- أحاديث رمضان
- /
- ٠02رمضان 1416 هـ - نظرات في آيات الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من صحت عقيدته صحّ عمله :
أيها الأخوة الكرام، الآية التاسعة عشرة من سورة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
أيها الأخوة، عقيدة الإنسان لا تقبل تقليداً، إن صحت عقيدة الإنسان صحّ عمله، وإن صحّ عمله سلم وسعد في الدنيا والآخرة، وإن زاغت عقيدته أو فسدت فسد عمله، وإن فسد عمله شقي في الدنيا والآخرة، لذلك لا يقبل من العبد أن يعتقد تقليداً، قال تعالى:
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾
أي بالدليل، وبالتعليل:
﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾
علاقة الكلمة الأخيرة بمطلع الآية أن الذي يأمر وينهى من دون دليل أشرك نفسه في التشريع مع الله عز وجل:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾
لذلك لو أنه قبل أن يعتقد الإنسان تقليداً، لكان كل الضالين عند الله معذورين، ماذا فعلوا؟ قلدوا كبراءهم، وقلدوا أصحاب الدعوات فيهم، لذلك ربنا عز وجل قال:
﴿ فَاعْلَمْ ﴾
والعلم يقتضي الدليل، دليل إجمالي، أو تفصيلي، العلم يقتضي التعليل، العلم يقتضي أن ترد الشبهات.
العقيدة التقليدية لا تصلح عند الشدائد :
لذلك قالوا: العلم مقولةٌ مقطوعٌ بصحتها، لو أن صحتها ثلاثون بالمئة لكانت وهماً، لو أن صحتها خمسون بالمئة لكانت شكاً، لو أن صحتها سبعون بالمئة لكانت ظناً، لا يقبل إلا القطع في العقيدة، القطع يعني مئة بالمئة، مقطوعٌ بصحتها، تطابق الواقع، عليها دليل، فإن لم يكن مقطوعاً بصحتها، إن لم تكن هذه المقولة مقطوعاً بصحتها، كانت وهماً، أو شكاً، أو ظناً، إن لم تطابق الواقع كانت جهلاً، العلم هو الوصف المطابق للواقع، إن لم تكن مؤيدةً بالدليل كانت تقليداً، فلا التقليد عند الله مقبولٌ، ولا الجهل مقبولٌ، ولا الظن، والوهم، والشك مقبول، لذلك قال تعالى:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
الإنسان عندما يكتفي بالسماع من دون تحقق، من دون مدارسة، من دون أسئلة، من دون أجوبة، من دون البحث عن الدليل، تكون عقيدته هشة، لا تقوى، ولا تصمد أمام أدنى شيءٍ مغرٍ، أو أدنى شيءٍ ضاغط، العقيدة التقليدية الهشة التي تفتقر إلى الدليل والتعليل هذه العقيدة لا تصلح عند الشدائد، ولا عند الرغائب، عند الرغائب تنهار هذه العقيدة، ويتبع الإنسان شهوته، وعند الشدائد تنهار هذه العقيدة، ويخشى الإنسان من تسلط عليه، ومن تجبر عليه، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾
وقد ورد في الحديث الشريف:
(( أن ليس مني إلا عالمٌ أو متعلم ))
(( اغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك ))
من أطاع الله فالله معه :
ربنا سبحانه وتعالى في آياتٍ كثيرة يقول:
﴿ فَاعْلَمْ ﴾
﴿ فَاعْلَمْ ﴾
ماذا؟ يقول:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
أنت إذا اتقيت الله عز وجل اتقيت أن تعصيه، اتقيت أن تنحرف عن منهج الله، الله معك، وإذا كان معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ أي يجب أن توقن أنك حينما تطيع الله فالله معك، وإذا كان معك لو أن أهل الأرض ائتمروا عليك لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك.
المعية عامة و خاصة :
أيها الأخوة:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
المعية مشروطة.
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾
هو مع كل مخلوق معية علمٍ، مع كل مخلوق:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾
هذه معية عامة، معية العلم مع كل مخلوق، لكنه مع المؤمنين والمتقين معية نصرٍ، وتأييدٍ، وتوفيقٍ، وحفظ، ويقول الله عز وجل:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
(( قال: يا رب إنك تعلم أني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي ))
ذكرهم بآلائي كي يعظموني، وذكرهم بنعمائي كي يحبوني، وذكرهم ببلائي كي يخافوني.
المصائب ردع للإنسان :
هناك أمراضٌ عضالة تقصم الظهر، هناك فقرٌ مدقع يذل الإنسان، هناك قهرٌ مفظع يسحق الإنسان، هذه المصائب جعلها الله ردعاً لعباده، لذلك:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾
أيضاً:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾
المصير إليه، والمآل إليه، والمرجع إليه، سيحاسبنا، سيعطينا استحقاقنا، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾
من أيقن أن الله يعلم و سيحاسب يستقيم على أمره :
ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
أنت حينما تؤمن أن الله يعلم، وسيحاسب، لابد من أن تستقيم على أمره، إذا أيقنت أنك في كل حركاتك وسكناتك بعلم الله مكشوفٌ عند الله، و:
﴿ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾
﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾
إذا أيقنت أن الله يعلم، وأنه سيحاسب، عندئذٍ تستقيم على أمره قطعاً، والإنسان إذا زلت قدمه، وإذا انحرف، وندم، وأراد أن يتوب، قال تعالى:
﴿ واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
(( لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم، كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ))
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
غنيٌ عن طاعتكم، طاعتكم لكم، استقامتكم لكم، بذلكم لكم:
﴿ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾
من لم يستسلم لأمر الله فليستعد للبلاء :
الرسول تنتهي مهمته حين يبلغك، الآن إما أن تستجيب فيحفظك الله، وإما ألا تستجيب فانتظر التأديب من الله، ورد في السنة أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي يا رسول الله عظني ولا تطل؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
(( قل: آمَنْتُ بالله ، ثم استقم ))
قال هذا الأعرابي: أريد أخف من ذلك، هذه ثقيلة، فقال عليه الصلاة والسلام:
(( إذاً فاستعد للبلاء ))
والإنسان إذا لم يستقم، إذا لم يستسلم لأمر الله، فليستعد للبلاء.
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾
امتحان، الإنسان يمتحن بالمال، إما أن ينجح، وأما أن يسقط، إن أنفقه إسرافاً وتبذيراً، وأمسكه بخلاً وتقتيراً يرسب، أما إذا قال الله لعبده يوم القيامة:
((أن عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه؟ قال: يا رب أنفقته على كل محتاجٍ ومسكين، لثقتي بأنك خيرٌ حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، قال: يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك))
الإنسان في قبضة الله :
ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ﴾
أنت في قبضة الله، لن تتفلت من حساب الله، ولا من عقاب الله، ولن تستطيع أن تطير في الفضاء، أنت في قبضة الله، في أية لحظةٍ:
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
قال:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
هناك في الكون اثنينية، أي هناك خطان لا ثالث لهما، إن لم تكن على حق والحق لا يتعدد، فأنت على الباطل، إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل:
﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾
نعم الله لا تقدر بثمن :
شيء آخر: نعمة الله لا تقدر بثمن، أي في بعض بلاد شرقي آسيا البقر يعبد من دون الله، وفي بلادٍ أخرى أي في اليابان يعبد ذكر الرجل من دون الله، وفي بلاد أمريكا الشمالية يعبد الموج من دون الله، يجتمع الناس على شاطئ البحر، ويلقون في البحر أنفس الأطعمة والأشربة، والفواكه، ثم يسجدون، قال تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
نحن كرمنا الله بخاتم الأنبياء، عرفنا بذاته، عقيدتنا عقيدة التوحيد، فشعوبٌ ملايين مملينة، ألوف الملايين تعبد شجراً، أو حجراً، أو بقرةً، أو جبلاً، أو صنماً من دون الله.
﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾
فالله سبحانه وتعالى كرمنا بهذا النبي العظيم، وكرمنا بهذا القرآن الكريم، وكرمنا بسنته المطهرة، ماذا ننتظر؟ ماذا ننتظر؟ علينا أن نتفقه في الدين:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﴾
وهناك آية تقابلها:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أي:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾
وسنتك قائمةٌ فيهم، بعد موته، أي إذا بيتنا إسلامي، وعملنا إسلامي، ودخلنا إسلامي، وإنفاقنا إسلامي، وتربيتنا إسلامية، واحتفالاتنا إسلامية، حتى المواسم الحزينة إسلامية، كله منضبط:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
لأن الله عز وجل يقول:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
والإنسان أحياناً يدب إلى قلبه اليأس والخمول، يقول: لعل الله كتب عليّ الشقاء قبل أن آتي إلى هذه الدنيا، هكذا يأتيه الشيطان، الله سبحانه وتعالى يحب من العبد أن يرجو الخير منه، قال:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾
الأرض جافة، تأتي الأمطار، تنبت الزرع، الشجر حطب، تسقى بماء المطر، فإذا هذا الحطب يزهر، ثم يورق، ثم يثمر، والإنسان مهما كان بعيداً، مجافياً، يائساً، حينما يتجه إلى الله عز وجل يتألق، يتغذى عقله، تطمئن نفسه، يصلح عمله، يسدده الله عز وجل، يلقي في قلبه النور، يجعل عمله صالحاً، وسريرته مستقيمةً، لذلك:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾
الله لا يقبل في عقيدة الإنسان التقليد :
ثم إن هذه الدنيا تغر وتضر، وتمر، والله سبحانه وتعالى رحمةً بنا يحذرنا، قال:
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ﴾
﴿ لَعِبٌ ﴾
أي عمل لا طائل منه،
﴿ وَلَهْوٌ ﴾
تلهو بالخسيس عن النفيس، لو أن غواصاً غاص إلى أعماق البحر، وانشغل بالصدف عن جمع اللؤلؤ، لكان أحمقاً، أو كان خاسراً:
﴿ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ﴾
﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ﴾
فكل الآيات وقد تزيد عن ثلاثين آية ورد فيها كلمة:
﴿ اعْلَمُوا ﴾
ينبغي أن تعلم فإن لم تعلم فأنت مؤاخذ، والله سبحانه وتعالى لا يقبل في عقيدتك التقليد.
العقل لا يعطل أبداً :
النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية، وأمّر عليها أنصارياً- قال كتاب السيرة: هذا الأنصاري كان ذا دعابة أي عنده شيء من المرح- فأمر بإضرام نارٍ عظيمة، وقال: اقتحموها ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ وقف الصحابة مترددين، بعضهم قال: نقتحمها، لأن طاعة الأمير طاعة رسول الله، وبعضهم قال: إنما آمنا بالله فراراً منها فكيف نقتحمها؟ فلما جاؤوا النبي عليه الصلاة والسلام واستفتوه في هذا الموضوع، قال: والله لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف.
العقل لا يعطل أبداً، أنت عبدٌ لله، كن عبداً الله فإن عبد الله حر، أما أن تعطل عقلك وأن تقلد بلا دليل، وبلا تعليل، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
(( لا يكُنْ أحَدُكُمْ إِمّعَة، يقول: أنا مع الناس، إِن أحْسَنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ ))