- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإحسان إلى الجار:
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في دروس تربية الأولاد في موضوع التربية الاجتماعية، وننتقل اليوم إلى موضوع خاص ألا وهو الإحسان إلى الجار.
وتلاحظون من خلال الدروس السابقة أن الأب بادئ ذي بدء يجب أن يعرف حقوق الجار، فإذا عرف حقوق الجار ورأى ابنه بأم عينه مودته لجاره، و إحسانه إليه، يستقي هذا بطريقة أكثر فعالية من طريقة التلقين.
دائماً وأبداً القدوة الوسيلة الأولى والفعالة في نقل المعرفة والخبرة، القدوة قبل الدعوة، وتلاحظون في الموضوعات أنا أتحدث عن حقوق الجار، هذا الكلام موجه للآباء أولاً وللأمهات، ثم أُعقب بطريقة نقل هذه الخبرة، وهذه العبادة التعاملية إلى الأولاد.
التضامن الاجتماعي في الإسلام تضامن جغرافي وتضامن نسبي:
بالمناسبة عندنا مصطلح حديث اسمه التضامن الاجتماعي، التضامن الاجتماعي في الإسلام، كيف يكون ؟ يكون بطريقتين، بطريقة النسب، وبطريقة الجوار.
بطريقة النسب كما تحدثنا عن صلة الأرحام، وبطريقة الجوار عن حق الجار.
فأنت إنسان لك أخ، لك ابن عم، لك ابن خالة، لك قريب، لك صهر، هؤلاء أنسابك بكل أنواع النسب، من طرف الأب، أو من طرف الأم، و العلماء عدوا أربعين بيتاً من الجيران، أربعون من الشرق، أربعون من الغرب، أربعون من الشمال، أربعون من الجنوب، أربعون طابقاً لفوق، و أربعون طابقاً لتحت كما في اليابان، فصار عندك يمين، شرق، غرب، شمال، جنوب، أعلى، أسفل، هؤلاء جميعاً جيرانك.
فالتضامن بالإسلام تضامن جغرافي عن طريق حق الجار، وتضامن نسبي عن طريق صلة الأرحام.
الإحسان إلى الجار لا أن تكف الأذى عنه فقط بل أن تحتمل الأذى منه:
بادئ ذي بدء: لو أن لك جاراً ليس مسلماً، ولا يتبع ديناً سماوياً " هو مجوسي " فله حق عليك، حق الجار مطلقاً، فإذا كان هذا الجار مسلماً له عليك حقان، حق الجوار، وحق الإسلام، فإذا كان لك ابن عم وهو جار لك له عليك حقوق ثلاثة، حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، تصور حقوق ثلاثة، الآن الجار يتفنن بإيذاء جاره، قديماً الجار يتفنن بإكرام جاره.
الأمير عبد القادر الجزائري، من كبار الأبطال في شمال إفريقيا، أُبعد إلى دمشق وأقام فيها، له جار فقير، اضطر إلى يبيع بيته، عرضه للبيت، دُفع له ثمن بخس فغضب أشد الغضب، وقال: والله لا أبيع جيرة الأمير بهذا المبلغ، جاء من أبلغ الأمير هذا الخبر، فاستدعاه الأمير وأعطاه المبلغ الذي دفع له ثمن بيته، وقال: هذا المبلغ لك وابقَ جارنا، وأنا لا أبيعك.
لذلك نحن نتوهم خطأ أننا إذا كففنا الأذى عن جارنا نكون محسنين، هذا من السذاجة، ليس الإحسان إلى الجار أن تكف أذاك عنه، ولكن الإحسان إلى الجار أن تحتمل الأذى منه، وهذا يذكرني بقوله تعالى حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ ﴾
وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب، هل تصدقون أن المعاشرة بالمعروف للزوجة لا تعني أن تكف الأذى عنها، أبداً، تعني أن تحتمل الأذى منها.
المؤمن مرتبة أخلاقية وعلمية و جمالية:
المؤمن مرتبة أخلاقية عالية جداً، مرتبة علمية، مرتبة أخلاقية، ومرتبة جمالية، له أذواق رفيعة جداً، وله علاقات أخلاقية عالية جداً، وله إدراك لحقائق الكون في أعلى مستوى.
قلت لكم سابقاً: عندما يكتب إنسان إلى جانب اسمه د. يعني معه ابتدائية، و إعدادية، وثانوية، ولسانس، ودبلوم عام، ودبلوم خاص، وماجستير، ودكتوراه، كل هذه الشهادات يرمز لها بحرف د..
إذا قلت المؤمن صدق ولا أبلغ أعلى من مليون دكتور، كلمة مؤمن مرتبة علمية، عرف الله، عرف سرّ وجوده، وغاية وجوده، وينضبط بمجموعة قيم أخلاقية، المؤمن لا يزني، لا يكذب، لا يحتال، لا يغدر، أبداً، مؤمن ويتمتع بأذواق جمالية عالية، وبمرتبة علمية عالية، وبقيم أخلاقية عالية.
فلذلك من السذاجة أن تظن أنك إذا كففت أذاك عن جارك فأنت أديت حقه لا والله الأصل أن تحتمل الأذى منه.
مرة النبي الكريم، علّم أصحابه شيئاً لطيفاً، إنسان شكا له جاره، قال له: قص لسانه، يفهم بسذاجة أن يأتي بمقص ليقص لسانه، قص لسانه بالإحسان إليه، جرب، جار سيء، قدم له هدية، تجده تلملم، ضبط لسانه، اعتذر منك، تدخل معه بالمهاترات وبالمحاكم، ويرفع صوته عليك، أنت أحسن له.
أبو حنيفة النعمان له جار مغنٍّ، أزعجه إزعاجاً لا حدود له، له أغنية مشهورة " أضاعوني وأي فتىً أضاعوا "، مرة افتقد أبو حنيفة صوت جاره المغني، فبحث عن السبب فإذا هو في السجن، فذهب بوجاهته، وعلمه، ومكانته إلى مدير السجن، وتشفع له، وأركبه على دابته خلفه وقال: يا فتى هل أضعناك ؟ تقول: أضاعوني وأي فتىً أضاعوا، هل أضعناك ؟ قال له: عهداً لله لا أعود إلى الغناء.
الحوار أساس حلّ المشاكل:
العصاة لم يتح لهم قلب كبير يستوعبهم، قلب كبير يأخذ بيدهم، تصور شاباً يقول للنبي: أتأذن لي بالزنا ؟ غير معقول ! ـ إذا شخص وقف وقابل وزير الداخلية، قال له: اسمح لي أن أقتل إنساناً، هو مهمته منع القتل ـ الصحابة غضبوا، قال: دعوه، تعال يا عبد الله انظر إلى الحوار، يقول لك: الحوار حوار، تعال يا عبد الله، أتريده لأمك ؟ تصور أمه يُزنا بها، احمر وجهه، قال له: لا، قال: ولا الناس يريدونه لأمهاتهم، تريده لأختك ؟ قال له: لا، لعمتك ؟ لخالتك ؟ يقول هذا الشاب: دخلت على رسول الله وليس شيء أحب إليّ من الزنا وخرجت من عنده، وليس شيء أبغض إليّ من الزنا.
هكذا حاور، ابنك ارتكب مخالفة لا تقمعه، لا تضربه، حاوره، بين له، يا بني ارتكبت خطأ كبيراً، النبي قال:
(( علموا ولا تعنفوا، فإن المعلم خير من المعنف ))
لذلك إذاً من بديهيات الإحسان إلى الجار لا أن تكف الأذى عنه، بل أن تحتمل الأذى منه.
الكلمة الطيبة والهدية والتعاون والتنازل أحياناً أساس المحبة بين الناس:
أيها الأخوة، ورد بالأثر نص لطيف جداً:
" أتدرون ما حق الجار ؟ إن استعان بك أعنته، وإن استنصرك نصرته، وإن استقرضك أقرضته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده، ولا تؤذيه بقتار قدرك، إلا أن تغرف له منه ".
كنت أسمع عن السلف الصالح في هذه المدينة الطيبة إذا لمح الجيران أن جارهم معه ضيف، كل بيت يقدم له طبقاً من الطعام، الضيف يُدهش، يجد عشرين أو ثلاثين طبقاً من الطعام ! جارنا معه ضيف.
والله أنا في بدايات حياتي مألوف أنه دائماً هناك تبادل طعام بيننا وبين الجيران، هناك ود، والله أنا أقول لك: يمكن أن يرجع الأمر كما كان، إذا أكرمت جارك أكرمك جارك، فصار بينكما ثقة متبادلة.
مرة حدثني أخ قال: إنسان مسافر، وابنه الصغير دهسته سيارة، ماذا فعل الجار ؟ يومان من مستوصف لمستوصف، من مستشفى لمستشفى، أول طبيب، ثاني طبيب، صورة شعاعية، رجع الأب بعد يومين جميع الإجراءات في أعلى مستوى قد فعلها الجار وكأنه ابنه، والله شيء جميل !.
تشعر أنك جالس بين أحباب، الكلمة الطيبة، والهدية، والتعاون، والتنازل أحياناً، نحن كلنا لنا جيران، لا يوجد إنسان إلا وعنده جيران، الدرس مهم جداً.
لذلك، الآن يعطي ابنه خمسمئة ليرة بالحضانة، أنا لا أتكلم من فراغ، ابنه بالحضانة خمسمئة ليرة ؟ معه أكلات طيبة القطعة ثمنها مئة وخمسون ليرة، رفاقه الصغار ليس معهم مثل هذه القطع، ولا هذا المبلغ، هذا عمل فيه إساءة بالغة، أنا أتمنى أن الذي له ابن بالحضانة أن يعطيه أشياء مألوفة، شطيرة، تفاحة، أشياء مألوفة عند الجميع، إذا وجد شيء غال جداً يطعمه في بيته، و إلا سوء أدب.
ربط إكرام الضيف بالإيمان:
الآن النبي عليه الصلاة والسلام يربط إكرام الجار بالإيمان:
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ))
وقالوا كما قلت قبل قليل: الجيران ثلاثة، جار له حق عليك، وقد يكون مشركاً، وقد يكون غير مسلم، وللمبالغة وقد يكون مجوسياً، هو جارك له حق عليك، وجار له حقان وهو المسلم ؛ حق الجوار، وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق، حق الجار، حق الإسلام، وحق القرابة.
أيها الأخوة، يروي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يقول مجاهد: كنت عند عبد الله بن عمر وغلام له يسلخ شاة، فقال: يا غلام إذا سلخت الشاة فابدأ بجارنا اليهودي حتى قال ذلك مراراً، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(( ما زال جبريل يُوصيِني بالجار، حتى ظننتُ أنه سيُوَّرِّثُه ))
ومرة النبي الكريم وقف لجنازة، فقال له بعضهم: إنه يهودي، قال: أليس إنساناً ؟.
الإسلام إنساني:
الإسلام إنساني يا أخوان، العالم الغربي يقدم خدمات لشعبه تفوق حدّ الخيال، ويتفنن في إبادة الشعوب الأخرى، عنصري، أعظم شيء بالمبادئ أن تكون إنسانياً، تجد الحاكم بالغرب يقدم لشعبه خدمات تفوق حدّ الخيال، أما الشعوب الأخرى يميتها من الجوع يبيدها وهو عند شعبه بأعلى درجة، هذا مجتمع عنصري، وما دام المجتمع عنصرياً فالعنف لا يقف.
أتمنى أن أوضح قضية، إنسان دخل لبستان أنصاري، وأكل منه من دون إذن صاحب البستان، صاحب البستان عدّه سارقاً، فقيده، وساقه إلى النبي الكريم على أنه سارق، اسمع هذا التوجيه الذي يحتاجه العالم اليوم، تحتاجه الدول العظمى، قال له النبي الكريم: " هلا علمته إن كان جاهلاً، وهلا أطعمته إن كان جائعاً "، قبل أن تقول سارق بحثت عن السبب لعله جائع، لعله لا يعلم أن هذا حرام، هلا علمته إن كان جاهلاً ؟ وهلا أطعمته إن كان جائعاً ؟ كأن النبي الكريم علمنا كيف تعالج المشكلات من بداياتها، لا من نهاياتها.
الشيء الذي يقال ليلاً نهاراً مكافحة الإرهاب، هل عقد مؤتمر في العالم درسوا أسباب الإرهاب ؟.
مثلاً مواطن في فلسطين، قتلوا أباه، وقتلوا أمه، وقتلوا أخوته، وهدموا بيته، وجرفوا بستانه، وردموا بئره، ماذا يفعل ؟ لا يمكن إلا أن ينتقم، أنت جعلته إرهابياً بقسوتك، بظلمك، بجورك.
الظلم أساس الإرهاب في العالم اليوم:
أنا تمنيت أن يعقد في العالم مؤتمر يبحث فيه ما سبب الإرهاب ؟ الظلم، النبي الكريم يقول:
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً ))
طبق هذه القاعدة في حياتك اليومية، أعطِ الأولاد بالتساوي الكل يحبونك.
مرة كنت ببلد بإفريقيا جاءني اتصال من أخت كريمة، قالت: نحن تسع أخوات، ولنا أخ ذكر واحد، وأبونا يملك ملايين مملينة، كل ثروته أعطاها لابنه، وحرم التسع بنات.
بالمناسبة:
(( إن الرجل ليعبد الله ستين عاماً، ثم يضر في الوصية فتجب له النار ))
من يخطر في باله أن إنساناً أضر في الوصية، حرم البنات، فقد صلاته، وصومه، وحجه، وزكاته، وعبادته كلها واستحق النار ؟ هذا الدين، هناك جهل كبير جداً في الدين.
من الإحسان إلى الجار أن تبذل له ما يطلب:
قال العلماء: " من الإحسان إلى الجار أن تبذل له ما يطلب، من نحو النار، والماء، والملح، وأن تعيره بعض الأواني، وحاجات المنزل، كالقدر، والصفحة، والسكين، والقدوم، والغربال "، وحمل المفسرون قوله تعالى:
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
أن يمنعوا هذه الحاجات عن جيرانهم.
أخواننا الكرام، هذه البلدة طيبة إن شاء الله، فيها أعمال جليلة للسلف الصالح.
حدثني أخ عن بيت في أحد أحياء دمشق القديمة ـ بالعمارة ـ هناك شجرة ليمون حجمها غير طبيعي، تحمل خمسمئة ليمونة، أي إنسان طرق باب هذا البيت أعطونا ليمونة، صاحبة البيت إنسانة وقورة، صالحة، مؤمنة، تعطيه ليمونة، هذه الليمونة لكل أهل الحي خمسمئة ليمونة، بعد سنوات مديدة توفيت صاحبة البيت، عندها زوجة ابنها، دق الباب بالله عليكم أعطونا ليمونة، قالت له: لا يوجد عندنا، ثاني يوم، لا يوجد عندنا، خلال شهر الكل عرفوا أنه لا يوجد أي مجال لأخذ الليمون، فالليمونة يبست، وماتت.
والله حدثني أخ قال لي: بخان الشيح يوجد سبع عشرة مزرعة، هناك مزرعة واحدة تسمح للرعاة أن يدخلوا غنمهم ليشربوا، صاحب المزرعة ما اكتفى أنه سمح لهم، عمل ساقية وملأها ماء، يأتي الرعي ومعه الغنم، الساقية فيها ماء، هذا شيء مريح، أقسم بالله العظيم سبع عشرة مزرعة جفت مياهها، إلا هذه المزرعة مياهها لم تقل إطلاقاً.
اعمل مع الله وانظر ما يحصل معك، تحسن لجارك الله يحسن لك، تكرم من حولك الله يكرمك، تساعد الله يساعدك.
(( كن لي كما أريد أكن لك كما تريد، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ))
المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم:
قال: من أغلق بابه دون جاره مخافة على أهله وماله فليس ذلك بالجار المؤمن، فالمؤمن من أمنه الناس على أموالهم، وأعراضهم، أحياناً يكون هناك مودة بالغة، رقي إيماني عالي جداً، أخلاق عالية جداً، تشعر جارك كأنه أخوك، عندك طمأنينة له تفوق حدّ الخيال.
قال: كان لعبد الله بن المبارك، وهو من كبار العارفين جار يهودي، أراد هذا الجار أن يبيع بيته، فقيل له: بكم تبيع البيت ؟ قال: بألفين، قيل له: دارك لا تساوي إلا ألفاً واحداً، لِمَ طلبت الألفين ؟ قال: صدقتم، قال: ألفاً للدار، وألفاً لجوار عبد الله بن المبارك، عبد الله بن المبارك أعطاه الألف وأبقاه جاراً له.
هكذا كان الود، هذا اليهودي رأى إحسانه، أنا أقول لكم كلمة قال تعالى:
﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾
عندما المسلم يكذب، يحتال، يقصر بأداء، الطرف الآخر يكفر بهذا الدين أليس كذلك ؟ يقنع بكفره، عندما أنت تسيء للكافر تقنعه أنت أن كفره هو الصواب، شيء خطير إذا الإنسان أساء لغير المسلم غير المسلم لا يقول فلان أساء إلي، يقول: الإسلام سيء، لو لم يكن الدين سيئاً لما أساء إليّ هذا الإنسان، عد للمليار قبل أن تؤذي غير المسلم.
العدل و الإحسان:
أيها الأخوة، أول أبواب الإحسان إلى الجار أن تحتمل الأذى من جارك، أي إذا في إساءة، والجار سكت، أو حلم، كاد الحليم أن يكون نبياً، أو امتص هذا الخطأ، فالإنسان عندما يغلط يعلم أنه أخطأ، لكن عندما يجد الجار تحمل، وما تبرم يكبر عنده، من هنا يأتي الإحسان، الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
العدل قسري، أما الإحسان طوعي.
هناك نوع من أنواع الإحسان للجار أن تكف الآخرين عن جارك، أحياناً جار قوي له جار ضعيف، و هناك جار لئيم لهذا الجار الضعيف يعتدي عليه، هذا الجار القوي يستطيع أن يكف أذى الآخر عن الجار الضعيف، هذا من أرقى أنواع الإحسان للجار.
ثقافة العفو:
هناك ثقافة اسمها ثقافة العفو، الإنسان لا ينسى، أي الإنسان إذا أخطأ لا يُنسى خطأه، ما دامت أخطاء هذا الإنسان المذنب يُذكر بها دائماً ييأس من إصلاح نفسه، هناك مجتمعات إيمانية في أعلى مستوى، الإنسان يعطى فرصة أن يخطئ ويتوب، إذا إنسان تاب يجب أن تعامله كتائب، يجب أن تعامله على أنه لا ذنب له، لقول النبي الكريم:
(( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ))
ما لم نعتمد هذه الثقافة، أن تعطي إنساناً فرصة ليصحح فلن يتوب أبداً.
حدثني أخ كان بأمريكا قال: يوجد لكل مواطن صفيحة اجتماعية، كل أخطائه بدءاً من مخالفات السير في هذه الصحيفة، ما دفع ما عليه في هذه الصحيفة، الآن قبل أن يسافر يطالب بالصحيفة، قبل أن يعين يطالب بالصحيفة، أي حركة يتحركها يطالب بالصحيفة، يقول لي هذا الأخ الكريم: أي مخالفة بهذه الصحيفة إذا مضى عليها سنتان ولم يرتكب مثلها تمسح آلياً.
على الإنسان أن يعطي الآخرين فرصة إذا أخطؤوا ليتوبوا:
أعطِ للإنسان فرصة إذا أخطأ ليتوب، أنت مع أولادك أعطِه فرصة، إذا تاب يجب أن تنسى خطأه نهائياً، لا تذكره أبداً بأخطائه، هذه الثقافة عندنا غير موجودة، كلما لمحت فلاناً وتعرف أنه خطأ تتذكر خطأه، أو تذكره بخطئه، يكون قد تاب، وتغير، وارتقى، أنا أرى أن هذا خطأ فاحشاً في المجتمع، أنه لا نعفو، يجب أن تعفو عمن ظلمك، الحديث:
(( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع: خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري عبرة ))
تصور المسلمين على وشك أن يفتحوا مكة، و إذ بكتاب يذهب من أحد الصحابة، تحمله امرأة خبأته في شعرها، يخبر قريشاً أن محمداً سيغزوكم فخذوا حذركم، هذا اسمه في الحياة المدنية خيانة عظمى، بجميع الدول، بجميع الأنظمة، بجميع الثقافات، خيانة عظمى يستحق صاحبها الإعدام، رجل من أصحاب رسول الله، اسمه حاطب بن بلتعة أرسل هذا الكتاب، جاءه وحي النبي صلى الله عليه وسلم، القضية خطيرة جداً، سيدنا النبي أرسل سيدنا علي مع صحابي آخر يتعقبون هذه المرأة التي معها الكتاب، فلما أدركوها أنكرت، فلما هددوها أخرجته من عقاصة شعرها، فتحوا الكتاب من حاطب بن بلتعة إلى قريش: إن محمداً سيغزوكم خذوا حذركم.
جيء بالكتاب إلى رسول الله، استدعى النبي الكريم حاطب، أول ما دخل على النبي قال سيدنا عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، أنا سمعت جواب النبي فبكيت، قال له: لا يا عمر، إنه شهد بدراً، تعال يا حاطب، لَمَ فعلت هذا ؟ قال له: والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت، وأنا موقن أنك المنتصر، ولكن أنا لصيق في قريش، لي أهل ومال، أردت بهذا الكتاب أن أحمي أولادي ومالي، فاغفر لي ذلك يا رسول الله، القتل نصيبه، فقال عليه الصلاة والسلام: صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً، وكلفه بأعمال متعلقة بعلاقات مع البلاد الأخرى، أي كلفه بعمل ليلقي في روعه أنني واثق منك.
العفو ثقافة، عندك موظفون، عندك أولاد، أخطأ أقنعه أنك يمكن أن تتوب يا بني، وإذا تبت لا شيء عليك، تعامله كتائب، تعامله كمن لا ذنب له، فأحياناً الجار يخطئ، كلما صار مناسبة نذكره بخطئه، نحكي عليه، فانعدم أمل، عود نفسك كأب، كمعلم، كمدير مؤسسة، كصاحب متجر، كصاحب معمل، كموظف، عود نفسك إذا شخص حولك أخطأ القضية انطوت وانتهى الأمر.
فلذلك عندما يسيء الجار وأنت تعفو عنه، هذا شيء يؤكد أن الإنسان خطاء.
(( بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))
العفو شيء ثمين لا يقدر بثمن:
أخوانا الكرام، هناك إنسان عنده اختصاص عال جداً بتحويل الأصدقاء إلى أعداء بالحمق، وإنسان آخر عنده اختصاص عال جداً بتحويل الأعداء إلى أصدقاء.
إنسان تفنن بإيذاء الصحابة، وقتلهم، وقع أسيراً، جاؤوا به إلى النبي، وربطوه بسوار المسجد، مرّ به النبي الكريم و هو مقيد، فقال له هذا الرجل: يا محمد، إن شئت مالاً أعطيتك ما تريد، وإن شئت أن تعفو فجزاك الله خيراً، عرض عليه، فالنتيجة: النبي عفا عنه، وخرج، واغتسل، وعاد وأسلم.
أنت لا تنسى العفو شيء لا يقدر بثمن، النبي الكريم لأهل مكة كان بإمكانه أن يلغي وجودهم، حاربوه عشرين سنة، تفننوا بقتل أصحابه، فلما انتصر عليهم قال: " اذهبوا فأنتم الطلقاء ".
أنت لك جار أخطأ، رغم خطئه جاء العيد زره، عرفه من هو المؤمن، المؤمن إنسان كبير.
المؤمن كوكب دريّ يأخذ بيد كل من يحتاجه:
المخلص الآن: عندما يراك ابنك تحسن إلى الجار، يراك تتصل به، يراك تزوره، يراك تعطيه ما يحتاج، يراك تلبي حاجته، تكون قد علمته حق الجار.
مرة سمعت عن إنسان أدمن شرب الخمر، فافتقر، فطلب من جاره مساعدة، فقدم له ليرة ذهب، الحب تنامى عند هذا الجار شارب الخمر حتى حمله حبه لجاره المؤمن على أن يتوب، فمرة طرق باب الجار، فقالت له امرأته: إنه يصلي، ويقرأ القرآن بعد الصلاة، دُهش، فالمؤمن إذا أحسن لغير المؤمن فهذا شيء جيد، لأن المذنب يميل له، وإذا مال له صار هناك أمل كبير في أن يتوب، المؤمن كوكب دري.
ورد في بعض الآثار:
(( أولياء الله الذين إذا رؤوا ذُكر الله تعالى ))
أنت ببناية، جار مؤمن، أنت كوكب دري، كلك لطف، كلك إيناس، كلك أدب، كلك محبة، فيقلدك الجيران، صار لك مكانة كبيرة، صار لك هيبة، يمكن بعد حين أن تعمل سهرة مشتركة وتتحدث فيها عن الله عز وجل.
بطولتكم يا أخوان أن تأخذوا بيد جيرانك، والدرس اليوم عن الجار، الدرس الماضي عن الرحم، إن لم تأخذ بيد أرحامك، نحن نتوهم الدعاة خطباء فقط، هؤلاء دارسون أو متعلمون يلقون خطبة رائعة، أنت داعية، أنت من دون لسان بإحسانك داعية كبير، لك جار مسافر افتقر أهله بغيابه، أمنت لهم كل حاجاتهم، فعندما يرجع، يحكون له عما فعلت معهم، فيذوب محبة لك.
فكر بعمل صالح كل يوم، أقرب الناس لك جيرانك، و هناك جار فقير، و جار ضعيف، و جار عنده أولاد فأنت ممكن أنت تقدم له هدايا بمناسبة العيد مثلاً، تقدم شيئاً، استجلب قلب الناس بعملك الصالح، الجار أقرب الناس إليك.
أنا ذكرت في البداية أن الضمان الاجتماعي في الإسلام إما على أساس الجوار، أو على أساس القرابة، أكبر ضمانين اجتماعيين في حياة المسلمين جيرانه و أقرباؤه.
هل يوجد إنسان ليس له قريب ؟ هل يوجد إنسان ليس له جار ؟ طبعاً القوي للضعيف، الغني للفقير، المتمكن له مكانة بالبلد وآخر غير متمكن، وهكذا.