- أحاديث رمضان
- /
- ٠02رمضان 1416 هـ - نظرات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
التماس الأعذار للآخرين :
أيها الأخوة، في كتاب الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ما يقرب من مئتي حديث وردت فيها كلمة إيمان، اخترت لكم من هذه الأحاديث بعضها، يقول عليه الصلاة والسلام:
((آيةُ الإيمان حبُّ الأنصار، وآيةُ النفاق بغض الأنصار))
ماذا نستفيد من هذا الحديث في حياتنا؟ قال:
((يا سلمان لا تُبغِضْني فتفارِقَ دِينكَ، قلت: يا رسولَ الله، كيف أُبْغِضُكَ، وبِكَ هَداني الله؟ قال: تُبِغضَ العَربَ فَتُبْغِضُني))
أحياناً العداوات تنتقل من مستوى إلى أعلى، فالمؤمن لا ينبغي أن يبغض مؤمناً، إن رأى منه نقصاً يلتمس له العذر.
((التمس لأخيك عذراً ولو سبعين مرة))
أما إذا أدخل إلى قلبه الحقد والبغض، وهذا الذي تبغضه مؤمن ربما انتقل هذا البغض من مستوى إلى أعلى، من مستوى إلى أعلى، قال له:
((لا تُبغِضْني فتفارِقَ دِينكَ، قلت: يا رسولَ الله، كيف أُبْغِضُكَ، وبِكَ هَداني الله؟ قال : تُبِغضَ العَربَ فَتُبْغِضُني))
استنباط من هذا الحديث: أخ مؤمن مشهود له بالإيمان، مستقيم، يغلب عليه الصلاح والستر، عاملته صار هناك سوء تفاهم فبغضته، لو أن هذا البغض نما ونما ونما لعل هذا البغض ينتقل إلى كل من في المسجد، لعل هذا البغض ينتقل إلى من يدرّس، إلى الآن معقول لكن أن ينتقل البغض إلى أن تكره الدين؟ وأنا لا أقول كلاماً من هواء، هناك أناس انقطعوا لعلاقة سيئة بينهم وبين أحد الأخوة، البغض انتقل من أخ لجامع، لمن في هذا المسجد، ثم للدين كله، وهذا طبعاً ضيق أفق بالإنسان، لا يمكن أن يحول بينك وبين الله أحد، نقطة مهمة جداً، لا يمكن أن يحول بينك وبين الله أحد.
يوجد أمثلة تضرب أحياناً: إذا إنسان في الجامعة، ويعلق آمالاً كبيرة جداً على نيل الدكتوراه، ومستقبله، وزواجه، ومنصبه، وعمله، ودخله، لو أن خصومة نشبت بين أحد الطلاب هل يترك الجامعة؟ لا، لا ينبغي أن تسمح لأحد أن يحول بينك وبين الله، أما هناك سلوك ساذج، سلوك بدائي أنه ما دام هناك إكرام أنا مع هؤلاء، إذا أساء واحد فوراً أقطع، هذا القطع ينتقل إلى مستوى أعلى وأعلى.
((تُبِغضَ العَربَ فَتُبْغِضُني))
لذلك النبي الكريم يقول:
((آيةُ الإيمان: حبُّ الأنصار، وآيةُ النفاق بغض الأنصار))
لا يوجد معك حق أن تبغض مؤمناً، أنا لا أقول إن المؤمن معصوم، لكن يغلب عليه الصلاح، ولا يصر على المعصية، والنبي معصوم، لكن ولي الله محفوظ، والفرق بين الحفظ والعصمة أن المحفوظ يخطئ ولكن لا يصر على خطئه، ويتوب منه سريعاً، ولا يخطئ في الكبائر عن غير قصد، وفي الصغائر، والنبي علمنا أن نلتمس عذراً، وكان قدوة لنا حينما ارتكب أحد أصحابه خيانة عظمى، فلما سمع منه مسوغات هذا العمل، سيدنا حاطب، قال: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً، الإنسان عليه أن يغلب عليه التسامح، والتماس الأعذار لإخوانه، وأن تكل أمرهم إلى الله عز وجل.
من علامة الإيمان أن تكون من رواد المساجد :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان))
من علامة الإيمان أن تكون من رواد المساجد، من علامة الإيمان أن تكون في المسجد كالسمك في الماء، من علامة الإيمان أن يكون قلبك معلقاً بالمساجد، وقد ورد هذا في حديث آخر صحيح:
((سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه:- من هؤلاء السبعة - ورجل قلبه مُعَلَّق بالمسجد))
المداهنة و المداراة :
يوجد حديث دقيق جداً قد لا يلتفت إليه أحد، يقول عليه الصلاة والسلام:
((رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس))
يجب أن نفرق بين المداراة وبين المداهنة، المداهنة بذل الدين من أجل الدنيا، تضحي بصلاتك، باستقامتك، بورعك من أجل زيد أو عبيد، هذه مداهنة، وهذه خطيرة في الإسلام، أما المداراة فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((بعثت لمداراة الناس))
المداراة بذل الدنيا من أجل الدين، عكسها أن تبذل دنياك من أجل تأليف قلب مؤمن هذه مداراة، هذه مطلوبة، لماذا المؤمن يتودد إلى الناس؟ لأنه يعلم أنه كما قال النبي لسيدنا علي:
((لأن يهديَ الله بكَ رجلاً واحداً خير لكَ مما طلعت عليه الشمس، من حُمْر النَّعَم، وخير لك من الدنيا وما فيها))
معنى هذا أن أكبر عمل صالح، وأعظم تجارة مع الله أن يسمح الله لك بهداية إنسان واحد، لأن هذا الإنسان الواحد ذخر لك إلى أبد الآبدين، بينما لو أن الدنيا كلها بين يديك وجاء ملك الموت لا تنفعك إطلاقاً، يقول لك: فلان ملك الحديد، في بعض البلاد، ملك النحاس، فلان مثلاً حجمه المالي فلكي، سبعة آلاف مليون دولار، يموت، ولا يأخذ معه شيئاً، لكن المؤمن الذي دلّ الناس على الله عز وجل وأخذ بيدهم إلى الله، وبذل جهداً كبيراً في سبيل إيصالهم، هذا عمل مستمر إلى أبد الآبدين، هذا من الصدقة الجارية التي لا تنقطع بموت صاحبها.
مرة قلت لكم: كنت في طريقي من الزبداني إلى دمشق، لمحت بناء، قيل لي: هذا ملهى وفيه من كل المنكرات، وبعد أن افتتح بأسبوع واحد توفي صاحبه، فقلت: هذا صدقة جارية له إلى يوم القيامة، والآن الملهى مازال مفتوحاً، فكل ما فيه من معاص ومن آثام في صحيفته إلى يوم القيامة.
لذلك أخطر عمل ذلك الذي يستمر إثمه بعد موت صاحبه، وأعظم عمل بالمقابل ذاك الذي يستمر خيره بعد موت صاحبه، وعلى اليمين يوجد جامع، جامع بالمقابل طبعاً قد يموت صاحبه، لكن كل من صلى في هذا المسجد في صحيفة من بناه.
الفرق بين الحبّ الأحمق و الحبّ الذكي :
أخواننا الكرام؛ يوجد نقطة مهمة جداً، كل إنسان يحب نفسه، هذه حقيقة، هناك أشخاص يظهرون حبهم لأنفسهم، هؤلاء أقل ذكاء، وأشخاص آخرون يخفون هذا الحب لكنهم يحبون أنفسهم، بقي أن هناك من يحب نفسه حباً أحمق، وهناك من يحب نفسه حباً ذكياً.
قبل أن نوضح هذا المثل، لو أن أماً تحب ابنها حباً أحمق، وكان في أمعائه التهاب مزمن، وطبخت طعاماً يؤذي هذا المرض، ويزيده استفحالاً، فلما سألها أن تطعمه من هذا الطعام أطعمته لأنها تحبه، فلما أطعمته تفاقم مرضه، وانتهى به إلى علة خطيرة، هي تحبه، لكنها أحبته حباً أحمق، لو أنها امرأة عاقلة متعلمة تحرمه ألذ الطعام من أجل أن يشفى من مرضه، ولا تلقي لبكائه بالاً، ولا لصراخه بالاً، نقول هذه الأم الثانية التي منعت ابنها هذه الأكلات تحب ابنها حباً ذكياً، كلاهما يحب ابنه، هذا توضيح أقرب.
هناك من يحب نفسه حباً أحمق، يعيش لحظته، يبحث عن لذة آنية يعقبها ألم لا حدود له.
أحياناً المجرم يتمتع يومين بالمال فقط إلى أن يلقى القبض عليه، إذا كان غير مجرم يتمتع ببعض الأموال التي أخذها حراماً سنتين، ثلاث، خمس، ثم يأتي عقاب الله له.
أن تحب نفسك حباً أحمق معنى هذا أنك تمتعها بلذائذ تعقبها آلام لا تحتمل، وأن تحب نفسك حباً ذكياً تحملها على طاعة الله من أجل أن تسعد بشكل مستمر ومتصاعد.
مثل أوضح: طفل هرب من المدرسة، وأمضى وقته في اللعب مع أولاد الأزقة، وطفل آخر لزم الدروس وبذل جهداً في الانتباه، وفي الكتابة، وفي التذكر، والمراجعة، والحفظ إلى أن نال أعلى الشهادات، الذي أمضى وقتاً في اللعب طبعاً كان مرتاحاً وقتها، لكن أصبح صعلوكاً من الصعاليك، أما الذي درس وحمل نفسه على الدراسة ونيل أعلى الشهادات فتمتع بلذائذ متنامية مستمرة.
فالعبرة أن تحب نفسك حباً ذكياً لا يستطيع أحد أن ينكر أنه يحب نفسه، أنا مثل أضربه كثيراً لكنه يفيدنا: أحياناً تركب بسيارة بعد دقيقة تلف دورة كاملة، على اليمين شمس، على اليسار ظل، إن أحكمت عقلك تجلس بالشمس، لأنك بعد دقيقة، بعدما تدور السيارة دورة كاملة تنعكس الآية تتمتع بالظل نصف ساعة، وإذا ما حكمت عقلك تجد الظل أريح من الشمس، تجلس بالظل، تدور السيارة دورة واحد تنعكس الآية تتحمل ثقل شمس ساعة، فالقضية قضية تحكيم عقل.
((لما خلق الله العقل قال له: أقبل. فأقبل، ثم قال له: أدبر. فأدبر، فقال: وعزتي ما خلقت خلقاً أعجب إلي منك، بك آخذ وبك أعطي))
إذا الإنسان استخدمه بشكل صحيح يسعد إلى أبد الآبدين، وإن عطله يشقى إلى أبد الآبدين، فلذلك:
((رأس العقل بعد الإيمان بالله، التودد إلى الناس))
التودد لأن المرحلة الأولى أن تدعوهم إلى الله عز وجل، لا يوجد إنسان يستمع الناس إليه قبل أن يحسن إليهم، لأنه يوجد عندنا قواعد هي القدوة قبل الدعوة، الإحسان قبل البيان، التربية لا التعرية، الأصول قبل الفروع.
انضباط الإنسان عندما يعلم أن الله معه :
حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام:
((إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت))
أنت حينما تشعر أن الله معك تنضبط، يقال: لك ضمير، يقال: لك وازع داخلي، يقال: لك ضمير مسلكي، يقال: لك شعور بالذنب، أنا لا أعتقد إلا بشعور واحد الخوف من الله.
(( يا موسى خف ثلاثاً، خفني، وخف نفسك، وخف ممن لا يخافني))
أنت حينما تخاف من الله تنضبط، أما الإنسان أحياناً فيقول لك: مجتمع متقدم فيه انضباط، هذا ليس انضباطاً هذا ضبط، لأن هناك أجهزة حديثة جداً تكشف كل المخالفات، أما حينما تنقطع الكهرباء في إحدى أكبر مدن أمريكا نيويورك ارتكبت في ليلة واحدة مئتا ألف سرقة، معنى هذا أنه ليس هناك انضباط ذاتي هذا ضبط خارجي، الإسلام له ضبط آخر، له هدف أن يضبط الناس ضبطاً ذاتياً، من ذات أنفسهم، هذا الرقي الحقيقي.
ضرورة تجديد الإيمان في القلوب باستمرار :
كثير من الأخوان يشتكون أحياناً أننا عندما أقبلنا على الدروس في أول الأمر كدنا نطير شوقاً إلى الله، مع مضي الأيام هذه الأحوال فترت، فما تفسير ذلك؟ النبي أجاب عن هذا السؤال قال عليه الصلاة والسلام:
((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))
لماذا الله عز وجل دعانا أن نصلي خمس صلوات في اليوم؟ هذه الصلاة شحنة، شحنة إلى الصلاة الثانية، أمرنا أن نحضر صلاة الجمعة وخطبتها، الجمعة والخطبة شحنة أسبوعية، الواحد يلاحظ نفسه إذا كان له جامع يثق به يشحن، السبت، الأحد، الاثنين، الثلاثاء مشحون، يضعف النور يوم الأربعاء والخميس، إلى أن يأتي الشحن الجديد، معنى هذا أن الله أرادنا أن نشحن دورياً، يوجد مصابيح كهربائية تشحن في الكهرباء المستمرة المتناولة، فإذا الواحد نسي أن يشحن الضوء يضعف، إذا كان قد شحن شحناً جيداً يصبح الضوء متألقاً.
الآن شهر رمضان شحن لسنة، كيف الإنسان يدخل لمحطة بنزين يملأ المستودع، هذا المستودع ليس من أجل أن تتحرك في المحطة، لا، هذا المستودع لمئتي كليو متر، فعندنا شحن سنوي برمضان، و شحن أسبوعي في خطبة الجمعة، و شحن يومي في الصلوات الخمس، وشحن على مدار العمر شحن الحج، عبادة تؤدى في العمر مرة، وعبادة تؤدى في السنة مرة، وعبادة في الأسبوع مرة، وعبادة في اليوم خمس مرات، فالإنسان من دون شحن، من دون اتصال بالله، يفقد النور الذي يهديه إلى سواء السبيل، فلذلك:
((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم))
قيمة العمر بحجم العمل الصالح فيه :
من أدعية النبي:
((اللهمَّ بِعلْمِكَ الغَيبَ، وَقُدرَتِكَ على الخَلقِ، أحيني ما عَلِمْتَ الحيَاةَ خَيْرا لي))
أحياناً تجد شخصاً صدقوني رحمة الله كلها تعني أن يموت، صار له اثنتا عشرة سنة طريح الفراش، أقرب الناس إليه يتمنون موته، وأجهزته كلها معطلة، مشلول، فاقد الذاكرة، فاقد الوعي، الناس يا ربي خفف عنه، فالإنسان لا يطلب الحياة ولا الموت، ادعُ هذا الدعاء:
((اللهمَّ بِعلْمِكَ الغَيبَ، وَقُدرَتِكَ على الخَلقِ، أحيني ما عَلِمْتَ الحيَاةَ خَيْرا لي))
أحياناً الموت رحمة، وأحياناً الإنسان بصحته، آتاه الله علماً وعملا طيباً، يا ربي أطل عمري حتى أستزيد من فضلك، الحقيقة طول العمر من نعم الله العظمى، هناك كثير من الأشخاص بالثمانين، بالتسعين، بالمئة والخمسة في عطاء، في عطاء مستمر.
((خيركم من طال عمره وحسن عمله))
إذا الله عز وجل مدّ بعمره إلى سن متأخرة وكان هناك عمل صالح دؤوب هذا من المتفوقين، طبعاً لا يمنع أن يموت الإنسان مبكراً، لكن أنا رأي بالموضوع دقيق.
دكان فتحتها أيهما أفضل أن أفتحها ساعة أم أربع ساعات أم ثماني ساعات أم النهار كله؟ لا، هذه لا علاقة لها، العبرة بالغلة، افتح ساعة واكسب مليوناً أحسن من عشر ساعات وتكسب عشرة آلاف.
فالعمر قيمته بحجم العمل الصالح فيه، فكلما ازداد العمل الصالح ازداد العمر قيمة، لذلك الله عز وجل أقسم بعمر النبي، قال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾
في عمر قصير، سيدنا الشافعي عاش خمسين عاماً، النووي رحمه الله تعالى مؤلف كتاب رياض الصالحين، كتاب الأذكار، شرح مسلم، كتاب بغية المحتاج، هذه الكتب أعمدة في الإسلام ومات في الثامنة والأربعين، ترك كتباً خيرها لا يعلمه إلا الله، وعاش ثماني وأربعين سنة فالعبرة لا بالمدة الزمنية، بل بحجم العمل الصالح في هذا العمر.
أقوال النبي وحي من عند الله عز وجل :
الرسول عاش ثلاثاً وستين سنة، والله أقسم بعمره، يقال لك: تسعة كتب صحيحة، إذا الإنسان تناول بعض الأحاديث بالشرح والتحليل يأخذ دكتوراه، النبي ماذا قال؟ عاش في الصحراء كل هذه الأحاديث منه.
يوجد أشياء ذكرتها البارحة، قال لك: اذبح الخروف من أوداجه فقط، قلت: لا في عصر النبي في الجزيرة العربية، ولا في مراكز الحضارة في عصره شرقاً وغرباً، ولا في العصور التالية من معطيات العلم ما يسمح في تفسير هذا التوجيه النبوي، لماذا لا نقطع رأسه فوراً ونرتاح؟ الآن يوجد مسالخ أجنبية يعلقون الخروف من رجليه ويقطعون الرؤوس قطعاً كاملاً، النبي عليه الصلاة والسلام لما أمرنا أن نقطع أوداجه فقط دون أن نقطع رأسه:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
هذا وحي، هذا وحي من الله عز وجل، حتى إن علماء التوحيد قالوا: سنة النبي وحي غير متلو، قال: القلب ينبض ثمانين نبضة بأمر كهربائي ذاتي، الله عز وجل أودع بقلب الإنسان مركزاً كهربائياً، وأودع مركز ثان وثالث، أول مركز، الثاني احتياط، الثالث احتياط الاحتياط، تسمعون أحياناً عن إنسان ركب بطارية، تكون هذه المراكز قد ضعفت، فعندنا مركز، واثنان، وثلاثة بالقلب، القلب يتلقى الأمر ذاتياً، لأنه أخطر عضو بالإنسان، ليس من المعقول أن يرتبط بجهاز آخر، كمستشفى فيها عمليات جراحية، لابد من مولد كهربائي ذاتي وإلا القلب مفتوح، والله لم يعد هناك كهرباء، يموت المريض، القلب يتلقى أمراً من مركز كهربائي ذاتي يضرب ثمانين ضربة نظامية، أما إذا ضرب مئة وثمانين ضربة فيحتاج أمراً استثنائياً من الجملة العصبية، من الدماغ، أو إلى أمر هرموني من الكظر بأمر من الدماغ، هذا الأمر إما من الدماغ، أو عن طريق الدماغ، لو قطعنا رأس الخروف يحرم من الأمر الاستثنائي، فثمانون ضربة لا تكفي لإخراج الدم منه، لأن القلب بعد الذبح مهمته إخراج الدم، الدم طاهر ما دامت الحياة في الحيوان، لأنه يصفى عن طريق الرئتين، وعن طريق الكليتين، وعن طريق التعرق، أما إذا كان دماً غير مصفى أعظم مستنبت للجراثيم هو الدم، أعظم بؤرة للجراثيم هي الدم، لا بعصر النبي، ولا بعد عصر النبي يمكن أن تكون معطيات العلم كافية لتوجيه هذا التفسير النبوي، الآن فسروها، ما دام الرأس موصولاً الضرب مئة وثمانون ضربة، معنى هذا أن الدم كله يخرج من الذبيحة، أما إذا كان الرأس مقطوعاً فقط ثمانون ضربة، هذه الثمانون لا تكفي لإخراج الدم كله، فالذبيحة فيها دم، والدم نجس، والدم بؤرة للجراثيم، معناها هذا ليس كلامه، هذا توجيه من الله عز وجل.
أهم شيء كلام سيدنا سعد: " ثلاثة أنا فيهن رجل - أحد هذه الثلاثة - ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".
فيجب أن تعتقد اعتقاداً قطعياً أن ما قاله النبي ليس من عنده، إنما هو وحي من عند الله.
أيها الأخوة، موضوع الإيمان موضوع طويل، هذه مهمة العمر كله، فالإنسان تتراكم المعلومات، والقناعات، إلى أن يرى نفسه وهو لا يشعر على صراط الله الصحيح، فالحركة الصحيحة أساسها قناعة، والإنسان كلما نمت قناعته نما مشاعره وانضبط سلوكه.
الالتزام و الورع يضبطان السلوك :
آخر حديث:
((الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
علامة إيمانك ألا تجرؤ أن تفتك بأحد، أما الذي لا يعرف الله فيفتك.
((الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ، لا يَفْتِكُ مؤمِن ))
تشعر المؤمن مقيد ما الذي قيده؟ إيمانه، طبعاً هو متحرك وفق منهج الله، أما إذا عمل خلاف المنهج فلا يستطيع، يؤذي إنساناً ويسبب له خراباً تشفياً لا يستطيع، يخاف من الله.
الصحابة الكرام، كفار قرش مثلوا بأصحاب قريش بالمعارك، سيدنا حمزة فتح بطنه، وأُخذ كبده ومُضغ، فلما قيل له: مثل بهم كما مثلوا بحمزة، قال: لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً.
أرسل مرة خادماً غاب طويلاً، غضب النبي، بيده سواك، قال له: والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك.
الوحي انقطع عدة أسابيع، قال: يا عائشة لعل تمرة أكلتها من تمر الصدقة، رأى على سريره تمرة فأكلها، ثم قال: لعلها من تمر الصدقة بالخطأ أكلتها، الوحي قطع عنه، فالقضية قضية ورع، قضية التزام، فالإنسان عندما يلتزم بشكل صحيح، ويكون ورعاً تفتح له أبواب السماء، يتألق، فمهما نمت ثقافتك لا تتألق، أما حينما ينضبط سلوكك فتتألق.