتدي، يريد الله لك أنْ تسلَم، يريد الله لك أنْ تسعَد، فإذا أصررت على الضلالة وعلى الشقاء فهذا شأنك، الآن علاقة إرادة الله بإرادة الإنسان ما دام الإنسان مُخيّراً فإرادة الله تقتضي أن يسمح له أن يفعل ما يريد، ولكن لا على حساب أحد، فالظالم سوط الله ينتقم به، ثم ينتقم منه.
﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾ لماذا أُهلِك بعض هذه الأمم السابقة؟ لسبب بيّنه الله عز وجل، أمةٌ انحرفت في المكيال والميزان، أمةٌ انحرفت في غريزتها التي أودعها الله فيها، أمةٌ طفّفت، أمةٌ عبدت غير الله عز وجل، أمةٌ شاعَ فيها الزنى، أمةٌ شاع فيها الخمر، فلذلك يريد الله أن يبيّن الأسباب التي بموجبها أُهلِكت الأمم السابقة، ﴿وَيَهۡدِيَكُمۡ﴾ السنن والقوانين الثابتة التي خلقها الله عز وجل، والتي بموجبها يهلك الإنسان أو يسعد، فكل إنسان حينما يرى مصيبة وقعت للإنسان يسأل: لماذا وقعت هذه المصيبة؟ ما الذنب الذي ارتكبه؟ ما الخطأ الذي اقترفه؟ لماذا دُمِّرت هذه الأمة؟ لماذا ارتفعت هذه الأمة؟ ارتفاع الأمم وسقوطها، ازدهارها وانمحاقها له قوانين، فكأن الله سبحانه وتعالى بيَّن هذه القوانين التي بها ترقى الأمم، وبها تسقط، من أجل ماذا؟ من أجل أن نتّبع قوانين سعادتنا وسلامتنا، وأن نبتعد عن مُسبّبات شقائنا وهلاكنا، أساساً لماذا يبحث العلم عن القوانين؟ كي يستطيع أن يتنبّأ بالمستقبل، نحن حينما لا ندع فراغاً بينيّاً في الأبنية، وتأتي شهور الصيف، حيث يتمدد الحديد، يتصدّع البناء، لأن المعادن تتمدد بالحرارة، هذا القانون يعيننا على أن نصمّم بناءً فيه فواصل تمدُّد، من أجل ألا يتصدّع، فحينما تكتشف قوانين الله عز وجل من أجل ألا تقع تحت سَطْوتها، من أجل أن تنجو من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة.
القوانين الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير من أجل أن يستغفر الإنسان من ذنبه:
لماذا تعرف قانون السقوط؟ لأنك إن أردت أن تسقط بمِظلّة ينبغي أن تكون المظلة مدروسة، اتساع حجمها يتناسب مع مقاومة الهواء ومع وزنها، إذاً تنزل سالماً، فكأنّ الله سبحانه وتعالى حينما يقول: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾ أي هذه القوانين الثابتة التي لا تتبدل ولا تتغير.
﴿وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ﴾ من أجل أن تستغفروا ذنوبكم، وأن يقبل الله استغفاركم وتوبتكم.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ إذاً أحد الأهداف الكبرى من بعثة الأنبياء، ومن إرسال الرسل، ومن إنزال الكتب أنْ يبيّن لنا الله عز وجل أن هؤلاء القوم أُهلِكوا بذنب كذا، وهؤلاء القوم أُهلِكوا بذنب كذا.
﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٍ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٍ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٍ (7)﴾
﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَاد(11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ(12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْط عَذَابٍ(13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(14)﴾
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَٰهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَٰعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ(17)﴾
إذاً القوانين التي يبيّنها الله جل جلاله لنا في هلاك الأمم وفي رقيِّها من أجل أن ننتفع بهذه القوانين، فنسعدَ ونسلَم في دنيانا وأخرانا، ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ ، ألا يعلم من خلق؟ العلم المطلق هو للخالق.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(21)﴾
العلم المطلق للخالق.
ثم يقول الله عز وجل: ﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ﴾ الحقيقة أن الإنسان أُودِع فيه الشهوات، والشهوات متغلغلة أعمق التغلغل في الإنسان، ففي ساعة غفلة، أو ساعة ضعفٍ قد يقع الإنسان في معصية، فلو أنّ الله سبحانه وتعالى لم يُشرِّع التوبة إطلاقاً ما الذي يحصل؟ بعد أيّ ذنبٍ يرتكبه الإنسان يَيْئَس من رحمة الله، فيتركب ذنباً وذنباً وذنوباً، إلى أن يستحق الهلاك في الدنيا والآخرة، لكن شاءت حكمة الله نظراً لضعف الإنسان أمام شهوته أن الله سبحانه وتعالى فتح له باب التوبة، وأراد له أن يتوب، التوبة فيها أشياء ثلاثة؛ فيها تشريعٌ للتوبة، وفيها توبة العبد، وفيها قَبول التوبة، فتوبة تأتي قبل توبة العبد وهي تشريع التوبة، وتوبة العبد، وقبول التوبة أو عدم قبولها، لكن التوبة رحمة من الله،
(( قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً. ))
﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ﴾ .
﴿ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾
معنى ذلك أنك حينما تتوب إلى الله يفرح الله بتوبتك، تُفرِح الله عز وجل بفرحٍ يليق بجلاله وكماله، وفي الحديث:
(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد. ))
[ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ]
لماذا يفرح الله بتوبتك؟ لأنه خلقك ليُسعِدك لذلك يفرح بتوبتك.
الإرادة الثانية: أولاً أراد أن يبين لنا، فإذا بيَّن لنا وفي ساعة ضعف أو غفلة وقعنا في معصية الإرادة الثانية: ﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ﴾ لذلك لو لم يكن هناك توبة لارتكب الإنسان مليون ذنب، لكن لأنّ هناك توبة من أول ذنب يتوب منه وانتهى الأمر: ﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ﴾ هذه الآية أيها الإخوة دقيقة جداً، الله عز وجل، الإله العظيم، والرب الحكيم يبين لنا لماذا خلقنا؟ وهذا بيان مهم جداً، وكل ما يقوله عامة الناس كلام باطل، يريد أن يبيّن لنا، يريد أن يهدينا، كلمات يقولها أناس كثيرون تتناقض مع القرآن الكريم، الآن إذا وقعنا في خطأ فإن الله جل جلاله يريد أن يتوب علينا، بل إنّ بعضهم يقول: ما فتح الله لنا باب التوبة إلا ليتوب علينا، وما فتح الله لنا باب الاستغفار إلا ليغفر لنا، وما فتح الله لنا باب الدعاء إلا ليجيبنا، أمرنا أن ندعوه ليجيبنا، وأمرنا أن نستغفره ليغفر لنا، وأمرنا أن نتوب إليه ليتوب علينا، لأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يتوب علينا شرَّع لنا التوبة.
أغلب الظن أن رحمة الله عز وجل تسع كل الذنوب والآثام:
قال:
﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ(53)﴾
﴿ وَٱكْتُبْ لَنَا فِى هَٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِىٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنْ أَشَآءُ ۖ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍۢ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَٰتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)﴾
وأنت شيء، فأغلب الظن أن رحمة الله عز وجل تسعُ كل الذنوب والآثام، لذلك:
﴿ يَٰبَنِىَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيْـَٔسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيْـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْكَٰفِرُونَ (87)﴾
الكافر يائس، والكافر قانط ﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمًا﴾ .
من يغفل الإنسان عن ذكر الله عز وجل يتبع هواه:
طبعاً أهل الأهواء والشهوات يحبونك أن تَنجَرّ إليهم، وأن تسقط في وُحولِهم، وأن ترتكب الآثام التي وقعوا فيها ليستأنسوا بك، فدائماً:
﴿ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا (28)﴾
أتبع من؟
﴿ وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ۚ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)﴾
الناس رجلان؛ رجل يتبع سبيل الله: ﴿وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ﴾ ورجل يتبع هواه، هذا لا تصغِ إليه، لا تستشره، لا تهتدِ برأيه، لا تلقِ له بالاً، لا تعبأ به: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا﴾ أما معنى ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا﴾ فإياكم أن تفهموا ﴿أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا﴾ أي أن الله سبحانه وتعالى خلقَ في قلبه الغفلة، لا، بل المعنى وجده غافلاً، هكذا اللغة العربية، والقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، عاشرت القوم فما أبخلْتهم، أي ما وجدتهم بخلاء، عاشرت القوم فما أجبَنْتُهم، أي ما وجدتهم جُبناء، وزن أفعلَ أي وجد، لا بمعنى أنه خلق فيهم الغفلة: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا﴾ من وجدنا قلبه غافلاً عن ذكرنا، لأنه غفل عن ذكر الله عز وجل اتبع هواه.
إن لم تكن على طريق الحق فأنت على طريق الباطل:
قال تعالى:
﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2)﴾
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(50)﴾
هما فريقان لا ثالث لهما، إن لم تكن على طريق الحق فأنت على طريق الباطل ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ﴾ وهما طريقان لا ثالث لهما، طريق الحق أو طريق الهوى، طريق الجنة أو طريق النار، طريق الخير أو طريق الشر، طريق الدنيا أو طريق الآخرة.
﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ﴾ أي أن تنحرفوا ﴿مَيۡلًا عَظِيمًا﴾ ، ﴿أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمًا﴾ وكلما أمعن الإنسان في المعصية فرح أهل الباطل، قد يعطونه شهادة حينما يرتكب المعاصي كلها، فلذلك لا تصحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، لا تصاحِب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي.
خُلِقَ الإنسان ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره:
الآية الكريمة ينبغي أن نفهمها على نحوٍ أو آخر ﴿وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا﴾ ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا﴾ الإنسان فيه نقاط ضعف، هذه النقاط في أصل خلقه، أول نقطة: ﴿وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا﴾ لماذا خُلق ضعيفاً؟ ليفتقر بضعفه إلى الله فيسعد بافتقاره، ولو خُلِق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، إذاً الضعف لصالحه.
مثل آخر: آلة غالية الثمن، عظيمة النفع لا بد من نقطة في مسار التيار ضعيفة جداً، هذه تسمى بالمصطلح (الفيوز)، إذا جاء التيار عالياً لولا هذه القطعة الضعيفة لاحترقت الآلة، وخسر الإنسان قيمتها، أما هذه الوصلة الضعيفة جداً تسيخ فتُبَدَّل، ونحفظ بهذا الآلة.
فالضعف الذي خُلِق في الإنسان ضَعفٌ لصالحه، خُلِق ضعيفاً ليفتقر بضعفه، فيسعد بافتقاره، ولو خُلِق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، هذه إحدى نقاط الضعف، الإنسان الذي لا يخاف لا يتوب، أما حينما يلوح له شبح مصيبة تنهار أعصابه، فيسرع إلى باب الله عز وجل، لماذا تاب؟ لأنه خاف، لماذا خاف؟ لأنه ضعيف، فالضعف سبب توبته، والتوبة سبب سعادته ﴿وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا﴾ ولا نبالغ إنْ قلنا أنّ معظم التائبين سبب توبتهم أنه لاحَ لهم شبح مصيبة فخافوا، فارتعدت فرائصهم فتابوا فالتجؤوا إلى الله عز وجل، فقبِلَهم الله، وأكرمهم، وأسعدهم في الدنيا والآخرة، إذاً خُلِق الإنسان ضعيفاً ليفتقر بضعفه، فيسعد بافتقاره.
بطولة الإنسان أن يأتي الله عز وجل طائعاً مختاراً خائفاً منيباً:
أيضاً خلق الإنسان هلوعاً.
﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً(19)﴾
من هو الهلوع؟
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(21)﴾
يحرص على ما بيدَيه، هذا هو المَنوع، لا ينفق، فإذا أنفق عاكس فطرته، فإذا عاكس فطرته ارتقى إلى ربه، لو أنّ الدنيا ليست غالية على الإنسان لمَا ارتقى بإنفاقها، لو أنّ المال ليس أسيراً عند الإنسان لمَا ارتقى بإنفاقه:
﴿ إِنَّ ٱلْإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20)﴾
أي لا سمح الله ولا قدر، ووقانا وإياكم جميعاً من مرض عضال، إذا لاحَ شبحُ مرضٍ عُضال تنهار قِوى الإنسان، ليس أمامه إلا الصلاة، والله أيها الإخوة عشرات، بل مئات من الناس الشاردين حينما لاح لهم شبح مصيبة كبيرة التجؤوا إلى الله عز وجل، والله عز وجل يداوي، ودواؤه مُرٌّ أحياناً، فإذا كان الإنسان شارداً، وسائحاً، ولاهياً، وغافلاً، فإن الله عنده أدوية تدع الحليم حيرانَ، فلذلك البطولة أن تأتيه طائعاً، فإمّا أن تأتيه طائعاً مختاراً، خائفاً مُنيباً، أو يحمِلك على أنْ تأتيه طائعاً، تائباً، وبالتعبير الدارج: (إما أن تأتيه ركضاً، أو أن يُحضِرك ركضاً) .
الإنسان يرقى بإنفاق المال:
﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا﴾ خُلِق ضعيفاً وخلق هلوعاً
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً(20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً(21)إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾
حدّثني أخ مُضيف في طائرة دخلت في غيمة مُكهرَبة، فتلِفت مقدمتها، وكانت على وشك السقوط، وبينها وبين السقوط وموت جميع الركاب دقائق، لكن بحكمة الله ورحمته نجّا رُكّاب هذه الطائرة، فهذا الأخ كان مضيفاً في هذه الرحلة، قال لي: المنظر لا يصدق، أناس يضربون وجوههم، يمزّقون ثيابهم، يصرخون بوَيلهم، لأنّ الموت صار محققاً، فالطيار طلب من المضيفين أن يُهدِّئوا الركاب، فلا أحد ينتبه، ولا أحد يسمع، وهم في ضجيج، وفي ذُعر، وفي هلَع، وفي خوف، وفي شدة، أحد المُضيفين رأى راكباً هادئاً فتوسّم فيه الخير، فتوجّه إليه كي يطلب منه أن يهدِّئ الركاب فوجده مغمىً عليه، هذا الوحيد ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً*إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ بالهلَع تتوب، وبالحِرص على ما بيدَيك ترقى إذا أنفقته، والمال مُحبَّب، وإنفاقه يحتاج إلى إرادة قوية، والإنسان يرقى بإنفاق المال، والوقت ثمين فيرقى بإنفاق الوقت، والجاه غالٍ فيرقى بإنفاق جاهه، إذاً: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً*إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
من ضَعُف أمام شهواته فله باب مفتوح هو باب التوبة:
وخلق الإنسان عجولاً، قال:
﴿ خُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ مِنْ عَجَلٍۢ ۚ سَأُوْرِيكُمْ ءَايَٰتِى فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ(37)﴾
يريد الشيء أمامه على عَجل، فالمؤمن ماذا فعل؟ أعرضَ عن العاجلة واختار الآجلة، إذاً اختار عكس فطرته، طبعُ الناس جميعاً أن يختاروا العاجل، معظم الناس يعيشون وقتهم، هناك متعة راهنة يمارسها، وهناك شهوة محرمة يقتنِصها، هناك مال مُحبّب يأكله حراماً، لأنه عاجل، أمام يديه، أما المؤمن رسم هدفاً بعيداً جداً، فهو يسعى إلى ما بعد الموت، إذاً لما اختار هدفاً بعيداً عاكسَ طبعه، فلما عاكس طبعه ارتقى إلى الله عز وجل، فالله يقول: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا﴾ حينما بيَّن لنا، حينما أراد لنا أن نتوب، لأنه يعلم ضعفنا أمام الشهوات، فحينما يضعف الإنسان أمام شهوته فله باب مفتوح هو باب التوبة، فكأن هذه التوبة تخفف عنه العِبْء، سبحان الله عندما يتوب الإنسان إلى الله توبة نصوحة يشعر أن جبالاً قد أزيحت عن كاهله.
(( التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كمَنْ لا ذَنْبَ لَه. ))
حينما تتوب إلى الله عز وجل تشعر يقيناً أن جبالاً ضاغطة أُزِيحت عن كاهلك: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ ٱلْإِنسَٰنُ ضَعِيفًا﴾
ثلاث إرادات عظيمة لله عز وجل إرادة البيان والتوبة والتخفيف:
ثلاث إرادات إلهية عظمى، الإرادة الأولى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ والإرادة الثانية: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ والإرادة الثالثة : ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ هذا الذي يفعل السيئات -لا سمح الله ولا قدر- وهذا الذي يقترف الآثام، أو هذا الذي يبني مجده على أنقاض الآخرين، يبني أمْنه على خوف الآخرين، يبني حياته على موت الآخرين، يبني غناه على إفقار الآخرين، هذا حينما يعود إلى فطرته تعذّبه فِطرته عذاباً لا يوصف، فحينما دعانا الله عز وجل إلى معرفته وطاعته، وإلى التوبة أراد أن يخفف عنا.
لو أن طفلاً مثلاً سرق قلماً من صديقه، ثم اشتكى صاحب القلم المفقود إلى المعلم، وأغلق المعلم الباب، وفتّش الطلاب، فإذا خرج هذا القلم من جيب الطفل السارق تحمَّل من الخِزي والعار ما لا يُحتمَل، فالله عز وجل يعلم ما سيكون.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلْإِيمَٰنِ فَتَكْفُرُونَ(10)﴾
يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلْإِيمَٰنِ فَتَكْفُرُونَ﴾ يعني إذا وجد أب ابنه لا يدرس ولا يداوم، وهو يصاحب رُفَقاء السوء، فإن الأب بخبرته العميقة يرى ابنه في النهاية فقيراً، لا عمل، ولا وظيفة، ولا اختصاص، ولا حرفة، ولا زواج، ولا بيت، بل هو منبوذ في الطريق، فمتى يتألم الأب؟ حينما يرى ابنه الصغير لا يدرس، أما متى يتألم الابن؟ حينما يكبر، ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ متى مقت الله؟ ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلْإِيمَٰنِ فَتَكْفُرُونَ﴾
أيها الإخوة، ثلاث إرادات عظيمة لله عز وجل؛ إرادة البيان، والتوبة، والتخفيف.
الملف مدقق