الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
الكبائر من خصائصها أن فيها قوة جاذبة لذلك أتى الأمر باجتنابها:
أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الخامس عشر من دروس سورة النساء، ومع الآية الواحدة والثلاثين، وهي قوله تعالى:
﴿ إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَنُدۡخِلۡكُم مُّدۡخَلًا كَرِيمًا(31)﴾
الحقيقة الأولى: أن هذه الكبائر -وسوف آتي بعد قليل على ذكر أمثلة لها- لها خصائص، من خصائصها أنّ فيها قوة جاذبة، لذلك أتى الأمر بالاجتناب؛ والاجتناب -كما قلت في الدرس السابق- أن تدعَ بينك وبين هذه الكبائر هامش أمان، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا(32)﴾
﴿ وَلَا تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُۥ ۖ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152)﴾
﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَٰكِفُونَ فِى ٱلْمَسَٰجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)﴾
على الإنسان أن يجعل هامش أمان بينه و بين الكبائر لينجو من عذاب الله:
أوضح مثل أنك إذا أردت أن تحذّر الناس من خط كهربائي عالي التوتر لا يمكن أن تقول: ممنوع مس التيار، تقول: ممنوع الاقتراب من التيار، لأن هناك مساحة حول التيار لو دخلت إليها لجذبك التيار، إذاً هذه المعاصي يمكن أن تجذب، فالحقيقة الأولى لا تستطيع أن تنجو من هذه الكبائر إلا بأن تجعل بينك وبينها هامش أمان.
لو أخذنا كبيرةً كبيرة: كبيرة الزنى؛ هامش الأمان ألا تخلو بامرأة، هامش الأمان ألا تصحب الأراذل، هامش الأمان ألا تمارس الاختلاط، ألا تعرّض نفسك لإثارة أنت في غنىً عنها، هذا هامش الأمان.
مال اليتيم؛ ينبغي أن تفصله عن مالك، أما إذا دخل في مالك، ودخل في مصروفك، فهناك مشكلة، إذاً: ﴿إِن تَجۡتَنِبُواْ﴾ الاجتناب هو أشد أنواع التحريم، لقوله تعالى:
﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلْأَنْعَٰمُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلْأَوْثَٰنِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ(30)﴾
أشد أنواع التحريم.
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)﴾
لو دققت في آيات القرآن الكريم لوجدت أن الأمر بالاجتناب هو أبلغ من الأمر بالتحريم، الاجتناب يحتاج إلى هامش آمان، لذلك لو أن الله مثلاً حرَّم علينا الخمر لسُمِح ببيعها، والتجارة بها، سُمِح بعصرها، سُمِح بنقلها، لكن الأمر بالاجتناب يقتضي ألا تعصرها، وألا تشتريها، وألا تبيعها، وألا تتاجر بها، وألا تجلس مع شاربها، وألا تكون على طاولة أنت عليها، كل العلاقات الفرعية المتعلقة بشرب الخمر محرمة، إذاً هذه قاعدة عامة ينبغي للإخوة الكرام أن ينتبهوا إليها.
الإنسان هو المخلوق الوحيد مع الجن الذي حينما عرض الله عليه الأمانة اختارها:
الكبائر لا تُتَّقى إلا بترك هامش أمان بينك وبينها، أما لو تجاوزت هذا الهامش فإن احتمال الوقوع كبير جداً، كهذه الصخرة المتمركزة في قمة جبل لو دفعتها قليلاً إلى المنحدَر لن تستقر إلا في أعماق الوادي،
ولعلي في الدرس الماضي وضحت هذه الحقيقة، قضية الاجتناب، الكبائر تُتَّقى بالاجتناب، ابتعد عن أسباب المعصية، ابتعد عن أجواء المعصية، ابتعد عن مكان تُمارَس فيه المعصية، ابتعد عن أشخاص غارقين بالمعصية، ابتعد عن المكان، وابتعد عن الزمان، وابتعد عن الأشخاص، وابتعد عن الأسباب، مَن أراد أن ينجو بدينه فليدع بينه وبين المعاصي هامش أمان، وهذا منطوق قوله تعالى:
﴿إِن تَجۡتَنِبُواْ﴾ منطوق قوله تعالى:
﴿إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ﴾ ﴿فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلْأَوْثَٰنِ﴾ الآن ما الكبائر وما الصغائر؟
الحقيقة يجب أن تعرف من أنت أولاً، أنت مخلوق متميز، في الكون مخلوقات كثيرة، هناك الملائكة الذين اختاروا الإقبال على الله من دون مسؤولية وتكليف، وهناك الحيوانات الذين اختاروا الشهوة البهيمية من دون مسؤولية وتكليف، فالحيوان مُسيَّر، والمَلَك مُسيَّر، لكن الإنسان هو المخلوق الوحيد مع الجن الذي حينما عرض الله عليه الأمانة، أي أن يكون مُخيَّراً، أن يتولى بنفسه تزكية نفسه، فاختارها.
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72)﴾
الإنسان كائن متميز فيه نفخة من روح الله وقبضة من تراب الأرض:
أنت كائن في كيانك قبضة من تراب الأرض، وفي كيانك نفخة من روح الله، عندك نوازع عليا تحب الخير، تحب الحقيقة، تحب أن تكون كريماً شجاعاً، وفيّاً صادقاً،
متصلاً بالله، تحب أن تكون كاملاً، وتحب أن تلبي حاجات الجسد، هناك نوازع علوية، وهناك نوازع سفلية، هناك نفخة من روح الله، وهناك قبضة من تراب الأرض، الإنسان كائن متميز.
رُكِّب الملك من عقل بلا شهوة، ورُكِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكِّب الإنسان من كليهما، فإذا سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، لذلك:
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ(7)﴾
فوق الملائكة بكثير.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ(6)﴾
وما أكثرهم، تشاهدون أفعالهم كل يوم ﴿أُوْلَٰٓئِكَ هُمْ شَرُّ ٱلْبَرِيَّةِ﴾ .
الإنسان مخير فكل خصائصه وكل حظوظه حيادية:
الإنسان يتذبذب بين أن يكون أرقى المخلوقات إطلاقاً، وبين أن يكون أشقاها إطلاقاً، إذاً أنت إنسان مُخيَّر، والتخيير واقع، بإمكانك أن تأتي إلى مجلس علم وبإمكانك أن تذهب إلى ملهى، بإمكانك أن تصلي أو لا تصلي، أن تصدق أو أن تكذب، أن تُنجِز الوعد أو أن تُخلِف، أن تكون وفياً أو خائناً، أن تكون منصفاً أو جاحداً، أن تكون أباً مثالياً أو أباً شهوانياً، أن تكون تاجراً صدوقاً أميناً أو تاجراً كذوباً خائناً، الدليل الواقعي قوي جداً، أنت مخير، ولأنك مخير كل خصائصك وكل حظوظك حيادية، يمكن أن تكون سُلَّماً ترقى بها إلى أعلى عليين، ويمكن أن تكون دركات تهوي بها إلى أسفل السافلين، مخير لذلك: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ﴾ .
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(3)﴾
﴿ وَلِكُلٍّۢ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ(148)﴾
أما أن تظن أن السيئات التي تقترفها هي من قضاء الله وقدره فهذه عقيدة فاسدة، لأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء.
الكبائر أساسها أن إنساناً تحرك بدافع من شهوته خلاف منهج الله:
قال تعالى:
﴿ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَىْءٍۢ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍۢ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)﴾
أنت مخلوق متميز لأنك مخير، وفيك نوازع سُفليّة، وفيك نوازع عُلويّة، تحب الحقيقة، وتحب الله، وتحب الخير، وتحب الحق، وتحب أن تلبي حاجات الجسد، هذه الهُويّة المتميزة تجعلك في حالتين متناقضتين؛ إما أن تكون فوق الملائكة، أو دون الحيوان، الحيوان يفترس إذا كان جائعاً، أما هذا الذي يُبيد شعوباً بأكملها، ويتلذذ بمشهد القتل والذبح والتعذيب فهو دون الحيوان بكثير، بل إننا إذا وصفناه بكونه حيواناً نكون قد ظلمنا الحيوان، وقد يحتج الحيوان علينا.
هذه مقدمة، فالإنسان أودع الله فيه الشهوات، لكن ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، ليس هناك في الإسلام حرمان إطلاقاً، فالكبيرة أساسها أن إنساناً تحرك بدافع من شهوته خلاف منهج الله، أوضح تعريف لها، إنسان أُودِعت فيه الشهوات، وهي حيادية، معه منهج، تحرك في الحياة بدافع من شهواته من دون منهج الله عز وجل، لذلك قال تعالى:
﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(50)﴾
هناك طريق شرعي إلى المرأة بالزواج، وهناك طريق غير شرعي إليها بالزنى، المال هناك طريق شرعي إليه هو العمل، أن تكسبه بالعمل،
وهناك طريق غير شرعي إليه أن تكسبه سرقة، أو احتيالاً، أو رباً، أو كذباً، أو زوراً، فالكبيرة إنسان تحرك بدافع من شهوته من دون منهج يسير عليه، معنى ذلك أن الشر سوء استعمال فقط، كل شيء خلقه الله خيراً، إذا استعملته وفق منهج الله فأنت على حق، دقق لو أن إنساناً أسس عملاً، وكسِب مالاً له اسم لائق في المجتمع، فلو أن هذا الإنسان سرق مالاً لسقط من عين الناس جميعاً، هو في الحالتين كسب المال، لكن في حالة كسِبه مشروعاً، وفي حالة كسِبه كسباً غير مشروع.
أيها الإخوة، لا بد من أمثلة، الكبيرة هي معصية تحجبك عن الله حجاباً كثيفاً، أحيانا يخطئ الإنسان، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:
(( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. ))
لكن بين أن تخطئ بإخلاف وعدٍ مع صديق حميم دون أن تقصد ذلك، وبين أن تقتل، وبين أن تزني، وبين أن تسرق، وبين أن تشرب الخمر، فشربُ الخمر، والزنى، والقتل، والسرقة هذه كبائر تشعر أن بينك وبين الله حجاباً كثيفاً، وأن هذا الحجاب ليس من السهل إزالته، فالكبيرة ذنب كبير، ويتبعه حجاب كثيف، فإذا مثّلنا الكبيرة بأنك تركب سيارتك، وتمشي على طريق عريض، وعن يمينه وادٍ سحيق، وعن يساره وادٍ سحيق، الكبيرة أن تحرف المِقوَد تسعين درجة فجأة، فإذا أنت في الوادي، هذه هي الكبيرة، أما الصغيرة أن تحرف المِقوَد درجة واحدة، سُمِّيت صغيرة لأنه يمكن تلافيها، والكبيرة تهلك صاحبها، تأخر في صلاته هذه صغيرة، طبعاً التأخر بسيط، كلما كان التأخر أكبر كان الذنب أكبر، خطر في بالك خاطر، خاطر سيئ، تصورت أن تفعل معصية، لكنك لم تفعلها، هذا من اللَّمَم، هممْت أن تفعلها، ثم توقفت هذا من اللمَم، معصية لم يتوعد الله عليها صاحبها بالحرمان أو باللعن أو بجهنم، هذه صغائر، يقول الله عز وجل:
﴿إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ﴾ .
لا كبيرة مع الاستغفار لأن رحمة الله تََسَعُ كل شيء:
لكن القاعدة التي بيَّنها النبي عليه الصلاة والسلام أنه:
(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. ))
[ رواه ابن المنذر والديلمي عن ابن عباس بسند ضعيف ]
ما أروع هذه القاعدة، هذه القاعدة تُحيل الصغيرة كبيرة، والكبيرة صغيرة، لمجرد أن تثبّت انحراف المِقوَد درجة واحدة بعد حين أنت في الوادي، أما الكبيرة لو أنك انتبهت وأعدت المِقوَد إلى ما كان عليه مباشرة نجوت، فحينما تُصِرّ على صغيرة انقلبت إلى كبيرة، وحينما تستغفر من كبيرة غُفِرت لك وكأنها لم تكن.
(( قال اللهُ تعالى: يا بنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي، يا بنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئًا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً . ))
﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ(53)﴾
هذه بشارة (لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي) لا كبيرة مع الاستغفار، مهما تكن الكبيرة كبيرة، لأن رحمة الله تسعُ كل شيء، وأنت شيء، وأرجى آية في كتاب الله: ﴿قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ لكن:
﴿ وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ(54)﴾
حينما تقرأ القرآن تشعر أن الله غفور رحيم.
﴿ نَبِّئْ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ(49)﴾
إذا تبت، وإذا رجعت، وإذا استغفرت، وإذا أقلعت، فإن لم تفعل.
﴿ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلْأَلِيمُ(50)﴾
ما يُهلِكُ عامة المسلمين:
أيها الإخوة الكرام، هذه قاعدة رائعة، الكبائر إن ندمت على فعلها، واستغفرت الله منها، وأقلعت عنها غُفِرَت لك، وكأنها لم تكن، والصغائر إذا أصررت عليها، وثبت عليها انقلبت إلى كبائر، لذلك في مجتمع المسلمين الآن -وهذا من نعم الله علينا- الذي يقتل، والذي يزني، والذي يسرق، والذي يشرب الخمر نِسَبهم قليلة، أنا أقصد عند المسلمين، وعند المؤمنين، وعند روّاد المساجد، هذه الكبائر لا يفعلونها، حسناً ما الذي يُهلِك عامة المسلمين؟ هنا يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إنَّ الشَّيطانَ قَد يَئسَ أن يُعبَدَ بأرضِكُم ولكنْ رضِيَ أن يطاعَ فيما سِوى ذلكَ مما تَحاقَرون من أعمالِكُم فاحذَروا إنِّي قد ترَكْتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُمْ بِهِ فلن تضلُّوا أبدًا كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّهِ. ))
يعني الاختلاط، هذه مثل أختي، ونحن لا نقيم عازلاً بين الرجال والنساء، نحن أهل، فالشعور أننا أهل ولا مانع من الاختلاط هذه مشكلة، هذه لو أصررنا عليها انقلبت إلى كبائر، وحجبتنا عن الله، فالاختلاط يبدو عند الناس صغيرة، وما داموا قد أصروا عليه انقلب إلى كبيرة، أن تملأ عينيك من محاسن امرأة لا تحِل لك، تظن أنها صغيرة، أما إذا أصررت عليها انقلبت إلى كبيرة.
لذلك ما الذي يُهلِك عامة المسلمين؟ لا تهلكهم الكبائر، لأن معظمهم لا يفعلونها، تُهلكهم الصغائر حينما يُصرّون عليها، تجد نمط المسلم في بيته فيه مئة معصية؛ بعلاقته مع زوجته، مع بناته، بخروج بناته، بكسب ماله، بإنفاق ماله، بحديثه، يظن أنه لا يفعل شيئاً، أنا لا أسرق، هو يظن أنه ناجٍ، لأنه ترك الكبائر، لكن هذه الصغائر التي أصر عليها، ولم يعبأ بها، ورآها شيئاً طبيعياً، كان هلاكه من قِبَلها، وأوضح مثل هذا المسجد بأنواره، ومراوحه، وتكييفه، وكل أجهزة الكهرباء فيه، لو قُطِع التيار عنه ميليمتراً تعطل كل شيء، لو باعدنا بين التيارين متراً المحصلة انقطاع التيار، فالمتر كالميليمتر، حدث انقطاع، ووقع الحجاب، فلذلك كأني أضع يدي على مشكلة المسلمين، فإن الذي أهلكهم الصغائر (مما تَحاقَرون من أعمالِكُم) أما إذا لم يكن ثمة وقوع في الصغائر فلا بد أن يكون الاتصال بالله في أعلى درجة، هناك خط مفتوح بينك وبين الله، أما إذا تساهلت في الصغائر حجبتك هذه الصغائر عن أن تتصل بالله عز وجل.
من هذه الكبائر أن تعبد غير الله:
﴿فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلْأَوْثَٰنِ﴾ من هذه الكبائر:
﴿إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ﴾ من الكبائر:
﴿وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ﴾ أن تدليَ بشهادة باطلة تقتطع بها حق امرئ مسلم، من الكبائر شاهد الزُّور يرتكب كبيرة، قال القاضي لشاهد زور: احلف، طلب ممن كلفه بالحلف خمس آلاف ليرة، دخل المحكمة، قال له القاضي: احلف، وجد أمامه المصحف، فقال له: أريد عشرة آلاف، لأن ثمة يميناً، هذا شاهد زور، كبيرة جداً.
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ رَّسُولًا أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ ٱلضَّلَٰلَةُ ۚ فَسِيرُواْ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ(36)﴾
هؤلاء الأقوياء هم في الأعم الأغلب أغنياء، فالذي يحتفل بهم، ويعظمهم من أجل أن يأخذ مما عندهم، أو أن يتقي شرهم، وينسى الله عز وجل، أن تتضعضع لغني، أن تعظم إنسان قوياً تخافه، وترجو ما عنده عن طريق معصية الله عز وجل هذه كبيرة أيضاً.
كل إنسان يأمن مكر الله يقترف أكبر الكبائر:
قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُۥ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَىٰهُ ٱلنَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍۢ(72)﴾
الشرك من أكبر الكبائر، قول الزور من أكبر الكبائر، الكذب من الكبائر، الزنى من الكبائر، أن تيئس من رَوح الله، أن تقول: المسلمون انتهوا، أن ترى أن الكافر القوي سوف يدمرهم، وسوف يسحقهم، ولن تقوم لهم قائمة، حينما تيئس من رحمة الله، ومن أن الله سينصر عباده المؤمنين، اليأس من رحمة الله كبيرة، بل هي من أكبر الكبائر، ثم أن تأمن مكر الله، أن تقتل، لا سمح الله ولا قدر، وأن تأخذ الأموال الحرام، وأن تستعلي على خلق الله، وألا تُدخِل الله في حساباتك إطلاقاً، هذا من الكبائر، تجد الشخص يكيد، ويدمر، ويسلب أموال الناس، يسحقهم، يفتري عليهم لا يعبأ، لا يفكر أن هناك يوماً يُحاسَب فيه.
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24)﴾
قال فرعون.
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾
هؤلاء الذين يتحركون ليبالغوا في الإساءة لخلق الله عز وجل يرتكبون أكبر الكبائر.
﴿ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْخَٰسِرُونَ (99)﴾
صحفي ذكرتها لكم اقترح أن تضرب الكعبة في موسم الحج رداً على ضرب الأبنية في أمريكا، هذا الصحفي دخل إلى مستشفى مشلولاً، والطبيب سوري، أمِن مكر الله، وكل إنسان يأمن مكر الله يقترف أكبر الكبائر.
قال:
﴿ وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا(32)﴾
عقوق الوالدين من أكبر الكبائر،
وقد ورد في الأثر:
(( لو علم الله من العقوق شيئا أردأ من أف لذكره، فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار، وليعمل العاق ما شاء أن يعمل، فلن يدخل الجنة. ))
هذه الأم التي جعل الله قلبها آية من آياته الدالة على عظمته، بذلت لك كل شيء، أنت تقابلها بكُفر النعمة، بالعقوق.
﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا(93)﴾
أن تقتل مؤمناً متعمداً فأنت في جهنم إلى أبد الآبدين، من أكبر الكبائر.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْغَٰفِلَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(23)﴾
أن تفتري على امرأة شريفة طاهرة ،
أن تُشيع عنها فاحشة هي بريئة منها، وقد ورد في الأثر:
(( إنَّ قذْفَ المُحصَنَةِ لَيَهدِمُ عمَلَ مِائةِ سنَةٍ ))
امرأة بريئة طاهرة، تفتري عليها كي يطلقها زوجها، تفتري عليها كي تأخذ من مالها، تبتزّها، لذلك من الكبائر قذْف المُحصَنات، هذا الذي يقذف المحصنات لا تُقبَل له شهادة أبداً، ويُجلَد ثمانين جلدة، وثمة قصة تروى؛ أن امرأة تغسل مَيتة من النساء، لعلها اتهمتها في نفسها بالزنى، فلصقت يدها بجسمها في عهد الإمام مالك، فقال: اجلدوها ثمانين جلدة، في الجلدة الثمانين فُكَّت يدها منها.
أكل مال الربا والفرار من الزحف من أكبر الكبائر:
قال:
﴿ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَٰنُ مِنَ ٱلْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰاْ ۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْ ۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(275)﴾
أكل مال الربا من الكبائر، لأنك إذا أكلت الربا جعلت المال يلد المال، وإذا ولد المالُ المالَ تجمعت الأموال في أيدٍ قليلة، وحُرِمت منها الكثرة الكثيرة، كل شقاء البشر من الفرق الهائل بين أناس قلة يملكون تسعين بالمئة من ثروات العالم، وبين الكثرة الكثيرة التي لا تملك إلا عشرة بالمئة، مشكلات الأرض الآن ما هي؟ فئة قليلة تملك ثروات الأرض تعيش في بحبوحة ما بعدها بحبوحة، لكن هؤلاء الذين أقلقوهم أذهبوا سعادتهم، لأنهم يبذلون حياتهم في سبيل الله عز وجل، أقلقوهم.
الفرار من الزحف من أكبر الكبائر.
﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍۢ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍۢ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ(16)﴾
الفرار من الزحف من أكبر الكبائر.
أكل مال اليتيم والزنى وكتم الشهادة من الكبائر:
قال تعالى:
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا(10)﴾
أكلُ مال اليتيم الذي ينبغي أن تنفعه، ينبغي إذا اتّجرت بماله ألا تأخذ شيئاً، وإن كنت غنياً ينبغي أن تستعفف، وإن كنت فقيراً فخذ بالمعروف، والمعروف أجر المثل، أو حاجتك أيهما أقل، أما هذا الذي يأكل أموال اليتامى ظلماً:
﴿إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ والزنى:
﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِۦ مُهَانًا (69)﴾
والزنى من الكبائر، وكتم الشهادة من الكبائر.
﴿ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِى ٱؤْتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ ۗ وَلَا تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٌ قَلْبُهُۥ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(283)﴾
ركبتَ مركبة، فوقع السائق في حادث وقتل طفلاً، وأنت شاهد أن هذا الطفل قفز إلى أمام السائق، والسائق يمشي الهُوَينى، بسرعة نظامية معتدلة، ولم يخالف قوانين السير، طُلِبت إلى الشهادة فإذا رفضت وأنت الشاهد الوحيد، يمكن أن يُتَّهم هذا السائق، وأن تُدمَّر حياته، إذا كتمت الشهادة فكتم الشهادة من الكبائر، لا أحد يشهد معك إذا ثمة مشكلة، لا يحب الخير، قال تعالى:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌۢ بِٱلْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِى عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُۥ بِٱلْعَدْلِ ۚ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَىٰهُمَا ٱلْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ ۚ وَلَا تَسْـَٔمُوٓاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰٓ أَلَّا تَرْتَابُوٓاْ ۖ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقٌۢ بِكُمْ ۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ(282)﴾
الذي يأبى أن يشهد وقع في كبيرة.
إعانة الظالم على ظلمه والفتوى بخلاف ما تعلم من الكبائر أيضاً:
قال:
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِى ٱلْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(77)﴾
أي له مكانة دينية، أصدر فتوى إرضاءً لجهة قوية، وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أنها غير صحيحة، لذلك أحد علماء بلد إسلامي له شأن كبير، وكان يعتلي أعلى منصب ديني في بلده، وهو في النزع الأخير على فراش الموت رفع يديه إلى السماء، وقال: يا رب أنا بريء من كل فتوى أفتيتُها في المصارف، أنت حينما تُفتي بخلاف ما تعلم إرضاءً لقوي فقد ارتكبت أكبر الكبائر، وجعلت جسمك جسراً إلى جهنم، لذلك كلما كنت جباناً في الفتوى كنت أقرب إلى الله، فإياك أن تفتي: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِى ٱلْآخِرَةِ﴾ من أعان ظالماً، ولو بشَطْر كلمة، والله عند بعض العلماء لو قدمت له قلماً ليوقع فقد شاركته في إثم هذا التوقيع، لو سألك: هل هذا صحيح؟ فقلت: نعم، لا بد أن تفعل هذا، وأنت لست مقتنعاً بهذا العمل إرضاء له، دخلت في إثم هذا الظلم ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِى ٱلْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
الغلول وترك الصلاة من الكبائر:
من الكبائر:
﴿ وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَن يَغُلَّ ۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(161)﴾
الغُلول أن تأخذ شيئاً قبل توزيع الغنائم في الحرب، في السِّلْم يموت الأب، ويترك ميراثاً، الأخ الأكبر يأخذ أشياء قبل تقسيم الإرث، السجادة من رائحة والدي، هذا غلول، الشيء الذي يُؤخَذ قبل توزيع الإرث هو من الغلول، الغلول من الكبائر، ﴿وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ﴾ ﴿إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ﴾
﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42)﴾
ما الذي أوصلكم إلى النار؟ قالوا:
﴿ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43)﴾
ترك الصلاة من أكبر الكبائر.
الإنسان حينما يعصي الله يختل توازنه:
قال تعالى:
﴿ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعْدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ(27)﴾
إنسان له مرجع ديني، والمرجع الديني واضح، سليم العقيدة، والتوجيه سليم، فأنت تسلية فقط سوَّدت له هذا المرجع، فقطعته عنه، أن تقطع ما أمر الله به أن يُوصَل هذا من الكبائر، شاب ملتزم بمسجد يغض بصره، يضبط لسانه، يصلي وقته، يصوم شهره، يقوم الليل، معجب بالمسجد، معجب بإخوانه المؤمنين، له قريب فاسق كذاب، يسوِّد له هذه المرجعية، فالشاب ترك الجامع وتفلّت، وتبع المعاصي والآثام، ماذا فعلت أنت؟ أنت قطعته عمّن يجب أن يصل به: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ﴾ هناك أشخاص سبحان الله لا همَّ لهم إلا أن يهزوا هؤلاء المُثل عند أتباعهم، طبعاً بالباطل لا بالحق، ذلك أن الإنسان حينما يعصي الله يختل توازنه، ويستعيد هذا التوازن لو أطاع الله، ويستعيده لو طعن بالطيبين الصادقين، يرتاح، ونلاحظها في مجال التعليم، إذ يسأل المعلم الطالب: أين وظيفتك؟ فيجيب بالجمع: لم نكتبها، فهو طالب واحد، لماذا يجيب بالجمع؟ كي يوسع المشكلة، فإذا عصى الإنسان الله عز وجل يختل توازنه، فحتى يرتاح لا يترك أحداً من شره، هذا كذاب، هذا دجال، هذا لا تصدقه، هذا يده غير نظيفة، هذا الله أعلم، دائماً يطعن، طعّان قنّاص، هو يطعن ليرتاح، هو اختل توازنه، فكل شخص صالح يطعن في صلاحه، كل شخص مستقيم يطعن في استقامته، وكل شخصٍ ورِعٍ يطعن بورعه، لذلك الأنبياء ما نجَوا من هذا.
﴿ وَمَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ(186)﴾
تريد أن تتفضل علينا، أنبياء معصومون ومع ذلك ما نجَوا من تُهمٍ اتهموهم بها أعداء الله عز وجل.
الكبائر بالاستغفار والتوبة تنقلب إلى صغائر والصغائر بالإصرار تنقلب إلى كبائر:
أيها الإخوة، الكبائر بالاستغفار والتوبة تنقلب إلى صغائر، والصغائر بالإصرار تنقلب إلى كبائر: ﴿إِن تَجۡتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنۡهَوۡنَ عَنۡهُ نُكَفِّرۡ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ﴾ هذه السيئات كلها التي ذكرتها توعّد الله عليها بالنار أو باللعن.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَٰبِ ۙ أُوْلَٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ (159)﴾
في السنة:
(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ. ))
فكلمة (لَيْسَ مِنَّا) كلمة: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ﴾
﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيمًا (93)﴾
الشيطان يزين للإنسان الكفر:
هذه كلها تشير إلى أن هذه المعصية كبيرة، وثمةَ معاصٍ صغيرة، من فضل الله، ومن رحمته، ومن توبته على عباده أن الصلوات الخمس تُكفِّر ما بينها، والجمعة إلى الجمعة تُكفِّر ما بينهما، طبعاً إذا اتُّقِيت الكبائر، ورمضان إلى رمضان يُكفِّر ما بينهما، فـ: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) أي مخالفة بسيطة لم يقصدها، ولم يُصرّ عليها، وتاب منها سريعاً، واستغفر الله، فإن الله غفور رحيم، وأكبر مشكلة يعانيها المسلمون أنهم محجوبون عن الله لا بكبائر يرتكبونها بل بصغائر أصرّوا عليها، كل الأجهزة معطلة، لا لمسافة قطعٍ طويلة، بل لمسافة قطع صغيرة، لكن الجهاز تعطل، التيار انقطع فتوقف الجهاز، من هنا قال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ الشَّيطانَ قَد يَئسَ أن يُعبَدَ بأرضِكُم ولكنْ رضِيَ أن يطاعَ فيما سِوى ذلكَ مما تَحاقَرون من أعمالِكُم) بالمناسبة كنت أقول دائماً: الشيطان يزين لك الكفر، فإن رآك على إيمان يزين لك الشرك، فإن رآك على توحيد يزين لك البِدعة، فإن رآك على سنة يزين لك الكبيرة، فإن رآك على طاعة يزين لك الصغيرة، فإن رآك على ورع بقي معه ورقتان رابحتان، يزين لك التحريش بين المؤمنين، لا ينجو أحد من لسانك، قناص، تتهم كل إنسان، لا تحسن الظن بإنسان، هذا من وسوسة الشيطان، فإن رآك على حذر بقيت معه ورقة رابحة؛ المباحات، تبالغ في المباحات حتى تشغلك عن طاعة الله وعن اليوم الآخر.
الملف مدقق